البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

لماذا يُستهدف البرلمان في تونس؟

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 2261


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


تعيش تونس اليوم على وقع عواصف برلمانية لا تنتهي إذ تحول مجلس نواب الشعب المنتخب إلى حلبة للصراع والشتم والتطاول بشكل أصاب التونسيين بالصدمة وأسبغ على الممارسة السياسية في البلاد ثوبا قاتما من الرداءة والتعفن. وصف الملاحظون المشهد بأنه سقوط حرّ في مستنقع "ترذيل الحياة السياسية" وخيانة عظمى لملايين الناخبين الذين وضعوا ثقتهم في مجلس منتخب وضع مشاكلهم المتكدسة جانبا وغاص في الابتذال وتصفية الحسابات الشخصية.

هذا المشهد على السطح يُخفي في باطنه رسائل عديدة ويحيل على مشروع أخطر من "ترذيل العمل النيابي" وضرب مؤسسة البرلمان ليصيب السلطة التشريعية في المقتل. فلماذا يُستهدف برلمان الثورة؟ وما هي الأطراف التي تقف خلف هذه الجريمة؟ وما هي الاستتباعات الأساسية لذلك؟ وكيف يمكن إيقاف النزيف وإفشال المخطط وإنقاذ مكسب مكاسب الثورة؟

في البدء كانت الثورة والبرلمان

أطاحت ثورة كانون الأول (ديسمبر) في تونس بنظام "بن علي" أو بتعبير أدقّ أطاحت برأس النظام وبقمة جبل الاستبداد لكنها لم تقتلع الجذور الأخطر لنظامه وشبكاته الإعلامية والمالية والسياسية. في تلك اللحظة كان ذلك ممكنا بفضل السقف العالي للموجة الثورية وبسبب الرعب الذي أصاب الدولة العميقة وأذرعها السطحية الظاهرة. صحيح أن أخطر مكونات الاستبداد هي ثقافته ووعيه ونمط السلوك والتفكير الذي فرضه على الفرد والجماعة خلال عقود من حكم الطاغية بورقيبة ومن بعده بن علي.

بعد مسار انتقالي صعب وعسير نجحت الثورة في تحقيق مكاسب عظيمة رغم السياق الدولي والإقليمي المشتعل ورغم كل الاغتيالات والعمليات الإرهابية التي استهدفت التجربة التونسية بهدف إلحاقها بالتجربة المصرية أو الليبية أو السورية. انتخبت تونس مجلسها التأسيسي الذي صاغ دستور الثورة ووضع الأسس الأولى للبناء الديمقراطي ووضع لبنات المؤسسات الدستورية وصاغ نظاما شبه رئاسي توزعت فيه السلطات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة.

يمثل البرلمان قلب نظام الحكم في تونس ويشكل أهم المكاسب الثورية لارتباط أعضائه بالانتخاب المباشر من الشعب على قوائم حزبية أو مستقلة. ويكون رئيس الجمهورية بذلك محدود الصلاحيات حتى لا تتغوّل مؤسسة الرئاسة ونعود إلى الحكم الرئاسي وطغيان النظام الفردي في ممارسة السلطة السياسية، أما رئيس الحكومة فيكون رأس السلطة التنفيذية والمباشر الأساسي لسياسة الدولة بتزكية من البرلمان أولا ومن رئاسة الجمهورية ثانيا.

استهداف السلطة التشريعية


رغم كل المآخذ ورغم كل النقد الذي يمكن أن يوجه إلى المُنجز البرلماني فإنه يبقى أعظم المكاسب الثورية في تجربة ديمقراطية هي الأولى من نوعها في المنطقة العربية كلها. مرّ برلمان تونس بعديد الهزات وكادت الدولة العميقة تُجهز عليه خلال أوج المحاولات الانقلابية إثر الاغتيالات التي عرفتها تونس بعد نجاح الانقلاب العسكري في مصر في صيف 2013.

لم يكن البرلمان في تونس منذ انتخاب أعضائه ثوريا محضا بل كانت الدولة العميقة وبقايا النظام القديم حاضرة فيه وممثلة بكتل وأحزاب عديدة. لكنه نجح رغم ذلك في تجديد نفسه وفي إنقاذ المسار من كل المحاولات والمشاريع الانقلابية.

اليوم يعيش البرلمان حالة من الصخب الحاد والتجاذب الشديد بشكل مثير للريبة والتساؤل، لأن الأطراف التي تقف وراء هذه العملية لا تقتصر على بقايا النظام القديم والكتل الممثلة له في البرلمان والمدعومة إماراتيا وخليجيا بل تشمل كذلك عناصر جديدة تمتد أذرعها إلى خارج المجلس.

التراشق البرلماني ظاهرة صحية بل هو أرقى مظاهر التجارب الديمقراطية مادام ملتزما بالدستور وغير منخرط في المشاريع الانقلابية والأجندات الخارجية. فقبة البرلمان لم تعد ساحة الصوت الواحد ومنبر الحاكم بأمره، حيث يكتفي النائب بدور المهرج الذليل لتمرير القوانين التي لا تهدف لغير حماية النظام ودعم الاستبداد كما هو الحال في أغلب البرلمانات الصورية العربية.

لكنّ الجديد في المشهد وهو جوهر هذه المقاربة الموجزة إنما يتمثل في سعي أطراف بعينها إلى ضرب السلطة التشريعية تمهيدا لعملية أكبر. هذا المخطط لا يمثل الطرف المشاغب والمهرج داخل البرلمان فيه إلا أداة رخيصة في يد منظومة عربية ودولية تعمل على إجهاض التجربة وضرب مصداقيتها.

"ترذيل البرلمان" إنما هدفه ضرب مصداقية المؤسسة الدستورية التي تمثل قلب نظام الحكم وجوهره في أعين التونسيين تمهيدا للانقلاب عليها أو عزلها. هذا المخطط هو الذي يفسّر سبب التصعيد الأخير تحت قبة المجلس وتضافر جهود المنصات الإعلامية التابعة للدولة العميقة من أجل تشويه المجلس والهجوم على أعضائه.

المستهدفون والمآلات

لا تستهدف أذرع الدولة العميقة ممثلة في رجال النظام القديم من إعلاميين ورجال أعمال وسياسيين حركة النهضة المحسوبة على التيار المحافظ بعد أن أعلنت مصالحتها مع المنظومة القديمة وقبلت بمشاركتهم في الحكم. وهي لا تستهدف حزب ائتلاف الكرامة وهو القوة الصاعدة الجديدة في البلاد والتي تحظى باحترام وتقدير جزء كبير من الجمهور التونسي. فرغم ما يتعرض له نواب الائتلاف من تشويه متعمد ومدروس إلا أن الحملة ضدهم لم تنل منهم بل ضاعفت من شعبيتهم بشكل سيجعل منهم قوة سياسية يحسب لها ألف حساب في الانتخابات القادمة إن هي نجحت في تفويت الفرصة على المتربصين.

تستهدف الحملةُ الثورة التونسية برمتها وتعمل على إجهاض مسارها من خلال تقويض عمل البرلمان تمهيدا لانقضاض الرئاسة على السلطة لكن بشكل تدرجي سلس. فالرسائل القادمة من قصر قرطاج لا تبشر بخير خاصة تلك التي يرسلها المقربون من الرئيس والمحيطون به وهم يعملون على مشاريع تكون بدائل لنظام الحكم والمستهدف بها هو برلمان الشعب. صحيح أنه من المبكّر الحديث عن تورط الرئاسة في مشروع ضرب البرلمان لكن تصريحات الرئيس الأخيرة ولقاءاته الحصرية بضيوف تونس التي توجب بنص الدستور حضور رئيس الحكومة ورئيس البرلمان تعزز ما ذهبنا إليه.

لا يمكن الانقلاب على التجربة التونسية من الداخل دون إضعاف البرلمان أو الحدّ من سلطاته، ولا يمكن ذلك دون تشويهه ونزع الشرعية عنه في عيون التونسيين. هذا المخطط المحتمل يبقى واردا ما لم تتوقف الأطراف المتورطة في هذه العملية أو الساكتة عنها والمستمتعة بفصولها عن دعمها سرّا أو علنا.

الخاسرون من الثورة كثيرون وعلى رأسهم رجال أعمال كبار يملكون الإعلام والسلطة ويديرون شبكات كبيرة تجمع بين الجريمة والتهريب والفساد والتشويه وصولا إلى تنفيذ العمليات الإرهابية كما ظهر ذلك من خلال "شبكة الوردانين" التي نجح الإعلام في دفنها وطمس جرائمها. وهي شبكات مرتبطة بأجندات خارجية ومشاريع انقلابية عربية دولية تستهدف جميعها التجربة التونسية التي تراها خطرا عليها وعلى النظام الرسمي العربي والنظام الإقليمي بشكل أعمّ.

بناء على ما تقدّم فإن المسار التونسي يبقى مهددا في حال بقاء المؤسسات على ما هي عليه وفي حال لم تسارع النخب السياسية إلى تجنب السقوط في الفوضى والانحباس الذي يستهدفها جميعا ولا يستهدف طرفا واحدا مثلما توهم بذلك منصات الدولة العميقة وأذرعها الإعلامية والفكرية.

من جهة أخرى سيكون المقامرون بالتجربة الديمقراطية في تونس أمام مشهد خطير في صورة تواصل العبث بمكتسبات الثورة ومسارها لأنه سيخلق بدائل قد تكون أشد عنفا وتطرفا. وهي بدائل لن يقتصر تأثيرها الخطير على المجال التونسي بل سيضرب سالبا كامل الإقليم كما حدث ذلك إيجابا خلال الانفجار التونسي الكبير في مطلع سنة 2011.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، إلياس فخفاخ، تشكيل الحكومة، إسقاط الحكومة، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 5-03-2020  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رمضان حينوني، سامر أبو رمان ، تونسي، د. عبد الآله المالكي، حاتم الصولي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أشرف إبراهيم حجاج، سيد السباعي، مصطفى منيغ، الناصر الرقيق، د - محمد بنيعيش، محمد الياسين، عواطف منصور، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- محمد رحال، عمر غازي، كريم السليتي، مراد قميزة، طلال قسومي، سليمان أحمد أبو ستة، محمد الطرابلسي، سعود السبعاني، عزيز العرباوي، عبد الغني مزوز، عبد الله زيدان، صفاء العربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. خالد الطراولي ، محمد علي العقربي، د - الضاوي خوالدية، عراق المطيري، أ.د. مصطفى رجب، محمود فاروق سيد شعبان، د- محمود علي عريقات، رضا الدبّابي، حسن الطرابلسي، د. أحمد محمد سليمان، الهادي المثلوثي، خالد الجاف ، د - عادل رضا، نادية سعد، منجي باكير، أنس الشابي، محمود سلطان، سامح لطف الله، أحمد الحباسي، صباح الموسوي ، خبَّاب بن مروان الحمد، عمار غيلوفي، محمد يحي، محمود طرشوبي، علي الكاش، د - صالح المازقي، أحمد النعيمي، محمد شمام ، ياسين أحمد، وائل بنجدو، صفاء العراقي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فوزي مسعود ، عبد الرزاق قيراط ، محمد اسعد بيوض التميمي، مجدى داود، محمد أحمد عزوز، د - مصطفى فهمي، د. صلاح عودة الله ، د - محمد بن موسى الشريف ، د. عادل محمد عايش الأسطل، أبو سمية، فتحي الزغل، د.محمد فتحي عبد العال، إياد محمود حسين ، رشيد السيد أحمد، رافد العزاوي، كريم فارق، علي عبد العال، إسراء أبو رمان، د- هاني ابوالفتوح، الهيثم زعفان، ماهر عدنان قنديل، فتحي العابد، ضحى عبد الرحمن، حسن عثمان، صلاح الحريري، إيمى الأشقر، محرر "بوابتي"، بيلسان قيصر، صلاح المختار، يزيد بن الحسين، د - شاكر الحوكي ، جاسم الرصيف، أحمد بوادي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد عمر غرس الله، رافع القارصي، أحمد ملحم، سلوى المغربي، يحيي البوليني، طارق خفاجي، د. أحمد بشير، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. طارق عبد الحليم، المولدي اليوسفي، المولدي الفرجاني، عبد العزيز كحيل، حميدة الطيلوش، فهمي شراب، العادل السمعلي، صالح النعامي ، سلام الشماع، د - المنجي الكعبي، سفيان عبد الكافي، عبد الله الفقير، فتحـي قاره بيبـان، محمد العيادي، د- جابر قميحة، مصطفي زهران،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز