إسلاموفوبيا: تاريخية المصطلح ومنطلقاته
تحرير المصطلحات هو أول عتبة للفهم، كما هو العاصم من تشوه النظرة وتشظي المواقف، وأزمة أمتنا اليوم هي في تلقي المصطلحات وإدراجها في خطابها دون روية ولا تدقيق، ومن هذه المصطلحات المربكة مصطلح (الإسلامفوبيا)، فما هي دلالة هذا المصطلح وما تاريخه وما هي منطلقاته؟
كان ذلك موضوع مداخلة د.أحمد الجنابي في مؤتمر (رهاب الإسلام) الذي ينظمه منتدى العلاقات العربية والدولية في الفترة (27 ـ 28/04/2016) ويحضره لفيف من الباحثين والمختصين في موضوع علاقة الغرب والشرق، وتروم هذه الورقة تلخيص ما ورد في المداخلة المذكورة.
أصل مصطلح الإسلامفوبيا
يُصَنَّفُ هذا المصطلح عربيًا بأنه من الدخيل، وهو مركب من كلمتين: عربية وهي: (إسلام)، وأجنبية وهي: (فوبيا) بالإنجليزية (Phobia) وليس كل من يتحدث العربية يفهم دلالة هذا المصطلح رغم تعريبه.
وقد أخذت ترجمته إلى اللغة العربية تعبيرات عدة؛ منها: الرهاب من الإسلام، أو رهاب الإسلام، أو الإرهاب الإسلامي، والخوف منه، أو الخطر الأخضر، سيف الإسلام، أو التحدي الإسلامي، أو المسلم المتوحش…إلخ، ويندرج هذا المصطلح في حقل المصطلحات النفسية الوظيفية السيكو-اجتماعية.
تاريخ المصطلح
لم يظهر هذا المصطلح إلا في القرن العشرين وإن كان ظهوره في الانجليزية كان سابقا على ظهوره في العربية بعقود، حيث ظهر استعمال المصطلح في الإنجليزية أوائل القرن بينما لم يستعمل في العربية إلا في نهاياته.
ويلاحظ أن كلا الاستعمالين يندرج تحت الخطاب الإيديولوجيّ، والراديكالي من الأحزاب اليمينية والعنصرية.
وقد تباين المنطلق في استخدام هذا المصطلح، فغربيًا كان هجوميًا، وعربيًا كان دفاعيًا، بمعنى أن منطلقه الغربي كان عدائيًا أو تحذيريًا، بينما كان استخدامه العربي نفيًا لهذه التهمة ومحاولة إثبات عكسها.
استغلال المصطلح
لقد أسس الغرب حربه العالمية الثالثة (حرب الإرهاب) على تجذير هذا المصطلح والنفخ فيه ووضع الخطط والآليات لضمان تركيزه في مخيال الإنسان الغربي كحقيقة قائمة، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة انطلقت حملة ممنهجة مدعومة لوضع هذا المصطلح موضع التنفيذ الإقناعي، وذلك بعد أن سبقتها سياسات ودراسات تمثلت في الفكر الإمبريالي والبحث في صراع الحضارات وتصادمها.
روافد تجذير المصطلح
هناك تياران متصارعان في الغرب حول الظاهرة؛ حيث إن بعض الكتاب خصوصا التابعين للمخابرات البريطانية والأمريكية وكذلك الكتاب اليهود سعوا ويسعون دائما لتشويه صورة المسلم في المخيال الغربي، وذلك من خلال تقديم الإسلام على أنه دين عنف وإرهاب وأنه لا مكان فيه لحقوق الإنسان ولا للاعتراف بالآخر.
وتقف خلف هذا التيار مؤسسات أمنية وإعلامية ومراكز دراسات عملاقة، وهو تيار نشط وفعال،وقد وجد هذا التيار فرصته قبل أن تنشط الهجرة العربية إلى دول الغرب.
حذر الغالب من المغلوب
ومن الجدير بالذكر أن (إسلاموفوبيا) ليس لها مقابل في الخطاب الإسلامي تجاه الأديان الأخرى، فليس هناك مصطلح مستعمل لـ(يهودوفوبيا)، ولا لـ(مسيحوفوبيا)، سواء كان الخطاب الإسلامي معتدلًا أو متشددًا، فالخوف من طرف واحد، وهو الجانب الغربي، في حين أن معه القوة المادية، و”الانتصارات” العسكرية على “الإرهاب” في بلاد المسلمين، ولذلك تبحث هذه الظاهرة من وجهة نظر الغرب على اعتبار حذر الغالب من المغلوب، وتبحث من وجهة نظر إسلامية على اعتبار النصر بالرعب “مسيرة كذا وكذا” كما في النصوص الشرعية، فكلٌ يسأل نفسه: مَنْ يخافُ مِنْ مَنْ؟
وإشكالية المصطلح من جانب آخر تتشكل من حيث ربط الخوف بالإسلام وليس بالمسلمين، فلم يقولوا: (مسلموفوبيا)، مع أن استعماله إن وجد لكان أدقًا؛ لأنه سيحدد الخوف من جماعة مسلمة ما مسلحة أو غير مسلحة، وليس من كل المسلمين سواء المتعايشين معهم في الغرب أو الذين ليست لديهم كراهية لهم ولا عدائية في بلاد العرب والمسلمين.
وقد توسع مفهوم (إسلاموفوبيا) من حالة مَرَضية نفسية لدى الغرب ضد المسلمين إلى حالة ممارسات قولية وفعلية فردية وجماعية بهذا الاسم وبغيره، وبردة فعل وبغيرها، إلى انتهاك لحقوق الإنسان العربي المسلم في الغرب وفي بلاده ووطنه الأم، وهي في تزايد من خلال استطلاعات الرأي العام، الأمر الذي يستوجب دراستها وبحثها من جديد وبتضافر تخصصات عدة وتجارب متنوعة لعلاج هذا المرض الاجتماعي.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: