البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

موقف الفكر العربي العَلْماني من النص القرآني

كاتب المقال وصفي عاشور   
 المشاهدات: 8157



منذ أن صدع النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر الله وأعلن أنه رسول الحق - عز وجل - ومكلَّف بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة إلى الناس؛ طفقت فئة من الناس تقف في وجه الحق وترفض رسالة الباري - عز وجل - خوفاً على مصالحها، وتشبُّثاً بمراكزها.
ولجأت هذه الفئة من الناس إلى معارضة الحق بالوسائل والحماقات كافة فقالوا: {اللَّهُمَّ إن كَانَ هَذَا هُوَ الْـحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: ٢٣].
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: ٦٢].

وتقلَّب المناهضون للحق بين حماقات مختلفة، وافتراءات متنوعة تكشف عن اضطرابهم وقلة حيلتهم وفقدانهم لصوابهم؛ فقالوا عن القــرآن الكريــم: إنه شعر، أو سحــر، أو كهانة، أو افتراء، أو أضغاث أحلام، أو غير ذلك. ولم يستقروا على قرارٍ كالـمُتهم الذي ينتقل من كذبة إلى أخرى ليتخلص من الإدانة، ولكنه يزيد في فضيحة نفسه وكشف حقيقة حاله.

ولأن القرآن الكريم يتنزل من علو، ويفيض بجلال الربوبية؛ لم يخش أن يعرض شبهات المشركين الآنفة في مواضع متكررة ومتعددة، ولكنه فنَّدها بكلمات قليلة بليغة موجزة تستقر في بؤرة العقل، وتنغرس في صميم الوجدان.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فإذا كان المشركون قالوا عن الوحي: إنه شعر؛ فقد قال ورثتهم المعاصرون: إنه شعور داخلي، وإذا كان أولئك قالوا: سحر؛ فقد قال هؤلاء: عبقرية، وإذا كان أولئك قالوا: كــاهن؛ فقــد قــال هؤلاء: استبطان أو هذيان، وإذا كان أولئك قالوا: جنون؛ فقد قال هؤلاء: صرع أو هلوسة، وإذا كان أولئك قالوا: بل افتراه إنما يعلمه بشر سموه رحمان اليمامة؛ فقد قال هؤلاء: إنما يعلمه بحيرا أو أهل الكتاب وغير ذلك.

وهكذا فإن الشبهات التي طرحها أبو جهل، أو الوليد ابن المغيرة، أو اليهود القدماء؛ يطرحها أتباعهم المعاصرون ولكن بصياغات جديدة، وبأشكال عصرية، تحاول أن تتسلل إلى العقول، وتتسرب إلى الفكر، ولكن القرآن الكريم يظل - ولله الحمد - كالطود الشامخ لا يزيده الطعن والمناهضة إلا ثباتاً ورسوخاً.

وإذا كان الخطاب العَلْماني العربي قد اجترَّ مقولات المشركين فإنه لم ينسَ أيضاً أن يلجأ إلى الغرب ليستفيد من تجربته في الصراع مع النصرانية، وأراد أن يكرر المعركة مرة ثانية في ديار الإسلام لعله يربح المعركة كما ربحها الفكر الفلسفي الغربي مع النصرانية. ويطمع أو يطمح بعض العَلْمانيين العرب أن يكونوا في مستقبل التاريخ رجالاً مثل رجال النهضة الغربيين وأن تسجل أسماؤهم في سجل الخالدين كما سجلت أسماء (ديكارت، وسبينوزا، وهيجل، ونيتشه) وغيرهم؛ لأنهم يظنون أن الإسلام سينهار كما انهارت النصرانية، وسيصبح ديناً من أجل الذكرى فقط، ولكن هؤلاء نسوا أن الإسلام مرَّ بتجربة شبيهة بالتجربة التي مرت بها النصرانية من حيث الدراسات النقدية والطعنات الفكرية وذلك في عصر ابن الراوندي والرازي الطبيب وغير هؤلاء كثير، ذلك العصر الذي مثَّل نقطة تحول الكثير من الأمم إلى الإسلام، ولكن في حين خسرت النصرانية المعركة فإن الإسلام خرج ظافراً، وأيضاً فقد مرَّ الإسلام بتجربة أخرى في العصر الحديث حيث لم تُقصِّر الدراسات الاستشراقية في القرنين الماضيين في توجيه أقوى ما لديها من طعنات إلى الإسلام والقرآن؛ ولكن - بحمد الله عز وجل - يخرج الإسلام مرة أخرى ظافراً منتشياً رغم تخلف أهله وضعفهم، ويكاد يسيطر بتفسيره للكون والوجود على أصقاع المعمــورة.

وكانت المعركة الجدلية قد انتهت في الغرب إلى القول بتاريخية النصرانية وتاريخية الكتب المقدسة وأن الأديان من صنع البشر وتعبير عن مطامحهم وأحلامهم، وأراد الفكر العَلْماني العربي أن يستثمر هذه المقولات الجاهزة ليتعامل على أساسها مع الإسلام وكتابه القرآن؛ فأخذت تشيع بين فئة من الباحثين العرب فكرة التاريخية وتاريخية النص عموماً، وتاريخية القرآن الكريم خصوصاً في بعض المؤتمرات والندوات والبحوث والمقالات، إلا أن مسألة التاريخية تُطرح أحياناً بطريقة مراوغة دون أن ينتبه إليها العقل الإسلامي وذلك حين يقال: إن القرآن ثابت المنطوق؛ متحرك المفهوم، أو إن القرآن ثابت من حيث اللفظ؛ تاريخي من حيث المعنى. والمتأمل يكاد لا يرى في هذا القول أي مشكلة للوهلة الأولى، ولكن التمعُّن يبين أن القضية ليست بهذا العموم وهذا الإطلاق؛ لأن القرآن الكريم فيه ما هو ثابت المعنى كأمور العقائد وما هو معلوم من الدين بالضرورة، وفيــه ما هو متحرك يحتمل دلالات مختلفة وأوجهاً متعددة، ولكن الخطاب العَلْماني العربي يمزج بين المحورين دون تفرقة بين ثوابت ومتغيرات، بالإضافة إلى كون المتغير عنده والذي يخضع للاجتهاد لا تحكمه ضوابط ولا تحدُّه حدود.

وفي هذا الإطار جرت مؤخراً في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة مناقشة رسالة علمية بقسم الفلسفة الإسلامية بعنوان: «موقف الفكر العربي العَلْماني من النص القرآني، دعوى تاريخية.. النص نموذجاً» للطالب السوري أحمد إدريس الطعان الحاج الموفد من جامعة دمشق، والذي حصل بها على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى. وقد تكونت لجنة المناقشة من الأستاذ الدكتور السيد رزق الحجر أستاذ الفلسفة بدار العلوم مشرفاً، والأستاذ الدكتور حسن حنفي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة مناقشاً، والأستاذ الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي المعروف مناقشاً.

وعن منهج الباحث في هذه الرسالة فقد اقتضت طبيعة الموضوع المعالج أن تستخدم فيه أكثر المناهج؛ فكان المنهج الوصفي في عرض الأفكار وتقريرها، ويتداخل أحياناً المنهج الوصفي مع المنهج التحليلي، وأحياناً تتداخل معظم المناهج فيكون الوصف والتحليل والنقد والمقارنة كلها ضرورياً في الفكرة الواحدة نفسها.
وقد جاءت خطة البحث في مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة:

الباب الأول: عنوانه «العَلْمانية من الغرب إلى الشرق»، وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: الجذور الفلسفية والتاريخية للعَلْمانية في العالم الغربي:
وتناول فيه علاقة الفكر الكنسي مع الفكــر الرشدي - نسبة إلى ابن رشد - كما فهمه الغربيون، ثم الصراع بين الكنيسة والعلم والفلسفة، وكيف انتهى هذا الصراع بخسارة الكنيسة خسارة فادحة واجتياح العَلمانية مؤيدة بالعِلمانية لكل مجالات الحياة الغربية، ولكن في الوقت الذي كانت فيه العَلْمانية تحقق نجاحات هائلة على مستوى العلم والطبيعة؛ كانت تُمنى بإخفاقات خطيرة جداً على مستوى الفلسفة والعقل والحقيقة والسعادة، فكان حصاد العَلْمانية مزيداً من اليأس والمرارة والدمار الذي لحق بالإنسانية على مستوى الأفراد والمجتمعات والشعوب. وقد وصل الباحث من خلال هذا الفصل إلى نتيجة قد تبدو طريفة وهي أن العقل الغربي ممثلاً بالعقل اليوناني والعقل الأوروبي الحديث قد جازف مرتين واعتمد على نفسه في كلتا المرتين مستبعداً الوحي.
- ففي المرة الأولى: يمكن اعتبار بدء هذه المجازفة منذ السوفسطائيين في القرن السادس قبل الميلاد، وانتهائها بآخر الشكاك الذي يسمى «إسكستوس» في القرن الثاني للميلاد والذي ألف كتاباً أسماه (الحجج البيرونية) نصر فيه أستاذه «بيرون» (إمام الشكاك) وقد رأى «إسكستوس» أن المعرفة ممتنعة المنال.
- وفي المرة الثانية: تبدأ مجازفة العقل الأوروبي الحديث منذ أن شاعت سفسطة الرشديين وانتشار فكرة الحقيقة المزدوجة أو الحقيقة ذات الوجهين، وتنتهي في القرن العشرين بالفلسفات اللاأدرية أو الشكية التي يمثلها «برتراندرسل» وغيره من المدارس الفلسفية التي تمثل العدمية والإحباط واليأس والقنوط من الوصول إلى المعرفة وانفصام الإنسان عن العالم، يقول «برتراندرسل»: «إننا نعيش اليوم فيما أطلق عليه اسم عصر الشك والقلق والنسبية والسخرية من كل شيء».
وهكذا نجد أن العقل الغربي قد جازف مرتين واستهلك في كل مرة قرابة سبعة قرون يبدأ بالسفسطة وينتهي بالشك واللاأدرية، وذلك بسبب غرور العقل الإنساني واعتداده المفرط بنفسه وإعراضه عن الوحي الإلهي.

وفي الفصول الثلاثة الأخيرة من هذا الباب حاول الباحث أن يبين كيف تسلَّلت العَلْمانية إلى العقل العربي ودنيا المسلمين، وكيف تغلغلت في المجتمع وعاداته وتقاليده العربية والإسلامية. كما رصدت بعض المفاهيم المتشابكة مع العَلْمانية كالعِلمانية والعَلْمانوية والعَلْمنة والعَلْمانية الشاملة والعَلْمانية الجزئية، والعَلْمانية الصلبة والعَلْمانية اللينة، والعَلْمانية والسلام.

ثم حاول الباحث أن يحل إشكالية الدور الفلسفية التي يستعيدها الخطاب العَلْماني من أجل التأسيس لعَلْمانية تقوم على أسس فلسفية محضة بعيداً عن أي اعتبارات تاريخية أو اجتماعية أو نصوصية. وقد ناقش الباحث هذه القضية وبيَّـن الفرق بين الرؤية الكلامية والرؤية العَلْمانية لقضية الدور وإلى أين تظل سارية في الرؤيتين.

وفي المبحث الأخير من هذا الباب حاول الباحث أن يصنف خصائص العَلْمانية كما هي شائعة في التنظيرات العربية، ثم حاول أن يستخلص منها تعريفاً جامعاً للعَلْمانية، ثم حاول أن يضغط التعريف مرة أخرى بكلمة واحدة؛ فكان تعريف العَلْمانية بأنها «الدنيوية».

أما الباب الثاني فقد جاء بعنوان: «التاريخية ومداخلها المعلنة» وتحدث فيه عن مفهوم التاريخية عموماً، ثم تاريخية القرآن خصوصاً، وكيف حاول الخطاب العَلْماني العربي أن يسقط النظريات الغربية في دراسة الأديان على الإسلام بوصفها وهماً من أوهام الجماهير أو أساطير وخرافات أنتجها التراكم المعرفي عبر الحضارات.

وقد عرَّف الباحث التاريخية العامة بأنها «إخضاع الوجود بما فيه لرؤية (زمكانية) قائمة على الحتمية والنسبية والتطورية»، وقد انعكس ذلك على القرآن الكريم فوُصف بأنه نص أو خطاب تاريخي، وأنه مُنتَج ثقافي ذو بنية أسطورية. وقد عرف مصطلح تاريخية القرآن بأنه «إخضاع القرآن الكريم لأثر الزمان والمكان والمخاطب».

وقد كان القول بالتاريخية يتسلَّل عبر مفاهيم إسلامية مثل: المقاصد وعلوم القرآن، ومفاهيم حداثية مثل: الفن الأدبي والقصص الأسطوري، ويراد من خلال هذه المفاهيم ذرُّ الرماد في العيون وتمرير الأيديولوجيا العَلْمانية دون مصادمة صريحة مع الفكر الإسلامي، ومعلوم أن مقاصد الشريعة مبدأ أصولي له ضوابطه وأصوله، ولكن الخطاب العَلْماني يستخدمه مجرداً من أي ضوابط، ومعلوم أن المقاصد المرادة هي مقاصد الباري - عز وجل - ولكن الخطاب العَلْماني يبحث عن مقاصد الإنسان ومراداته وأهوائه، وتكون المقاصد وسيلة أساسية لتحييد اللغة من أجل إتاحة الفرصة أمام العقل ليتحكم بالنص.

وإذا كانت الغاية من المقاصد تحكيم العقل بالنص فإن علوم القرآن استخدمت لتحكيم الواقع بالنص، فالنص ضمن هذا المنظور ينزل بناءً على طلب الواقع واستجابة لدعوته، والنص عليه دائماً أن يبارك الواقع وإلا فإن التاريخية ستطويه تحت جناحها المطاط.
ولم يكتف الخطاب العَلْماني بإخضاع القرآن الكريم لحكومة العقل والواقع وإنما تم في المدخلين الأدبي والأسطوري تحكيم العواطف والمشاعر والهواجس الإنسانية أيضاً في فهم النص أو التخلص منه. وفي المدخل الكلامي استُلِب الخطاب العَلْماني للجدل التبشيري فأعيدت صياغة قضية خلق القرآن من أجل أنسنة القرآن الكريم، وشُبِّه تجسُّد القرآن في مصحف بتجسُّد المسيح في شبح إنساني.
ونصل إلى الباب الثالث وعنوانه «الأصول الحقيقية للقراءة التاريخانية العَلْمانية»، وقد حاول الباحث أن يكشف عن مدى الاجترار العَلْماني للنظريات الغربية المتعلقة بالأديان وإسقاطها على القرآن الكريم وفهمه وتفسيره. ومن أهم هذه الأسس المستوردة: النزعة الإنسية التي كرستها فلسفات (سبينوزا، وأوجست كونت، وهيجل، وفيورباخ، ونيتشه، وسارتر)، وقد تولى بعض الباحثين العرب نقل هذه الفلسفات إلى الفكر العربي فكانت (النيتشوية القصيمية) على يد عبد الله القصيمي، وقد اعتبروه نيتشه العربي لما يظهر في مؤلفاته من نزعة تمجيدية للإنسان وناقمة على الألوهية.

ثم (الوجودية البدوية) التي تكفل بنقلها مع نزعتها الإنسية عبد الرحمن بدوي، وأجرى مقارنات بين الإنسان الأوحد في الوجودية والإنسان الكامل في الفلسفة الصوفية.

ثم كانت (الفيورباخية) التي قام بإسقاطها حسن حنفي على العقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي. وقد تم تفسير الوحي طبقاً لذلك عند بعضهم من خلال منهج شعوري وعند آخرين من خلال منهج غير شعوري، وكلا التفسيرين لا يعتــرف إلا بالمحسوس ويتجــنب الحديث عــن الغيــب أو المفارق.

والأصل الثاني هو (النزعة الماركسية) التي استقطبت أكثر العَلْمانيين العرب وقد تم من خلالها تفسير الوحي والألوهية والتاريخ الإسلامي والسيرة النبوية ثم القرآن الكريم.

والأصل الثالث هو (الهــرمنيوطيــقا) ولعلــها أخطــر ما يتصل بتفسير النصوص عموماً والنص الديني خصوصاً، وقد اعتُبرت (الهرمينوطيقا) نقطة بدءٍ أصيلة لتفسير القرآن الكريم، وقد حاول البحث أن يكشف عن التواصل بين التأويل (الهرمنيوطيقي) والتأويل (الغنوصي)، والجامع بينهما هو مبدأ التناظر وما يسميه (إمبرتو إيكو): مبدأ الانتقال المزيف حيث تكون هواجس القارئ وانطباعاته وتداعياته الفكرية والشعورية هي الأساس الأول في أي عملية تأويل.

وفي الفصل الأخير من هذا البحث حاول الباحث أن يبين الانعكاسات الخطيرة للقراءة التاريخانية العَلْمانية للقرآن الكريم، وأول هذه الانعكاسات هو هدم قداسة القرآن الكريم وإعجازه وتفرُّده ودمجه في إطار النصوص البشرية والمحرفة، وقد كان ذلك نتيجة للإصرار العَلْماني على زحزحة الثوابت، والإلحاح المستمر على زعزعة الأصول، وخلخلة العقائد، وهذه المصطلحات - أعني: الزحزحة والخلخلة والزعزعة - هي مصطلحات عَلْمانية يتم تكرارها دائماً في بنية الخطاب العَلْماني بوصفها أهدافاً أساسية لتحقيق مشروعه في النهضة.

أما مآل الإسلام فقد طوته التاريخية؛ إما تحت عبثية الحداثة، أو تحت معاول الهدم والاجتثاث، أو تحت مقصات التشتيت والتشطير، أو تحت دوامة النسبية والصيرورة. ولم يبقَ من الإسلام القرآني المحمدي إلا الاسم، بل إنه حتى اسم الإسلام يفضل التخلص منه؛ لأنه بنظر الخطاب العَلْماني لفظ تقليدي لم يبقَ له رصيد نفسي لدى الجماهير وعلينا أن نستخدم لفظ (التحرر) مثلاً أو (الأيديولوجيا) عوضاً عنه.

وهكذا يبرز الدين العَلْماني الجديد المنفتح الذي يقبل كل الناس تحت جناحيه المطاطين إلى ما لا نهاية، ويستوعب كل الأفهام. إن الدين الجديد له أركانه العصرية؛ فالشهادة ليست هي شهادة (أن لا إله إلا الله) وإنما الشهادة على العصر، والجزء الثاني من الشهادة ليس ضرورياً لأنه أضيف إلى الأذان فيما بعد.

أما الصلاة فليست واجبة، وتغني عنها رياضة (اليوغا)، والصوم يحرم على المسلمين اليوم؛ لأنه يقلل الإنتاج، والحج يغني عنه الحج العقلي، والزكاة لم تعد كافية وإنما المطلوب هو الشيوعية المطلقة.
وكما تغير مفهوم الإسلام لدى هؤلاء القوم تغير مفهوم الإيمان أيضاً؛ لأن العقائد تصورات مرتهنة بمستوى الوعي والمعرفة في كل عصر، وعلى ذلك فإن الله الجديد الذي يؤمن به العَلْمانيون ليس هو الله الذي يؤمن به المسلمون والموصوف في القرآن الكريم بكل صفات الكمال والجلال والجمال، وإنما هو العدالة والحرية والتقدم، والأمل والتفاؤل. وكذلك فإن الإيمان باليوم الآخر لا يعني اليوم الآخر كما فهمه المسلمون وإنما اليوم الآخر هو المستقبل والمعاد والجنة والنار على هذه الأرض.
إن كل ما قاله الباحث هو خلاصة لنصوص الخطاب العَلْماني بكل صراحة، وهكذا يُطمَس الإسلام القرآني المحمدي لدى هؤلاء المتخرصين ليحلَّ محله الدين العَلْماني الجديد وعلى رأسه قبعة (سكسونية) بدلاً من الطربوش أو العمامة.

-------------

وصفي عاشور


باحث في العلوم الشرعية - كلية دار العلوم - جامعة القاهرة


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

علمانية، حداثة، ليبيراليون، نشأة الفكر الغربي، تغريب، النص القرآني، تاريخانية، مقاصد الشريعة، الوجودية، ابن رشد،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-06-2009   albayan-magazine.com

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فتحي الزغل، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد عمر غرس الله، عزيز العرباوي، ضحى عبد الرحمن، تونسي، محمد يحي، عبد الله زيدان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عمر غازي، فتحـي قاره بيبـان، محمد اسعد بيوض التميمي، د. عبد الآله المالكي، علي عبد العال، أبو سمية، د. مصطفى يوسف اللداوي، صفاء العربي، د. صلاح عودة الله ، المولدي اليوسفي، علي الكاش، محمد أحمد عزوز، د- محمود علي عريقات، أحمد النعيمي، د - محمد بن موسى الشريف ، د- محمد رحال، عمار غيلوفي، يحيي البوليني، سلوى المغربي، عراق المطيري، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمود فاروق سيد شعبان، أنس الشابي، محمد العيادي، د - مصطفى فهمي، رمضان حينوني، حسن عثمان، أشرف إبراهيم حجاج، د. عادل محمد عايش الأسطل، خالد الجاف ، جاسم الرصيف، مراد قميزة، رافع القارصي، صفاء العراقي، د. طارق عبد الحليم، أحمد ملحم، نادية سعد، محمد الياسين، العادل السمعلي، عبد الرزاق قيراط ، سفيان عبد الكافي، يزيد بن الحسين، سيد السباعي، مصطفي زهران، رافد العزاوي، كريم السليتي، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد علي العقربي، سلام الشماع، د - المنجي الكعبي، عبد العزيز كحيل، ماهر عدنان قنديل، منجي باكير، محمد شمام ، الناصر الرقيق، صباح الموسوي ، رشيد السيد أحمد، ياسين أحمد، سامح لطف الله، المولدي الفرجاني، وائل بنجدو، د. خالد الطراولي ، حاتم الصولي، فتحي العابد، إياد محمود حسين ، فوزي مسعود ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أ.د. مصطفى رجب، إيمى الأشقر، د. أحمد محمد سليمان، سليمان أحمد أبو ستة، د - الضاوي خوالدية، د- هاني ابوالفتوح، عبد الغني مزوز، رضا الدبّابي، صالح النعامي ، الهادي المثلوثي، محمد الطرابلسي، محرر "بوابتي"، سعود السبعاني، طارق خفاجي، حميدة الطيلوش، سامر أبو رمان ، صلاح الحريري، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، إسراء أبو رمان، د - شاكر الحوكي ، فهمي شراب، د.محمد فتحي عبد العال، عواطف منصور، د- جابر قميحة، مصطفى منيغ، محمود طرشوبي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. أحمد بشير، الهيثم زعفان، طلال قسومي، بيلسان قيصر، صلاح المختار، أحمد بوادي، كريم فارق، د - عادل رضا، عبد الله الفقير، د - صالح المازقي، أحمد الحباسي، محمود سلطان، مجدى داود، حسن الطرابلسي، د - محمد بنيعيش،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة