د. أحمد محمد سليمان - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7871 Mr.solyman@yahoo.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
السلبية : تنبني على الإضراب وعدم المشاركة في كل مجالات الحياة، والركون إلى اليأس والإحباط، وهي عكس الإيجابية.
لعبت السلبية دورا كبيرا في قيام واشتعال نيران الثورات العربية، فرضوخ تلك الشعوب واستسلامها لحكامها سنوات طويلة، كانت سنوات عجاف، وسنوات ظلم وقمع وتغريب للمواطن داخل وطنه، فشعر المواطن بالغربة، وبأنه محتل من قبل أناس مثله يعيشون في بلده، ويدينون بدينه، ويتكلمون بلغته، كل هذا ولم تتكلم الشعوب ولم تعبر عن استيائها وغضبها من سياسات حكامهم، فأخذت تحقن غضبها، وتبتلع رفضها، وتشرب استيائها، حتى امتلأت حقنا وبلعا وشربا، ففاض كيلها واندفعت وثارت في وجههم دون تخطيط وتنظيم، ودون سابق إنذار ومن هنا جاء الخطر فهؤلاء الحكام فوجئوا بغضب المواطن الذي طالما كان مسالما مقهورا، فلم يعرف الحاكم وأتباعه ماذا يفعلون فهول المفاجئة أصابهم بالخلل وأفقدهم وعيهم واتزانهم، فأخذوا يواجهونهم بالعنف فازداد غضب الشعوب، ثم بدَّلوا العنف بالترضية فحاولوا ترضيتهم وأنهم سوف ينفذون طلباتهم، فلم ترضَ الشعوب وطالبوا بالإطاحة بهم وبنظامهم وبحكومتهم، ولم تتراجع تلك الشعوب عن مطالبها بالرغم من رؤيتهم ذويهم وأقاربهم وهم يقتلون أو يعتقلون، فلم يزدهم هذا إلا إيمانا بما خرجوا من أجله.
فلا إفراط ولا تفريط، فديننا دين الوسطية فلا نصمت حتى ينفجر صمتنا ويحدث ما حدث، فالحكمة أن تعطي كل شيء حقه، ولا تعديه حده، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخره عنه.
فليعلم كل عربي مسلم أن الإسلام عقيدة متحركة، لا تطيق السلبية. فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور تتحرك لتحقق مدلولها في الخارج؛ ولتترجم نفسها إلى حركة وإلى عمل في عالم الواقع.
الثورة السلبية في مقابل الثورة الإيجابية :
إن الثورة السلبية أن تقف شعوبنا العربية عند حد الثورة على الظلم، والوقوف في وجه الظالمين والفاسدين وحسب، والارتياح واللجوء إلى السكينة والاطمئنان لمجرد تنحيهم عن أماكنهم، أو حتى لمجرد محاكمتهم وتجريدهم من سلطاتهم وأموالهم وغير ذلك.
أما الثورة الإيجابية فتكون بعد أن تُنحيهم وتزيل غمتهم وسلطتهم، بحيث تشرع في بناء مجتمعك وتطويره، والسير به دوما للأمام، فيزداد الإنتاج، ونبدأ في تأصيل العادات والأفكار الإيجابية بين أفراد مجتمعنا، ومحو العادات والأفكار السلبية التي سيطرت عليهم طيلة العقود السابقة.
فعندما ينفي الله الصفة السلبية عن نفسه، فإنه لا يكتفي سبحانه بمجرد النفي، بل يتعداه – جل وعلا- إلى إثبات كمال ضدها.
اليهود والسلبية : بطريقة غير مباشرة ساعد اليهود على انتشار السلبية في مجتمعنا؛ إذ رمى وألصق مجتمعنا العربي التهمة بهم في كل أمر سيء يحدث فينا، فعندما نشبت الفتنة بين المسلمين والمسيحين في مصر ألصقوها باليهود، دون أن يهتموا بأسباب الفتنة ومحاولة تفاديها وحلها حلا جذريا، رأوا أن الأسهل لهم إلصاقها باليهود، وأخذوا يتناولون هذا على صفحات الجرائد وشاشات الإعلام. أليس هذا من السلبية؟ !! فالإيجابية تدعونا إلى البحث عن المرض لاستئصاله.
فتهميش وتتفيه الجوانب السلبية سوف يُخمد نيران ثوراتنا وسيؤول بنا إلى مخاطر وعواقب وخيمة لا يُحمد عقباها، فحلمنا بأننا بمجرد الثورة على الفساد والظلم حققنا كل المراد والمبتغى، وأنه سيحقق لنا السعادة والنمو والرخاء، أمر جد خطير فعلينا أن نفيق من غفلتنا ولا نقف عند حد الثورة السلبية ونتعداه إلى الجانب الإيجابي من الثورة.
وتلعب إعادة تسمية الوقائع بمسميات غير صحيحة لتيسيرها على المواطنين يُعد من السلبيات التي تواجهها ثوراتنا العربية، فكما يقول الرئيس الليبي إن من قام بالثورة ضده هم المرتزقة والمغتربين اللذين وفدوا على ليبيا واختص مصر وتونس والجزائر بهذا، ولم يضع المسمى الحقيقي للثورة ضده بأنها ثورة على القمع والظلم الذي مارسه على شعبه طيلة فترة حكمه، وفي مصر ألصقوا أية وقعة تحدث بأنها من فلول النظام، دافنين رؤوسهم وأعناقهم في الرمال.
بل أحيانا يلجأ بعض الناس إلى إعادة تعريف المصطلحات والمسميات، كما فعلوا مع مصطلح العلمانية وقاموا بإعادة صياغة تعريفه، فابتعدوا عن معناه الحقيقي خوفا من الاضطرابات التي ستحدث بعدما يعرف الناس المعنى الحقيقي للعلمانية.
فغياب المفاهيم والمصطلحات عن فهم كثير من الشعوب العربية يؤدي إلى الوقوع في آثار سلبية عديدة منها مثلا : العجلة واليأس والقنوط من رحمة الله، والتحايل على كسب الأرزاق، وغير ذلك من الأمور الكفيلة وحدها بهدم كياننا العربي، ومحو الإنسان العربي من على ظهر الأرض، فيجب على إعلامنا الهادف المستنير توضيح المفاهيم والمصطلحات، والوقوف على معاييرها ومتطلباتها وتوصيلها للناس بصورة بسيطة وميسرة.
ومن السلبيات التي تتبعها القائمون على ثوراتنا العربية الدخول في نقاشات ومجادلات مع قوم لم نكشف عن هويتهم وشخصيتهم الحقيقية بعد، مما يجعلنا نُعلي من أمرهم ونزيد من قدرهم، ونجعلهم بكل بساطة يصلون إلى الناس، وهذا يُعد أمرا خطيرا، فقد ينجذب إليهم بعض الناس ويقفون في صفهم، بل ويصبحون معهم دون وعي وإدراك، ونحن من ساعدهم على ذلك، فيجب الامتناع عن المناقشات والنزاعات مع أقوام لم نعرف كنههم.
وتبرير الانكسارات كذلك من الأمور السلبية التي وقعنا فيها، فلكل أمر لدينا مخرج ومهرب منه، مخرج سلبي وتبرير غير واقعي، حتى صار قوتنا اليومي هو الهروب من الواقع الذي نعيشه، واللجوء إلى المبررات والعلل. فإنك لو سألت أحد الناس عن شيء سيء حدث له سوف يعد لك أسبابا كثيرة وينسى أن يقول أنني أخطأت في كذا وكذاو وكأنه دوما على صواب وإنما الظروف ومن حوله هم السبب في هذا الخطأ الواقع.
السلبية وتزكية النفس :
تزكية الإنسان نفسه تقوده إلى الوقوع في السلبية، فعندما يزكي الإنسان نفسه سيشعر أنه أفضل من الآخرين، وأنه يعلو عليهم في فكره وعمله، حينها سيصعب عليه الاستماع إليهم، وسيصعب عليه أن يقف مع نفسه ليحاسبها، بل ولن يعترف أبدا بخطئه، بل ستجده يكره الناجحين والنابغين في كل المجالات ليس مجاله فقط، بل وسيتعدى الأمر إلى محاولته تنحيتهم من سلطاتهم وإبعادهم عن أماكن تواجده، وكذا سيحاول التقليل من نجاحاتهم، وهذا ما وقع فيه أغلب عناصر حكوماتنا ولن أعمم، فهناك فئات كثيرة في مختلف البلدان العربية ناجحة بل وتستمع إلى أصوات العقل وتحب أن تقترب من الناجحين لا تنحيتهم.
فهذا الشخص الذي يزكي نفسه لا يستشعر بدوره نحو مجتمعه، وأن عليه أن يشارك غيره في تنمية مجتمعه بل وتعدي مجتمعه إلى تنمية الأمة الإسلامية كلها، بل وإعمار الأرض، فإعمار الأرض من الأشياء التي خلق الله الإنسان من أجلها.
ليس بالإمكان أحسن مما كان :
هذه المقولة السلبية التي انتشرت على ألسنة شعوبنا من ضمن السلبيات التي يجب القضاء عليها، فدوما بالإمكان إصلاح ما كان، أما الإيمان بهذه المقولة فسوف يرمي بنا إلى الاستسلام واليأس بأن ما قمنا به لن نتمكن من الإتيان بأفضل منه، وسوف يجرنا هذا إلى التواكل، ومنا من يقتنع بالفعل بها ويجعلها ملازمة له، وهذا من أكبر الأخطاء التي وقعنا فيها. ومن الأقوال السلبية كذلك لقد خُلقت هكذا، وهو بهذا يعطي لنفسه المبرر كي يظل على حاله السيء ولا يحاول إصلاح نفسه، فهذا المقولة توحي بعجز الإنسان عن إصلاح نفسه، فما بالنا بإصلاح غيره.
الحل الأمثل للقضاء على السلبية :
ليس أمثل ولا أفضل من التحلي بالإيمان، وترسيخ قواعده ومعتقداته بين الناس، فالإيمان يرفض السلبية والتواكل رفضا قاطعا، والإيمان يرفض تقبل الظلم دون مواجهته، قال تعالى : {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [ص/24] فبالإيمان سوف يتقلص الظلم ولن نجد أحدا يظلم أخاه ولا يجور على حقه. ولنعلم أن الإيمان ليس معناه أداء العبادة وحسب، بل يعني تذوق حلاوة الإيمان وسيطرته على كيانه وقلبه ووجدانه ومشاعره، فكم من صائم لم يستفد من صيامه إلا الجوع والعطش، فعندما تجد مؤمنا يكذب ويحسد ويظلم ويجور على حقوق الآخرين، فاعلم أنه لم يستفد من عبادته ولم يحسن إيمانه بهذا العبادة، فالإيمان سلوك وعبادة.
نصيحة لحكام أمتنا:
إن الشعور بالعدالة الاجتماعية، والمساواة في الفرص المعيشية الطيبة يؤصل في نفوس شعوبكم الولاء للمجتمع وحب الدولة، والشعور بأن الحاكم رجل منهم يخاف عليهم ويحبهم جميعا على حد سواء، مما يجعلهم يتغاضون عن أي شيء يحدث غصبا عنكم، وسوف يخلقون المعاذير والمبررات لكم، لكن في حالة تكرار وقوع الخيبات والنكبات والكوارث سوف يؤدي إلى انعدام الثقة بينهم وبينكم، بل ستصبح السمة العامة لشعوبكم : السلبية، التي رأيتم جميعا ماذا حدث منها، فالسلبية تُعلي من شأن الفردية وتحط من شأن الأمة والجماعية، وتساعد على التفتت والتفرقة بين أفراد المجتمع الواحد، ومن ثم الوقوع في ظلمات لا مخرج منها إلا بعد سنوات طويلة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: