(236) قراءة فى أحدث شهادة على أن أمريكا دولة فقيرة الثقافة: قضية "دومينيك ستراوس" مدير صندوق النقد الدولى
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7958
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هذا هو النص الأصلى للمقالة أعده الكاتب وأرسله للنشر فى 29مايو من العام الماضى 2011، ونشر فى أحد المواقع بتاريخ 16/6/2012 أى بعد أكثر من عام من إعداده للنشر بمقدمة وإضافات لم يأذن بها الكاتب ،تحاول الربط بين قضية ستراوس ، والصراع على الرئاسة فى مصر بين المرشحين محمد مرسى وأحمد شفيق . ولهذا فإن الكاتب يعلن أنه ليس مسئولا عن أية جمل أوعبارات أومواقف تخرج عن النص المنشور فى موقع "بوابتى تونس".
***********
يختلف مفهوما "الثقافة والحضارة" بين المفكرين الغربيين والمفكرين الاسلاميين. وكثيرا ما يستخدم أحدهما كمرادف للآخر. يشير مفهوم "الحضارة"عند الغربيين إلى ثقافة معقدة إلى حد كبير فى مقابل الثقافة البسيطة نسبيا، واعتبر بعضهم أن وجود ونمو المدن، وتقسيم العمل المعقد، والتكنولوجيا المتقدمة، وعدد السكان المطرد وتطور الرياضيات والكتابة من مؤشرات الحضارة. (1)
أما المفكرون الإسلاميون فيرون أن الحضارة هى مجموع المفاهيم عن الحياة، والمدنية هى الأشكال المادية للأشياء المحسوسة التى تستعمل في شؤون الحياة. الحضارة خاصة حسب وجهة النظر في الحياة، في حين أن المدنية خاصة وعامة. فالأشكال المدنية التى تنتج عن الحضارة كالتماثيل تكون خاصة، والأشكال المدنية التى تنتج عن العلم وتقدمه، والصناعة ورقيها تكون عامة، ولا تختص بها أمة من الأمم، بل تكون عالمية كالصناعة والعلم.
ولا يرى المفكرون الاسلاميون مانعا من أخذ مظاهر المدنية الغربية الناجمة عن العلم والصناعة، أما هذه المظاهر المدنية الناجمة عن الحضارة الغربية فلا يجوز أخذها بحال من الأحوال، لأنه لا يجوز أخذ الحضارة الغربية لتناقضها مع الحضارة الإسلامية في الأساس الذى تقوم عليه، وفى تصويرها للحياة الدنيا، وفى فهمها لمعني السعادة للإنسان.
يرى الغربيون أن الثقافة هى كل ما صنعه الإنسان من عناصر مادية وروحية، وهى تشتمل في نظرهم على المعايير والغايات وأشكال السلوك والنظم والأفكار والمثل العليا والاتجاهات والإيديولوجيات التى يسترشد بها في سلوكه ويبرر بها هذا السلوك. ويمتزج داخل هذه الثقافة كافة القوى والمنجزات الفكرية والروحية والإجتماعية والمادية وصور التعبير كالدين والعادات والفنون ومنظمات المجتمع من الأسرة حتى الأمة ومستوى التكنولوجيا المستخدمة وكذلك القدرة على التنظيم الإقتصادى والعمل العسكري.
أما المفكرون الاسلاميون فيرون أن الثقافة بمعناها الاصطلاحى تعنى المعرفة التى تؤخذ عن طريق الإخبار والتلقي والاستنباط، وتشمل التاريخ واللغة والفقه والفلسفة وسائر المعارف غير التجريبية. وهم يفرقون بين العلم والثقافة. فالعلم عالمي لجميع الناس لا تختص به أمة دون أمة. أما الثقافة فهى : إما خاصة : تنسب لأمة معينة وتعتبر خاصة من خصوصياتها كما في الأدب وسير الأبطال والتصوير والنحت والموسيقى. وإما عامة : كالتجارة والملاحة والحرف وما شابه ذلك من الصناعات.
فى الرابع والعشرين من شهر مايو الحالى 2011 قدم الدكتور " بول كريج روبرتس" أحدث شهادة على أن أمريكا دولة فقيرة الثقافة. جاء ذلك فى تعليقة على واقعة اتهام "دومينيك ستراوس كاهن " المدير التنفيذى لصندوق البنك الدولى بمحاولة الاعتداء الجنسى على عاملة فى أحد الفنادق. والدكتور " روبرتس " ليس شخصا عاديا يمكن تجاهل رأيه، فهو يبلغ الآن الثانية والسبعين من العمر، وهو اقتصادى أمريكى، كان مساعدا لوزير الخزانة الأمريكى فى إدارة ريجان، واشتهر بشراكته فى تأسيس ما عرف بـ "الريجانومكس " أو ما يعرف بـ"تطبيقات حقبة ريجان الاقتصادية" (2). وهو محرر صحفى سابق، وكاتب عمود فى "الوول ستريت جورنال"، و بيزنس وييك" وصحف أخرى. واشتهر بانتقاداته لإدارات الديموقراطيين والجمهوريين على السواء. كتب أو اشترك فى كتابة العديد من الكتب ، وساهم كذلك فى تأليف عدة فصول فى كتب أخرى، ونشر العديد من المقالات. وشهد أمام لجان الكونجرس فى ثلاثين مناسبة فى قضايا السياسة الاقتصادية. وتقلد العديد من المناصب الأكاديمية فى العديد من الجامعات ومراكز البحوث العلمية كمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية التابع لجامعة "جورج تاون"، ومعهد "هوفر" التابع لجامعة "ستانفورد" وحصل على جائزة "الفيلق" من الرئيس الفرنسى السابق " فرانسوا ميتيران".(3)
فى مقالة له بعنوان " هل تملك أمريكا ثقافة ؟ " كتب "روبرتس ":" بإمكاننا أن نقول أن الثقافة الأمريكية ثقافة شبابية تعرف فى حدود المتعة والترفيه والجنس وموسيقى الروك، أو ما يعادل كل ذلك، ويبدو أنها على وشك تحويل باقى العالم إلى هذا الطريق ". وفى إشارة بالغة الدلالة عن الشباب العربى يقول "روبرتس" :" ان هناك مشيرات واضحة على أن العلمانيين من الشباب العربى لن ينتظروا طويلا حتى يتحرروا من ثقافتهم التقليدية، ويشاركوننا ثقافة الإباحية والروك ".
امتدح " روبرتس " الثقافة الأمريكية القديمة التى يصفها بأنها ثقافة الحكومة المسئولة، وحكم القانون، وفرضية براءة الناس، واحترام الآخرين للمبادئ والتقاليد التى رماها الشباب الجديد على جانبى الطريق. يقول "روبرتس" :" ان العديد من الأمريكيين وخاصة الشباب لا علم لهم بما فقدناه من هذه الثقافة الأصيلة لأنهم لا يعرفون كيف كانوا من قبل ".
كان "روبرتس" قد كتب فى عمود له معلقا على توجيه محكمة أمريكية اتهاما لـ " ستراوس " المدير التنفيذى لصندوق البنك الدولى بمحاولة الاعتداء الجنسى على عاملة من أصل غينى فى أحد الفنادق، بأن القاعدة القانونية التى تقول بأن "المتهم برئ حتى تثبت إدانته" قد انتهكت من قبل الإعلام والشرطة الأمريكية، وأن الإعلام قد أثبت التهمة على "ستراوس " ليس فقط قبل المحاكمة، ولكن أيضا قبل أن توجه إليه التهمة بالصورة القانونية. ووجه "روبرتس" بعد أن كتب تعليقه هذا بردود فعل هجومية حادة من القراء دفعته إلى عرضها والتعليق عليها. يقول "روبرتس" : " لقد تعلمت من ردود فعل القراء أن هناك من الناس من لا يعرفون هذه القاعدة القانونية، هذا أحدهم يقول : ان "ستراوس" لو لم يكن مذنبا، لما اتهم بذلك. وقال آخر : أنه طبقا لهذه القاعدة فأنا أى – روبرتس- أرى أن "ستراوس" برئ.....لقد اتهمتنى نساء الحركة النسوية بأنى عدو للمرأة، وأعطتنى محاضرات فى ذلك. لقد تبين لى أن بعض النساء الأمريكيات أكثر اعتيادا على النصوص النسوية ( ذات القداسة ) عندهن من اعتيادهن على المبادىء القانونية التى يقوم عليها مجتمعنا....
اعتقد العديد من الرجال، أنى أدافع عن "ستراوس"، وأنهم حتى لو كانوا يعرفون مبدأ " أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته" فإن هذا لا يعنيهم ".
يستطرد "روبرتس " فى بيان موقف الأجنحة السياسية من اليمين واليسار الأمريكى من تعليقه على قضية "ستراوس " فيقول :" لقد أراد الجناح اليمينى أن يستبعد "ستراوس" من الصورة لأنه مرشح الحزب الاشتراكى الفرنسى الذى يحتمل أن يوقع الهزيمة بدمية الولايات المتحدة "نيكولاى ساركوزى" فى انتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة ". ويبين "روبرتس" أهمية "ساركوزى" كدمية تتلاعب بها الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها فيقول : " ألم يظهر لنا حقيقة أنه إذا لم يكن هناك "ساركوزى" فإن الفرنسيين لم يكونوا ليوافقونا فى حروب الغزو التى نقوم بها، مثلما رفضوا ذلك حينما كنا نسعى للقبض على "صدام حسين". إننا نستطيع مع "ساركوزى" أن نقدم عروضا طيبة فى ليبيا....لقد وضح الآن أن المبادئ السخيفة التى ندافع عنها أقل أهمية من ضرورة مساعدة الفرنسيين لنا فى الحرب ".
أما عن موقف اليسار الأمريكى من القضية فقد أوضحه "روبرتس" قائلا : " ان العديد من اليساريين غير مبالين تماما بالمبدأ القانونى الذى يحمى الأبرياء حتى تثبت إدانتهم.... إنهم يريدون دم "ستراوس" لأنه عضو غنى، ومدير لصندوق النقد الدولى الذى تسبب فى فقر اليونان وأيرلندة وأسبانيا، وعليه أن يدفع ثمن أخطاء الأغنياء، يريد اليسار أن يثبت أن موقفى يعبر عن أنى لازلت على مبدأ ريجان المدافع عن جرائم الأغنياء، وأنا أقول : إذا لم نحتفظ بحق براءة "ستراوس" حتى تثبت إدانته، فمن يعطيهم هذا الحق إذا وقعوا فى مثل ما وقع فيه ".
الفكرة المحورية فى مقالة " روبرتس " تدور حول قضية " استقلالية الفكر " وليست فضيحة "ستراوس ". اتهم "روبرتس" العديد من الأمريكيين بأنهم لم يعتادوا على مبدأ "استقلالية الفكر"، ولا يرتاحون إليه أصلا. يقول "روبرتس" :" إن العديد من الأمريكيين يريدون دغدغة عواطفهم، أن يقال لهم ما يريدون أن يسمعوه. إنهم يعرفون بالفعل ما يفكرون فيه، وعلى الكاتب أن يصادق على هذا الذى يعرفونه وما يفكرون فيه. وإذا لم يفعل الكاتب ذلك فإن الأمر يتوقف على الإيديولوجية التى يتبناها القارئ، فهو إما أن يتهم الكاتب بأنه عدو للمرأة إذا كان من أنصار "النسوية " وإما أن يتهمه بأنه يسارى ليبرالى اشتراكى أو يعمل لصالح الحركة الفاشية، لكنهم جميعا متفقون على أن الكاتب لايملك حسا عاطفيا جيدا. وأنا أقول أنه : إذا سقط احترام الحقيقة سقط مع سقوطها كل شيئ ". (4)
أما أهم ملاحظاتنا على وجهة نظر "روبرتس" فى مقاله المشار إليه أعلاه فنجملها فيما يلى :
أولا : أوضحنا أن القضية الأساسية التى يدافع عنها "روبرتس" هى قضية "استقلالية الفكر" وليست قضية "ستراوس" فى ذاتها . ولهذا فإنه أكد فقط على ما نشرته صحيفة "ليبراسيون "الفرنسية من أن "ستراوس " تعرض لمؤامرة للإيقاع به وإبعاده عن الساحة السياسية الفرنسية للتخلص من أقوى المرشحين للرئاسة الفرنسية ضد "ساركوزى"، استغل المتآمرون فيها ولع "ستراوس " الشديد بالنساء. كما نظر البعض إلى هذه المؤامرة على أنها مؤامرة دولية، لثقل "ستراوس" على المستوى الدولى حيث يعتبر الرجل الثانى بعد "أوباما". (5)
والذى يقوى هذه الفرضية الأخيرة هو السجل الحافل لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى هذا المجال.
ثانيا : ما يهمنا من قضية "ستراوس " هو الآتى :
1- أن "ستراوس" المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى هو اقتصادى ومحامى وسياسى فرنسى اشتراكى من أصل يهودى وينتمى إلى عائلة يهودية مغربية، وأمه " جاكلين فلوس" صحافية من أصل تونسى وروسى، وأنه أمضى طفولته فى المغرب وموناكو. وطبيعة اليهود كما وصفها لنا المفكرون الإسلاميون حسبما جاءت فى القرآن الكريم، وهى التى يجب أن نفهم شخصية "ستراوس" فى ضوئها هى : ( طبيعة صلدة جامدة، مغطاه، مخلخلة العزيمة، ضعيفة الروح، فيها غلظ فى الكبد، وتصلب عن الحق، وقساوة فى الحس والشعور، لا تدرك إلا المحسوسات، جهل وحمق إلى أبعد الحدود، فاليهود أشرار تثقل النصيحــة على نفوسهم، نقض للعهد، تفرق فى الكلمة، تول عن الحق.أطماعهم لا تنتهى وأهواؤهم لا تعتدل، أحقادهم تجعلهم يشهدون للباطل وأهله ضد الحق، يأكلون الربا وقد نهوا عنه، لا يتناهون عن منكر فعلوه. المعصية والإعتداء فى كل صورهما الإعتقادية والسلوكية لهم فيها سجل حافل يضمه تاريخهم، فهى ليست أعمالا فردية فى مجتمعهم، ولكنها انتهت إلى أن تصبح طابع الجماعة كلها. فى ملامحهم قسوة تخلو منها بشاشة الرحمة. مهما حاولوا - مكرا- إبداء اللين فى القول عند الخوف وعند المصلحة، والنعومة فى الملمس عند الكيد والوقيعة، فإن جفاف الملامح والسمات ينضح ويشى بجفاف القلوب والأفئدة. كانوا ولا زالوا عقارب وحيات وثعالب وذئابا، تضمر المكر والخيانة يتآمرون على كل عدو لهم حتى تحين الفرصة فينقضوا عليه، تلقى الخيانة ظلالها عليهم فهى من جوهر جبلتهم، سجلهم حافل بالتكذيب والإعراض، والقتل، والإعتداء، وبتحكم الشهوات والأهواء...........الخ). (6)
2- أن انتقاد الاشتراكيين لـ "ستراوس " وصندوق النقد الدولى واعتبار أن هذا الصندوق مسئول عن فقر اليونان وأيرلنده وأسبانيا، له ما يناظره فى العالم الإسلامى. ففى مقالته بعنوان : " صندوق النقد الدولى ، مظاهر المحق الإلهي للقروض الخارجية.. محاولة للرصد " كتب، "أحمد الظرافى" فى التاسع من ديسمبر عام 2007 يقول :" لقد ترتب على التزايد المستمر لأعباء المديونية الخارجية من فوائد نتائج وخيمة ومصائب عظيمة لحقت بالدول النامية المدينة – ومنها مجموعة الدول الإسلامية – ومن ذلك ما يلي:
1- أن مدفوعات هذه الفوائد والأقساط على الديون الخارجية تستأثر بحصيلة كبيرة من قيمة صادرات الدول النامية المدينة من الخامات – عدا النفط، وان 30% من حصيلة صادرات البلدان الإسلامية المدينة تُستخدم كمدفوعات فوائد وأقساط على الديون الخارجية.
2- أن مدفوعات الفوائد والأقساط تستنزف الاحتياطيات النقدية من الذهب والعملات الصعبة للدول المدينة، بالإضافة إلى تدهور أسعار المواد الأولية والطاقة، وتقلص صادراتها منها، نتيجة للركود الصناعي في الشمال. كما أن إجراءات الحمائية خفضت إمكانات تصدير السلع المصنعة إلى الأسواق الغربية. وهكذا نقصت موارد بلدان الجنوب من العملات الصعبة في الوقت الذي بلغت فيه ديونها ذلك الحجم الرهيب.
3- أن عدم وجود التمويل اللازم لاستيراد تلك الحاجات، وذلك نتيجة للأعباء الباهظة والمتزايدة من الفوائد والأقساط على الديون الخارجية، والتهام هذه الفوائد والأقساط لحصيلة كبيرة من الدخل القومي، بحيث أن ما يتبقى منه في بعض الدول النامية المدينة، لم يعد يكفي لتأمين الحد الأدنى للواردات الضرورية ( الاستهلاكية والوسيطة والإنتاجية ) ولإسناد الحاجات الرئيسية مثل الاحتياجات التعليمية، والصحية، وهذه المشكلة تتفاقم أكثر فأكثر في حالة عدم نمو صادرات هذه الدول من السلع والخدمات، وزاد من صعوبة الموقف تدهور أسعار الصرف لهذه البلاد، وهروب الأموال للخارج وارتفاع معدلات التضخم المحلي وتدهور معدلات النمو الاقتصادي وزيادة جيش العاطلين وانخفاض مستوى المعيشة، والانتشار الكبير للفقر والإفلاس وتزايد الاضطرابات والقلاقل والتوترات السياسية، وفقدان عدد منها درجة كبيرة من استقلالية قرارها الاقتصادي لصالح صندوق النقد الدولي.
4- تطلب هذا التدهور الدخول في مفاوضات مع الدائنين لتأجيل الدفع والحصول على موارد مالية جديدة، ولن يتأتى ذلك إلا بتقديم سلسلة من التنازلات والرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي، وهي شروط مجحفة وقاسية ويترتب عليها سلب حرية البلد المدين في رسم سياساته الاقتصادية والاجتماعية، وهذه الشروط هي باختصار :" زيادة الأسعار، تخفيض قيمة العملة، تحرير التجارة الخارجية، إلغاء الدعم، تجميد الأجور والرواتب، تخفيض التوظف الحكومي، زيادة أسعار الفائدة، بيع القطاع العام، زيادة أسعار الطاقة. ولقد أضاف الصندوق – بعد ذلك – شرطا جديدا، تتضمنه عقود القروض وهو شرط عدم حصول عجز في السداد في سائر الديون الأخرى التي تلتزم بها الدول النامية ". ويعنى الرضوخ لهذه الشروط إيقاف التنمية وتدهور مستوى المعيشة وخدمات المرافق العامة كالتعليم والصحة والكهرباء والمياه، مع ارتفاع أسعارها، ومع فرض المزيد من الرسوم الحكومية والضرائب الفادحة على السكان وكل ذلك من أجل الوفاء بعبء الدين من فوائد وأقساط، وهكذا يكون الضحية هم الفقراء وذوي الدخول المحدودة. علما بأن شروط صندوق النقد الدولي تلك، قد جُرّبت في بلدان عديدة فثبت فشلها، ونجم عنها المزيد من الفقر والتضخم والبطالة والغلاء لأنها أساسا تُطبق لصالح الدائنين. كما ثبت أن كثيرا من تقارير مثل هذه المنظمات تفتقر إلى الدقة حيال تقييم الأوضاع الاقتصادية والمالية لبلدان العالم، وقد عزي سبب الأزمة المالية التي ضربت نمور آسيا في عام 1997 إلى خطأ في تقييم الأوضاع المالية لتلك البلدان من قبل صندوق النقد الدولي.
5- أن أعباء الفوائد والأقساط قد تنمو وتتضاعف فتعجز الدولة المدينة عن سدادها نقدا، فتضطر لتسديدها أموالا غير منقولة من عقارات وأراضٍ ومصانع، وبذلك تملك الدول الأجنبية الدائنة أملاكا غير منقولة في البلاد المدينة وتصبح لها مصالح تصلح مبررا للتدخل في الشئون الداخلية أو بسط النفوذ السياسي، هذا إذا لم تتخذ وسيلة للاستعمار والاحتلال العسكري. وقد طرح هذا الاقتراح بعض الخبثاء في عقد الثمانينيات من القرن الماضي كحل لأعباء ديون الدول النامية المزمنة والمتعثرة السداد.وهذا وارد وممكن حدوثه – كما حدث سابقا- فقد اضطر الخديوي إسماعيل تحت ضغط ديونه الخارجية الباهظة أن يبيع حصة مصر في أسهم قناة السويس نظير تسديد جانب من هذه الديون.(7)
ثالثا : أن قول "روبرتس" بأن الثقافة الأمريكية القديمة التى طرحها الشباب على جانبى الطريق هى ثقافة الحكومة المسئولة وحكم القانون، وفرضية براءة الناس، واحترام الآخرين للمبادئ والتقاليد، قول إن لم يكن صحيحا، فهو جزئية محدودة تائهة مع الوضع العام للثقافة الأمريكية التى تميزت منذ نشأتها وحتى هذه اللخظة بأنها ثقافة قتل وتآمر وتعطش إلى الدماء، فأصحاب هذه الثقافة هم الذين أبادوا الملايين من الهنود الحمر، وهم الذين أصدروا قرارًا بتقديم أربعين جنيهًا مكافأة مقابل كل فروة مسلوخة من رأس هندي أحمر، وأربعين جنيهًا مقابل أسر كل واحد منهم، وبعد خمسة عشر عامًا، ارتفعت المكافأة إلى مائة جنيه، وخمسين جنيه مقابل فروة رأس إمرأه أو فروة رأس طفل ، وهم الذين أصدروا قانونًا بإزاحة الهنود من أماكنهم إلى غربي الولايات المتحدة؛ وذلك لإعطاء أراضيهم للمهاجرين، وقاموا بنقل الألوف من الهنود الى المناطق الجديدة، فمات كثير منهم في الطريق الشاق الطويل، وعرفت هذه الرحلة تاريخيًا: برحلة الدموع، وهم الذين رموا على الهنود بطانيات كانت تستخدم في مصحات علاج الجدري إلى الهنود الحمر؛ بهدف نشر المرض بينهم، مما أدى إلى انتشار الوباء الذي نتج عنه موت الملايين، وشبه فناء للسكان الأصليين في القارة الأمريكية، فكانت هذه الحادثة هي أول وأكبر استخدام لأسلحة الدمار الشامل ضد الهنود الحمر. أما ما فعلوه فى مواطنيهم السود، فقد أبادوا منهم خمسة وأربعين ألفا ما بين قتيل وجريح ومفقود وأسير.
وهم الذين استخدموا أكثر من ثلاثمائة طائرة فى تدمير ما مساحته ستة عشر ميلا مربعا من طوكيو، فأسقطوا القنابل الحارقة علي اليابانيين ، وقتلوا منهم مائة ألف شخص في يوم واحد، وشرّدوا مليون نسمة، وأحرقوا الرجال والنساء والأطفال اليابانيين، وقاموا بغليهم حتى الموت. وكانت الحرارة شديدة جدًا، حتى ان الماء قد وصل في القنوات إلى درجة الغليان، وذابت الهياكل المعدنية، وتفجر الناس في ألسنة من اللهب، وضربوا أربعة وستين مدينة يابانية بالقنابل، وألقوا على هيروشيما ونجازاكى قنبلتين ذريتين لا زالت اليابان تعانى من آثارهما. وقال بعدها الرئيس الأمريكي "هاري ترومان "، وهو يكنّ في ضميره الثقافة الأمريكية: "العالم الآن في متناول أيدينا ".
لقد ذبحت الولايات المتحدة في تقدير معتدل زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامي وكمبودي، وتشير أحد التقديرات إلى مقتل مليوني كوري شمالي في الحرب الكورية، وكثير منهم قتلوا في الحرائق العاصفة في "بيونغ يانغ" ومدن رئيسة أخرى.
وفى فيتنام قتلوا مائة وستين ألفا، وعذبوا وشوهوا سبعمائة ألف، واغتصبوا أكثر من ثلاثين ألف امرأة، ونزعوا أحشاء ثلاثة آلاف شخص وهم أحياء ، وأحرقوا أربعة آلاف حتى الموت، وهاجموا ستا وأربعين قرية بالمواد الكيماوية السامة. أصابوا فى هانوى ثلاثين ألف طفل بالصمم، وفى جواتيمالا قتلوا أكثر من مائة وخمسين ألفا) (8). وما فعلوه فى العراق وأفغانستان وليبيا ليس منا ببعيد.
ومن هنا يمكن تفسير اتجاه الشباب الأمريكى الحالى إلى الترفيه والجنس وموسيقى الروك بأنه اتجاه مرسوم يغرق الشباب فى عالم خاص، يصرفهم عن فهم ما جرى وما يجرى، ويفصلهم عن الماضى وعن التاريخ الذى حركه المركب السياسى – العسكرى – الصناعى الأمريكى لنهب الثروات وتراكم رأس المال، وكذلك يفعلون مع الشباب العربى تحت دعاوى الحلم الأمريكى والديموقراطية الغربية.
رابعا : أوضحنا سابقا أن القضية المحورية التى انطلق منها " روبرتس" هى قضية "استقلالية الفكر"، وعلاقة الكاتب بالقارئ. الذى لا يعرفه "روبرتس" أن علماء الإسلام وضعوا قاعدة فريدة لحل هذه القضية. يقول الإمام "الشاطبى" فى الموافقات : " الخصمين إما أن يتفقا على أصل يرجعان إليه أم لا. فإن لم يتفقا على شيئ لم يقع بمناظرتهما فائدة بحال. وإذا كانت الدعوى لا بد لها من دليل، وكان الدليل عند الخصم متنازعا فيه فليس عنده بدليل، فصار الإتيان له عبثا لا يفيد فائدة، ولا يحصل مقصودا. ومقصود المناظرة رد الخصم إلى الصواب بطريق يعرفه، لأن رده بغير ما يعرفه من باب تكليف مالا يطاق، فلابد من رجوعهما إلى دليل يعرفه الخصم السائل معرفة الخصم المستدل، وعلى ذلك دل قوله تعالى (فإن تنازعتم فى شيئ فردوه إلى الله والرسول "النساء 59. لأن الكتاب والسنة لا خلاف فيهما عند أهل الإسلام والأصل المرجوع إليه فى مسائل التنازع" (ج4/197). وهذه القاعدة وهى قاعدة ضرورة رجوع الخصمين إلى أصل يتفقان عليه للفصل بينهما لا يعرفها، " روبرتس " وغيره لأن أمريكا دولة فقيرة الثقافة باعتراف "روبرتس" نفسه.
.............................
المصادر :
(1) محمد عاطف غيث وآخرون، قاموس علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1989 ص 58،110
(2) دومينيك ستراوس، ar.wikipedia.org/wiki/
(3) Paul Craig Roberts, en.wikipedia.org/wiki/----Paul Craig Roberts Syndicated Columns, www.vdare.com/roberts/all_columns.htm
(4). Paul Craig Roberts, Does America have a culture
dailypaul.com › Forums › Daily Paul Liberty Forum
(5) )ليبراسيون: ستراوس يواجه مؤامرة دولية ( www.alwafd.org/index.php?option=com...id...
(6) د أحمد إبراهيم خضر، الدكتور المسيرى، مع اليهود أم ضد اليهود www.alukah.net/Web/khedr/10863/28165/
(7) أحمد الظرافى، مظاهر المحق الإلهي للقروض الخارجية.. محاولة للرصد " ahmedaldhurafi.maktoobblog.com/.../
(8) ناصر الأحمد، جرائم أمريكا عبر التاريخ www.islamdoor.com/k/gareem.htm
(9) الحافظ أبو إسحاق إبراهيم اللخيمى الشهير بالشاطبى، الموافقات فى أصول الأحكام، المجلد الثانى ج 4، دار الفكر ص 197
انظر كذلك أحمد إبراهيم خضر، قاعدة فى الحكم على أعمال الكاتب أو الأديب أو الروائى، www.alukah.net/Culture/0/28664/، وكذلك : في مسألة الاعتراض على عنوان: "هلك نصر حامد أبو زيد"
www.alukah.net/Web/khedr/0/24532/
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: