منجي باكير - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6676
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لاشكّ أنّ سُنن الله في هذا الكون ماضية وفق مُراد الله منذ بدء الخليقة إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، و ما البشر في هذا المضيّ إلاّ أدوات من جملة بقيّة الأدوات التي تتفاعل و تساهم في جدليّة حراك الحياة الدّنيا بإذن الله خالقها لتنفيذ مُراده و تقديره بتجسيد مسار هذه الحياة و جميع العناصر المرتبطة بها .
و كلّ بصيرة واعية تدرك تمام الإدراك أنّ كلّ حادثة أو مستجدّ أو تحوّل أو تدافع أو تغيير حتما وراءه قوّة الله سبحانه ، و ما الصّور التي تطفح على مسرح هذه الأحداث إلاّ ترجمة واقعيّة ، محكمة البناء ، منظّمة التسلسل و مضبوطة الغائيّة ...
و في هذا الإطار يتنزّل ما استجدّ مع ثورات الربيع العربي عموما و الثورة التونسيّة خصوصا – إذ جاءت الثورة التونسيّة انتفاضا على الظلم و الجوْر و الطغيان ، طلبا للحقوق المغتصبة و رفضا للقهر و الإستعباد و التسخير ، ثورة أشعلت فتيلها الطبقات المحرومة و المستضعفة في الأرض ، ثورة اندلعت شرارتها بلا تنظيم مسبق و لا تأطير و بلا توقيت مسبّق ، و لا تستند كذلك إلى ( قوّة ضاربة ) و لا تمتلك من الدّفع المادّي ما يكافؤها مقابل آلة البطش و نظام الجنرال البوليسي .
لكن مع كلّ ضعف هذه المعطيات – المطلوبة عقلا و منطقا – انتصرت الثورة التونسيّة و حقّقت أكثر من مرادها و فرّ المخلوع مذموما مدحورا ..
برغم القبضة الحديديّة التي كانت تمسك هذا الشّعب ، و برغم جبروت الجنرال – العسكري –و برغم الحصار المفروض و برغم القوّة الجارفة التي واجهت أولى خطوات الثورة فإنّ النّصر كان حليفها في أيّام معدودات و بنحوِ أذهل جميع المتابعين و باغت أعتى و أذكى المخابرات العالميّة ،،،
طبعا – و بكلّ المعايير و التفاسير – لم يكن ليحدث هذا لو لم تكن تساهيل الأسباب من الله بأن ألقى الرّعب في قلب الدكتاتور و أحاطه بالخوف و الهلع ، و أربك كيد زبانيّته و فكّ خيوط تواصل المنظومة الأمنيّة لتسقط سقطة واحدة ... لتنتهي في بعض السّويعات أسطورة -عقود -بن علي المريرة و يخرّ بناء الفرعنة و الطّغيان
و تتشتّت عصابات السوء خوفا و هربا ،،،،
و لولا هذا الرّعب الذي زلزل ساكني قرطاج و الخوف الذي أنزله الله على قلب الدكتاتور فأعمى بصيرته و شتّت ذهنه و أعدم تفكيره ، لولا هذا لاستجمع بن علي قواه و ركّز عقله ،،، لشنّ حملة بوليسيّة مضادّة و لجعلها مجزرة تجري الدّماء فيها سواقي ، فله من البوليس الموالي ما يكفي لاحتلال أكثر الولايات تمرّدا و لدجّجهم بالسلاح و أغدق عليهم الأموال التي - لا تعوزه – و تسيل لعاب كثير من الفاسدين و المنافقين و ممّن باعوا ضمائرهم ....و بذلك يسهل عليه إخماد الثورة و وأد مسارها تمهيدا لموجة من الإعتقالات و المحاكمات العسكريّة .
لكـن ،،، تمّ مراد الله و نفذ وعده بانتصارالحق وسقوط الباطل – إنّ الباطل كان زهوقا - سقطت أعتى دكتاتوريات العصر الحديث بسلاح دموع الغلابى و دعاء المظلومين و المعذّبين و المشرّدين و الميتّمين ، بدعاء الماسكين بدينهم وسط جمر قوّادة و زبانيّة ذاك النّظام ، سقط نتيجة لتفشّي الظلم و الفساد و الرّبا و الزنا و استحلال المحرّمات و استفحال المعاصي سرّا و جهرا ،،، سقط النظام البنفسجي بتوفيق من عندالله - و ما النّصر إلا من عند الله –
لكــــن بعد هذا النّصر المبين و بعد أن منّ الله على الذين كانوا مستضعفين فمكّنهم قيادة هذا الشّعب و جعلهم الوارثين ، و فكّ الأغلال التي كانت تكبّل نفس هذا الشعب و تحسب عليه أنفاسه ، بعد هذا تجرّدت كل النّصال لتحارب دين الله و انفتحت كل الأفواه المغلقة –الصّدئة - و الأيادي العابثة لزرع الفتن و ترويج الفساد الفكري و المادّي ، بل استعانوا بأعداء الشعب و الأمّة لإقصاء حكم الله و رفض شرعه و ألّبوا البعيد و القريب للتنصّل من مواثيق الله و مواريث الأعراف و إعمال الفتن و الجهر بالمعاصي و التباري في نشر الرّذائل و معاندة الحقّ ،،،
فصار الحال إلى ما أتعس و الوضع إلى ما أنكد و أفسد .
كما انخرط من طوّع الله لهم الأسباب في مسلسلات التنازلات و أدمنوا المقايضات و خانوا العهود حتّى انحسر تواجدهم و فرّطوا في المكاسب ، بل ساهموا بإرادة و بلا إرادة في استقواء قوى الردّة و الشّذوذ الفكري . و تألّبت على البلاد الأمم و تكالبت عليها شركات رأس المال ...
فهل ننتظر مدّا من اللّه و هل ستقوم لنا قائمة ما دمنا على ما نحن عليه ؟ أم أنّ معوّلنا على القوى الخارجيّة و تمويلات البنك الدّولي و صدقات الدول الشّقيقة ستعيضنا عن عون الله و ستجعل من تونس جنّة الأرض ؟؟؟
طبعا لن يكون هذا ما دام الفعل و التحرّك في اتّجاه ما لا يرضي الله ، طبعا : ثورة لا تنصر الله ، فالله لن ينصرها ..!
------------
منجي باكير / كاتب صحفي - تونس
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: