منظومة فرنسا لن تسمح بالمسّ من مكانة اللغة الفرنسية في تونس
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 234 محور: تفكيك منظومة فرنسا
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بعد المقال السابق الذي نشرته وتناول سطوة اللغة الفرنسية وتمّ التفاعل معه ومشاركته بشكل واسع، رأيت دود فعل إيجابية تتمثل في تعليقات ودعوات متنوعة محورها وجوب قرار سياسي لتغيير مكانة الفرنسية، إما من خلال جعلها اختيارية وإما بإلغاء تدريسها وتعويضها إما بالانقليزبة أو بالعربية
هذه الاقتراحات أثبتت أن التونسيين لهم قابلية للتحرك ورفض الخضوع للغير المغالب وهو هنا فرنسا التي تتحكم فينا وتذلّنا منذ عقود، لكنها من زاوية أخرى ردود فعل تثبت عدم إدراكهم منظومات التحكم الذهني التي تستهدف إخضاع التونسيين والتي تلعب اللغة الفرنسية فيها المحور، لأنهم يعتقدون أن الأمر يتعلق بمجرد لغة تخضع لقرار تقني يتخذه سياسي
باختصار، علينا أن نستوعب حقيقة أنه لايمكن إحداث أي تغيير على مكانة اللغة الفرنسية في تونس، ولايمكن لأي سياسي فعل ذلك
سبب هذا أن الأمر يتعلق بقرار يتعامل مع منظومة فرنسا التي تحكم تونس منذ عقود، وهذه المنظومة ليست السلطة السياسية، وإنما هي مجموع العلاقات والإرتباطات الثقافية والاعلامية والتعليمية والاقتصادية مضافا إليها الأجهزة والمنظمات والأشخاص المشتغلون في تلك المساحات، والذين تجمعهم ويشتركون في اتخاذ الخلفية العقدية التي ترى النموذجية الغربية بصيغتها الفرنسية مرجعا، والذين انتهى بهم الحال لتكوين شبكة مصالح ونفوذ عابر للأنظمة السياسية والحكومات، وهي المنظومة التي تحكم تونس منذ عقود
إذن إن أردنا التخلص من اللغة الفرنسية أو إحداث أي تغيير على مكانتها الحالية، ذلك يلزمه مسار تحرري يكون هدفه تفكيك منظومة فرنسا التي ذكرتها سابقا، وتحرير أدوات التشكيل الذهني أي التعليم بمختلف مستوياته وأهمه التعليم العالي شق الإنسانيات الذي في جزء كبير منه، يتكفل منذ عقود بإعادة إنتاج التبعية للنموذجية الغربية والإقناع بها، ثم الثقافة والاعلام، تحرير تلك الأدوات من تحكمات منتسبي فرنسا هؤلاء
منتسبو فرنسا هم عموم من يسمى علمانيين، لكنهم كذلك الإسلاميون المتقطعة قلوبهم انكسارا نحو الغرب ووكلائه المحليين، وعموم من ينادي بالنموذجية الغربية
إذن من أراد أن يغير واقع تونس ومنه التحرر من سطوة اللغة الفرنسية، فعليه أن يدرك أن الأمر جدي يلزمه نظر فكري عميق بغرض فهم واقع تونس الحديثة في جذوره وبداياته التأسيسية، وليس مجرد قرارات سائبة تتعامل مع السطح التقني السياسي، ثم تسلّم بالإطار الموجود المصمم لخدمة فرنسا منذ عقود