د- كمال حبيب - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5703
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يسعد موقع "بوابتي" إنضمام الدكتور كمال حبيب من مصر، للمساهمين بالنشر بالموقع، ونحن نرحب به وبإنتاجاته الفكرية.
محرر موقع "بوابتي"
--------------
مسألة التنوع والتعدد داخل الحركة الإسلامية هي أمر يكاد أن يكون بديهيا، فالحركة الإسلامية هي صورة لمصر جميعها، ومن الصعب أن تختزلها كلها في لون واحد أو طيف واحد أو صورة واحدة.
ومن هنا فإن العاملين داخل الحقل الإسلامي عليهم أن يتقبلوا التنوع والتعدد داخله كمعطي given لا يجب أن يبذلوا جهودا كبيرة لتحويله إلي لون واحد وإنما الجهد الحقيقي يجب أن يتوجه لكيفية إدارة التنوع داخل الحالة الإسلامية بحيث يتحول هذا التنوع والتعدد إلي مصدر للقوة والفاعلية والتجدد والحيوية بدلا من أن يكون سببا للتنازع والاختلاف والشقاق.
وفي الواقع فإن هناك أسبابا للتعدد داخل الحالة الإسلامية من بينها مثلا بدايات النشأة التاريخية لبعض الحركات داخل الحالة الإسلامية، ومن بينها خصوصية تجارب كل فصيل داخل التيار الإسلامي، ومن بينها التقديرات الخاصة لبعض الفصائل أن لا تندمج مع فصائل أخري، وفي العالم العربي والعالم الإسلامي سوف نجد تنوعا وتعددا داخل الحركة الإسلامية، فلا يوجد بلد عربي أو إسلامي لديه حركة إسلامية واحدة لأن طاقة الحركة وقدرتها وتنوع مصادرها أكبر من قدرة أي حركة واحدة علي استيعابها.
هذا لا يعني بالطبع تعزيز واقع التنوع المتشرذم الذي لا منطق له وإنما يجب علي الفصائل الصغيرة خاصة تلك التي لا تملك معني لأن تكون فصيلا قائما بذاته أن تندمج مع فصائل أخري أكبر وأقرب لها في التوجه الفكري، ومن ثم فإن ما نقصد به التنوع أن لا يكون تنوعا بلا منطق أو أن يكون تنوعا فسيفسائيا مثل الموزاييكو، فهناك قوي علمانية سمعنا عنها اندمحت مع قوي علمانية أخري أكبر منها.
أقول هذا بمناسبة الزحف من التيار الإسلامي نحو تأسيس أحزاب سياسية، فكل يوم نسمع عن حزب جديد، وفي حوارات مع تلك القوي نجد عنادا طفوليا بأن يبقي كل حزب مكانه لأنه يخاف أن تأتي قوي أخري إليه فتفقده تجانسه وهؤلاء يتحدثون عن الحزب كما لو كان جماعة فالحزب ايها الأخوة هو تنويعة واسعة من مجموعة قد تتعدد مشاربها ولكن يجمعها هدف واحد هو التبشير بالعدل الاجتماعي أو الحرية الإنسانية أو التنمية المتوازنة أو غيرها من الأهداف التي تتخذها الأحزاب وهي في النهاية تسعي للوصول إلي البرلمان وربما السلطة ذاته بتشكيل الحكومة أو عمل ائتلافات مع قوي أخري لتشكيلها، ومن ثم فإن منطق الحزب يختلف عن منطق الجماعة.
هناك مستويات أخري من التفاهم بين القوي المتنوعة داخل الحالة الإسلامية مثل الائتلاف أي يمكن لمجموعات لديها حد أدني من الاتفاق علي أهداف مشتركة أن تكتل جهودها معا لتحقيق هذه الأهداف، وهناك بالطبع مستوي التنسيق بين القوي والتيارات المتنوعة داخل الحالة الإسلامية بحيث لا يترشح اثنان من الإسلاميين في مواجهة بعضهما في نفس الدائرة، وهنا فإنه لا بد من حوار جاد بين الفصائل المتنوعة داخل التيار الإسلامي لكي يسمع بعضهم لبعض ولكي يتعرف بعضهم علي بعض ولكي يجري التوافق بينهم علي برنامج الحد الأدني لتنظيم صفوفهم وترتيب قواتهم، وإني أدعو الأخوان المسلمين أن تنفذ ما كانت قد وعدت به وهو أنها ستجري حوارا مع القوي الإسلامية كما أجرت وتجري دائما حوارات مع القوي الوطنية الأخري.
القضية الرئيسية والأساسية التي تواجه الحركة الإسلامية ليس مسألة إنهاء التنوع داخل الحالة الإسلامية ولكن كيف يمكن طرح رؤي خلاقة وإبداعيه لإدارة هذا التنوع بحيث يصبح أحد مصادر المصداقية لها أمام الناس وبحيث يصبح أحد مصادر القوة لها.
عالم الإسلام هو عالم التنوع والتعدد فهناك تنوع في المذاهب الفقهية وهناك تنوع في المدارس اللغوية وهناك تنوع في المذاهب الفلسفية، وهناك تنوع في مدارس التفسير والأصول والتاريخ، وهناك تنوع في الأمم التي كونت عالم الإسلام الذي لم يلغ التعدد ولكنه نظمه وحاصره أن يتحول لعنصر امتناع وشقاق وانقسام رأسي، وهذا هو نفس ما تواجهه الحركة الإسلامية اليوم كيف يتحول هذا التنوع والتعدد لمصدر إثراء وغني حقيقي وليس سببا للتنازع والمشاقة والمحاداة والمغاضبة.
صحيح أن الواقع أنضج التنوع في داخل الخبرة الإسلامية منذ القدم وهو كفيل اليوم بأن ينضج ما يمكن أن أطلق عليه " التهافت علي التنوع "، فكل حزب عليه أن يبلور نفسه في مدرسة أو موقف فكري واضح ثم يؤكد نفسه كقوة اجتماعية حقيقية في أرض الواقع ثم يعبر عن مصالح تلك القوة الاجتماعية التي يمثلها وهنا نقول إننا بإزاء مدرسة أو حزب أو تيار له وجود حقيقي كما هو الحال بالنسبة للإخوان في مصر أو العدالة والتنمية في المغرب أو تركيا أو الحزب الإسلامي في ماليزيا، ومن يعجز عن تأسيسه لقوة اجتماعية حقيقية فعليه أن يندمج في أقرب القوي إليه بحيث نضبط التنوع داخل الحركة الإسلامية ونحسن إدارته فتلك هي التحدي الأكبر الذي يواجه الحالة الإسلامية اليوم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: