لماذا اغتاظت فرنسا من الاهتمام الأنقلوساكسوني بتونس؟
كريم السليتي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7023
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لم تتمكن الخارجية الفرنسية من كتم غيظها من نجاح التجربة التونسية و خاصة من الاهتمام المتزايد الذي أبدته بعض أهم الدول الأنقلوساكسونية بتونس في الآونة الأخيرة. حيث تزامن التحذير المتسرع الذي أصدرته الخارجية الفرنسية لرعاياها في تونس، مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي لتونس و التي وجّه فيها دعوة صريحة لفتح حوار استراتيجي مع بلادنا. كما يأتي هذا التحذير أيام قليلة بعد زيارة كاتب الدولة للخارجية البريطانية و الذي أبدى فيه إعجابه بمدى تحضر التونسيين و قدرتهم على حل مشاكلهم بالحوار و التوافق كما جدد استعداد بلاده دعم تونس في أي تحول استراتيجي مستقبلي.
هذا الدعم الأمريكي و البريطاني سبقه دعم واضح وقوي من الجار اللدود لفرنسا وهو ألمانيا و الذي لعب دورا محوريا في دعم الحوار الوطني و اخراج البلاد من عنق الزجاجة.
من الواضح أن فرنسا تعيش سن اليأس في تونس، فبعد أن استغلت السنوات الأخيرة لحكم بن علي في تشديد قبضتها الاقتصادية و الثقافية على الشعب التونسي و ذلك بمحاولة السيطرة التامة على مسالك التوزيع من خلال سلسلة الفضاءات التجارية الكبرى و السريعة و أخذ جزء من قطاع الاتصالات في صفقة من الواضح أنها كانت سياسية بامتياز، و الحصول على صفقات مشاريع بنية تحتية بالإضافة لمزيد السيطرة على سوق استراد السيارات و غيرها من المشاريع. بعد كل هذه النجاحات الفرنسية في عهد الاستبداد جاءت الثورة بما لا تشتهيه مراكب فرنسا، حيث تعالت صيحات الفزع من قبل أحرار تونس منتقدين التغلغل الفرنسي في اقتصادنا و سياستنا وإدارتنا و أمننا و تعليمنا و إعلامنا و قضائنا، و صار كل ما هو فرنسي موضع شبهة و تخوف.
و اليوم نرى أن التلاميذ و الطلبة في تونس ينتقدون و بشدة مواصلة تونس الاعتماد على التعليم باللغة الفرنسية بصفة مكثفة في التعليم الثانوي و العالي، وهو ما يراه شباب تونس سيرا في طريق "انتحاري" لمستقبل البلاد و مستقبل هؤلاء التلاميذ و الطلبة. فاللغة الفرنسية صارت لغة محلية تستعمل على صعيد ضيق جدا، و لا يعترف بها أسواق المال و الأعمال و لا ميادين العلم و المعرفة، و بقيت لغة صالونات ثقافية فحسب.
و ذا كانت تونس تصدر حوالي 6000 متعاون فني إلى الخارج سنويا فإنه من المتوقع أن يقفز هذا العدد إلى ما بين 50 ألف و 100 ألف متعاون سنويا في حال حدّثت تونس نظامها التعليمي المتهالك و أقرت توجها استراتيجيا جديدا يعتمد أساسا على اللغة الإنجليزية و اللغة العربية، حيث أن سوق الخليج العربي لوحده قادر على استيعاب ما لا يقل عن 40 ألف متعاون تونسي سنويا. هذا ناهيك عن أسواق العمل الناشئة الأخرى و فرص العمل في المنظمات و المؤسسات الدولية و الشركات العالمية.
لقد أثبت النموذج الفرنسي فشلا ذريعا داخل فرنسا نفسها، ففرنسا التي بشرت بعهد الأنوار و حقوق الانسان كانت أسوء مستعمر يسجله التاريخ الحديث من حيث سفك الدماء و استئصال الثقافات المحلية و فرض الهيمنة و الاستبداد و الأجندات بالقوة. كما أن الانحلال الأخلاقي الذي شهده المجتمع الفرنسي منذ بداية الستينات و إلى اليوم نتيجة اعتماد نموذج علماني معاد تماما للأديان و الأخلاق، نتج عنه تفكك اجتماعي بدأت تحس نتائجه في ثمانينات القرن الماضي، وهذا التفكك الاجتماعي و الأسري أدى بدوره إلى تراجع اقتصادي و علمي كبير منذ بداية هذا القرن.
إن انتشار وعي التونسيين بأن لا مستقبل لهم مع النموذج الفرنسي و الذي لم ينجح في أي من المستعمرات الفرنسية (تشاد، مالي، النيجر، الجزائر...) حيث أنها الأسوء في الفساد و الاستبداد و الفقر و البطالة و سوء التصرف و الإدارة، يجعل من فرنسا في موقف الهزيمة المدوية في تونس. وهو ما يفسر و لو جزئيا ردّات فعلها المتشنجة كلما خطت تونس خطوة نحو الانعتاق و الخروج من تحت عباءتها و تحقيق مصالحها الاستراتيجية بعيدا عن الهيمنة الفرنسية.
-------------
كريم السليتي
خبير بمكتب استشارات دولي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: