كريم السليتي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1081
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا يتعلق هذا الامر بالموظف الاداري فقط بل بكل الذين يعملون في القطاع العام وحتى الخاص، عندما تصبح الوظيفة وبالأحرى الراتب عنوانًا لنوع من العبودية الحديثة طويلة الأجل، تتجاوز حتى سن التقاعد، لأنها وببساطة تصبح سلوكًا وعقلية مترسخة في العقول.
يتنازل الموظف شيئًا فشيئًا بعد حصوله على الوظيفة والراتب على كثير من مبادئه وقيمه، المبادئ والقيم المتعلقة بالحرية تحديدًا ، حرية التعبير ، القدرة عن على ابداء الرأي بشكل علني في مواقع التواصل الاجتماعي او في شكل مقالات او نشر كتب .
كثير من هؤلاء الذين نراهم داخل الإدارة، كانوا متألقين مميزين أثناء سنوات دراستهم الثانوية والجامعية ، كانوا جذوة من الحماس وإرادة التغيير، كانوا منارات للتجديد والتطوير والتفكير خارج الصندوق يحدوهم الأمل في تحقيق نجاح في تغيير العقليات وتطوير البلاد وادخالها للقرن الواحد والعشرين… ولكن… كل تلك الموجات الايجابية يتراجع مداها وتخفت شيئا فشيئًا ، مع أول مرتب مع أول قرض بنكي ومع أول طفل ، يحاول الموظف إعادة ترتيب أولوياته. ويبدأ في التركيز على دراسة المخاطر وكيفية المحافظة على ذلك الراتب وتلك الوظيفة لأنه يراها المنقذ الوحيد له من مخاطر الفقر والبطالة، فيبدأ بإقناع نفسه بأن يجب أن يدخل قالب العبيد وأنه مجبر على ذلك ولا مخرج له إلا بإغلاق فمه وقفل دماغه وقتل ذلك الشخص المبدع داخله بل يصبح من الناس الذين يرون الابداع تهورًا والتجديد عدم خبرة والتعبير عن رأيه نقصًا في المهنية.
شيئًا فشيئًا وبعد قتل النَفَس الابداعي الثوري داخله، يمر مباشرةً ليصبح تحت تأثير العقليات السائدة، عقلية "المسمار في حيط" وعقلية الانتهازية الشخصية والأنانية المتطرفة وإستغلال الوظيفة للحصول على أقصى حد من المنافع الشخصية بأقل مجهود وأقل انتاجية. وهكذا يتحول دون أن يشعر من مبدع إلى عبد وهو يظن نفسه أنه قد أصبح أكثر ذكاء وحكمة وعقلانية.
يدخل اذن إلى حضيرة العبيد من بابها الواسع، فيصبح هو نفسه منظرًا لفوائدها ويحرص على التزام جميع زملائه بها، بل قد يصبح من الوشاة بؤلائك الموظفين الجدد الذين يتمردون على قواعد عمل العبيد، الذين لا يحترمون واجب التحفظ ويبدون آراءهم علنا على منصات التواصل الاجتماعي ، أو ينشرون مقالاتهم وإبداعاتهم… وتبقى حلقة صناعة العبيد متواصلة من جيل إلى جيل!
بعد أن يقضي الموظف العبد زهاء ثلاثة عقود في نفس الوظيفة ونفس الادارة وبنفس العقلية يحال إلى التقاعد، ويالها من مصيبة أن يخرج من حضيرة العبيد إلى العالم، لكنه عوض أن يتحرر من العبودية يدخل في محاولة تأطير المجتمع واقناعه بأهمية العبودية في حفظ النظام والسلامة الشخصية ، ويصبح منظرًا للأجيال الأخرى حول أهمية نظرية الجمود وخطورة التغيير لأنه قد يؤدي الى مخاطر غير معلومة.
لقد بعت أيها المبدع نفسك بأرخص الأثمان لترتهن في عبودية قاسية، وأنت تظن أنك تحسن صنعًا ، فمتى تعتق نفسك وتخرج من قالب العبيد وتعبر عن رأيك الحقيقي المدفون في زحمة ضغوطات الواقع. متى تجدد وتبتكر وتطلق ذلك الانسان الطيب داخلك الذي يستمتع بمساعدة الناس؟
---------
كريم السليتي
كاتب وباحث في الإصلاح والتطوير الإداري
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: