إذاعة القرآن بتونس: من أجل إنجاح التجربة
فوزي مسعود
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 16192
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
وقع إطلاق إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم بتونس بداية شهر رمضان, وهي تعمل على موجة "أف ام", وقد تلقى الكل تقريبا في تونس الخبر بارتياح, ماعدا بعض الشخصيات العلمانية التي رأت في هذا الإنجاز ما يصب في غير مصالحها, وهؤلاء أناس ارتضوا لأنفسهم الإنبتات عن بلادهم وأهلها, نرجو لهم الهداية.
ولا يسع المرء إلا أن يشد على أيدي أصحاب هذه الإذاعة, ويعمل على إنجاحها وتواصلها, ولذلك فإننا من منطلق النصح نتناول ما أظهرته خلال بثها في المدة القصيرة الفارطة ببعض النقاط النقدية الهادفة لجعلها أكثر حرفية مقارنة مع مثيلاتها العربية.
منافسة شديدة:
يجب بداية الأخذ بعين الاعتبار أن الإذاعة الوليدة تدخل ميدانا يتواجد فيه لاعبون كبار, حيث يلتقط التونسي إرسال العديد من إذاعات القرآن التابع للدول العربية, و ربما يحسن التذكير هنا أن إطلاق إذاعة للقرآن الكريم بتونس جاء متاخرا, إذ يتواجد بأغلب الدول العربية إذاعات للقرآن ذات إرسال ليس محلي على "أف ام" كالزيتونة ولكنه على الموجة القصيرة أي إرسال دولي يمكن التقاطه في تونس.
فحسب علمي, فإن للمغرب والجزائر إذاعات للقرآن يلتقط إرسالها بتونس, كما لمصر والأردن والإمارات و السودان والكويت وفلسطين إذاعات للقرآن كذلك, وتبقى السعودية المرجعية في هذا الباب فهي تملك إذاعتين للقرآن الكريم, إحداها تعتبر الأكثر تميزا على مستوى العالم وهي إذاعة القرآن الكريم من مكة المكرمة.
أما ليبيا وموريتانيا وباقي بلدان الخليج فلم ألتقط إرسال إذاعات لهم ولعلهم يملكون إذاعات قرآن ذات إرسال ضعيف. إذن فإن الإذاعة التونسية الجديدة تقدم خدمة تشترك فيها معها إذاعات اخرى بعضها ذو شأن كبير, ومن هذا المنطلق فالمنافسة شديدة, وكما هو معروف فحينما تنزل البرامج المقدمة تحت مستوى معين من الجودة, فإن المستمع سيتحول لإحدى الإذاعات الأخرى, وهو ما لا يرضاه تونسي لهذه الإذاعة الوليدة.
لنعتبر من الغير:
سأحاول أن أقدم خلاصة ملاحظات حول إذاعات القرآن الكريم المعروفة, لنستخلص منها العبر في شكل نقاط:
1- من أكثر الأشياء نزعا للمصداقية لإذاعة للقرآن وبالتالي مدعاة لهروب المستمعين هو جعلها أداة دعاية مباشرة. والحقيقة فلقد نجت إذاعة الزيتونة لحد الآن في أن تتفادى النزول لهذا الدرك, ولكن سنعطي تجارب إذاعات فاشلة وأخرى ناجحة في هذا الباب, فمن أفشل إذاعات القرآن الكريم, إذاعة القرآن بالمغرب, إذ أن اسمها الرسمي هو "إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم", كما أن بثها عادة ما يتخلله برامج تثني على الملك المغربي ورعايته بالدين الإسلامي كما يزعمون, وهو ما صورها على أنها وسيلة دعاية بدائية فاشلة, لأن القائمين على هذه الإذاعة لم يعرفوا أن أحسن وسيلة دعاية للإذاعة هو كسب ثقة المستمعين, يكفي البلد المطلق لتلك الإذاعة أن يقال أن له إذاعة يستمع لها الناس, وهو ما تفطنت له إذاعات قرآن ببلدان أخرى, فإذاعة القرآن بالجزائر مثلا لا تدري من أي بلد تبث لولا النشيد الرسمي الجزائري الذي تفتح به البث, كما أن إذاعة القرآن من مكة المكرمة لا تحمل برامجها أي إشارة للسعودية ولا لآي ملك أو أمير, وهو ما أعطاها مصداقية كبيرة إضافة لمحتواها الدسم. كما أن إذاعتي الجزائر والسعودية لم أسمع يوما أنهما تناولا أي حدث من أحداث الساعة بشجب أو إدانة رغم أن البلدين يشهدان صراعات مع مجموعات مسلحة. أما إذاعة القرآن بمصر فهي في هذا الباب أقل من مستوى إذاعتي الجزائر والسعودية وإن كانت تبقى أفضل من مثيلتها المغربية.
2- فهمت من متابعة بث إذاعة الزيتونة, أنها تريد أن تنقل رسالة فحواها أن لتونس أيضا مقرؤون للقرآن الكريم وكأنها وجدت لتدفع تهمة بنفي ذلك لصقت بتونس, ولست ادري إن كانت ملاحظتي صحيحة أم لا لكن هذا هو الانطباع الذي استخلصه, (وأنا انصح القائمين على هذه الإذاعة أن يترفقوا في سعيهم فقد يجلب الارتباك لصاحبه ما يعجز عنه الشامت بك), ثم كان أن جعل هذا السعي المشرفين على الإذاعة يقومون بتغطية كامل الحيز الزمني بمقرئين تونسيين لوحدهم, وهو إسراف في غير محله فضلا على انه يورط الإذاعة في مشاكل هي في غنى عنها. فمن المشاكل انه ظهر أن المقرئين التونسيين فيهم من يجيد التلاوة وفيهم من هو دون ذلك, بل إن أحدهم ارتكب خمسة أخطاء لغوية في تلاوته لسورة الكهف مساء اليوم الاول لانطلاق الإذاعة (لعله حوالي الخامسة أو السادسة مساء), وكان أن تفطن المقرئ نفسه لإحدى هذه الأخطاء فأصلحها, وأنا لا أتحدث عن أخطاء تلاوة من مد وإدغام, بل عن أخطاء نحوية كنصب المرفوع, وهو ما لا يجوز في حق القرآن بأية حال.
ويستطيع الواحد منا أن يستنتج بسهولة أن بعض مقرئي إذاعة الزيتونة أناس مبتدؤون و لا عيب في ذلك, وهم سيتحسنون و لا ريب بمرور الوقت ولكن العيب أن نحملهم ما لا طاقة لهم به. والسؤال هو لماذا لا يقع تطعيم قائمة المقرئين بآخرين من دول إسلامية, وهو ما تفعله كل إذاعات القرآن الكريم, كما إذاعة القرآن بالجزائر مثلا رغم أنها تصر على التلاوة على رواية ورش فقط, حيث تبث لمقرئين جزائريين وكذلك لعبد الباسط عبد الصمد (إذ يقرأ عادة على رواية حفص ولكن له قراءة على رواية ورش), كما إن إذاعة القرآن بمكة ورغم كثرة المقرئين السعوديين, تبث للطبلاوي وعبد الباسط و الحصري وغيرهم من المقرئين المتميزين, ولم ينقص تنويع القراء من قدر هذه الإذاعات وذياع صيتها.
3- تتخلل إذاعة الزيتونة أحيانا تدخلات لأحد المذيعين في ما يشبه الوعظ, يرتكز على أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم, ولكنها أحيانا عديدة أخرى تنبني على قصة يرويها المتحدث تكون عادة متعلقة بإحدى الصالحين كما يقول ويقوم باستخلاص العبر منها, وهنا لي ملاحظتين:
3.1- التخريج العلمي للقصص: يطرح المتحدث قصصه هكذا بدون عناء التذكير بالسند, فيقول مثلا "ذكر في الخبر" أو روي عن فلان هكذا مطلقا, مثل هذا التناول لا يجوز في إذاعة قرآن, انظر للإذاعات الأخرى, لا يتناول أي حديث إلا تلك التي وقع إخراجها العلمي حتى يقع ضمان مصداقية ما يقال, لأن الموضوع لا يتعلق بحصة في إذاعة عادية, وإلا فإن الإذاعة ستتحول لرواية أشياء مشكوك في صحتها, وكما قلنا بداية انه يجب أن نقيس أنفسنا نسبة للمنافسين, فهؤلاء يقدمون برامجهم بمستوى علمي رفيع. أنا لا أطلب أن يروي السند كاملا على المستمعين, ولكن يجب تناول المواضيع المخرجة, لتجنب القصص الموضوعة و الضعيفة.
3.2- محتوى هذه القصص: فلا أدري لماذا يصر الراوي على تناول قصص الصالحين لتدعيم مواضيعه, هل انتهت قصص النبي مع صحابته, لأن الإسراف في تناول قصص تسند لما يقال أنهم صالحون سيحول مثل ذلك البرنامج إلى ما يشبه برنامج للطرائف والنوادر. والجانب الآخر أن المسلمين متفقين على أن مصادر تشريعهم وأمثلتهم هي النبي وصحابته في ما ثبت عنهم, أما الصالحون فهم عبرة فيما وافقوا به النبي وصحابته, ومادون ذلك فلا نأخذ منهم ولا يجوز أخذه على انه مثل. أقول هذا لأن مقدم البرنامج يطرح أحيانا اشياء لا علاقة لها بالإسلام الصحيح, حيث يسرف في إحدى الحلقات في الحديث عن رؤيا أحد الصالحين في منامه ويستنتج منها العبر, ولا أدري على أي أساس يجوز استخلاص العبر من منامات وأحلام الناس حتى ولو كانوا صالحين, ثم أوليس الإذاعة الجديدة جاءت لتعليم الناس الإسلام الصحيح, فكيف إذن تعمد لتكريس الخرافات.
4- الأناشيد والابتهالات: تعمد الإذاعات عادة إلى ملئ الفراغات ما بين فترة وأخرى بابتهالات أو أناشيد, وتشذ عن هذه القاعدة إذاعة القرآن بمكة حيث لا تقدم أبدا أي ابتهالات أو أناشيد, كل برامجها قرآن ودروس ذات مستوى عال يقدمه نخبة من الدكاترة تتناول شروحات لكتب علمية وغيرها.
إذاعة الزيتونة كغيرها من الإذاعات تقدم ابتهالات, ولكنها كحال المقرئين لدينا تصطدم بواقع اننا في تونس ليس لدينا ما يكفي من الابتهالات لنملئ به الفراغ الطويل, فتلجأ إلى تكرار بعضها, وهنا لي الملاحظات التالية:
4.1 - لماذا لا تفعل إذاعة الزيتونة كباقي الإذاعات القرآن, فتقوم ببث الأناشيد الإسلامية, والأناشيد هي ضرب مستحدث من الفن الإسلامي تتناول مواضيعه كل مجالات الحياة, وأنا لا اقصد هنا ما يسمى" الأناشيد الصوفية" التي هي شطحات و انحرافات لا علاقة للإسلام بها. والأناشيد الإسلامية فن انطلق منذ ربع قرن تقريبا وتطور حتى أصبح له مهرجانات دولية ورموزه المبدعون على مستوى العالم الإسلامي, منهم قديما: أبو دجانة وأبو الجود, وأبو مازن, وأبو راتب, وحاليا أبو خاطر (من أسرة أبو خاطر الذي له مشروع عملاق في تونس) وأبو علي وأبو عمار. ولكلهم أناشيد غاية في الروعة, فما على مشرفي الإذاعة إلا إدخال أي من هذه الأسماء في محرك البحث" قوقل" وسيجد مات المواقع المتعلقة.
4.2- الابتهالات التونسية بإذاعة الزيتونة تتمحور جلها حول "الصلاة عن النبي" وكأن ليس للمسلم من مواضيع تهمه في هذه الدنيا المليئة بالفتن والابتلاءات غير موضوع " الصلاة على النبي", وأنا افهم هذا التقصير, حيث أن هذه الابتهالات هي لفرق تونسية تمثل امتدادا لتراث صوفي, الذي هو إحدى مظاهر الانحراف الذي أصاب العالم الإسلامي, والذي اختزل الإسلام في الشعائر, واختزل الشعائر في الاحتفالات, واختزل الاحتفالات في تلك التي تمجد النبي صلى الله عليه وسلم, واختزل التمجيد في الصلاة عليه لفظا. ولكن بما أن إذاعة الزيتونة تحاول أن تبث الإسلام الصحيح, فيجب عليها أن تخرج من عباءة التراث الصوفي القاصر, وتقدم ابتهالات وربما أناشيد تتناول مواضيعها كل مجالات الحياة, شاملة كشمول الإسلام.
أعتذر للمشرفين على هذه الإذاعة إن أنا أوجعت بنصحي لهم, فما دفعني لذلك إلا الحرص على إنجاح التجربة, حتى تطال مستوى الإذاعات العربية المماثلة.
21-09-2007
|
26-09-2007 / 14:35:02 Abou Mohammad