كيف تكون حسن السمت - الأخيرة
د. أحمد محمد سليمان - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 7359
Mr.solyman@yahoo.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
* هناك مسألة هامة في موضوع حسن السمت هذا ألا وهي : هل حسن السمت من الممكن أن نتعلمه ؟ , والإجابة : بالطبع نعم من السهل أن تكون حسن السمت , فاتباعك لكلام النبي وهديه وسننه في الطعام والشراب وركوب الدابة والسفر والجماع والتعامل مع الناس واللباس والكلام والمظهر الخارجي , كل هذا سيؤدي بك إلى أن تكون حسن السمت وكذلك فاتباع العلماء وملازمتهم والقرب منهم يجعلك تلتقط أشياء كثيرة تؤدي بك في النهاية إلى أن تكون ممن حسُن سمتهم , ولعلك في التزامك لأبيك – إن كان ممن اشتهر بحسن السمت – ما يضفي عليك حلة جمال السمت ويلبسك عباءته , من ذلك التزام الصحابة مثلًا لنبيهم صلى الله عليه وسلم , فكانوا ينظرون لكل أفعاله ويقلدوها، بل وسكناته أيضًا , ولعل التزامك بحسن المظهر يدفعك إلى تحسين ما بداخلك , لذا حث العلماء على التحلي بالزي الإسلامي كارتداء الجلباب والسروال , واستعمال السواك والتطيب وإعفاء اللحية وهي من أهم الأشياء التي تضفي على صاحبها حسن السمت وقام العلامة الشنقيطي في تفسيره لقوله تعالى :
(قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي )( طه / 94 ) , يقول :
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن هارون قاله لأخيه موسى(قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي... )وذلك يدل على أنه لشدة غضبه أراد أن يمسك برأسه ولحيته وقد بين تعالى في [الأعراف 150] أنه أخذ برأسه يجره إليه , وذلك في قوله: {... وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أم...} ,
وقوله: {... وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } من بقية كلام هارون.
أي : خشيت أن تقول فرقت بيــن بني إسرائيـــل، وأن تقول لي لــم ترقب قولي أي لم تعمل بوصيتي وتمتثل لأمري. تنبيه :
هذه الآية الكريمة بضميمة آية «الأنعام» إليها تدل على لزوم إعفاء اللحية، فهي دليل قرآني على إعفاء اللحية وعدم حلقها , وآية الأنعام المذكورة هي قوله تعالى: {... وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ...}.
ثم إنه تعالى قال بعد أن عد الأنبياء الكرام المذكورين : { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ...ْ} , فدل ذلك على أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك أمر لنا لأن أمر القدوة أمر لاتباعه كما بينا إيضاحه بالأدلة القرآنية في هذا الكتاب المبارك في سورة «المائدة» , وقد قدمنا هناك: أنه ثبت في صحيح البخاري : أن مجاهدًا سأل ابن عباس : من أين أخذت السجدة في «ص» قال : أو ما تقرأ {...ۖ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ...} { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ...ْ} فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإذا علمت بذلك أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم في سورة «الأنعام»، وعلمت أن أمره أمر لنا لأن لنا فيه الأسوة الحسنة، وعلمت أن هارون كان موفرًا شعر لحيته بدليل قوله لأخيه: {.. لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي...} لأنه لو كان حالقاً لما أراد أخوه الأخذ بلحيته ـ تبين لك من ذلك بإيضاح : أن إعفاء اللحية من السمت الذي أُمرنا به في القرآن العظيم، وأنه كان سمت الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم , والعجب من الذين مضخت ضمائرهم، واضمحل ذوقهم، حتى صاروا يفرون من صفات الذكورية وشرف الرجولة، إلى خنوثة الأنوثة، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم، ويتشبهون بالنساء حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر والأنثى وهو اللحية , وقد كان صلى الله عليه وسلم كثيف اللحية، وهو أجمل الخلق وأحسنهم صورة , والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها : ليس فيهم حالق. نرجو الله أن يرينا وإخواننا المؤمنين الحق حقًا، ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلً ويرزقنا اجتنابه "(1).
* وحب النبي صلى الله عليه وسلم لابد وأن يتبعه العمل بما جاء , يقول محقق كتاب حقوق آل البيت لشيخ الإسلام ابن تيمية :
" وكان اجتماعه بهم, واقتداؤهم به في العمل عاملا رئيسيًّا في تحويل حبهم النفسي إلى حب عقلي وجداني بلغ قمته في قول الأنصار : " والله يا رسول الله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك". وكانت عهودهم معه تنص على : أن يحموه مما يحمون به أنفسهم وأهليهم...وبذلوا دماءهم تعبيرًا صادقًا عن حب الله ورسوله , وطاعة الله ورسوله { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ..}(2) عبّروا عن حبهم بالعمل على مقتضى سنته ومقتضى القرآن لا يحيدون ولا يكسلون , وعلموا : أن الحب هو الموافقة في القول والعمل والسمت والحلية وداسوا في سبيل العمل كل زينة وكل بهرج تهواه النفس بخداعها وضلالها ومحاولتها الحيدة بصاحبها عن المنهاج السوي(3) .
* فالعمل والمظهر هما وجهان لعملة واحدة وهي حسن السمت , وهما مقترنان لا يفترقان أبدًا , يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن كيفية أن تقتضي الصراط المستقيم :
" الصراط المستقيم : أمور باطنة، وأمور ظاهرة، وبينهما مناسبة ,ثم إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب: من اعتقادات، وإرادات، وغير ذلك، وأمور ظاهرة : من أقوال، أو أفعال قد تكون عبادات، وقد تكون أيضاً عادات في الطعام واللباس،والنكاح والمسكن والاجتماع والافتراق، والسفر والإقامة، والركوب وغير ذلك ؛ وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورًا وأحوالاً.
الأمر بمخالفة المغضوب عليهم والضالين في الهدي الظاهر لأمور منها : إن المشاركة في الظاهر تورث تناسبًا بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال وقد بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور منها :
* أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلًا بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة - مثلاً - يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه متقاضيًا لذلك، إلا أن يمنعه مانع.
* أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب المفارقة وترك موجبات الغضب.
ومنها:-
* أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب، وأسباب الضلال والانعطاف على أهل الهدى، والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين "(4).
* قلت : واعلم أخي الحبيب أن التمسك بالسمت الحسن أي سمت النبي وسمت أصحابه والتابعين لهم هو الذي سينقذك في زمن زادت فيه الفواحش والمنكرات , وعمت فيه الرذيلة، بل وأصبحت أيسر من كوب الماء , فالرذيلة صارت في كل بيت , صارت أقرب إلينا من حبل الوريد , ولن ينجو منها إلا المتمسك بالسمت الصالح سمت السلف , فها هو عبد الله بن مسعود يقول :
" أنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال أمور تكون من كبرائكم فأيما رجل أو امرأة أدرك ذلك الزمان فالسمت الأول فالسمت الأول "(5).
----------------------
(1) أضواء البيان ( 4 / 161 – 162 ).
(2) سورة النساء من الآية / 80.
(3) انظر : " حقوق آل البيت " شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية , مقدمة المحقق : عبد القادر عطا ص : 7, (ط) دار الكتب العلمية بيروت – لبنان , د ت.
(4) " اقتضاء الصراط المستقيم " لابن تيمية : ( 1 / 92 – 93 ) , دراسة وتحقيق : ناصر عبد الكريم العقل , ط : دار عالم الكتب بيروت - لبنان , الطبعة السابعة , 1419 هـ / 1999م.
(5) انظر : " القواعد النورانية الفقهية " لشيخ الإسلام ابن تيمية : ( 69 – 70 ) , تحقيق : محمد حامد الفقي , ط : مكتبة السنة المحمدية , الطبعة الأولى , 1370هـ - 1951 م.
24-05-2011
|