إصلاح الفكر الإسلامي وحالة العلوم العقلية والاجتماعية
هاشم الرفاعي المشاهدات: 3631
يشير المرحوم الدكتور حسن الترابي في كتابه تجديد الفكر الإسلامي، أن هناك ثلاث علل يعاني منها الفكر الإسلامي: "الأولى أن الفكر الإسلامي يتقادم بالعهد، ثانياً هو فكر يتأثر بالعلوم والمعارف العقلية، ثالثاً: هو فكر ينبغي أن يتكيف بالواقع ويتأثر به"، والواقع يؤكد أن الفكر الإسلامي المنشود قد انقطع عن حياة الناس وأصبح فكرا مثالياً مجردا. وللأسف أن حالة الفكر الإسلامي الحالية واضحة للعيان في حالة يؤسف لها، رغم وجود محاولات نخبوية وفكرية لمعالجة الأزمة من عقود طويلة. فنحن الآن نتيجة لكل هذا التراكم التاريخي ومحصلة طبيعية إذا قُرأت في سياقها التاريخي. فصعود وحضور الحضارات مرتهن بنوع الاستجابة للتحديات التي تعاني منها، فالعالم العربي والإسلامي كما يشير الدكتور جاسم السلطان في أطروحته مشروع النهضة، أن العلل التي يعاني منها العالم الإسلامي هي التخلف، التبعية، والتفتيت. وهذه الثلاثة يقابلها النهضة، التحرر وأخيراً والوحدة.
عند طرح هذه التحديات وربطها بالفكر الإسلامي كجزء من الأزمة، نجد أن الترابي يشير صراحة إلى "إذا انحط الفكر انحط الواقع" وهذا نتيجة طبيعية كما أشرنا. من المراجعات والإضافات التي قدمت خلال العقود الماضية هي أطروحة ثلاث من العلماء من المهتمين بإصلاح الفكر الإسلامي يشيرون في كتب مختلفة عن العلاقة الطردية بين مستوى العلوم المعرفية الموجودة وحالة الفكر الإسلامي، فعلى سبيل المثال يشير الترابي "الفكر الإسلامي هو تفاعل بين عقلنا بما عنده من المعارف العقلية وبين القيم الأزلية، فإذا ضاقت معارفنا العقلية ضعف هذا التفاعل وضعف الفقه الإسلامي"، وأيضا يعلق عالم الاجتماع الدكتور علي شريعتي في كتابه معرفة الإسلام، أن فهم الإسلام يرتقي على قدر العلوم العقلية والاجتماعية التي بين أيدي المسلمين. في ذات القضية يطرح المفكر عبدالكريم سروش، "أن المعرفية الدينية معرفية بشرية، أي هي كغيرها من المعارف الأخرى كعلم الإنسان وعلم المجتمع يقول "علم التاريخ يتطور وتعاد صياغته دائماً، ليس لأن الاكتشافات العلمية الجديدة تزيد كمياً، ولكن لأن فهم المؤرخ للحوادث يتطور كيفياً لأن الاكتشافات العلمية الجديدة تفتح منافذ جديدة لتحقيقات والأبحاث التاريخية، والمؤرخ المجهز بالوسائل العينية والنظريات الجديدة يتوصل إلى الفتوحات التاريخية الجديدة" ( قراءة في القبض والبسط في الشريعة لعبدالكريم سروش، مراجعة وجية كوثراني)
العلوم الاجتماعية والعقلية هي إنارة لبقية العلوم والحياة، والفكر الإسلامي أولى بالعودة لها والاستزادة من تطور العلوم المذهل في الفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد وغيرها، ليس دعوة لأسلمة العلوم بل دعوة تعلمها وفهمها، وهي بدورها سوف تنتج لنا فهم آخر أكثر نضوجاً للفهم الديني وحالة و واقع المسلمين، و لأن الإسلام يدعو إلى إعمال العقل المكلف بإعمار الأرض وإصلاحها، ولن يكون هذا بالدعة والراحة والإطمئنان إلى النصوص المقدسة دون تمكين العقل و التفكير الذي كما يشير عباس العقاد فريضة إسلامية.
نجد في الجامعات وكليات الشريعة، أن العلوم الاجتماعية والعقلية تكاد تكون مقصورة على مادة أو مادتين، وبقية المواد الدراسية هي مواد التقليدية التي تعتمد على الحفظ لا الفهم. وأذكر هنا أن أغلب الجامعات السعودية لديها أقسام خاصة بالدراسات الإسلامية، لكن هذه الأقسام يغلب عليها الرتابة والجمود، والتقليد البالي فلا توجد هناك دراسات تبحث عن علل الأشياء، بل هي دراسات تبشيرية أو دعوية. أستحضر دور الجامعات هنا لأهميتها في التأثير على الفكر العام، فالأزهر والزيتونة وغيرها جامعات تاريخية اكتسبت سمعتها بسبب تاريخها وإنجازاتها في القرون الماضية. للأسف أن دور الجامعات بشكل عام لا يسر لكن نحن هنا نشير أن جزء من الحل هي أن تقوم هذه الجامعات بحركة إحياء معرفي للعلوم الإنسانية والدينية، ولن يكون التطور والنتيجة في عقد أو عقدين، بل هو تراكم يحدث مع الزمن. قديما كانت جامعة السوربون واحدة من مؤسسات الكهنوت المسيحي في فرنسا، لكن بعد عصر التنوير الأوربي أصبحت هذه المؤسسة الأكاديمية واحدة من أعرق الجامعات في العالم، ومنها خرجت العديد من الدراسات والأفكار التاريخية المؤثرة في السياق الإنساني الحديث.
أخيراً، إتاحة مساحة لتعلم العلوم العقلية والاجتماعية في محيطنا العربي هو جزء من إصلاح منظومة كبيرة، ومن أهمها مساهمتها في إصلاح الفكر الإسلامي.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: