د. أحمد محمد سليمان - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6680 Mr.solyman@yahoo.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
* حث العلماء على التزام الصمت والتحلي بحسن السمت :
وقد حث كثير من العلماء على حسن السمت، والتزام الصمت فإن ذلك من الآداب التي يجب أن يتحلى بها المسلم عامة وطالب العلم خاصة، فمن العلماء الذين حثوا على ذلك ابن عبد البر – رحمه الله – في كتابه " جامع بيان العلم وفضله " يقول :
" وأحسن ما رأيت في آداب التعلم والتفقه من النظم ما ينسب إلى اللؤلؤ من الرجز وبعضهم ينسبه إلى المأمون، وقد رأيت إيراد ما ذكر من ذلك لحسنه، ولما رجوت من النفع به لمن طالع كتابي هذا نفعنا الله وإياه به، قال :
فالتمس العلم وأجمــل في الطلــب *** والعلـم لا يحــسن إلا بالأدب
والأدب النـــافع حسـن السمت *** وفي كثير القـول بعض المقــت
فكن لحسن السـمت ما حييـــتا *** مــقارفـًا تحــمد ما بقيـتا
وإن بـدت بين النـاس مسألـــة *** معروفة في العــلم أو مفتعلــة
فلا تـكن إلى الجــواب سابقًـــا *** حتى ترى غيــرك فيها ناطقًــا
فـكم رأيــت من عجول سـابـق *** من غيـر فهم بالخــطأ نـاطـق
أزرى بـه ذلــك فـي المجــالس *** عنـــد ذوي الألـباب والتنافس
والصمت فاعلم بك حقًــا أزيــن *** إن لــم يكن عنـدك علـم متقن
وقــل إذا أعيــاك ذاك الأمــر *** مـالي بمــا تسـأل عنه خبــر
فذاك شطر العلم عنــد العلمــا *** كذاك مــا زالت تقول الحكمــا
والصمت فاعلم بك حقا أزيـــن *** إن لم يكن عندك علــم متقــن
إيــاك والعجــب بفضل رأيكا *** واحذر جواب القول من خطائكـا
كم من جواب أعقب الندامـــة *** فاغتنم الصمت مع السلامــة "(1)
ومن جميل ما قيل من أبيات في حسن السمت والتزام الصمت وفضله، وما يضيفهما من وقار وهيبة على المتحلي بهما، تلك الأبيات التي انتقيتها حتى تثري وتؤكد على ما ذكرت من فضيلة حسن السمت والصمت نفعني الله وإياكم بهذه الأبيات وجعلنا من متخذي السمت الجميل سمة لنا، وممن يؤثرون الصمت على كثرة الكلام دون فائدة ودون علم آمين آمين، يقول الشاعر عبد اللطيف بن علي فتح الله (2) مفتخرًا بأن حسن السمت من الصفات التي تحلى بها كل فرد في عائلته، وذيوع ذلك بين الناس، يقول :
حسـن السـمت شاع فينـا *** مثل مسك وعنبر ثم عــود
* ويقول أيضًا خليل مطران مادحًا حسن السمت :
السجية في كل نبـيل مـرآتها الهنـدام
*ويقول الشافعي رحمه الله مرجحًا الصمت عن الجاهل والأحمق عن الدخول معهم في مشادة كلامية، وقديمًا قالوا: إذا أنت ناظرت العالم غلبته وإن ناظرت الجاهل غلبك ليس بعلمه وإنما بجهله، أما العالم فمناظرته ستعتمد على المنطق والعلم فمن السهل إن كنت على حق أن تقنعه بما تعلم يقول الشافعي :
قالوا سكت وقـد خوصمت قلت لهم *** إن الجـواب لباب الشـر مفتـــاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شــرف *** وفيه أيضًا لصون العـرض إصــلاح
أما ترى الأُُسُد تُخْشَى وهي صامتـة؟ *** والكلب يخسى(3)لعمري وهـو نبـَّاح
فالشافعي – رحمه الله – يقصد إن الصمت عن الجاهل يصون عرض وكرامة الإنسان ولا يوقعه في شماتة الشامتين، ولا يوقعه في براثن التعلق بأخطائه والتي ينتظرها الناس الطامعين في النيل منه، وشبه الشافعي السكوت عن الجاهل كالأسد الساكت فسكوته هذا يخيف الناس ويرعبهم، أما من يتكلم مع الجاهل فهو كالكلب الذي يرجمه الناس بالحجارة عندما ينبح، فيالروعة وجمال التشبيه الشافعي، وشبه الشافعي سكوته بالتجارة الرابحة، وألزم نفسه به، فهو أكثر المتاجر ربحًا – للعالم بالطبع – يقول :
وجــدت سكـوتي متجرًا فلزمته *** إذا لم أجد ربحًـا فلست بخاســر
وما الصمت إلا في الرجال متاجـر *** وتــاجره يعلو على كـل تاجر
* ويحذر الشافعي الناس من حصائد ألسنتهم كما حذرنا النبي من ذلك عندما حذر معاذ رضي الله عنه من شر اللسان وقال إنه يكب الناس على مناخيرهم يوم القيامة في النار يقول الشافعي :
احفظ لسانـك أيـها الإنسـان *** لا يلـدغنـك إنـه ثعبـــان
كم في المقابر مــن قتيل لسانـه *** كانت تهاب لقــاءه الأقــران
* وحسن السمت والتزام الصمت فيما لا ينفع من الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها من يحفظ كتاب الله، فهو نبراس للآخرين فيجب أن يكون قدوة حسنة لغيره، والتزام الصمت لا يعني عدم الإجابة أو الرد على من يسألني في مسألة أنا أعلم بها، بل التزام الصمت عندما يكون جواب تلك المسألة ليس عندي، في هذه الحالة يجب التزام الصمت وأما عن حسن السمت لحامل القرآن فيعني الاهتمام بالمظهر الخارجي وكذلك الداخلي فيجب أن يكون حسن السمت أمام الله وأمام الناس، وكذلك التحلي بحسن السمت في مشيته ومأكله ومشربه وكلامه وكل معاملاته مع الناس وفي ذلك يقول الآجري في كتابه "أخلاق حملة القرآن " :
-----------
(1)"جامع بيان العلم وفضله " ابن عبد البر القرطبي,(1/146-147) , ط : دار الكتب العلمية بيروت – لبنان , د ت
(2) أديب من بيروت تولى القضاء والإفتاء توفي سنة 1260ه – 1844م و ديوانه مطبوع .
(3) يخسى : يرمى بالحجارة .
(4) انظر: " أخلاق حملة القرآن " للآجري :( 1 / 27 ) , تحقيق وتعليق: أبو محمد أحمد شحاتة السكندري , ط : دار الصفا والمروة بالأسكندرية , الطبعة الأولى 1426 هـ / 20005 م.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: