الموقف قيمته من وجود الاختبار: التدين لازمه الابتلاء وليس الصفة
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 335 محور: إسلام العقيدة
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حينما نكتفي بتقييم حالة ما لفرد من دون النظر لمدى تعلقها به، فإن ذلك يكون عادة تقييما قاصرا
حيث لا يكفي أن نحكم على أحدهم أنه تقيّ لأنه لم يزن مثلا، إلا حينما يكون تعرض لابتلاءات متعلقة بشهوة النساء وقاوم ونجح في عدم الزنا
لأنه لا يصح وصف العنّين بالتقيّ لغياب الدافع نحو النساء أساسا أي لغياب مصداق الوصف
ولايكفي أن نحكم على أحدهم أنه معطاء ومتصدق إلا بعد أن يكون صاحب أموال ثم أخرج زكاته وأحسن للفقراء وقاوم رغبة الجشع والمنع، فلا يصح إذن بالمقابل وصف الفقير بتلك الصفات لغياب المصداق
بالتالي هناك مستويان: أولا تقييم الفعل كنتيجة من دون النظر في تقييم المجهود المبذول وهو نظر في النتيجة، والثاني ينظر لمسار الفعل والبحث في مساهمة الفرد في الفعل حد تحوله لصفة وحالة لديه
التناول النتائجي ينظر لنقطة فقط ويخفي علاقة الفرد بوجوده هناك، أي هل أنه في تلك النقطة بفعل مجهوده أو بفعل عوامل الواقع التي انتجت شروطا يسرت الموضوع بحيث جعلته ينعم بأمر لا تدخل له فيه
أي أن التناول النقطي النتائجي لايمكن أن يرشدنا حول مدى تعلق الصفة بالفرد لأنه لاينظر للمسار الزمني السابق في تعلق الصفة بمن تنسب إليه
بينما حينما نتناول الفعل من حيث مجهود الفرد في انجازه، فإن ذلك يجعلنا نقيّم المواقف ليس لنتيجتها وإنما من حيث درجة مساهمة الفرد فيها
لفهم هذه النقطة بزاويتي النظر، لنأخذ فردين أحدهما يسكن بتونس التي تحكمها منظومات تشكيل ذهني (تعليم، تثقيف، إعلام) تغالب الاسلام وتعاديه، وآخر يقطن في "قطر" التي عموما تتحرك أدوات التشكل الذهني فيها في سياق الاسلام من دون معاداته
الزاوية الثانية المعتمدة على بذل الفرد في تحصيل الفعل، تجعلنا ندرك أن الذي يسكن "تونس" سيبذل مجهودا أكبر للانضباط بالاسلام من الذي يسكن "قطر"، وسبب ذلك أن عوامل الصد والابتلاءات والاختبارات في مدى الانضباط بالفكرة ستكون أكبر وأشد، فيكون المجهود المبذول للوصول للفعل أكبر
هذا يعني أن هذين الفردين إن تعادلا وتقاربا في نقطة ما وهي ظاهر الإلتزام التديني، فإنهما لم يبذلا نفس المجهود للوصول لهناك، أي أنهما حقيقة ليسا سواء من حيث درجة تدينهما رغم أنهما ظاهرا سواء، لأن الذي يقطن بتونس بذل مجهودا وتعرض لابتلاءت أكبر
وهذا يعطينا نتيجتين:
1- في مايتعلق بالتدين والانضباط بالإسلام، يمكن القول أن التدين بغرض تحوله لطاقة للتغيير، عليه أن يكون فعلا زمنيا أي مسارا وليس صفات ثابتة تلصق من دون كدّ ومجاهدة يمكن أن يكون ورثها من واقعه من دون مساهمة منه في تحصيلها
أي أن فعل التدين ينظر فيه للمجهود الفردي المبذول في استجلاب الصفات وتوطينها لديك وليس لمدى وجود الصفات لديك، لأن المجهود التديني سينتهي يوجود الصفة والحالة بينما وجود الصفة لايعني بالضرورة وجود مجهود تدين
2- أن الحكم على عموم أنشطتنا بالواقع في غير التدين، اعتمادا على الصفات والحالات أي الفعل كنتيجة عوض النظر للفعل كمسار، تناول غير سليم، وأنه لا يكفي النظر لموقف وصفة ما وإنما علينا أن ننظر لكيفية تعلق تلك الصفة بالفرد ومدى مساهمته في استجلابها وتعلقها به