ضعف الفكرة يقود للمفاضلة في درجات السوء: نموذج متهتّكة قرطاج
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 224 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
التونسيون الذين رفضوا تصرف "متهتّكة قرطاج" مع ذلك المغنّي، يمثلون في حقيقتهم عينة لمن يعتمد الواقع وتحديداته، وليس لمواقفهم تلك سبب مبدئي عقدي إسلامي، وإن كان ظاهر تلك المواقف الرافضة للتهتك يوحي بالمبدئية، لكنها "مبدئية واقعية" وليست مبدئية إسلامية
لكي نفهم معنى المبدئية الواقعية مقابل غياب المبدئية الإسلامية، علينا أن نستصحب أن هؤلاء لم يرفضوا ولا كتبوا ضد ولا احتجوا على لبس تلك الفتاة المتعرّي "المحزوق" ولا على لباس أمثالها ممن يكتسحن المجال العام، بل إن العديد ممن تهجّمن ضد متهتكة قرطاج إنما يلبسن لبسا متعريا "محزوقا" مثلها، رغم أنه لبس ترفضه المنظومة العقدية للإسلام
ولكن هؤلاء لم يتوقفوا عند خطر اللبس المتهتك في المجال العام، سبب هذا أن مواقفهم لا تصدر بسبب توجيه إسلامي وإنما بسبب توجيهات الواقع وصوابياته التي لا ترى مشكلة مع اللباس المتعري في المجال العام، ولذلك فإنهم لم يتناولوا اللباس المتعري للفتاة وإنما تحدثوا عن تصرفها مع المغني
وهؤلاء لم يرفضوا مهرجان قرطاج من حيث أنه بؤرة أسست للتسريع بعمليات تعويد التونسيين على المفاهيم والنموذجية الثقافية الغربية المغالبة للإسلام ولمنظومته، وسبب ذلك أنهم يعتمدون تحديدات الواقع وما يقره
لكنهم رفضوا تصرف تلك المتهتكة، لأنه تصرف عارض صوابية واقعية توجد لدى شق من الواقع ممن لديهم بقيّة من قيم اجتماعية ثقافية ترفض ذلك، وليس لكل هذا أي علاقة بالإسلام المغيّب أصلا من مسطرة التقييم، لذلك فإن أمثال هؤلاء يمكن بعد سنوات أن ينتهي بهم الحال للقبول بكل تلك التهتكات التي رفضوها اليوم والتأقلم معها إن أصبح الواقع يقبلها
---------
نحن إذن إزاء مفاضلة في درجات السوء مع قبول باعتماد مسطرة الواقع التي تقرر الصوابيات
وهذه المواقف التي تعتمد الواقع مرجعا ليس لها جدارة إقناع لأن من يعتمد الواقع فيرفض سلوكا ما، موقفه ذلك ليس بأقوى من موقف من يعتبر ذلك سلوكا مقبولا، لأن كليهما يعتمد رأيه الخاص أي الواقع، وليس رأي أحدهما بأولى من الآخر مادام لايوجد مرجح خارجي يدعم تلك الصوابية
وهذا هو الخلل التصوري داخل فكرة أصالة الواقع، أنها ترجيحات تحكمية ابتدائية لا يوجد من يحسمها، لهذا تتبدل المفاهيم والمعاني بسرعة لايحكمها في ذلك إلا التنازع الداخلي للمتحكمين في المجال المفاهيمي للواقع
بالمقابل هذا لا يحصل في حالة أصالة الفكرة وفي حالتنا الفكرة الإسلامية، التي ستقرر ببساطة أن لابسة المتعري مرفوضة ويجب أن تكون محل لوم ورفض وتسفيه، ما إن تدخل بلباسها ذلك المجال العام، حتى وإن لم تذهب للمهرجان أو غيره من المناسبات
----------
حينما لاتكون الفكرة المؤطرة هي التي تنتج أفعال الناس ومواقفهم، يتحول الفرد لاعتماد مسطرة أخرى لتقييم صوابية أفعاله، تلك المسطرة هي الواقع وتحديداته
وهذا هو الفرق بين أصالة الفكرة وأصالة الواقع، لذلك حينما يضعف تأثير العقيدة من حيث أنها منظومة تصوّرية، على الفرد، تضعف الأفكار المشتقة منها، ويتحول الواقع هو المرجع للناس ومرجّح الصوابيات، ويظهر هذا في مواقفهم من الأحداث
---------
الواقع له صوابياته وترجيحاته، لذلك مرجعية الواقع ترفض مواقفا وأفعالا وتقبل أخرى، ويحصل كل ذلك نتيجة منطق مغالبة داخلية بين مكونات تلك المساحة، ويكون الزمن مسرحا لاندثار أفكار وميلاد أخرى
أصالة العقيدة والفكرة هو النموذج الذي تعتمده المركزية الإسلامية التي لها مفاهيم لا تتغير وليس للواقع القدرة على التأثير فيها من جهة الإلغاء، بينما أصالة الواقع فإنه النموذج الذي تعتمده المركزية الغربية التي تجعل الواقع وتنازعات المعنى داخله محددا لتغيير المفاهيم
لذلك نرى الغرب أنه في فترة قرن من الزمن، اندثرت مفاهيم ونشأت أخرى، وما كان مقبولا أصبح مرفوضا وما كان مرفوضا أصبح مقبولا، ويحصل ذلك إما من خلال تغيير معاني المفاهيم الموجودة كتغيير معاني مفاهيم الحرية والشرف والحشمة والكرامة، أو بإنشاء مفاهيم جديدة ابتداء كمفهوم الجندر والنسوية