يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لو كان الحال غير الحال لَجُعلت نساء الحركة الإسلامية، علامات يُستضاء بها
ولو كان الحال غير الحال، لتحوّلت قصص معاناتهن المتواصلة، لمنبع لاينضب للأعمال التلفزية من مسلسلات وأفلام، ولألّفت المسرحيات التي تتغذى معانيها من عذاباتهن وصبرهن وتضحيتهن، ولتحولت قصصهن لدراما تاريخية لاتنتهي كما يفعل الشيعة مع مقتل الحسين
ولحملت دور الثقافة والساحات العامة اسماءهن
أقول هذا وقد بلغني اليوم خبر أليم عن إحدى الأخوات اللاتي قدّمن حياتهن شعلة نضال وجهاد ضمن الحركة الإسلامية، لكنها لم تَجْنِ غير الصّدّ من الأهل منذ البداية رفضا لالتزامها الحركي ولم يمنعها ذلك من الثبات، ثم لاقت العَنَتَ من الزوح الذي وقفت معه فترة اعتقاله فكافأها بالطلاق بعد الخروج من السجن، وتوازيا مع ذلك كان الواقع يرفضها لأنها "خوانجية" ويسفهها، لم يمنعها كل ذلك من تربية ابنائها والحنوّ عليهم وزاد حرصها عليهم أكثر من أن ينحرفوا، لما طلقها زوجها واختار عليها امرأة صغيرة لم تشوهها الهموم وتذهب بضيائها كما فعلت معها هي المسكينة التي كانت فترة غياب زوجها تتكفل ببيت كأنها رجل
بقيت أمّا رؤوما ترعى الصغار حتى كبروا، بقيت لوحدها لا أهل معها ولا من يسأل عنها، إلا بقايا علاقات كانت من زمن النشاط الطلابي من أبناء التيار الإسلامي، وكلهم تقريبا صارت لهم أسر، فإن اتصل أحد بها فبعد مدة
وقد اتصلت بها زوجتي اليوم تعودها ككل مرة، وقد نقلت لي خبر مرضها الذي جعلها تقرب للقعود ومنعها من الصعود في الادراج، فاضطرت لترك بيتها الموجود بالأعلى وكراء بيت بالأسفل تكلف عليها مصاريفا إضافية
وهي تعاني عسرا في ظروفها، جعلها ليس فقط تعجز عن شراء خروف العيد، بل لم تشتر اللحم أصلا
أختنا "س" كانت يوما ما شعلة فترة التحركات الطلابية والمواجهات مع نظام بن علي أول التسعينات
وغير أختنا "س" الكثيرات مثلها تقربنها أو تزدن عنها في تضحياتهن ونصاعتهن النادرة، ممن أعرفهن وتعرفهن زوجتي، نساء يناطحن أعلى القدوات التاريخية التي يفتخر بها المسلمون، لكن أخواتنا هؤلاء لم يجدن من يدافع عنهن ويعتني بهن ويستنقذهن من البؤس الذي أبى إلا أن يلازمهن
إنهن قدواتنا الدائمات ورموزنا التي نستضاء بها، خُلِقن قدوات ويريد الله أن يُبْقيهن كذلك مدى حياتهن البائسة التي لم يَريْن فيها أيّ خير