وجوب الخروج من المعرفة نحو الفكر: لايمكن لصاحب المعرفة أن يعيد النظر في تأسيسات الواقع
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 164 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
المعرفة معالجة لمجال معاني معلومة ومؤطرة، بينما الفكر بحث في مجال معاني غير معلومة وغير محددة
مع استدراك صغير وهو أن المعارف أيضا تستعمل الفكر لكنه فكر وظيفي دوره تعميق النظر في تلك المعرفة لايخرج من حقلها، فهو تفكير معرفي وليس التفكير المقصود بالفكر في إطلاقه
لذلك المعارف مساحة معاني متحكم فيها بالضرورة، ولا يمكنها مغادرة سياج التأطير الموجد لها ابتداء، بهذا الفهم فإن عموم مايدّرس من معارف مهما تعمقت لايمكنها تجاوز ماتحدده مساحة البحث بذلك الحقل المعرفي، وكل ذلك أساسا مؤطر بتصور حددته النظرية الموجدة لذلك الحقل المعرفي
وانظر إن أردت التأكد للمعارف الإسلامية فهي تتحرك في تحديدات المدراس الفقهية ومذاهب الحديث وعلوم القرآن، لايمكنك أن تقول كلاما غير ما حدد مسبقا، فإن أردت فعليك بالفعل الفكري خارج تحديدات المعارف وتوجيهاتها
وانظر كذلك بنفس الفهم لمعارف الإنسانيات من علوم اجتماع وعلم نفس وما في حكمها، فإنها أيضا تتحرك في أفق نظريات عمومها غربية المنشأ اتخذت المركزية الغربية منطلقا، فالحقل التصوري في تلك المعارف مسيّج منذ البداية بتصور عقدي ضمني مشتق من أصالة الواقع المتفرع من النموذجية الغربية، وإن كان يتم نفي ذلك ويُزعم أنها معارف تولدت بفعل النظر العلمي البحت
إذن المعارف لايمكن الاعتماد عليها في تغيير الواقع بمعنى النظر في التأسيسات ومساءلتها، لأن المعرفة تطلب من المشتغل بها، أن يلتزم بتقريراتها، لذلك المعرفة من زاوية ما أداة للاقناع بالواقع في منظومته الكلية، لكنها بالمقابل لا تسائل إلا التفاصيل
من يريد أن يصل لحقل المعاني ما وراء المعلوم أي يخرج من فعل الضبط الجماعي الذي تخضع له مجتمعاتنا، فإن عليه الفعل الفكري وليس الفعل المعرفي، لأن وحده الفكر الحر المنطلق خارج التحديدات المعرفية، هو ما يمكنه الخروج من تحكمات النظريات المعرفية وتقريراتها وتكريسها أسس الواقع الحديث