بعد مجزرة نيوزيلاندا الإرهابية وجريمة حي التضامن، هل حان الوقت لسن قانون يجرم الإسلاموفوبيا؟
كريم السليتي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2875
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن العملية الإرهابية التي اقترفها مجرم متشبع بأفكار الكراهية ضد الأديان عموما والإسلام خصوصا، والتي أدت لقتل أكثر من أربعين مصليا في مسجدين بنيوزيلاندا، تُبين بدون شك مدى خطورة نشر خطاب الكراهية والتمييز ضد المتدينين.
أكثر من أربعين نفسا بريئة قتلت بدم بارد وكأن المجرم يلعب أحد ألعاب الفيديو المنتشرة، بل وقام بتركيز كاميرا فوق سلاحه لتحس عندما تشاهد فيديو المجزرة أنك بصدد لعبة فيديو ثلاثية الأبعاد.
إن هذه الأنفس البريئة والمسالمة التي أزهقت يتحمل مسؤوليتها أيضا، السياسيون وخاصة الإعلام الذي يحرض وينشر خطابات كراهية تشجع على التطرف وكره الآخرين الذين يختلفون دينيا أو عرقيا.
في تونس، حيث لا يوجد أي نص قانوني نافذ يجرم الإسلاموفوبيا أونشر خطابات الكراهية ضد الأديان أو المؤمنين الملتزمين دينيا، شهدت في المدة الأخيرة عدة جرائم قتل وطعن ضد أئمة مساجد أو مواطنين ملتزمين دينيا، وآخرها الجريمة التي راح ضحيتها شاب ملتزم في منطقة حي التضامن إثر طعنه من أحد الشباب السطحي والمهمش لأن القتيل طلب منه عدم سب الجلالة (حسب الرواية المنتشرة).
هذه الجريمة التي يراها كثير من الناس جريمة حق عام عادية، تحمل في الحقيقة في طياتها ترسبات كراهية وحقد على كل مظاهر التدين و الالتزام العقدي. والجريمة يتحمل مسؤوليتها بعض الإعلاميين والسياسيين المعروفين بنزعتهم العلمانية المتطرفة المعادية لكل ماهو أخلاقي وقيمي وديني والذين ينشرون في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خطابا يقطر كراهية و تحريضا على المواطنين الملتزمين دينيا. مستغلين في ذلك الفراغ القانوني في هذا الجانب.
الخطير في الموضوع، أن بعض أجهزة الدولة عن قصد أو عن غير قصد دخلت على خط نشر خطابات الكراهية ضد التونسيين الملتزمين دينيا، وإلصاق صورة نمطية بهم تربط بين المظهر أو الممارسة الدينية وبين الإرهاب. فبيانات وزارة الداخلية ووزارة المرأة والطفولة تستعمل مفردات طائفية تحتوي دلالات تنشر التمييز والكراهية ضد الفئة الملتزمة دينيا من التونسيين. على غرار استعمال مصطلح "ملتحي" و"منقبة" و "سلفي" و"فكر متشدد" في حين أنه لا يوجد نصوص قانونية تمنع هذه الصفات، وهي تدخل في إطار العقاب الجماعي لكل من له تلك الصفة. كما أن هذه البيانات لا تستعمل صفة "مواطن" أو صفة "تونسي" وهو ما يعمق الإحساس بالكراهية تجاه كل من يحمل تلك الصفات التي هي في الأخير تدخل في إطار الحريات الشخصية وفي اطار حرية المعتقد وحرية الممارسة الدينية.
إن نشر خطاب الكراهية في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وعلى لسان السياسيين وبعض أجهزة الدولة من شأنه آن يترسب في العقل الباطن لأغلب الناس و سيؤثر في اللاوعي ليترجم في الأخير في أفعال وجرائم يقترفها السطحيون والمهمشون والذين لا يسيطرون على ترسبات الكراهية التي في لاوعيهم، لتكون الضحية شخص بريء أو مجموعة من الأشخاص كما حدث، في جريمة حي التضامن ونفس الأسباب هي في الحقيقة وراء جريمة نيوزيلاندا الإرهابية.
إن الوقاية خير من العلاج، لذا يتعين على جميع التونسيين الذين يؤمنون بالحق في الاختلاف وأن هذا الوطن للجميع بكل فئاته، أن يقف وقفة حازمة ضد خطاب الكراهية المنتشر في إعلامنا وعلى ألسنة سياسيينا وفي بيانات الدولة، فلا أحد فينا يتمنى أن يرى ما حصل في نيوزيلاندا يتكرر في أحد مساجدنا لا قدر الله، و لا أحد فينا يتمنى أن تتكرر الجرائم ضد أئمتنا و مواطنينا المتدينين.
وأرى أنه قد حان الوقت لإرساء منظومة قانونية متكاملة تحارب خطاب الكراهية عموما والاسلاموفوبيا تحديدا.
وعلى الأحزاب السياسية الوطنية أن تدرج هذه النقطة في برامجها الانتخابية، بهدف عزل الفئة المتطرفة التي تنشر الكراهية والاسلاموفوبيا وتزرع الحقد والتفرقة بين التونسيين على أساس طائفي وديني.
كما أن الدولة مطالبة بعدم الانجرار وراء نشر خطابات الكراهية في إطار حربها على الإرهاب، وأن تلتزم المهنية في بياناتها. كما أن برامجها لمحاربة التشدد يجب أن تشمل محاربة خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا وأن تمنع وتمتنع عن استعمال الألفاظ الطائفية التمييزية أو أوصاف المظهر الخارجي للتونسيين المتدينين كي لا تساهم في تأجيج خطاب ومشاعر الكراهية لدى عامة التونسيين.
--------------
كريم السليتي
باحث وحقوقي تونسي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: