د- أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 12911
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
السن صغيرة، وطال الإنتظار، وزاد الشوق، والرغبة مشتعلة، والعالم كله سواء على الأرض أو عبر الفضائيات يتفنن في عرض الجسد والعلاقة بين الرجل والمرأة بمقدماتها أو حقيقتها بلا خجل ولا حياء، فماذا ننتظر من خطيبين عقد قرانهما ولم يحن زفافهما ويعيشان في بيئة محافظة أن يفعلا ؟ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بشدة حرارة هذه الفترة على العاقدين إلى الحد الذي حذر فيه أن يذهب للجهاد من عقد على امرأة ولم يدخل بها فقال: " غزا أحد الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبنى بها ولم يبن بها " الشرع يقول لهما: أن العاقد على خطيبته يحل له منها كل شيء، فهي زوجته، وهو زوجها، إن ماتت ورثها، وإن مات ورثته واستحقت المهر كاملاً، ويقول العلماء : أنه ليس بحرام في الشريعة أن يطأ الرجل زوجته بعد العقد الشّرعي وقبل الزّفاف وإذا حدث الجماع بينهما فهو حلال لأنه يحل للعاقد على المرأة كلّ شيء من نظر وخلوة واستمتاع ونحو ذلك، ولكن لا تجب له الطّاعة على زوجته كما لا تجب عليه نفقتها إلا إذا سلّمت نفسها إليه ويكون هذا عادة بعد وليمة الزفاف.
والعرف يقول لهما : لا معاشرة بينكما إلا بعد الزفاف وانتقال العروس إلى بيت الزوجية، لكنه سيغض الطرف عن الإستمتاع الشفاهى أي المداعبة والملاطفة والملامسة الظاهرية ، ولن يسمح بأي حال بأن تنتقلا من هذا الإستمتاع الشفاهى إلى الإستمتاع الفعلي أي الجماع.
يقول الدكتور عمرو خليل: " إن فترة ما بعد العقد وقبل الزفاف فترة محيرة حقا شرعا وعرفا، وأنه لم يسمع أو يقرأ رأيا فقهيا ظهر في السنوات الثلاثين الأخيرة يوضح الحدود والضوابط الخاصة بهذه العلاقة على نحو مرض ". ويقول كذلك :" أن فترة العقد لم يكن لها وجود تقريبا حتى العقود الثلاثة الأخيرة، وأنه كانت هناك فترة خطوبة قصيرة غالبا يزور الخاطب في أثنائها خطيبته على فترات بعيدة نسبيا في حضور والدها أو والدتها، ثم يأتي العقد والزفاف معا أو بينهما فترة قصيرة، ولكن الأزمات الإقتصادية وامتداد فترة الإعداد للزواج ومسكن الزوجية إلى سنوات وانتظار استكمال العروس لدراستها، كل هذه الظروف أدت إلى ظهور فترة العقد ".
صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عقد على عائشة رضي الله عنها وهى ابنة ست، ودخل بها وهى ابنة تسع ، لكننا اليوم في زمن فسدت فيه الزمم وضعف فيه الدين في النفوس، وأهون ما يمكن أن يكون، أن يموت العاقد أو ينكر معاشرته للمعقود عليها دون أن يجد في نفسه أدنى حرج، وفي ذلك من الشر والبلاء والفضيحة التي تلحق بالمعقود عليها وأهلها ما لا يعلمه إلا الله – كما يقول العلماء.
ومن المعروف أن الخطبة ليست إلا وعدا بالزواج ويحق لأي من الطرفين فسخ الخطبة للأسباب التي يراها، وطالما أن الخاطب قد رأى المخطوبة الرؤية الشّرعية الكافية لاتّخاذ قرار النكاح من عدمه، فلا يجوز لها بعد ذلك أن تكشف أمامه أي جزء من جسدها، ولا أن تنزع الحجاب أمامه ولا يحل له أن يلمسها أو يقبلها ، ولا أن يخلو بها أو يسافر بها، لأنهما ليسا بزوجين، بل هي أجنبية عنه وهو أجنبي عنها حتى يتم العقد.
وبهذه الشروط يحافظ الشرع على عفة المخطوبة وبكارتها حتى عقد القران، ثم يفسح المجال للعرف في الفترة مابين العقد والزفاف ليقول كلمته في ظل القواعد العامة التي حددها الشرع.
والعرف هو ما اعتاده الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك. والمعتبر شرعا من العرف هو الذي لا يخالف نصا شرعيا، وإذا ما خالف العرف نصا شرعيا كان عرفا فاسدا، واشترط الفقهاء أن يكون العرف المعتبر شرعا عرفا مطردا غالبا مستمرا، ووضعوا عدة قواعد فقهية لبيان حجية العرف منها :" أن استعمال الناس حجة يجب العمل بها " ومنها كذلك : " أن الثابت بالعرف كالثابت بالنص أو الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي ".
وحل معضلة تعامل العاقد مع التي عقد عليها ولم يدخل بها يكون – في تصورنا – بالأخذ برأي فقهاء المالكية الذي يؤيده العرف. يقول فقهاء المالكية:" لا يجوز للعاقد أن يعاشر زوجته معاشرة الأزواج حتى تزف إلى بيته ". والإشهاد واجب عند الدخول وليس بواجب عند العقد ، ومن ثم تحرم المعاشرة إذا لم يتم الإشهاد، وذلك لنفى التهمة وظن السوء إذا تم فسخ العقد قبل الدخول.
وهم يفسرون قول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل " أي لا يكون الدخول بالمرأة إلا باجتماع هذه الأشياء، لأن النكاح الذي هو الوطء يكون به ، فسمي بإسم ما قرب منه ، ولهذا لا يصح عندهم أن يحمل الحديث على العقد لأنه قد ذكر فيه الصداق وإنما يحمل على الدخول . ويؤيد العرف رأى فقهاء المالكية، خاصة وأن هناك العديد من الإعتبارات التي تؤكد ضرورة عدم الدخول بالمرأة قبل الموعد المحدد لليلة الزفاف، نذكر منها ما يلي:
أولا: من المعروف أن ليلة الزفاف هي حلم كل شاب وفتاة، بل إنها أدق وأجمل ليلة في العمر كله ، وهما ينتظران هذه الليلة طويلا وكانا في صغرهما يقرآن الكتب الخاصة بهما خلسة أو يتبادلان الحديث عنها مع الأصدقاء والصديقات. وتحيط الجماعة القريبة منهما هذه الليلة بهالة من المراسم والإجراءات لا يمكن للعين أن تخطؤها بدءا من مرحلة تزيين العروس حتى اصطحابها مع عريسها برتل من السيارات ، في مقدمتها سيارة خاصة للعروسين ، وبضوضاء وأبواق تصم الآذان وتسد الشوارع، حتى يدخل العروسان منزل الزوجية. وكانت الأمهات إلى عهد قريب- وخاصة في الريف - تنتظرن في منزل الزوجية لتقدمن إلى الناس دليل حفاظهن على بكارة بناتهن حتى ليلة الزفاف. إن دخول العاقد على خطيبته قبل موعد الزفاف، يفسد بهجة هذه الليلة، ويعرف العروسان في داخل نفسيهما أنهما قد خدعا الناس جميعهم بفعلتهم هذه وأن كل ما يحدث حولهما من فرح وبهجة ، قد فقد مذاقه، وهما يدركان تماما أن الجميع لو علموا بما حدث لرموهما بالحجارة بدلا من الورود، وستختفي هذه البهجة والفرح من عيونهم لتحل محلها نظرات الاحتقار والاستياء والإذدراء. يضاف إلى ذلك أن هذه الليلة تمثل أجمل الذكريات في تاريخ الزوجين يظلان يتحدثان بها طوال حياتهما، ولكن الدخول قبل موعد هذه الليلة قد يجعل لهذه الذكريات معنى غير كريم بالنسبة لهما. وقد تفقد الزوجة احترامها وهيبتها عند زوجها، رغم أنه شريكها فيما حدث، لأن الشاب قد تعود في فترة عبثه في شبابه أن يصادق هذه وتلك ويتعرف علي هذه وتلك ، لكنه عند الزواج لا يتزوج لا من هذه ولا من تلك، إنما يفضل الفتاة التي ترفض الانصياع لهواه ورغباته، فإذا حمل هذه الفكرة معه حين يتزوج ، ستحترق بنيرانها زوجته ولو إلى درجة ما. إنها الخاسرة دائما، والمجتمع للأسف يلومها هي وحدها ، رغم أن شريكها قد يكون قد ضغط عليها تحت ستار شرعية الزواج.
ثانيا: من النادر جدا أن تكون العلاقة بين العاقد وخطيبته في مرحلة ما بعد العقد هي ذاتها في مرحلة الخطبة ، سيدخل الطرفان في مرحلة الاستمتاع الشفاهى ، وهو أمر يغض الجميع الطرف عنه ، لكنهم سيقفون عائقا صلبا أمام تحول العاقد وخطيبته إلى مرحلة الإستمتاع الفعلي كما أشرنا سابقا ، وهذه مرحلة متوقعة بحكم قانون العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة. ولو افترضنا أن العلاقة بقيت على مستوى الإستمتاع الشفاهى، سنجد أن طول فترة العقد يزيد من تعود الطرفين على هذا النوع من الإستمتاع، هذا التعود له مضاره الصحية بحكم عدم وجود منفذ لهذه الطاقة المتجمعة المكبوتة التي يتم استنفارها في كل لقاء بين الطرفين. كما أن لها أخطارها على العلاقة الجسدية بينهما حينما يدخلان بيت الزوجية، فهذا التعود الشفاهى قد يصبح هو غاية الإشباع ، ومن ثم تسير العملية الجسدية بينهما في غير مجراها الطبيعي، فتبدأ الشكوى. وهناك أيضا وقفة أخرى: إن هذا الإستمتاع الشفاهى في صورة المداعبات والقبلات والتلامس أمر ضروري للعلاقة الجسدية المباشرة ويعمل على زيادة الألفة والمودة بين الزوجين، فإذا استنفذ العاقد وخطيبته مخزونهما من هذه البدايات الضرورية في مرحلة العقد، ثم بدءا علاقتهما الزوجية، لن يكون الرصيد كافيا مع انشغال الزوج بعملة وشؤون بيته، فيقع على زوجته كالبهيمة كما جاء في الحديث، فتتألم الزوجة ثم تعرض ثم تبرد، ويبرد الزوج بعدها بالتالي ، وتبدأ الشكوى كذلك. وكل هذا يمكن تجنبه لو بدأت العلاقة الجسدية بين الزوجين عند الزفاف لا قبله. وصحيح أن مثل هذه المشكلات فد تحدث بين زوجين بدأت علاقتهما الجسدية بعد الزفاف، لكن هذه المشكلات قد تتأخر عن موعدها طويلا في مثل هذه الحالات .
ثالثا: قد يكون العاقد غير مستطيع أوغير جاد في توفير السكن والسعي إلى الاستقرار فيه وبناء الأسرة ، ويكتفي بتحصيل متعته من اللقاء بخطيبته التى عقد عليها ، هناك احتمالان الأول : هو فقد الفتاة لبكارتها ، والثانى : هو احتمال حملها. هذان الاحتمالان لهما آثارهما السيئة على نفس الأبوين وفى بعض الحالات النادرة قد يصل الأمر إلى الانتقام من العروسين بالقتل ، رغم أنهما زوجان شرعا لأنهما بتصرفهما هذا أسقطا هيبة الأسرة من عيون الناس.
هذا أولا . كما أن احتمالات عدم إتمام الزواج تكون قائمة ، فإذا طلق العاقد امرأته أومات، وتزوجت من آخر ، وتبين للزوج الجديد عدم بكارة زوجته فما هو موقف الفتاة ؟ فالرجل يقبل الزواج من امرأة عقد قرانها قبله شريطة أن تكون بكرا ، وليس كل الرجال ذوو روح رياضية - كما يقولون- فيغمضوا أعينهم عن فقد بكارة زوجاتهم من علاقة سابقة لها حتى ولو كانت ذات صبغة شرعية. أما احتمال حمل الفتاة فهو قائم كذلك ، فإذا ظهرت بوادر الحمل قبل موعد الزفاف سيضطر الجميع إلى التعجيل به ، خوفا من انتقادات الناس ، وإلا فسيفكرون في إسقاط الجنين ، وهو أمر محرم شرعا، وما أغناهم عن ذلك ، لو صبروا حتى موعد الزفاف.
كل هذه المعضلات تدعو إلى التفكير جديا في الجمع بين موعد عقد القران والزفاف. ويؤيد ذلك قاعدة وضعها العلماء يقولون فيها : " ترك اللذة يكون خيرا وأنفع من نيلها إذا تضمنت خسارة لذة أعظم منها وأكمل ، وأعقبت ألما لا يمكن تحمله إذا ما قورن بألم أقل لو صبر صاحبه على ترك اللذة ".
وإذا طبقنا هذه القاعدة على قضيتنا هذه، لوجدنا أن لذة ما بعد الزفاف هي أعظم وأكمل من لذة ما قبل الزفاف والتي تكون عادة لذة ناقصة لأنها دائما تحت المجهر ، كما أن هذه اللذة قد يعقبها ألم لا يمكن تحمله ، فإذا قارن العروسان بين لذة ما قبل الزفاف وما بعده ، لوجدا أن الصبر عن هذه اللذة ، إلى حين الزفاف سيكون خيرا لهما وأنفع .
إن دخول العاقد على خطيبته قبل موعد الزفاف من شأنه أن يحرمهما معا من لذة مناجاة الله سبحانه وتعالى ومن إتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. إن لليلة الزفاف آدابا استفاض في الحديث عنها الشيخ الألباني رحمه الله وخصص لها كتابا منفردا ، يستقى منه كيف أن بدء الحياة الزوجية على الشهوة والرغبة أمر لا يستقيم مع القصد الأساس من الزواج ، فهذه الشهوة والرغبة هي قصد تابع وليست بقصد أصلى كما فى عبارات الإمام الشاطبى.
من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الزفاف أن يضع العريس يده على رأس عروسه ويقول: " اللهم بارك في أهلي وبارك لهم في، اللهم اجمع بيننا في خير " ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا، وأن يدعو قبل الجماع :" اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا " ومن السنة أيضا أن يأتي أقاربه في يوم صبيحة بنائه أو ما يسمى " بالصباحية " وأن يسلم عليهم ويدعو لهم . ويسن له دعوة الناس على وليمة الزفاف في حدود الأيام الثلاثة الأولى من الزفاف، وأن على من يحضر الدعوة أن يدعو لصاحبها وعروسه بالخير والبركة وألا يقل لهما بالرفاء والبنين ، فهذه من دعوى الجاهلية.
كل هذا يتهدم تماما إذا دخل العاقد على خطيبته قبل موعد الزفاف ، لأن الرغبة والشهوة هي التي تقوده وليس إتباع سنته وهديه صلى الله عليه وسلم .
وقد قيل أن رجلا من بنى إسرائيل قال : " يارب، كم عصيتك ولم تعاقبني ، فقال له الله :" وكم عاقبتك ولم تدرى ، ألم أحرمك من لذة مناجاتي؟" وقد يقول قائل :إنه ليس في فعلتهما معصية ، إنها لذة اعتبرها العروسان مباحة ومشروعة وليست بزنا، ونقول هنا : ألم تحرمهما هذه اللذة من لذة أعظم وأكمل ؟
---------------------
دكتور أحمد إبراهيم خضر
دكتوراه فى علم الإجتماع العسكرى
عضو هيئة التدريس السَّابق بجامعات القاهرة ،و الأزهر ، و أمِّ درمان الإسلامية ، و جامعة الملك عبد العزيز .
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
19-04-2008 / 11:52:52 ابو سمية
مواضيع متميزة
فعلا انها مواضيع متميزة تلك التي يتناولها الدكتور في مقالاته بهذا الموقع:
مواضيع الزواج وفتنة النظر للحرام والزنا، وهي من المشاكل التي تعترض الفرد المسلم اليوم وتنغص عليه حياته وتمثل عامل فتنة كبيرة لدينه، وهي من المواضيع التي تناساها حتى الكثير من العاملين للاسلام، حيث وقع بعضهم تحت تاثير العلمانيين واصبح يتحرج حتى من اعتبار مثل هذه المسائل ذات أهمية تذكر
19-04-2008 / 11:52:52 ابو سمية