د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4418
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أثار مقالي عن هيكل رداً ورداً آخر أراد صاحبه أن يأخذني به بعيداً عن موضوعه، وهو كلمات تقدير لمكانة الراحل الصحفية في مصر وفي العالم العربي والعالم عموماً، واستذكاري لمقال من مقالاته في "الأهرام" تحت عنوانه الأسبوعي "بصراحة"، خصه بالرئيس الحبيب بورقيبة غداة مغادرته لمصر من رحلةٍ مشرقية سجّلت ردّات فعل قوية على تصريحاته وخطبه، وسماه تنقّصاً بـ "سى الحبيب"، تناول فيه سياسته الشرق - أوسطية وموقفه من القضية الفلسطينية ومقاطعاته الشهيرة لكل إجماع عربي أو مشروع للوحدة بين العرب فضلاً عن الثورات في المنطقة التي لم يكن له فيها مزاج
واستذكاري لهذا المقال لا لذات الاستذكار ولكن لأن الصدفة شاءت أن تصبح له أهمية كوثيقة تاريخية فُقدت من الأرشيف التونسي ووجدت عندي في الوقت الذي كانت فيه السلطة الإعلامية في تونس في أحوج الحاجة لاستحضاره الى مكتب الرئيس بمناسبة زيارة هيكل لتونس ولقائه به وقد أصبح الرجل غير الرجل بعد نكسته من عرشه الصحفي على "الأهرام" واستبعاده من كل مسؤولية في بلاده وبعد سجن وتنكيل بولائه القديم للسلطة القائمة في أيام صولته على الأهرام وعزه بين القصور وعند الرؤساء والملوك في المنطقة وربما في العالم كذلك.
ولأمر آخر وهو أني جعلت من استحضاري لذلك المقال في حين تلك الزيارة فرصةً لكشف ما يعانيه الإعلام العربي عموماً والتونسي بالأخص من تضييقات على الحريات والتعبير ومن سوء توثيق لمفرداته، من صحف ومجلات وكتب كان المنع والرقابة من التداول لها بالمرصاد. وليس استحضاره في أي مكان، ولكن تحت قبة مجلس النواب لأول دخولي له ومناقشة أول ميزانية تعرض عليه.
وكنت أشرت لصاحب الرد أن يرجع الى كتابي المنشور ليجد مداخلتي بنصها الموثقة من مداولات المجلس، ليقدر ما قصدته من إثارة لموضوع ذلك المقال كنموذج للمنع وما يترتب عنه من افتقاد الذاكرة الوطنية لرصيد من التفاعلات الصحفية والإعلامية في الخارج لسياسات بلدنا وصورة زعمائه ومسؤوليه من خلالها، حتى لا تكون محفوظاتنا فقط من الكتابات المأجورة أو المنشورات المدفوعة الثمن لأصحابها قبل وبعد نشرها لحساب الأغراض الدعائية وتضخيم الأنا للمنتفعين منها من ميزانية الدولة، وفي الوقت نفسه تصوير شهرة رجل من رجال الإعلام الرسميين للدولة في عهد عبد الناصر حاول أن يصنع رمزية تشبه رمزية القاضي الفاضل وابن شداد في زمن صلاح الدين الأيوبي.
ولذلك استسمح الجريدة أن أضع تحت نظره نص هذه المداخلة ليقرأها، لعله ينزّل مقالي منزلته من سياق الذكرى بمناسة وفاة المرحوم محمد حسنين هيكل ويجد فيه جواباً عن بعض تساؤلاته غير البريئة ومنها كيف احتفظت بذلك المقال دون غيره من المقالات. حتى لا يبقى في كل رد يخْبط حول انتمائي واختياراتي السياسية وما ينطبق عليّ وما لا ينطبق من التماثيل والأنصاب التي يستأنس اليها في أحكامه واستشهاداته.
وفيما يلي النص بأمانة وكذلك التعليق عليه بآخره في الكتاب نفسه (الدكتور المنجي الكعبي، تداخلات عضو بمجلس الأمة، تونس 1974- 1979):
منافشة ميزانيتي كتابة الدولة للأخبار والإذاعة والتلفزة (في 17 ديسمبر 1974 - مداولات مجلس الأمة)
رئيس مجلس الأمة: الكلمة للسيد المنجي الكعبي
السيد المنجي الكعبي: حضرة السيد رئيس مجلس الأمة،اسمحوا لي في أول تدخل لي بمجلس الأمة في جلسة عامة أن أرفع شكري وتقديري العظيم الى المجاهد الأكبر فخامة رئيس الجمهورية الذي منحنا ثقته الغالية للنيابة عن الأمة في هذا المجلس عن طريق حزب الأمة العتيد وعلى هدى مؤتمر الوضوح الأخير بالمنستير، وأقدم شكري وتقديري كذلك للحكومة ولوزيرها الأول السيد الهادي نويرة لما تعلقه من أهمية على النائب بمجلس الأمة ولذلك الدور الذي حدده السيد الوزير الأول في خطابه الأخير بما لا زيادة فيه لمزيد من حيث الحقوق والواجبات.
وسؤالي يتجه الى السيد كاتب الدولة للأخبار وهو يتعلق بمصلحة الوثائق التابعة لهذه الكتابة وذلك بمناسبة موضوع شغلني واطلعت عليه صدفة.
من المعلوم أن مصلحة الوثائق مهمتها الأساسية جمع كل ما هو وثيقة أو ما يعتبر وثيقة وتنظيم ذلك وإمداد الباحثين به ومن باب أولى وأحرى مدّ الحكومة بما تحتاجه من وثائق في مهامها بمناسبتها، غير أن الذي اطلعت عليه أخيراً أثار قلقي من حيث مدى قيام هذه المصلحة بوظيفتها على الوجه الأكمل وذلك أنها كُلّفت أخيراً بجمع مقالات صحفي مصري مشهور زارنا أخيراً، بجمعها لغاية الرجوع إليها بمناسبة زيارته الى تونس. فأوشك وقت الزيارة والمصلحة لم تعثر على مقال هو من أهم مقالاته في التهجم على رئيس الدولة، وكان بالنسبة إليّ أهم ما يمكن أن يكون في الملف. فكيف علمت بذلك؟ صدفة كنت في مراجعة وثائقية لي بالمصلحة في بحث يهمني فسمعت عن بعد تأسفاً لعدم وجود هذا المقال ويئساً من وجوده بالرغم من أن الزيارة قد قربت. فأثار ذلك استطلاعي بطبيعة الحال أو فضولي بعبارة أخرى وقلت إن هذا المقال عندي فطُلب مني على الفور، واضطررت أن أجيء به في الحال.
فالمصلحة تقول إنها لم تجد المقال في كل محفوظاتها ولا في أرشيف وزارة الخارجية ولا في الوزارة الأولى ولا في المكتبة الوطنية؛ وهي تعتقد حسب تصريح المسؤول عنها أن هذا المقال غير موجود تماماً في تونس. بطبيعة الحال كيف يوجد هذا المقال عندي ولا يوجد في مصلحة حكومية؟ فالأمر بسيط وهو أنني كنت في القاهرة أيام كان الرئيس يقوم بزيارته المشهورة في المشرق وكنت أيضاً من المشاركين في الوفد باعتباري من اتحاد الطلبة، فاحتفظت بالمقال من بين مقالات أخرى بطبيعة الحال لها من الجوانب التي تستدعي الاحتفاظ بها دون غيرها بالنسبة للفرد ولا بالنسبة للمصلحة.
فهذا الأمر شغلني من ناحية - وهو موضوع سؤالي - مدى قيام مصلحة التوثيق عندنا بجمع كل ما يتعلق بتاريخنا لأن هذا المقال من صحفيّ له أهمية عالمية وبصورة خاصة على مستوى العالم العربي لا يمكن أن نفرط فيه لمجرد أنه مقال فيه تهجم وعداء لسياسة تونس، بل بالعكس أرى أنه من المفيد وينبغي أن يتطور إعلامنا حالياً وفي المستقبل الى الاهتمام بهذا النوع من المقالات المضادة لسياستنا، وبدل أن نسقطها من اعتبارنا أو نحدد من سريانها جماهيرياً نقوم بمقارعتها الحجة بالحجة وحفظها، لأنها تكون في يوم من الأيام مرجعاً ووثيقة كما هي الحالة بالنسبة لزيارة هذا الصحفي المصري. فسؤالي الى السيد كاتب الدولة للأخبار، هو ينبغي على المصلحة في المستقبل أن تهتم على الأقل بتسجيل كل ما يهم تونس ولا يمكن أن تحصل عليه في الوقت المناسب لكي لا نكتشف أنه حتى مجرد تاريخ المقال لم يكن في ذهن أحد من المسؤولين في مصلحة كاملة برمتها. فالذي أريد أن أؤكده في نهاية تدخلي هو حرصنا إلى أن تكون سياستنا الإعلامية على الأقل في مستوى حفظ الوثائق بما يناسب طرق وفلسفة الإعلام الحديث.
وشكراً سيدي الرئيس.
(...)
رئيس مجلس الأمة:
الكلمة للسيد مصطفى المصمودي كاتب الدولة للأخبار
رد السيد مصطفى المصمودي كاتب الدولة للأخبار:
(...) وفي خصوص الموضوع الثاني الذي أود أن أطرقه والمتعلق بهذا الجزء من مسألة الوثائق والعناية بهذه المصلحة في صلب كتابة الدولة، فقد أثار أحد السادة النواب موضوع النقص ربما الموجود في صلب مصلحة الوثائق وأنا أود أن أشكره على حسن عنايته بهذا القطاع واهتمامه به، لكنني أريد أن ألفت نظره الى أن النص الذي أشار اليه في الحقيقة موجود وربما لم يكن موجوداً بالمصلحة التي ذكرها لكن أؤكد له أنه كان موجوداً عندي قبل أن يذهب الى المصلحة التي ذكرها باعتبار أن هناك أكثر من مصلحة وثائق في قطاع الإعلام، منها ما هو موجود بالإذاعة ومنها ما هو موجود بوكالة تونس إفريقيا للأنباء، لأن العمل هو عمل تكاملي وأن المادة الإعلامية هي غزيرة ويصعب استيعاب كل ما يكتب خصوصاً وأن الأمور ترجع في بعض الأحيان الى عشرات السنين وعلى كل فهذا لا يمنعنا من مزيد العناية بقطاع التوثيق خصوصاً ونحن بصدد المفاوضات مع منظمة اليونسكو لمساعدتنا على تنظيم هذا القطاع وإدخاله في دولاب القطاعات التي يستعمل فيها "الإنفورماتيك" وسنشرع بداية من السنة القادمة في البحث لتطوير العمل داخل هذه المصلحة حتى يمكننا استيعاب كل ما يأتيها وكل ما يصلها من وثائق ذات أهمية مثل الوثائق التي أشار اليها السيد النائب المحترم (❊).
❊ بعد نهاية الجلسة قرأ السيد كاتب الدولة في وجهي علائم قلة الارتيارح لردّه وذكر لي أنه لم يجد بداً من ذلك الردّ ونوه بمساعدتي.. لكن ما راعني أكثر إلا ومصلحة التوثيق تصدر في اليوم التالي بجريدة الصباح تكذيباً «لمزاعمي حول مدّها بهذا المقال» فقلت في نفسي: «لم تجد هي الأخرى بداً من ذلك التصرّف!».
انتهى نقل نص المداخلة والتعليق عليها بنجمة (❊) وكله من الكتاب المذكور وعنوانه: الدكتور المنجي الكعبي - تداخلات عضو بمجلس الأمة، طبع تونس ١٩٧٩.
ولم أر بداً في مقالي عن هيكل من الإشارة ضمناً بأن الإعلاميين الرسميين في مصر وفي تونس قلما يتركون هامشاً لقلمهم للحياد أو التحفظ يَعذِر لهم إذا كبا جوادهم في موكب مَن يراكبونه من رؤسائهم أو تطول بهم الحياة إثرهم.
تونس في 28 مارس 2016
----------------------------
[صورة رسمية نشرتها "الأهرام" تمثل الرئيس بورقيبة في استقباله الرئيس عبد الناصر والملك حسين ويرى الطالب الشاب المنجي الكعبي بناحية اليسار في الصف الثاني].
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: