التونسي والقابلية للتوجيه: نموذج الفتاة ونطق الفرنسية
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 193 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يمكن القول أنه لولا وجود خلل ما لدى عمومنا نحن التونسيين، لما أمكن أن يتمّ التحكم فينا طيلة عقود
هناك خلل يوجد لدى أغلب التونسين في مستوى معالجتهم الواقع، يتمثل في ضعف القدرات التجريدية لديهم، مما يجعلهم ينساقون مع الأحداث كما قدمت لهم فيتجهون مباشرة للتعامل مع عيناتها من دون مراجعة الفكرة الضابطة لذلك الحدث
هذه المشكلة سببها أنه يتم التعامل مع الواقع من خلال سؤال "كيف"، لكنهم لا يتعاملون من خلال أسئلة تحيل للتأسيسات من نوع: "لماذا" و"ماهو"
الإغراق في التفاصيل ينتهي بهم للتحول لضحايا عمليات توجيه، إذ كل حدث يحصل يطلقه أحدهم تجدهم يندفعون للبحث في أجوبة عن سؤال "كيف" أي نقاش تفاصيله والتعمق في كيفياته
بالمقابل لو طرحوا أسئلة تحيل للتأسيس، من نوع "لماذا"، لعرفوا أنه هناك أمور لا تصح أصلا أن تناقشها لفساد فكرتها أو لعدم موافقتك على مسلماتها، أو لأن نقاش التفاصيل يجعلك تقبل ضمنيا بفكرة وتوجيه موجد الحدث
------------
آخر عينة من هذا الذي كنت أقوله،"حكاية" سخرية متسبي الغرب من نطق ذات الحجاب المتميزة في الباكالوريا، نطقها كلمة فرنسية
لم يدرك الناس أن تهجم أولئك عليها، سببه في الأساس مغالبة عقدية من منتسبي الغرب ورفضهم الحجاب ومن وراء الحجاب رفضهم الإسلام، وما ذكّرتهم به تلك الفتاة وأسرتها الملتزمة من نموذج يرفضونه لكنهم يرونهم يطل من جديد، وإنما وظفوا موضوع نطق الفرنسية كوسيلة يخفون بها عداءهم للإسلام، مثلما كانوا ومازالوا يفعلون منذ عقود في حروبهم ضدنا
ولو أدركوا ذلك لكان نتيجته أن لا ندخل في نقاش تفاصيل ما يثيره هؤلاء المغالبون، وإنما علينا أن ننتج مسارا لفعل جديد، لا أن ندخل في مسار رد فعل أنتجوه هم
ويمكننا أن ننتج فعلا وحدثا جديدا ثم نجرهم لنقاشه من نوع عدائهم للتونسيين وأنهم غرباء عنا وممثلون للغرب ومروجون للتبعية له، فنجرهم للدفاع عن أنفسهم، لا أن نبقى نحن كل مرة في موقف الدفاع في مسارات أفعال أنتجوها هم، مما يجعلهم في موقف الفاعلية
عوض أن يفعل الناس ذلك وأن يدركوا الفكرة المحركة والضابطة لموقف أولئك الأعداء العقديين من الفتاة، فإنهم تعاملوا مع الموضوع كما قدم لهم أنه خطأ في الفرنسية، وراحوا يناقشون صحة نطق الفتاة، وأن الفتاة ذكية مهما قيل عنها، وأنها متميزة في الرياضيات، وغيرها من التفاصيل التافهة التي تنتهي لكون صاحب ذلك النقاش قبل أن يكون موجها من طرف منتج الحدث وأن يكون مجرد مكوّن يرد الفعل عن فعل أنتجه غيرهم المتحكم في الحدث كل مرة، نبرر ونفسر وننفي التهم عن أنفسنا كعادتنا أمام هؤلاء
وهذا كله نوع من السلبية الذهنية، سببه تعامل مع الواقع بمحورية العينة والفرد، وهنا علينا أن ندرك أن التعامل مع الواقع بمحورية العينة والفرد يغرقنا في التفاصيل ويجعلنا بالضرورة تبعا لم أراده غيرنا، وأن الحل هو التعامل بمحورية الفكرة، لأن ذلك يجعلنا نعيد كل حدث لأصله التصوري ونسائل مسلماته، ساعتها ستكون محصّنا ضد عمليات الإخضاع والتوجيه الذهني
-------------
فوزي مسعود
#فوزي_مسعود