"ابن الجنوب المناضل"، مقياس فاسد: الجنوب فيه نسبة كبيرة من الخونة ممن تعامل مع فرنسا
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 171 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بمناسبة الانتخابات الرئاسية تستعمل لتقييم المترشحين ومن يدير حملتهم، مقاييس ترتكز على محددات منها ما يردد كثيرا، أهمها: أن "فلان حقوقي"، وأن "فلان ابن الجنوب"، وهي عوامل ينظر إليها بإيجابية لا تراجع
أعتبر هذين المقياسين ضعيفين واعتمادهما يساهم في مزيد من التشويش على الفهم الموضوعي لواقعنا، وسأفسر ذلك في ما يأتي على حلقتين
الموضوع يتعلق بحكم تونس مما يجاوز الشأن التقني الإداري، إذ نحن لسنا بصدد انتخاب مدير شركة، حتى نكتفي باعتماد محددات تتعلق بالمستوى المادي من مكونات السلطة ككفاءة الإدارة ومقاومة الفساد
ذلك يعنى أن أول ما ينظر إليه في الفواعل السياسية ومن يقف حولهم، هو موقفهم من الأجنبي عموما ومن فرنسا وتدخلاتها وتحكماتها فينا المتواصل منذ عقود
إذن سأتعامل مع المقياسين المذكورين، في ضوء الموقف من الأجنبي وفرنسا تحديدا، وسيكون ذلك على حلقتين، هذا المقال سأتوقف فيه عند مقياس "ابن الجنوب المناضل" (1):
-----------
الجنوب ليس كله مقاوم لكي يصف المنتمون له على إطلاقهم أنهم أبناء مقاومين ومنطقة مقاومة
فقد أنشأت فرنسا حين احتلالها تونس، مراكزا وحاميات عسكرية كبيرة في مختلف مناطق الجنوب بدءا من الغربي بجهة ڨفصة وصولا لمناطق الجنوب الشرقي
وكان الوجود الفرنسي ينبني على جهاز بشري تونسي كبير، منهم المفروض عليهم التجنيد من بسطاء الناس، لكن فيهم من لهم انتماء للوجود الفرنسي ذو بُعد مصلحي وظيفي ممتد زمنيا، وأنتج ذلك علاقات وجدانية مع المحتل الفرنسي
وكانت أغلب معارك فرنسا وعمليات تقتيلها التونسيين والمقاومين والبحث عنهم تتم من خلال الجهاز الوظيفي البشري التونسي
هذه الحقائق التاريخية التي يقع تجاهلها، تعني أن نسبة كبيرة من أهل الجنوب كانوا خدما لفرنسا عن طواعية، وذوي ارتباطات مصلحية وجدانية بفرنسا
وهؤلاء لم يقع التخلص منهم لما خرجت فرنسا من تونس وهم كثيرون نسبيا، مما يعني أنهم بقوا وتناسلوا، وورثوا مواقفهم الإيجابية من فرنسا لأبنائهم، ثم ورّث أبناؤهم تلك النظرة التي تقول بنموذجية فرنسا وأنها وُجدت لكي تحكمنا وتَتبوّل علينا كما كانت تتبوّل على آبائهم ممن كان يشتغل عند الفرنسيس، ورثوه بدورهم لأحفادهم
إذن الجنوب هو جهة مقاومة، لكنه بنفس القدر بؤرة لكره الذات والولاء للأجنبي ولفرنسا تحديدا
وربما هذا ما يفسر كون العديد من أبناء تلك المناطق من الجنوب الشرقي، يتواجدون بكثرة نسبية بفرنسا أكثر من مناطق أخرى
إنها بدرجة ما النظرة الإيجابية لفرنسا واعتبارها نموذجا والتسهيلات التي كان يلقاها الأباء الأُوَل ممن كان مرتبطا بفرنسا هي التي سهلت موجات الهجرة تلك في بداياتها، أما بعد ذلك فأمر آخر وأسباب أخرى
وهذا الموروث التصوري الثقافي والإجتماعي الإيجابي عن فرنسا في تلك المناطق، وقع نقله حتى لأبنائهم الإسلاميين والثوريين عموما، فلم يستطع الإنتماء الفكري العقدي الجديد أن يزيل ترسبات الأسرة والمحيط والتي كانت حمولتها النظرة الإيجابية التي لا تراجع عن فرنسا
نموذج ذلك أن العديد من رموز "النهضة" وحزب "المؤتمر" من جهة الجنوب الشرقي يحملون هم أو أبناؤهم الجنسية الفرنسية ولايرون في ذلك أي أمر يتطلب التوقف عنده (2)، كما أن أغلب قادة "المؤتمر" من الجنوب الشرقي وذوو هوى فرنسي
ثم لما حكموا كانت مواقفهم من فرنسا وسيطرة لغتها وثقافتها واقتصادها، ومن التدخل الأجنبي عموما، مواقفا رخوة تنافس في التبعية ما يقوم به عتاة المتفرنسين من العلمانيين
لذلك قلت من قبل أن أمثال هؤلاء هم المكون الاسلامي من منتسبي فرنسا، وبأمثال هؤلاء يتواصل حالنا البائس، وبمثل هذه المقاييس السائلة الفضفاضة، لا يمكننا أن نستوعب خطر منتسبي فرنسا الاسلاميين ومن يقربهم كجماعة المؤتمر ومن شابههم
بالنتيجة لا يجب علينا اعتماد مقياس الانتماء للجنوب أنه عامل مفاضلة إيجابي
--------
(1) لكن لا يحوّل البعض الموضوع لنزاع جهوي، أذكّر أنني ابن الجنوب
(2) هذا لا يعني أن كل إسلامي من تلك المناطق بالضرورة كان أبوه ذا ارتباط بفرنسا، وإنما القصد أن تلك المناطق خلقت انطباعا يقول بالتساهل مع فكرة الإرتباط بفرنسا، فيكون تصورا إيجابيا مقبولا ينقل للغير