المشكل في وجود المهرجانات وليس في من يرتادها من الضحايا
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 330 محور: تفكيك منظومة فرنسا
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ينطلق التونسيون كل عام في التهجم على مرتادي المهرجانات ممن يُظهر سلوكا متهتكا، وقد يطال رفضهم من يؤثث تلك المهرجانات ممن يقال أنهم فنانون
ثم تنتهي فَوْرة الغضب تلك بانتهاء تلك المناسبة، ولكنه غضب لا ينتج عنه أي أثر كسائر المواقف السطحية التي تنتهي بزوال ذلك الإنفعال
لذلك تعاد نفس المهرجانات العام المقبل ويُعاد استدعاء "الفنانين" وتتحول تلك المهرجانات لبؤر إفساد أخلاقي، ثم يغضب التونسيون مرة أخرى ماشاء لهم أن يغضبوا وقد يتنازعون في تفاصيل تلك المهرجانات، لكنهم في كل ذلك لايغادرون مساحة تفاصيل الأحداث وهوامشها
ولسبب ما لا يدرك عموم التونسيين أن تعاملهم هذا لا قيمة له، ولسبب ما لايدركون أن التعامل مع الظواهر في مستوى نتائجها وتفاصيلها إنما يساهم في تكريسها لا مقاومتها
---------
هناك خلل منهجي يجعلنا نتعامل مع أحداث الواقع ومنها المهرجانات في مستوى تفاصيله ونتائجه، مما يغيّب عنا الأسباب والمنظومة الموجدة لتلك التفاصيل
لذلك لا يخرج مجال نظرنا عن الأفراد أي مرتاد المهرجان أو "الفنان"، لكنه نظر لايمكنه أن يطال المهرجانات من حيث هي، أي لماذا وجدت ومن أوجدها وأي أدوار يجب أن تؤديها، وهل كان يمكن رؤية ذلك التهتك لو لم توجد تلك المهرجانات أساسا
من زاوية أخرى، النظر للتفاصيل هو نتيجة التعامل مع الواقع في مستوى عيناته، وهذا عبارة عن جواب عن سؤال "كيف"
----------
لما كان النظر بسؤال "كيف" يؤدي لتناول جزئي يتعامل مع الواقع بمحورية الفرد والعينة عموما، فإننا إن أردنا أن نستوعب الواقع علينا أن نتعامل بأسئلة تُحيل للتأسيسات والبدايات وفهم الموجود في شموله، وهذا يكون بأسئلة من نوع: "ماذا"، "ماهو"
هذا التناول سيخرجنا من محورية الفرد نحو محورية المنظومات، ومن محورية الفعل كنقطة أي عينة حدث لمحورية الفعل كمسار زمني أي ظاهرة، ومن محورية العينة المادية لمحورية الفكرة التي تمثل الإطار الأعلى التي تولدت منها أحداث الواقع
بعض أوجه القصور لدينا هو تصورنا أن الواقع يوجده الأفراد، لذلك ينتهي فهمنا في المساحة الفردية، والحال أن الواقع الحديث أصبحت تضبطه المنظومات، ومنها منظومات الإخضاع الذهني، التي لايمثل فيها الفرد إلا عينة تنفيذية، إما تنفيذية سلبية في آخر حلقة الفعل مثل مرتادي المهرجانات، أو تنفيذية إيجابية أي الفرد من يقود المنظومات تلك أي من يقود المهرجانات ومن أوجدها أساسا
تناولنا الواقع بمحورية الفرد ينتهي بنا لعدم استيعاب المشكل في حقيقته، فنحن إن قلنا أن ذلك الفرد متهتك وأنه كذا وكذا، إنما نتجاهل أن قابلية الفساد لدى ذلك الفرد لم تبرز إلا بتوفر المهرجان ولم تنتشر تلك المظاهر السيئة إلا بمجيئ ذلك "الفنان"، أي أن الفرد على علّاته هو مجرد ضحية لمسار إفساد وإشاعة الإنحرافات باستعمال المهرجانات وفّرت له الفرصة وشجعته على فعله
فالفرد إذن ليس موجدا للفعل كمسار وإنما هو موجد للفعل كنقطة، أي أنه ليس موجد فكرة الفعل (المهرجان وأدواره) وإنما موجد عينة الفعل (مشاركته الشخصية) وهذا هو الفرق بين محورية الفكرة ومحورية الفرد
لأن ذلك الفرد كان يمكن أن يكون خيّرا وأن تلك المرأة المتهتكة ممن حضرت ذلك الحفل بذلك المهرجان، كان يمكن أن تكون عفيفة لو لم تستدرج للباطل وتُزيّن لها الرذائل، ولو توفرت لها منظومات لا تشيع الفاحشة وإنما تعلي من الفضيلة وتشجع عليها
علينا بالتوازي، أن ندرك أن المهرجانات أسست في تونس مبكرا باعتبارها مكونا من منظومات التشكيل الذهني للتسريع بعمليات الاقتلاع والإلحاق بالمركزية الغربية ومفاهيمها (*)، فالمهرجانات إذن أدوات توظف الفعل الثقافي بغرض تبرير عمليات السلخ اللامادي التي يتعرض لها التونسيون من طرف منتسبي فرنسا ممن يحكمنا منذ عقود
فالمهرجانات توفر المدخل الذهني لتقبل عمليات الإلحاق التي تنجزها باقي مكونات منظومات التوجيه الأخرى من تعليم وتثقيف وإعلام
المهرجانات في حقيقتها إذن أنها مكونات تحكّم وضبط للتونسيين، وأنها إحدى أهم أدوات إشاعة الفاحشة كمدخل لتبرير الإلحاق بالغير المغالب أي فرنسا والغرب عموما
------------
(*) يمكن الإطلاع على مقال سابق لي حول المهرجانات ودورها لدى منتسبي فرنسا بغرض التأثير الذهني في التونسيين
بؤرة "مهرجان قرطاج"، أحد أدوات الاقتلاع والالحاق بفرنسا
https://www.myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10479