البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس.. حكومة برائحة الانقلاب

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 3534



لا يختلف أهل تونس اليوم في وصف التحوير الوزاري الأخير الذي طرأ على الحكومة القديمة، حيث يجمع الأحرار على وصف التغيير بأنه يحمل طعم الانقلاب الذي لا يخفى على ملاحظ. لكن من المبالغة القول بأن الأمر انقلاب على الثورة لأن الانقلاب بدأ مبكرا ومنذ السنوات الأولى لثورة 17 ديسمبر حيث نجح جلادو بن علي ورجاله في امتصاص الصدمة الثورية الأولى وحيث فشل الثوريون والنخب التابعة لهم في اجتثاث ورم النظام القديم.

المسألة هي بتعبير أكثر دقة "تقدّم على طريق استكمال الانقلاب" بمعنى أن التحوير الأخير هو مرحلة من جملة مجموعة من المراحل التي تصب نحو هدف واحد وهو استعادة المجال الذي كان للنظام الاستبدادي قبل تاريخ 17 ديسمبر.

التشكيلة الحكومية الجديدة هي الأكثر وقاحة واستفزازا للمشاعر الثورية ولقوافل الشهداء الذين سقطوا خلال ثورة الحرية من أجل أن يعيش أبناؤهم وأهلهم بشرف وكرامة ومن أجل أن تسقط "عصابة السرّاق".

التشكيلة الوزارية تحمل رؤوسا من رؤوس الثورة المضادة وتحمل أعلاما من أعلام نظام الهارب بن علي بل إن من بين وزراء اليوم مَن كانوا وزراء عنده عندما كان يمارس على شعب تونس أشرس أنواع القمع والتعذيب والاضطهاد والتنكيل والقتل. من وزراء اليوم من يحمل شبهات فساد كبيرة بل إن منهم من ترتبط به ملفات خطيرة في صناعة الجماعات الإرهابية وفي اختراقها وتوجيهها وفي ضرب الأمن القومي للبلاد.

تحمل الحكومة الجديدة طبعا وجوها رخوة محسوبة على حركة النهضة الإسلامية وهي وجوه تنتمي دائما إلى نفس المناطق التي احتكرت السلطة والنفوذ والثروة منذ الوكالة الاستعمارية لبورقيبة وصولا إلى الوكيل الثاني بن علي.

لقد قام بورقيبة وبن علي بتفضيل أبناء مدنهم من الساحل أو من العاصمة على بقية المناطق الأخرى للبلاد والتي لا تزال تعاني التهميش والفقر والاحتقار بل دفع الرجلان وهما من أبناء منطقة واحدة بأصدقائهم في أرقى المناصب في الدولة وفي مفاصل الحكومة واستبعدوا كل المناطق الأخرى في جهوية مقيتة لا تزال آثارها بادية حتى على البنية التحتية وفي الخدمات والمرافق بين ساحل وشمال شرقي مترف وبين باقي البلاد الغارق في الفقر والحاجة والخصاصة.

بل إن رئيس الجمهورية الذي كان يوما يشرف على زنازين تعذيب المجاهدين في سجن "صباط ـ حذاء ـ الظلام" ذائع الصيت صرّح بالأمس أن إخوان تونس رفضوا دخول قلعة المدنية التي يدعي حمايتها وحافظوا على صبغتهم الدينية السياسية. وهو ما يؤشر ـ بقطع النظر عن صبغة التصريح الانتخابية ـ إلى أن حزب نداء تونس بما هو الواجهة الجديدة لحزب التجمع الدستوري الدموي لن يتردد في الانقضاض على شركائه في الحكم متى سنحت له الفرصة ومتى أشّر عليه عرّابو الانقلاب في الخارج بذلك.

جهود الخارج في دعم الانقلاب على الثورة التونسية لا تخفى بل إن الدولة الخليجية الراعية للانقلابات في المنطقة هي التي تقود منذ مدة جهود الانقلاب الناعم على الثورة التونسية مثلما فعلت مع الثورة المصرية ومثلما لا تزال تفعل مع الثورة الليبية. بل إن من الملاحظين في تونس من يرى أن هذه الدولة التي تمرح على طول الوطن العربي من أجل إجهاض التجارب السياسية الناشئة هي التي قامت بالتحوير الوزاري الأخير في تونس خاصة فيما يتعلق بالوزارات السيادية مثل الدفاع والعدل والداخلية والمالية.

صحيح أن التجربة التونسية لا يمكن أن تخرج عن سياقها العربي أي أنه لا يمكن فصل مسار الثورة التونسية عن مسار بقية الثورات العربية لكن لا يجب أن ننسى أن تونس استثناء تاريخي يفسر أساسا باندلاع الثورة منها أولا.

إن قوى الثورات المضادة تعرف اليوم أوج انتصاراتها وهو ما أغرى كثيرين في المنطقة وخارجها بالتعجيل لتصفية المكسب الثوري التونسي وذبح الثورة العربية في مهدها كما يقول الكثيرون.

رغم كل المحاولات اليائسة للانقضاض على المكسب الثوري، ورغم كل الأموال التي أنفقت على الإرهاب وعلى الاغتيالات السياسية وعلى الاعتصامات وعلى منابر إعلام العار ورغم كل ذلك؛ لا تزال الثورة التونسية صامدة أمام التيارات الانقلابية التي لم تفهم الدرس بعد.

لقد طلّق الشعب التونسي الخوف دون رجعة وانتهت قبضة الجلاد التي كان يخافها وإن كل محاولة لإعادة استنساخ النظام القديم لن تكون غير تسريع للموجة الثورية الثانية التي لن تكون كسابقتها ولن ترتكب أخطاءها بل ستعجل باستئصال منظومة الفساد من جذورها ولو كلفها ذلك ما كلفها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة المضادة، بقايا فرنسا، الباجي قائد السبيسي، السبسي، حركة النهضة، الغنوشي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 8-09-2017   موقع: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مصطفى منيغ، صلاح المختار، طلال قسومي، أحمد بوادي، صباح الموسوي ، محمود فاروق سيد شعبان، جاسم الرصيف، أنس الشابي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد العزيز كحيل، أشرف إبراهيم حجاج، كريم السليتي، د. صلاح عودة الله ، أ.د. مصطفى رجب، يزيد بن الحسين، حسن عثمان، عبد الغني مزوز، رضا الدبّابي، سيد السباعي، أحمد الحباسي، فتحي الزغل، حسن الطرابلسي، ياسين أحمد، علي عبد العال، عمار غيلوفي، إيمى الأشقر، د - مصطفى فهمي، العادل السمعلي، صفاء العراقي، ضحى عبد الرحمن، سليمان أحمد أبو ستة، فتحي العابد، حميدة الطيلوش، المولدي اليوسفي، محمد الياسين، عمر غازي، عبد الرزاق قيراط ، طارق خفاجي، محمد عمر غرس الله، محمود طرشوبي، عراق المطيري، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد أحمد عزوز، أبو سمية، محمد العيادي، كريم فارق، د - الضاوي خوالدية، سعود السبعاني، د. طارق عبد الحليم، محمد يحي، وائل بنجدو، عواطف منصور، سلام الشماع، مجدى داود، د. أحمد محمد سليمان، د- محمد رحال، د- هاني ابوالفتوح، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فوزي مسعود ، د. مصطفى يوسف اللداوي، خبَّاب بن مروان الحمد، يحيي البوليني، د - محمد بنيعيش، د - شاكر الحوكي ، حاتم الصولي، خالد الجاف ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. خالد الطراولي ، عزيز العرباوي، محمود سلطان، فهمي شراب، د - المنجي الكعبي، بيلسان قيصر، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رافد العزاوي، نادية سعد، فتحـي قاره بيبـان، علي الكاش، رافع القارصي، أحمد النعيمي، د - محمد بن موسى الشريف ، صفاء العربي، د.محمد فتحي عبد العال، محمد علي العقربي، صلاح الحريري، د. أحمد بشير، سامح لطف الله، د- محمود علي عريقات، د - عادل رضا، سامر أبو رمان ، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد اسعد بيوض التميمي، سفيان عبد الكافي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - صالح المازقي، عبد الله زيدان، إياد محمود حسين ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، منجي باكير، ماهر عدنان قنديل، سلوى المغربي، أحمد ملحم، مراد قميزة، د- جابر قميحة، رمضان حينوني، الناصر الرقيق، محمد شمام ، مصطفي زهران، الهيثم زعفان، عبد الله الفقير، الهادي المثلوثي، تونسي، إسراء أبو رمان، رشيد السيد أحمد، د. عبد الآله المالكي، المولدي الفرجاني، محمد الطرابلسي، صالح النعامي ، محرر "بوابتي"،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز