فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3443
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تحرك التونسيين لإعادة النظر في علاقتهم مع فرنسا، أثار ردودا مقابلة تطرح أراء تنتهي بالدفاع عن فترة إحتلال فرنسا تونس. وهي في عمومها مواقف لاترتقي للإراء الفكرية المنضبطة منهجيا، وإنما أقرب للمغالطات من حيث بنائها.
كمثل لتلك المواقف، قولهم: أن فرنسا أقامت بنية تحتية بتونس فترة إحتلالها، فوجود فرنسا ليس كله سيئ، وقولهم أن فرنسا لم تقتل منا الكثير مثلما فعلت بالجزائر.
الرد على المغالطات
أولا: الموجودات إما أن تكون مادية فقط، أو لامادية فقط أو مادية ولامادية معا (وهو الأغلب ويكون الجانب اللامادي متضمنا في الموجود المادي).
ثانيا: الموجود إما أن يكون ذا محددات متفق عليها (مثل: المنتوجات المادية متفق على صفاتها وخصائصها مهما اختلفت البلدان)، أو موجود تختلف تقييماته حسب مرجعية قيمية / فكرية.
ثالثا: لما كانت الموجودات المادية متفق على خاصياتها، فلا يمكن ان يختلف حولها من حيث الوجود وإنما من حيث قيمة الخاصية كالطول واللون والوزن وغيرها، بينما الموجودات اللامادية فلما كانت تدور حول مفاهيم غير محورية أي لا تتغير حسب محاور الزمن او الكمية، فإنها لاتملك أبعادا لوجودها، أي أنها في أساس إعتبارها ثنائية فقط، أي ممكنة الوجود في مجال مفاهيمي أو لا مثلا: موقف ما هل يفهم كإهانة أو لا، أو يفهم كتجاوز أخلاقي أو لا، شرب الخمر يجوز أو لا، ممارسة العلاقة الجنسية قبل الزواج ممكنة أو لا...
رابعا: الموجود الذي يحوي بعدين مادي ولامادي، يشترط في صحتهK صحة مكونيه أي المادي ولا المادي، ولما كان المكون المادي موجود إبتداء، كان معنى ذلك أن صحة الوجود مشترطة بصحة المكون اللامادي أي قيمتها المنطقية تكون الإيجاب، مثلا الخمر لكي يكون إستعماله في مجال زمني ومكاني معين صحيحا، يجب أولا أن يتوفر الخمر كموجود مادي ثم الشرط الثاني الإعتبار اللامادي لإستعماله وهو جواز الإستعمال (في منظومة قيمية تجيز إستهلاك الخمر)، وحينما يكون نفس الموجود المادي أي الخمر في بلد مسلم، فإن الخمر كموجود كامل ينتفي ويصبح كأنه غير موجود لأن شرط إجازته يكون العدم.
خامسا: إذن كل موجود مادي ملتصق بمفهوم لامادي، تشترط صحته بصحة البعد اللامادي وتنتفي بإنتفائه، وحينما ينتفي البعد اللامادي، فلا معنى للنظر لقيمة المكون المادي. حينما ننزل هذه الصياغة على أمثلة، يمكن أن نقول: المرأة (يمكن أن نبني المثل على الرجل) حينما تزنى، تبقى العملية زنا سواء أزنت مجانا أو بمقابل مادي كبير، لأن البعد اللامادي وهو إجازة العملية الجنسية من عدمها هو الذي يعطي قيمة لوجود العملية الجنسية في بعدها المادي. أو حينما يرتكب أحد إهانة ضد شخص ما (ليكن وصفه بوصف بذيء)، فهي تبقى إهانة حتى وإن أعطاه مالا مثلا بعد ذلك.
سادسا: علاقة الإحتلال التي بنتها فرنسا مع تونس، علاقة إخضاع وقهر في بعدي المادة كسرقة ثرواتنا وقتل وإغتصاب أجدادنا وجداتنا، وبعد لامادي كمحاربة ديننا وإفراغه من إمكانية ضبط الواقع، وتهميش لغتنا وإستبعادها من مجالات الفعل الحضاري، ثم إن الإستقلال الرسمي فكك الجانب المادي فقط لعلاقة الربط مع فرنسا، ولم يتناول الروابط اللامادية بل عمل على دعمها (هذه ملاحظة إعتراضية لا حاجة لنا بها في بناء برهاننا) .
سابعا: عملية الإحتلال لتونس كموجود، تملك مكونين مادي ولامادي، وهي إحتلال بشرط ركنها اللامادي المتوفر، أي لا تتغير طبيعة العملية ولا تتغير النظرة إليها بتغير مكونها المادي باتجاه الزيادة أو النقصان. معنى ذلك: إحتلال فرنسا تونس يصح بوجود أقل ما يمكن من المكون المادي، يعني هو إحتلال يكفي فيه دخول فرنسا تونس حتى ولو لم تقتل أي تونسي، وحتى لو لم تغتصب اي تونسية وحتى لو لم تسرق ثرواتنا، مادام الربط اللامادي موجودا اي مادام انتهاك ديننا ولغتنا وترابنا من حيث دخول بلادنا من دون اذننا موجودا.
ثامنا: ثبت إذن أن أي كلام عن التفاصيل المادية للوجود الفرنسي بتونس زمن الاحتلال، لاقيمة له، وأن عملية الإحتلال ثابتة بثبوت أقل مكون مادي لها وهو الوجود الفرنسي بتونس، لان ذلك الوجود الأدنى يثبت وجود مكون لامادي للاحتلال المرفوض قيميا لدينا، مما يجعل العملية كلها مرفوضة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: