د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3041
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تفاجأ ترامب بتصفيق القاعة أمامه (في كلمته بالجمعية العامة) عندما قال إنه حقق لبلده من المنافع في مدته القصيرة حتى الآن ما لم يحققه رؤساء أمريكا السابقون، وكالممازح قال إنه كان يعتقد أن الترجمة كانت ستقفز على عبارته هذه!
واسترسل في تعديد إنجازاته المذهلة على مسامعهم، فذكر بأنه حباً ببلده سد باب الهجرة اليها، وحباً ببلده ابْتنى جداراً بآلاف الأميال على حدودها لمنع التسلل اليها، وحباً ببلده واقتصادها فرَض الضرائب العالية على البضائع الأجنبية والأسواق الطفيلية، وحباً ببلده ألغى الاتفاقات والعقود المخلة بتفوّق بلاده وسيادتها في العالم، وحباً ببلده أطرد منها كل منافسة غير شريفة وكل بضاعة تافهة رخيصة مزاحمة لأسواقها. بل ذهب أبعد، حين وصف كثيراً من مؤسسات الأمم المتحدة بغير الشرعية وغير المنتخبة وغير الجديرة بثقة أمريكا، ومنها المحكمة الدولية وهيئة حقوق الإنسان، مستنكفاً الوقوع تحت طائلة قراراتها وأحكامها.
ولم ينس أن يردد على مسامع الجميع تفوق بلاده على الجميع وغناها على الجميع وقوتها العسكرية على الجميع، ليقول بالأخير إنه وفّر لبلده أكثر من عشرة تريليون دولار لخزينتها للصناعة المجددة والعمالة والدفاع والبحث والاستكشاف.
وأنه سيمضي لذلك الى الأكثر لتصبح أمريكا الأكبر والأعظم في العالم، لتحمي نفسها واسرائيل ودول العالم من خطر الارهاب الإسلامي. وهو خطر الإرهاب الوحيد الذي يتمثّله أمامه بتمثّل دوله الراعية له، بتقديره. وكلها إن لم تكن كلها حقاً الوحيدة الممتلكة للثروات الطائلة وللإيديولوجيات التي تغذّيه وتنمّيه وتقوده وتحميه.
هكذا أمريكا ترامب، تختصر دورها ودور العالم في الانقياد لها باعتبارها الأقوى والأخشى والأمكن على تحدي كل من سواها. ولكنه لا ينسى أن يوصي رؤساء العالم أن يفعلوا مثله لدولهم. وكأنه يعلم أنه يضعهم أمام تحدّ مخسور. فهو مطمئن الى أنهم أقل من جسارته في أوطانهم.
ولكن جسارة ترامب الى أين ستأخذه؟ فما هكذا تريد الطبيعة، إن لم يكن اللهُ في اعتقاد المؤمنين، الى نهاية نابليون في هيلانة، أو هتلر بالانتحار أو قبلهما نيرون بالحرق؟!
سيعجز المؤرخون على تصور نهايات محتملة لترامب في حمّى عُلوّه واستكباره على البشر ما عدا المطيعين له في بلده أو في الخارج لاجتناب عنفه واستعلائه. المؤرخون أقول أو من يطلَق عليهم أهلُ النظر قديماً، أو الإستشرافيون كما نقول اليوم.
فمن منا لا يحب وطنه أو يُعزّه بإعزاز دينه، أو من منا لا يسابق غيره في الخيرات أو في العلم والتقدم كما نقول اليوم، ولا أحد في ظل العقيدة السمحة التي يعتنقها يريد إفلاس الآخر ليغتني هو، وتفقير الآخر لإحْواذ ثرواته، أو تجريده من سلاحه ليُشهِره هو عليه، أو منع العلم والتقدم والصحة والسعادة في الحياة على من دونه.
سياسة أمريكا، المعروفة بالغاية تبرّر الوسيلة، المنسوبة لبعض مفكريها، والتي اتّخذتْها إنجيلاً بعض نخبُها السياسية في وقت من الأوقات، لتبرير أعمالها العدائية في بعض حروبها في آسيا والشرق الأوسط قد تكون سياسة ترامب، المُتاجر الرهيب، أسوأ منها وأبعد أثراً لأنها تقوم على إرغام ذوات الناس للانصياع الى الأقوى مهما تكن حجته رهبةً منه واتقاء لشره.
وهذا سلوك تأباه القيم، التي في تقديرنا قامت عليها الديمقراطيات في العالم الحديث، ومن أشهرها في الولايات المتحدة الأمريكية. فالمثل العربي "إن بني عمك فيهم رماح"، يقول الشاعر. قانون طبيعي، جعل ابن خلدون يقرر أن الدول الواسعة الملك والتي تتطاول أعمارها لا تتجدّد من نفسها، كما يريد ترامب لأمريكا، إلا اذا كانت تقوم على دين أو دعوة حق. وفي علْمنا أنه لا دين يوصي باتباع سيرة مثل سيرة ترامب أو قارون، لأن الله يعاقب الأقوام بسفهائها وينال عقابُه عقلاءها بما فرّطوا من قهر سفهائهم على جهلهم وطغيانهم.
ولم تظهر دعوة حق لنا فيما يبشّر به ترامب العالم من تفوّق أمريكا غصباً عن الجميع وباستغلال الجميع، أي كل من هو ليس بأمريكي عن جَدّ مجدود أو عِرْق متأصّل. فمشكلته الأولى ستظهر داخل بلده الذي لم يتعاف من تمييز السود إلا من سنين قليلة ولم تزل آثاره ظاهرة أو عادت للظهور بعد أوباما وإصلاحاته الاجتماعية.
ودعوة الحق شرطُها أن تكون للبشرية جمعاء دعوةُ عدل وسلام، لا دعوة سلام على أمريكا وبغي وحرب على الإسلام ومقدساته باسم الإرهاب الإسلامي أو الإسلام الارهابي.
فلينظر الرؤساء الى أنفسهم إن كانوا سيغترون بدعوتنا إياهم لينسجوا على ترامب ليصحوا ويسلموا. فالهلَكة فيما يقود هذا الرئيس - المغرور بنفسه - العالم اليه، فما بالك بمن انجرّ الى الاتكال عليه لنجاته من عاقبة الأمور.
------------------
تونس في ٢ أكتوبر ٢٠١٨
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: