فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 228 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مجتمعنا غير متجانس عقديا عكس مايقع ترويجه من أننا كلنا سواء
ولا يريد الكثير إدراك أن واقعنا يعمل على إخضاعه مجال مفاهيمي يدور في أفق المركزية الغربية ومنه تتغذى أدوات التشكيل الذهني من تعليم وتثقيف وإعلام، وهو في ذلك يطارد ماتبقى لدى التونسيين من آثار مجال مفاهيمي إسلامي تقلصت مساحته نحو البُعد الفردي، بل حتى ذلك البُعد الضيق المتآكل يُعمل على مزيد تقليصه
ترويج أن التونسيين كلهم سواء مدخل لإضعاف الدفاعات الذهنية لدى الناس من خلال خلق طمأنينة زائفة لديهم تجعلهم يفترضون أن لاعدو من بينهم يستهدفهم، وبعض مؤشر ذلك الضعف لديهم، تعاملهم بالقبول مع الإعلام التونسي المريب ذي المحتويات الاقتلاعية، وافتراض أنه إعلام يمثل التونسيين، بينما هو جهاز يتحرك في مهمة لمصلحة منظومة منتسبي فرنسا بغرض التحكم في مستوى تصوراتهم
عمليات التحويل الذهني للتونسيين تتم بأساليب ملتوية، منها استعمال المصطلحات ذات الإيحاء الجيد لكل مايراد ترويجه، أو المصطلحات ذات الإيحاء المنفّر في كل مايراد رفضه
------
فهم يروجون للمنحرفات ويسعون لجعلهن قدوات، بالإستدعاء الوظيفي لمفهوم الفن، فيروجون أن أولئك فنانات، ويخلقون مجالا مفاهيميا يحاصرك، يجعلك مضطرا لدخول عمليات تبرير ودفاع عن النفس ردّا لتهمة طائرة قُدّت على عجل، مفادها أنك ترفض الفن إن أنت قلت أنك ضد المتهتكات والتهتك في المجال العام
وهم يروجون لعمليات الانحرافات السلوكية من خلال اصطناع وصف لها على غير دلالة تلك الأفعال، فيقولون عن المنحرفين أخلاقيا أي الزناة والسكيرين ومرتادي العلب الليلية، يقولون عنهم أنهم محبون للحياة، ويقع ترويج هذا المصطلح المموّه ويتم القبول والتسليم به من دون رفض له
وهذا مصطلح مغالط وخبيث، لأنه سيجعل من يرفض تلك السلوكيات مضطرا لدفع تهمة أنه يكره الحياة، فتجد نفسك إن عبرت عن ذلك الموقف الرافض داخل مسار يستهلك طاقتك، ثم تغيب فائدة رفضك لدى عامة الناس ممن لايدركون هذه الالتواءات الاصطلاحية المسمومة المقصودة
وهم لما أردوا التنفير من الزي الإسلامي لدى المرأة الرسالية، وَسَموه أنه زي طائفي، مما يدخل الفرد في عملية دفاع وتبرير ونفي تهمة الطائفية، فيستهلك طاقته الذهنية ويشتتها وينفر الآخرين ممن كان يمكن أن يلتحق بفكرتك من خلال عملية التشويه تلك
وهم لما أرادوا إضعاف زخم الإقبال على الإسلام والتدين لدى الشباب أطلقوا عملية تنفير وتشويه ضخمة أطّرها قانون سمي قانون الإرهاب
وتحت ظلال ذلك القانون الايديولوجي، طاردوا ذوي السّمت الإسلامي، فسجنوا وأرهبوا الشباب بل الأطفال بالاعتقالات العشوائية التي كانت تقررها شبكة عسس "بن علي" التي أعيد إحياؤها (*)
لكن هذا الفعل العدائي لكي لايظهر حقيقته أنه حرب ضد الإسلام والمسلمين، فإنه وقع تمريره في سياق مصطلح منفّر وهو الإرهاب، مما جعل الكثير يقبل بهذه الحيلة وحصل فعلا ما تم التخطيط له بنجاح، ونفر جيل كامل من الدين والتدين، ونحن نرى حاليا مقدار التهتك والتفكك المجتمعي نتيجة بعض ذلك
هذه بعض طرق الإخضاع الذهني التي تستعمل المصطلحات، والتي تتواصل بفعالية من دون وجود بوادر إدراك لخطرها لدى عامة التونسيين
---------
(*) ماذكرته عايشته بعيني، حيث رأيت أطفالا معتقلين بقانون الإرهاب لأنهم التقوا لحفظ القرآن، وتمت الوشاية بهم من طرف "قوّادة الشعب" سابقا
وقد رأيت كذلك كيف وقع في معتقل "بوشوشة" تجميع فتيات بعمر بناتي في الساحة (الآرية) وكيف كان حراس السجن يسبون الكل بعبارات فظيعة، وكانت تلك الفتيات اللاتي اعتقلن لأنهن أيضا اجتمعن لحفظ القرآن، فاذا بهن يجدن أنفسهن في تلك المواقف
لحسن الحظ أغلب أولئك الأطفال وقع إطلاق سراحهم بعد وصولهم لقاضي التحقيق
لكن ساعتها يكون الهدف المقصود قد تحقق، وهو ترهيب الشباب بجعلهم يعيشون تجربة مريرة، وهي التجربة التي على الأرجح سينطلقون بعدها مباشرة للإنحراف