د. محمد عمارة: الوعي بالتاريخ والجهاد بداية تحرير فلسطين
المشاهدات: 9590
شدَّد المفكر الإسلامي، الدكتور محمد عمارة على ضرورة الوعي بالتاريخ، وعدم الاكتفاء فقط بقراءته؛ حتى يمكن إدراك سنن الله ـ تعالى ـ في الكون، مشيرًا إلى أن هذه السنن، تؤكد أن إسرائيل التي تشكل كيانًا استيطانيًا عنصريًا مجرمًا، محكوم عليها بالزوال، بشرط استمرار الجهاد.
ونبَّه في مقابلة مع موقع "لواء الشريعة" أجريت معه، بمناسبة مرور ستين عامًا على احتلال فلسطين، إلى خطورة نزع الطابع العقدي من الصراع مع الكيان الصهيوني، لافتًا إلى أن من يريدون ذلك، يهدفون إلى سلب المسلمين سلاحهم الأمضى، وهو الإيمان وما يفرضه عليهم من الجهاد، الذي يدفع المسلم للاستشهاد في سبيل الله.
وإلى تفاصيل المقابلة...
* بعد ستين عامًا من ضياع فلسطين، هناك من يقول أن التسوية السياسية هي الطريق لحل القضية الفلسطينية، ما رأيكم في هذه الرؤية للصراع؟
** خيار ما يسمونه بالتسوية، لن يوصل إلى شيء؛ لأن العدو الصهيوني لن يتنازل عن شبر من الأرض المغتصبة، إلا بالجهاد، ومفاتيح الحل أمام الأمة، التي تكفل لها تحقيق النصر واسترداد الأرض والمقدسات تتمثل في حشد الطاقات، والوعي بالتاريخ وحقائقه، واستيعاب البعد الديني للصراع، واستمرار الجهاد، والتنبه إلى خطورة الذين يريدون نزع سلاحنا العقائدي، والتخويف من ثقافة الجهاد والاستشهاد.
* يردد البعض مقولة إن الصراع مع الكيان الصهيوني ليس له بعد ديني، وإن إسرائيل ليست سوى كيان استعماري وأنها قاعدة عسكرية متقدمة للغرب.. ما تعليقكم على هذا الطرح؟
** جميع الصراعات التي تحدث عبر التاريخ، لا يمكن تفسيرها من خلال بُعد واحد، وهو البعد الاقتصادي، ومزاعم العلمانيين الذين لا يعترفون بالبعد العقدي لهذه الصراعات، خاصة الصراع مع إسرائيل، يدحضها نموذج الاحتلال الاستيطاني للبيض لجنوب أفريقيا، الذي تم تحت شعار أو أيدلوجيا تفوق الجنس الأبيض على سائر الأجناس.
ويتضح من ذلك، أن الاستعمار حتى يُقنع شعوبه بحروبه، ويحشد هذه الشعوب خلفه، لابد له من أن يستعين بأيدولوجيا وفكر وعقيدة، لذا لابد من رؤية هذا البعد العقدي والأيدلوجي للصراع، وعدم الاكتفاء بالقول: إن إسرائيل مجرد كيان استيطاني استعماري، وأنها تمثل قاعدة عسكرية للغرب في منطقتنا.
والذين يريدون نزع الطابع العقدي من الصراع مع الكيان الصهيوني، يريدون سلب المسلمين سلاحهم الأمضى، وهو الإيمان وما يفرضه عليهم من فريضة الجهاد، التي تدفع المسلم للاستشهاد في سبيل الله، مضحيًا بأغلى ما عنده، وهو النفس والمال والولد؛ ابتغاء مرضاة الله ـ تعالى ـ وطمعًا في الجنة.
البعد الإسلامي للصراع
*هل هناك نماذج من التاريخ القديم لأهمية البعد العقدي؟
** لدينا نموذج الحروب الصليبية، التي قامت من ثلاث قوى هي الكنيسة من ناحية، وفرسان الإقطاع الأوربيين، وبابا روما المُسمَّى بالبابا الذهبي من ناحية ثانية، والمدن الكبرى من ناحية ثالثة، ويتضح المزج بين البعد العقدي والبعد الاقتصادي في كلمة البابا، وهو يجمع المقاتلين في فرنسا ويخطب فيهم قائلاً: "يا من كنتم لصوصًا، كونوا الآن جنودًا، لقد حان الزمان، الذي ينبغي فيه أن تحولوا سلاحكم الذي تتقاتلون به فيما بينكم إلى الإسلام، في حروب مقدسة التي هي حق الله علينا، ليست ضد مدينة واحدة، بل هي ضد أقاليم آسيا بغناها وخزائنها التي لا تحصى".
* ولكن هناك من يري أن الصراع مع الكيان الصهيوني مجرد صراع بين العرب والفلسطينيين من ناحية، وبين الصهاينة من ناحية أخرى، على الأرض المحتلة، ويستبعدون إسلامية هذا الصراع ؟
** الصراع مع المشروع الصهيوني المتمثل في الكيان الإسرائيلي إسلامي في المقام الأول؛ لسبب بسيط، هو أن فلسطين كلها وقف إسلامي، والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وبالتالي فإن مسئولية تحريره تقع علي كاهل كل المسلمين.
والذين أرادوا علمنة هذا الصراع، لم يحرروا الأرض، ولم يعيدوا المقدسات المغتصبة، بل أضاعوا القدس ومعظم أرض فلسطين، مستخدمين الشعارات الجوفاء، مثل: القومية العربية، والأرض مقابل السلام، والتسويات السياسية والمفاوضات، ووصف المقاومة بأنها عبث وإرهاب، وفي النهاية لم يجدوا غضاضة في التطبيع مع العدو الصهيوني والاعتراف بالكيان الغاصب.
والتاريخ يؤكد بأنه لا يمكن صد الغزاة والطامعين، إلا تحت راية الإسلام، كما فعل صلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز، الذين دحروا الصليبين والتتار، وقدَّم صلاح الدين الأيوبي نموذجًا رائعًا للعلاقة بين المسلمين والآخر؛ في عدم منعه للنصارى واليهود من دخول القدس بعد تحريرها من الصليبين.
لذا نجد صلاح الدين الأيوبي، وهو يخاطب ملوك الفرنجة يقول لهم: "إن القدس إرثنا كما هي إرثكم، ومن القدس عرج نبينا إلى السماء، ولا يمكن أن نفرِّط فيها أو نتخلى عنها كأمة مسلمة، واحتلالكم لها كان أمرًا عرضيًا؛ بسبب ضعفنا، ولن يمكنكم الله أن تُشيِّدوا حجرًا واحدًا في هذه المدينة، طالما استمر الجهاد".
* الذين يريدون علمنة القضية الفلسطينية ينسون حقيقة أن اليهود يبررون احتلالهم لفلسطين بأسباب دينية توراتية، فما تعليقكم ؟
** ليس هناك أية علاقة علي الإطلاق بين اليهودية، أي شريعة موسى، وبين فلسطين، فنبي الله موسى، لم ير القدس، ولا فلسطين، إلى جانب أن الوجود العربي في فلسطين كان أسبق بمئات السنيين للفترة القصيرة، التي قضاها اليهود في تلك البلاد، والتي انتهت بالسبي البابلي، الذي قضى على الوجود اليهودي تمامًا من كل أرض فلسطين.
إعادة كتابة التاريخ
* دائما ما تؤكدون في كتاباتكم، على ضرورة الوعي بالتاريخ، وليس مجرد قراءة هذا التاريخ، فما الفرق بين الوعي والقراءة ؟
** من الممكن للإنسان أن يكون قارئًا للتاريخ، ولكن هذه القراءة لاتصل به إلى درجة الوعي بهذا التاريخ، والخروج بالنتائج المطلوبة؛ لفهم سنن الله في الكون، ففي ذكرى اقتلاع الإسلام من غرناطة، التي سقطت في يناير عام1492م، فإن الوعي بالتاريخ يتطلب معرفة الدور، الذي قام به كريستوفر كولومبس الملقب بالمكتشف الجغرافي، والذي كان أول قائد للحملات الصليبية، وخرج في رحلة لجمع الذهب؛ لتكوين جيش صليبي لانتزاع القدس من أيدي المسلمين في أغسطس عام 1492، أي في نفس العام، الذي سقطت فيه غرناطة والأندلس.
وفي عام 1992 م، أُقيم احتفال كبير في أوروبا، بمناسبة مرور خمسمائة عام على اقتلاع الإسلام من أسبانيا، وفي نفس العام، قامت حرب البوسنة والهرسك، حيث شنَّ الصرب الأرثوذكس حملة ضد المسلمين؛ لاقتلاعهم من أرضهم.
من هنا، نجد أن الوعي بالتاريخ أهم من القراءة العابرة للتاريخ، والمشكلة أن العرب والمسلمين لا يجيدون الوعي بالتاريخ.
والدليل علي ذلك، أنه في نفس هذا العام 1992م، أُقيمت دورة أوليمبية في برشلونة بأسبانيا، في المكان الذي اقتلع منه الإسلام قبل خمسمائة سنة، وعرضت فيها أفلام ومسرحيات تذكر الغرب بتلك المناسبة السعيدة، وشارك فيها العرب والمسلمون؛ بسبب عدم وعيهم بالتاريخ، أو درايتهم بأسباب عقد هذه الدورة، وفي هذه المدينة بالذات، وفي هذا التاريخ، وكان عليهم أن يقاطعوا تلك الدورة لا أن يشاركوا فيها.
* هل ترون أننا بحاجة إلى إعادة كتابة التاريخ؟
** نحن في أشد الحاجة لإعادة كتابة التاريخ؛ لتجلية بعض الأحداث، وكشف النقاب عن بعض الشخصيات، فهناك مكتشف جغرافي آخر، يتم تدريس تاريخه، بدون ذكر حقيقته وعداوته للإسلام، وهو "ماجلان"، الذي قتل عام ا152م وهو يقاتل المسلمين على شواطئ الفلبين، التي كانت بلدًا إسلاميًا، ومانيلا كان اسمها أمان الله، وقام البرتغاليون بأعمال تنصير واسعة داخل الفلبين منذ ذلك التاريخ، والبرتغاليون عندما ذهبوا إلى تلك الأماكن كانوا يُصرِّحون بأنهم ما جاءوا إلا لشيئين، هما الحصول علي التوابل، وخدمة المسيح، في إشارة واضحة إلى ارتباط العامل الاقتصادي بالعامل الديني داخل حركة الاستعمار البرتغالي.
وهناك شخصية ثالثة، هي مارتن لوثر الذي يتم تدريس تاريخ حياته باعتباره مصلحًا اجتماعيًا ودينيًا، وهو في الحقيقة كان أول من أسَّس لـما يطلق عليه اليوم "المسيحية الصهيونية "، وذلك في كتابه الذي عنوانه ( المسيح يهوديا )، والذي ألفه عام 1523م، وكان سابقًا للحركة، التي تسعى حاليًا لإدماج المسيح في إسرائيل، وفي كتابه، تبنَّى مقولة: إن اليهود هم شعب الله المختار، التي ينفيها الكاثوليك والأرثوذكس، وأكد أن عودة المسيح ليحكم العالم ألف سنة سعيدة، مشروط بعودة اليهود إلى فلسطين، وإقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى.
---------
أجرى الحوار: علي عليوه
01-07-2008
shareah.com
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 785