المنصف المرزوقي : الرئيس المثقّف الذي عجز عن تثقيف السّياسة
منجي باكير - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5786
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الدكتور المنصف المرزوقي كان طيلة ما يناهز الثلاثة عقود من الزّمن رجلا أكاديميّا ، حقوقيّا و ناشطا سياسيّا عنيدا في سبيل ما آمن به من فكر حاول جاهدا بلورته من فسيفساء جبلّته الفطريّة و تكوينه الأكاديمي و انفتاحه مطالعة و معاينة لبعض الثقافات الأخرى ،، هذه حقيقة لا يماري فيها إلاّ جاهل أو منكر ،،،
ربّما الحظّ كما سار مع نخب و شخصيّات سياسيّة أخرى سار معه و بلا حسابات و لا آمال معلّقة مسبقا سكن الرّجل قصر قرطاج و اعتلى سدّة الحكم ليكون أوّل رئيس منتخب للشعب التونسي ، و لكنّ ما حاز عليه الرئيس من صلاحيّات ضعيفة و مقنّننة جعلته مكتفيا بالتغريد بما حمل من مباديء و فكر إصلاحي داخل أروقة قصر قرطاج دون القدرة على إسقاط ذلك على الواقع الفعلي ، برغم أنّ الرّجل لم يفلت فرصة إلاّ و عاود مخاطبة العقول و عمِل على استقطاب أهل الرأي و المشورة إلى جوهر ما يعتقد و ليبيّنّ أنّ بعضا من الخلاص يكمن في ما أفنى كثيرا من العمر في جمعه ،،
غير أنّ رئيسنا ربّما أغفل أو أسقط من حساباته أنّ هناك فرق واضح بين التنظير و محكّ الواقع السّياسي خصوصا في عصرنا الحاضر ، سياسة اتّسمت بكل أنواع الخداع و المزايدات و خلق مراكز القوى و التحالفات مهما كانت اتّجاهاتها و نواياها و اعتماد ثنائيّة نصْرة المال و لو كان فاسدا و بروباجندا الإعلام و لو كان جاهلا ، تدير هذا كلّه عصابات و منظّمات و دول و أشخاص تجرّدوا من كثير من القيم التي ركّز عليها الرّئيس و أعطاها الإهتمام الكبير ، سياسة لا تعترف بالمعقول و لا بالأخلاق و لا بالمباديء و لا بالدّين ولا بالوطنيّة و لا بخدمة عموم الشّعب مجانا ...!
إذا الدكتور المنصف المرزوقي خاب حظّه في انعدام الصلاحيّات لديه حتّى يبدأ معمعة التحرير و التنوير و تقديم البديل الذي آمن به في مجال الإصلاح و البناء و لم يكن له نصيب كذلك في آليّات التنفيذ التي تحتكرها سواء السياسة الدّاخليّة أو السياسة الإقليميّة أو السياسة العالميّة باعتبار أنّ الدّول أصبحت صفحات مفتوحة لكلّ التداخلات و التدخّلات بلا أذونات ..
كما أنّ ما يُعاب على فكر الرّجل أنّه ظلّ فكرا نُخبويّا لم يبادر صاحبه إلى ترجمته بلغة الشّعب حتّى يطرق باب العمق الشّعبي و يحوز على قاعدة شعبيّة تفهمه لتؤمن به تؤازره ...
هكذا هو المنصف المرزوقي يبقى الطّلسم المغمور و الذي قد يحمل في طيّاته كثيرا ممّا تستحقّه تونس و شعب تونس من أسباب النّهضة في هذه المرحلة بالذّات لكن أحكام السّياسة و ضرورة الأمر الواقع و أشياء أخرى تبقى حائلا لفهم فكر الرّئيس و سبر تجربته واقعا في بلد ليس أقلّ من أندونيسيا أو من ماثلها ...و يبقى هو الرّئيس المثقّف الذي يعجز عن تثقيف السّياسة .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: