فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 802 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لسبب ما يُولع البعض بترديد كلام من نوع أن "الاسلام دين سلام ومحبة"، وهذا صنف من المغالطة لأنه بعض من الحقيقة، وهو إستعمال يردد في سياقات التقرّب من سادة الواقع وطلب رضاهم
أتناول الموضوع كما يلي:
- الاسلام فيه السلام لكن ذلك بعض الحقيقة، لأن الإسلام فيه أيضا الشدة والحرب
والإسلام فيه المحبة لكن ذلك بعض الحقيقة، لأن الإسلام فيه أيضا الكره في الله والبغض في الله، أي بغض الفرد من أهل الباطل فتكرهه مادام منتجا للمنكرات داعيا لها
- أوضاع البشر تتقلب بين موجبات المحبة والسلام وبين موجبات البغض والشدة، إذ هناك من يستقيم الحال إزاءه إن تسامحت معه وسالمته فيجب السلام معه، وهناك حالات تستقيم بالشدة فتجب معها الشدة
فالوضع السوي في الواقع البشري هو عبارة عن جدلية بين السلام والحرب وبين المحبة والكره، ولا يمكن للواقع أن يكون على صيغة واحدة سلام كله أو شدة وحرب كلها، ولا يمكنه أن يكون محبة كلها أو بغض كله
- لما كانت حالات البشر تقلبات بين نوعين من السلوك المتقابل، فإن المنظومة الضابطة التي تريد أن تؤطر كل الفعل البشري، عليها أن تتناول كل تلك المساحة، أي عليها أن تتسامح وتسالم إن كان يلزم التسامح وعليها أن تتشدد وتحارب إن كان يلزم التشدد، وعليها أن تطلب المحبة إن كانت المحبة لازمة وأن تدعو للكره إن كان ذلك يتطلبه الوضع
ولو أن منظومة عقدية كانت تتحرك في جانب واحد أي في المحبة والسلام فقط، أو في الشدة والكره فقط، فإنها ستكون منظومة قاصرة لا يصح أن تدّعي تنظيم حياة الناس بمساحتها كلها
- لما كان الإسلام منظومة بمثابة مركزية عقدية تنظّم كل الوجود، فإن أثر تأطيره يتناول كل مساحات الفعل البشري، وهو لذلك فيه السلام والتسامح والرحمة مع المسلمين وفيه الشدة والغلظة مع الكفار وأهل الباطل، وفيه المحبة للمسلمين والرأفة بالضعفاء من عموم المخلوقات وفيه الكره في الله ضد أهل الباطل ورؤوس المنكر
وهذا الشمول في التناول يجعل الإسلام فعّالا بحيث لايترك نقطة لا يطالها أثره
- لذلك فإن من يقول أن الإسلام دين سلام ومحبة ويكتفي بذلك، فإنه يقول بعض الحقيقة ويخفي بعضها الآخر، وهنا توجد حالتان حول سبب إخفائه الحقيقة كاملة
أولا: إما أن يخفيها بفعل اعتقاده أن الإسلام فعلا هو سلام ومحبة فقط، وهو في هذه الحالة يفهم الاسلام أنه ثقافة بشرية وسلوكيات انتقائية مناسباتية، وهو فهم للإسلام يقرب لفهم المسيحية
ثم هو بالنهاية انحراف عن الإسلام، والأرجح أن ذلك نتيجة عمليات الاقتلاع والقصف الذهني التي تعرض لها التونسيون طيلة عقود من خلال منظومات التشكيل اللامادي من تعليم وتثقيف وإعلام كانت تهدف للإلحاق بالفهم الغربي للدين
ثانيا: وإما أن يكون يعتقد أن الإسلام ليس فقط سلام ومحبة وأنه أكثر من ذلك، لكنه يخفي هذا الفهم بفعل الضغط الذي يتعرض له من أدوات الدعاية المعادية للإسلام الدائرة في أفق النموذجية الغربية، فهو إذن إستعمال يعكس إنفعالا سلبيا بالمغالب، لحد تحول هذا العدو لمسطرة يتمّ السعي لإرضائه مقابل التخلي عن الترويج للإسلام كما هو حقيقة
- ثبت إذن أن إستعمال كلام من نوع "الاسلام دين سلام ومحبة"، والإقتصار على ذلك، يمثل في كل الحالات مؤشرا على انكسار نفسي أمام المغالب العقدي المروج للنموذجية الغربية
--------
فوزي مسعود
#فوزي_مسعود