فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 195 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إيران الحديثة تعتمد على زخم التشيّع وامتداداته التاريخية وأحداثه وظلاله، لخلق سياق معنى مُثقل بالإيحاءات توظفه في جهازها الدعائي الحالي
ما يمكن ملاحظته أن التشيع تحوّل لما يشبه منظومة دورها الإلحاق بمجال مفاهيمي مخصص دوره الإقناع بمفاهيم تدور بين المعاني الموضوعية وتنتهي عند الأساطير
لذلك يمكن القول أن الدعاية الإيرانية تعتمد نوعين من المحتوى من خلال استدعائها التراث الشيعي وذلك حسب الضحايا المستهدفين
أولا: فهي إن توجهت لكسب أصحاب الرأي من كتاب وغيرهم، خاطبت فيهم العقل لذلك تستدعي حادثة "كربلاء"، وما تعنيه من ظلم لآل البيت ومن رمزية "الحسين" الثائر ضد "يزيد" الظالم
وكل هذا كلام موضوعي يمكن الإنطلاق منه لإعادة نشر فكرة تلك المظلومية والثورة ضد الظالم والحاكم المتسلط وغيرها من المعاني
لكن من يتقبل تلك المعاني ويعيد نشرها فإنه تحول لوظيفي في إحدى مساحات جهاز الدعاية الإيرانية لأنه ساهم في تفعيل بعض المنظومة الترويجية وإحيائها
لا ينفي هذه الحقيقة كون الكاتب والمدون المحتف بكربلاء والحسين الثائر، يقول كلاما صوابا، لكن تلك الصوابية لا تكفي لتقييم فعله الاحتفالي في سياق آخر ومن زاوية أخرى أشمل، لأن الصوابية الداخلية لا تنفي صوابية أخرى خارحية قد لا تعرفها وقد تكون على غير ما تتصور، مثلا الجندي الذي يسوق شاحنة بطريقة سليمة يقوم بفعل صواب قياسا لزاوية تقييم السياقة، لكن ذلك لا ينفي مثلا أنه جندي ينتمي لجيش محتل يقتل شعبك، فهنا صوابيتان مختلفتان
ثانيا: بالمقابل حينما تقع مخاطبة عموم الناس فإنه لا يقصد مخاطبة العقول وإنما يتم استخدام آليات تأثير مختلفة تسعي لخلق الإنطباع الأخّاذ، لأن الجموع لا تتأثر بالمعنى الموضوعي وإنما بالانطباعات التي تخلقها مشاهد الواقع الموحية بالقوة
لهذا السبب تُستعمل التحشيدات التي تصمّم بهدف إنتاج إنطباع القوة والرهبة لدى المتابع
وفي هذا الباب يأتي دور حفلات اللّطم ثم الاستعراضات الدورية المنظمة بمناسبة عاشوراء وغيرها، وهي جموع تكون عادة متناسقة في لباسها وهتافاتها ما يوحي بالقوة والانضباط والرهبة
وكل هذه الأدوات الجماهيرية تجعل الفرد المشاهد من خارج الفضاء الشيعي يتمنى الالتحاق بتلك المجموعات، لأن الفرد في مساحته غير العاقلة يفضل القوة والقوي ويتمنى الإنتساب لصاحب السلطة المرهوب ومنتج القوة
إذن منظومات التأثير غير العاقل هذه، دورها هو إنتاج الإنطباع الإيجابي ثم التجنيد للفضاء الشيعي العام، لذلك هي أدوات لا قيمة لها من حيث المعنى الموضوعي إن نحن نظرنا إليها بالعقل، وهذا ما يفسر أن الجموع تلك تتحرك وتلتحق بالفضاء الشيعي إلتزاما أو تعاطفا بناء على الأساطير مثل انتظار المهدي وخروجه من السرداب، وغيرها من الأساطير
بقي القول أنه في كلا الحالتين أي في التأثير من خلال الحامل الموضوعي باستدعاء حادثة كربلاء وفكرة الثورة، أو التأثير من خلال الأساطير والتحشيدات، فإن الهدف يكون أن يتحول الفرد لاحترام الدائرين في مساحة الانتماء الشيعي وقد ينتقل لدرجة تبني مواقفهم والدفاع عنها، وهذا ينتهي في مصلحة إيران السياسية لأنه يعمل على تقوية حضورها الناعم ويوسع من دائرة نفوذها