كيف تكون حسن السمت (2)
د. أحمد محمد سليمان - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 7748
Mr.solyman@yahoo.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حسن السمت صفة لازمة للأنبياء وصفة لازمة لمن اصطفاهم الله لهم ليؤازروهم في نشر دعوتهم فقد اشتهر الصحابة رضوان الله عليهم بحسن السمت وكان ابن أم عبد وهو عبد الله بن مسعود أقرب هؤلاء الصحابة من النبي سمتًا ودلًا كما وردت بعض الأحاديث النبوية والتي فيها ذكر لحسن السمت وكيف أنه من علامات النبوة وجزءًا من أجزائها، فعن عبد الله ابن عباس – رضي الله عنه _ أنه قال :
" القصد والتؤدة، وحسن السمت، جزء من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة "(1).
يقول هشام الأندلسي في شرحه لألفاظ هذا الحديث :
" قوله : إنه كان يقول القصد والتؤدة ؛ والقصد : العدل في الأمر والتوسط فيه يقال : قصد يقصد، واقتصد يقتصد، قال تعالى " واقصد في مشيك " قال عبد الرحمن بن حسان :
على الحكم المأتي يومًا إذا قضى قضيّته أن لا يجـور ويقصـد
والتؤدة : الرفق، اتّأد : رفق.
- قوله : " وحسن السمت " السمت : الهيئة "(2).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري :( التؤدة والاقتصاد وحسن السمت جزء من ستة وعشرين جزءًا من النبوة أي النبوة مجموع خصال مبلغ أجزائها ذلك وهذه الثلاثة جزء منها،وعلى مقتضى ذلك يكون كل جزء من الستة والعشرين ثلاثة أشياء، فإذا ضربنا ثلاثة في ستة وعشرين انتهت إلى ثمانية وسبعين فيصح لنا أن عدد خصال النبوة من حيث آحادها ثمانية وسبعون، قال – يقصد القرطبي في كتابه المفهم - : ويصح أن يسمى كل اثنين منها جزءًا فيكون العدد بهذا الاعتبار تسعة وثلاثين، ويصح أن يسمى كل أربعة منها جزءًا فتكون تسعة عشر جزءًا ونصف جزء، فيكون اختلاف الروايات في العدد بحسب اختلاف اعتبار الأجزاء ولا يلزم منه اضطراب، قال : وهذا أشبه ما وقع لي في ذلك مع أنه لم ينشرح به الصدر ولا اطمأنت إليه النفس، قلت : وتمامه أن يقول في الثمانية والسبعين بالنسبة لرواية السبعين ألغي فيها الكسر وفي التسعة والثلاثين بالنسبة لرواية الأربعين جبر الكسر ولا تحتاج إلى العدد الأخير لما فيه من ذكر النصف، وما عدا ذلك من الأعداد قد أشار إلى أنه يعتبر بحسب ما يقدر من الخصال، ثم قال : وقد ظهر لي وجه آخر وهو أن النبوة معناها أن الله يطلع من يشاء من خلقه على ما يشاء من أحكامه ووحيه إما بالمكالمة، وإما بواسطة الملك، وإما بإلقاء في القلب بغير واسطة لكن هذا المعنى المسمى بالنبوة لا يخص الله به إلا من خصه بصفات كمال نوعه من المعارف والعلوم والفضائل والآداب مع تنزهه عن النقائص أطلق على تلك الخصال نبوة، كما في حديث التؤدة والاقتصاد أي تلك الخصال من خصال الأنبياء والأنبياء مع ذلك متفاضلون فيها كما قال تعالى : "... وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ... [ الإسراء من الآية 55]
ومع ذلك فالصدق أعظم أوصافهم يقظة ومنامًا فمن تأسى بهم في الصدق حصل من رؤياه على الصدق، ثم لما كانوا في مقاماتهم متفاوتين كان أتباعهم من الصالحين كذلك وكان أقل خصال الأنبياء ما إذا اعتبر كان ستة وعشرين جزءًا وأكثرها ما يبلغ سبعين وبين العددين مراتب مختلفة بحسب ما اختلفت ألفاظ الروايات، وعلى هذا فمن كان من غير الأنبياء في صلاحه وصدقه على رتبة تناسب حال نبي من الأنبياء كانت رؤياه جزءًا من نبوة ذلك النبي ولما كانت كمالاتهم متفاوتة كانت نسبة أجزاء منامات الصادقين متفاوتة على ما فصلناه، قال : وبهذا يندفع الاضطراب إن شاء الله)(3).
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" خصلتان لا تجتمعان في منافق : حسن سمت، و لا فقه في الدين "(4).
*ووصف كثيٌر جدًّا من السلف وكثير من العلماء بحسن السمت، وذكر ذلك المترجمون والمؤرخون، وألزموا أنفسهم بذكر حسن سمتهم إن وُصِفُوا بذلك.
عبد الله بن مسعود :
ممن وصف بحسن السمت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود كما ذكرت آنفًا.
فعن عبد الرحمن بن يزيد - رحمه الله - قال : " سألنا حذيفةَ عن رجل قريب السَّمْتِ والهَدي والدَّلِّ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- حتى نأخذَ عنه ؟ فقال : ما أعرف أحدًا أقربَ سَمْتا وهَدْيا ودَلاّ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم- من ابنِ أمِّ عبد " يقصد عبد الله بن مسعود "(5)
ويقول ابن حجر العسقلاني : " ما أعلم أحدًا أقرب سمتــًا، أي : خشوعًا، وهديًا أي: طريقة ودلاً أي : سيرة وحالة وهيئة، وكأنه مأخوذ مما يدل ظاهر حاله على حسن فعاله "(6).
ومما ورد عن النبي في فضائل ابن مسعود :
( عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنِّى لاَ أَدْرِى مَا قَدْرُ بَقَائِى فِيكُمْ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِى وَأَشَارَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاهْتَدُوا بِهَدْىِ عَمَّارٍ وَمَا حَدَّثَكُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ »(7).
وعبد الله بن مسعود هو ابن غافل بن حبيب من قبيلة مضر وكان سادس ستة في الإسلام وقد أرسله عمر بن الخطاب إلى الكوفة ليعلم الناس أمور دينهم، وأمرهم باتباعه وطاعته وقد شهد عبد الله بدرًا.
* السيدة فاطمة رضي الله عنها :
والسيدة فاطمة - سيدة نساء المؤمنين – كانت كذلك قريبة الشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سمته ودله وهديه، وكانت عليها السلام تشبهه في مشيته، ففي الصحيحين عن مسروق عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - تَمْشِى، لاَ وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ « مَرْحَبًا بِابْنَتِى » .........."(8) .
وروي بطريق آخر عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ :
" مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلاًّ وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ فِى قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-........." (9).
* وممن وُصِفَ بحسن السمت من غير الصحابة كثير أذكر بعضًا منهم مما وردت تراجمهم في كتب السير والتراجم.
* يقول الصفدي في " أعيان العصر وأعوان النصر " في ترجمته لأحمد ابن عثمان بن مفرج :
" كان حسن السمت كثير المروءة دينــــًا عفيفًا ".
وأيضًا في ترجمته لعبد الله بن حسن، يقول :
" وكان خيّرًا وقورًا، ساكنًا صبورًا حسن السمت لا يرى في حالة عوج ولا أمت ".
* وفي وفيات الأعيان، يقول ابن خلكان في ترجمته لشرف الدين بن منعة:
" كان إمامًا كبيرًا فاضلًا عاقلًا حسن السمت جميل المنظر " (10).
* وفي فوات الوفيات يقول ابن شاكر الكتبي عن أبي الفضل بن النطروني :
" وكان فقيهًا مالكيًا أديبًا حسن الشيبة حسن السمت " (11).
* وفي المغرب في حلي المغرب يقول ابن سعيد المغربي عن أبي عبد الله الإلبيري : " و كان حسن السمت جميل المذهب في قضائه "(12) .
* ويقول العماد الأصفهاني في خريدته عن جمال الدين أبو العباس أحمد ابن خذداذ: " حسن السمت متكلف للصمت وضئ الوجه ".
* وفي نهاية الأرب يقول النويري عن ابن جامع :
" وكان حسن السمت كثير الصلاة " .
* فحسن السمت من الأشياء التي مدح بها الناس بعضهم بعضًا، فهي كما ذكرنا على لسان نبينا - صلى الله عليه وسلم - إحدى خصال النبوة، وهي لا تجتمع مع التقوى في منافق، فالمنافق من الممكن أن يكون حسن السمت، ولكنه لا يستطيع أن يكون تقيًا لذا أقول إن حسن السمت ليس معناه حسن المظهر الخارجي إنما المعنى الحقيقي له : التقى والعفاف في الدين، والسير على طريق ونهج الإسلام.
وفي الحقيقة التمسك بالسمت الحسن ومكارم الأخلاق وعرى الإسلام من الأمور التي تميزنا عن غيرنا من أصحاب الديانات الأخرى، فكما قال الشنقيطي في تفسيره لقوله تعالى في سورة بني إسرائيل :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ([الأنفال الآية 45 ].
فأمره في هذه الآية الكريمة بذكر الله كثيرًا عند التحام القتال يدل على ذلك أيضاً دلالة واضحة. فالكفار خَيَّـلوا لضعاف العقول أن النسبة بين التقدم والتمسك بالدين، والسمت الحسن والأخلاق الكريمة ـ تباين مقابلة كتباين النقيضين كالعدم والوجود، والنفي والإثبات. أو الضدين "(13).
---------------
(1) أثر موقوف أورده الإمام مالك في الموطأ , كتاب : الشعر , باب : ما جاء في المتحابين في الله , وقد رفعه الطبراني في " تاريخه الكبير " عن عبد الله بن سرخس – رضي الله عنه - انظر موطأ مالك ( 17 / 1718 ) ص : 675 , ط : دار التقوى , تحقيق : الشيخ كامل عويضة .
(2) " التعليق على الموطأ " هشام بن أحمد الأندلسي : ( 2 / 364 ) , تحقيق : د . عبد الرحمن العثيمين - وفقه الله دائمًا إلى الخير - , ط : مكتبة العبيكان , الطبعة الأولى 1421 هـ / 2001 م .
(3) " فتح الباري شرح صحيح البخاري " ابن حجر العسقلاني : ( 12 / 368 ) , ط : دار المعرفة – بيروت – لبنان 1379هـ , ( 1 – 13 ) .
(4) رواه الترمذي في كتاب : العلم , باب : فضل العلم على العبادة ( 5 / 49 ) , وصححه الألباني ( 1 / 499 ) برقم : 278, تحقيق : أحمد محمد شاكر وآخرون , ط : دار إحياء التراث العربي – بيروت , ( 1 – 5 ) , والأحاديث مزيلة بأحكام الألباني عليها ..
(5) رواه البخاري في كتاب : فضائل الصحابة , باب : مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( 3 / 1373 ) برقم: ( 3551 ) , وطرفه في : ( 5746) , تحقيق : د. مصطفى ديب البغا , ط : دار ابن كثير – بيروت ,( 1 – 6) .
(6) سبق تخريجه .
(7) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده " : ( 5 / 385 ) حديث رقم : 23324 , و أخرجه الترمذي في سننه : ( 5 / 668 ) , حديث رقم : 3799 , باب : مناقب عمار بن ياسر رضي الله عنه , وأخرجه ابن ماجه في سننه : ( 1 / 37 ) , حديث رقم 97 , باب : فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
(8) أخرجه البخاري في صحيحه : ( 5 / 2317 ) برقم : 5928 , كتاب : الاستئذان , باب : من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به .
(9) أخرجه الترمذي في سننه : ( 5 / 700 ) برقم 3872 , كتاب : المناقب عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – باب : فضل فاطمة بنت محمد – صلى الله عليه وسلم- , وابن حبان في صحيحه : ( 3 / 1373 ) برقم : ( 3551) , و( 15/ 538 ) برقم : ( 7063 ) , تحقيق : شعيب الأرناؤوط , ط : مؤسسة الرسالة – بيروت , الطبعة الثانية 1414هـ – 1993م , ( 1 – 18 ) .
(10) وفيات الأعيان لابن خلكان : ( 1 / 108 ) ترجمة رقم 45 , تحقيق : إحسان عباس , ط : دار صادر بيروت لبنان .
(11) فوات الوفيات : ابن شاكر الكتبي : ( 2 / 405 ) ترجمة رقم : 306 , تحقيق : إحسان عباس , الناشر دار صادر / بيروت .
(12) المغرب في حلى المغرب : ابن سعيد المغربي : ( 1/ 149 ) , ترجمة رقم : 85 , تحقيق : شوقي ضيف , دار المعارف , الطبعة الرابعة .
(13) " أضواء البيان " الشنقيطي ( 3 / 38 ) ط : دار الفكر – بيروت لبنان , 1415 هـ/ 1995 م.
9-05-2011
|