"لو أخرج تجار السعودية ومصر زكاة أموالهم لما رأيت فقيرا ولا متسولا في العالم العربي بكامله، ولو أخرجها تجار السعودية والخليج العربي لما رأيت فقيرا ولا متسولا ولا محتاجا بين المسلمين".
هكذا بدأ الشيخ أحمد الهاشم مدير إدارة الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد في الإحساء حديثه لموقع "الأسواق. نت" عن الزكاة وأهميتها، معربا عن أسفه لمحصلة إيرادات الزكاة في السعودية، والتي بلغت العام الماضي 6.5 مليارات ريال (الدولار = 3.75 ريالات)، فيما قدر حجم الزكاة في المملكة بما يتراوح بين 60 إلى 100 مليار ريال مقارنة بالدخل الكبير في البلاد.
وصف الهاشم تطابق مع أراء اقتصاديين تحدثوا لموقعنا شككوا في الرقم الذي أعلنته مصلحة الزكاة؛ حيث اعتبروا أنه يقل كثيرا عما ينبغي تحصيله، وأن الرقم لا يمثل الاقتصاد الأكبر ضخامة وقوة في المنطقة، وأنه يشير إلى تفشي التهرب الزكوي.
ويعتقد البعض أن رقم 6.5 مليارات ريال لا يشكل سوى 10% من الزكاة التي يجب تحصيلها على جميع القطاعات؛ إذ إن القطاع العقاري لوحده يتداول أصولا بمئات المليارات، ويحقق عوائد ربحية وعوائد إيجارات لا يمكن إحصاؤها لأنها تزيد يوميا مع كل مبنى يتم تشطيبه وعرضه للإيجار، مما يعني أن إيرادات الزكاة الحقيقية تزيد أضعافا كثيرة عن المتحققة.
هذه الأرقام أفرزت تساؤلات عن مدى التزام التجار وأصحاب الأعمال بدفع الزكاة التي تؤديها قطاعات وشركات معينة وتتهرب منها أخرى، وتساءل البعض إذا كانت زكاة أكثر من 100 شركة فقط في السعودية تمثل نحو 35% فقط من إيرادات الزكاة، فأين ذهبت زكاة مئات آلاف المنشآت في السوق وفي مقدمتها شركات وملاك العقارات، وعمالقة تجارة التجزئة وبخاصة في قطاعات السيارات، والمواد الغذائية، والمجوهرات، والملابس، والمقاولات، والمجموعات الصناعية العملاقة.
وبلغت أرباح الشركات السعودية المدرجة في سوق الأسهم خلال عام 2007 نحو 90 مليار ريال سعودي، مما يعني أن الزكاة الواجبة عليها تبلغ 2.25 مليار ريال.
إيرادات مخجلة وضعيفة
ووصف مدير إدارة الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد في الإحساء إيرادات الزكاة في المملكة بأنها "مخجلة وضعيفة"، وقال "إن هذا هو الوصف الدقيق للشح الذي غلب على الناس ولا سيما التجار وأصحاب الأموال".
واعتبر الهاشم أن رقم 6.5 مليارات ريال يدل على التهرب من دفع الواجب الديني والوطني، وأرجع تلك الأرقام الهزيلة للزكاة إلى ضعف التوعية الدينية، والتي يجب أن تشدد على أهمية إخراج الزكاة وعقوبة تاركها في الدنيا والآخرة".
واقترح الهاشم تشكيل مؤسسة رسمية شرعية ومستقلة، متخصصة في جباية الزكاة ومتفرغة للتوعية والإرشاد في هذا الجانب، وملاحقة المقصرين.
تهرب مستثمرين عقاريين
وقال الرئيس التنفيذي لشركة وجاهة العقارية سعدي الشمري "إن هناك تهربا من بعض المستثمرين في القطاع العقاري من دفع الزكاة على أموالهم واستثماراتهم؛ حيث يتم الاعتماد في دفع الزكاة على رأس المال المسجل فقط، مما جعل مصلحة الزكاة والدخل تتجه إلى طلب تقارير قانونية من محاسب قانوني يوضح فيها الميزانيات الرسمية لكل سنة".
وأضاف لموقعنا "إن المصلحة تأخذ الزكاة على رأس المال المسجل على الرغم من أن كثيرا من الشركات تعمل برأس مال آخر قد يكون أكبر مما هو معلن، إضافة إلى أن هناك شركات ومؤسسات صغيرة ومتوسطة تلجأ إلى تقديم سجلات ومعلومات لا تعكس الواقع الذي تعمل من خلاله".
وأضاف أن الشركات العائلية هي أكثر الشركات التي تلجأ إلى تسجيل رأس مال ثابت بعكس الشركات المساهمة التي تنشر سنويا تقاريرها المالية والتي تتعامل معها مصلحة الزكاة بشكل واضح ومباشر.
ونبه إلى أن هناك عددا من منتجات القطاع العقاري تقدر رؤؤس أموالها بمليارات الريالات، ومن المرجح أنها لا تدفع الزكاة بسبب طبيعة عملها، خاصة أن بعضها يصفي أعمالها قبل أن يحول الحول عليها وبالتالي تسقط الزكاة، كما أنه قد لا يتم تسجيلها في المصلحة حتى يتم أخذ الزكاة منها.
وأشار إلى أن هناك أيضا قطاع الإيجارات العقارية والتي لا تملكها الشركات العقارية بل تديرها فقط، وتقدر رؤؤس أموالها بمليارات الريالات، وتمثل نحو 75% من حجم القطاع ككل ولا تؤخذ عليها زكاة.
وقال "إن هناك نظاما خاصا بأخذ رسوم على الأراضي البيضاء لم يتم تطبيقه حتى الآن والتي تعتبر أحد قطاعات العقار المهمة والتي تقدر استثماراتها ببلايين الريالات".
الشركات العائلية الأكثر تهربا
من ناحيته، قال المحاسب القانوني د. محمد فداء بهجت "إن أكثر المتخلفين عن إخراج الزكاة هي الشركات العائلية والمؤسسات الفردية، وأنها تبرر ذلك بحجة أنها تخرج أموال الزكاة للأقارب المحتاجين".
وأشار إلى أن الشركات الكبرى لا تستطيع التهرب من الزكاة لأن سجلاتها المالية معروفه لدى هيئه السوق المالية، ووزارة التجارة والجمعية العمومية لمساهميها، إضافة إلى وجود رقابة عليها.
وأوضح أن تطبيق القوانين على العقارات سيؤدي إلى زيادة دخل المصلحة بنسب قد تصل إلى 200%، خاصة لو تم إخضاع أموال العقارات والأراضي التي يتم شراؤها بهدف البيع للزكاة، مشيرا إلى أن الأراضي التي يتم شراؤها للبناء يتم منحها مهلة لمدة خمس سنوات ثم تلزم بدفع الزكاة،
إخفاء رؤوس الأموال الحقيقية
أما أستاذ التسويق د. عبد الرحمن الصنيع فاعتبر أن المبالغ التي دفعتها الشركات والمؤسسات إلى مصلحة الزكاة والدخل العام الماضي، لا تعد دقيقة ولا تمثل القيمة الحقيقة لزكاة تلك الشركات السعودية.
وأضاف أن معدلات النمو الاقتصادي في السعودية مرتفعة، لذا فإن إيرادات مصلحة الزكاة والدخل يجب أن تتجاوز 10 مليارات ريال سنويا، في حال إلزام المكلفين بالزكاة بتقديم موازنات مالية صحيحة.
وطالب الصنيع مصلحة الزكاة والدخل، بتشديد الرقابة على الشركات والمؤسسات، ومعاقبة المتلاعبين والتشهير بهم، إضافة إلى تعزيز الجهود لإيصال هذه الأموال لمستحقيها في أسرع وقت ممكن.
شركات تدَّعي الخسارة للتهرب
أما الخبير في مجال الذهب سامي المهنا، فقال "إن هناك شركات تزعم خسارتها في ميزانيتها سنويا، وبالتالي عدم قدرتها على دفع الزكاة، وأيضا هناك من يتهرب عن الدفع؛ حيث تعتمد المصلحة في تحديد وعاء الزكاة على حسابات نظامية مستندة للدفاتر والسجلات النظامية التي يمسكها المكلف ويصادق على صحة هذه البيانات محاسبون قانونيون معتمدون من وزارة التجارة".
وأوضح أن المصلحة تحتاج إلى نظام أكثر دقة ومتابعة للوصول إلى الحقيقة في موضوع الزكاة.
حصص الأجانب وأرباحهم غير خاضعة
غير أن مدير عام مصلحة الزكاة والدخل إبراهيم بن محمد المفلح فند ما وصفه البعض بتدني إيرادات الزكاة قياسا بحجم الاقتصاد السعودي، وتحدث عن خلط البعض عما يجب تزكيته وما لا تجب عليه.
وقال المفلح لـ"الأسواق.نت" "إن معظم الشركات السعودية يساهم فيها شركاء أجانب، لا تخضع حصصهم في رأس المال وكذلك الأرباح للزكاة، وإنما تخضع الأرباح للضريبة".
وأضاف "أن رؤوس أموال تلك الشركات موظفة في الغالب في أصول ثابتة، وفي استثمارات طويلة الأجل واستثمارات في رؤوس أموال شركات أخرى، وهذه البنود لا تخضع للزكاة شرعا، ويتم استبعادها من وعاء الزكاة".
وأوضح أنه "لذلك يرى غير المختصين أن هناك عدم تناسب بين حجم المحصل من هذه الشركات من زكاة، مقارنة بأحجام رؤوس أموالها".
ونبه إلى أن ما يتم جبايته من زكاة من قبل المصلحة هو الزكاة المتوجبة على عروض التجارة، أما الأموال الخاصة للمواطنين من الذين لا يمارسون النشاط بموجب سجلات تجارية أو تراخيص رسمية، مثل تأجير العقارات، أو تداول الأسهم، من قبل الأفراد أو ملاك الأراضي العقارية، فإن الزكاة المتوجبة عليهم تبقى في ذمتهم ومسؤولية إخراجها لمستحقيها تتم بمعرفتهم.
04-03-2008
alaswaq.net
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 793