فعدا عما جاء في تفسير هذه الأ ية،فقد يختلط على من يسمعها تمييز أصحاب المصائب من أصحاب البلاء،حتى يظن أن كل سيئة أو أزمة يمر بها المرء هي بالضرورة عقاب بفعل عمله السيئ,ﻷنه تعود أن يرد الحسنة إلى كل ما ظهرمن النعم،والسيئة الى كل ما ظهرمن سوء,ناسياً أن كثيراً من النعم ظاهره فيه الرحمة وباطنه فيه العذاب والعكس صحيح أيضآ.
فأنا أرى والله أعلم أن اﻹبتلاء الذي يتعرض له المسلم يقع في ضمن الحسنة التي من الله,لأن ثمرات الإبتلاء فيها كل الحسنات والعبرة في عواقب اﻷمور،عدا عن أن الله هوالمتفضل بالنعم وﻻ يمنعها أو يسلبها إلا بسئية اﻹنسان،
والبلاء هو امتحان درجة منزلة الله عندعبد أحبه الله لشدة تقواه،بدليل أن البلاء هو جزء من حياة اﻷنبياء،فما تعرض له اﻷنبياء من شدة ومحاربة وأذى هو بالضرورة من اﻹبتلاء الذي يسبق النصر والتمكين،إبتلاء نتج عنه إجتباء وإصطفاء وتمكين لهم في اﻷرض وعلو ورفعة
في حين أن العقاب من نفس اﻹنسان أي نتيجة عمله السيئ،والذي ﻻ يعود عليه إلا بالخسران
لذلك قد يختلط على الناس التفريق بين اﻹبتلاء والعقاب ﻷن الشدة واﻷلم،ونوعية المصائب المشتركة هي التي تجمع بينهما,فالحسنة من الله تشمل الصبرعلى البلاء الذي فيه الجزاء،وحسن العاقبة،والسيئة من النفس تشمل العذاب وسوء العقاب.
فالبلاء هوإمتحان المحبة من الله لعبد إجتباه ثم إصطفاه،
والعقاب هو حصاد السوء لعبد إختار رضا نفسه والشيطان على رضا الرحمن. وقد يكون البلاء بالخوف وعدم اﻷمان،كحالة من التعب النفسي تعتري نفس اﻹنسان ﻷي سبب كان،أو بفقر،أوبفقدان في الذرية،أو معاناة بسبب نقص في ثمار الحياة بمختلف أشكالها
وكل من عاش الرضا والقناعة وسط هذه الظروف فهو في عيش البلاء ويختلف في درجته حسب تقوى الانسان ..
الفرق بين اﻹبتلاء والعقا ب
أن اﻹبتلاء هو جزء من سيرة اﻷنبياء،فليس هناك نبي وإلا وقد إبتُلي في قومه أو أهله وعشيرته أو بدنه،أو زوجه،فالبلا ء إبتلي به اﻷنبياء ثم الصالحون عبر مسيرة الحياة،ثم اﻷمثل فاﻷمثل وأكمل الناس إيمانا أشدهم بلاء,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
((أشد الناس بلاء الأنبياء،ثم الصالحون،ثم الأمثل فالأمثل،يبتلى الرجل على حسب دينه،فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه،وإن كان في دينه رقة إبتلي على قدر دينه،فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)أخرجه الإمام أحمد وغيره
فالبلاء هو دليل محبة الله للعبد المؤمن يبتليه ليُطهره وليصطفيه ثم ليجعله في معيته.
أما العقاب فهو نتيجة سخط الله على المرء لذنوب أذنبها,وهناك فرق بين اﻹثنين
فالبلاء بالضرورة تنزل معه الرحمات التي تنتج عن الرضا بما قسم الله،تعين المرء على إحتماله والصبر عليه.
أما العقاب فيكون منفرداً صاحبه بالشدة واﻷذى حتى يضيق بهما.
أن من إحدى مراحل البلاء أن يُسلط شيطان الجن شياطين اﻹنس على اﻹنسان الطيب صاحب اﻷخلاق لعلم الشيطان المتخفي قدرة صاحب اﻷخلاق على التأثير في المجتمع، خيراً وإصلاحاً,وهذا لا يروق للشيطان الذي يقود معركته ضد اﻷخلاق،فيؤزهم أزاً عليه حقداً وغيرة,حتى يرودوه عن دينه وأخلاقه إن إستطاعوا،أي محاصرة له في كل ما يعمل باﻹنكاروالجحود لعله يضيق بالخلق ويتركه،بل قد يزداد محاصرة الناس له حتى تضييق به الدنيا فيقع في المحك إما أن يترك الخير والعمل به،حتى يريح نفسه ويرضى عنه الناس ،وإما أن يُصر عليه رغم المحاصرة ،فيزداد تعلقاً بالعمل الصالح،من أجل رضا الرحمن،حتى يستوي عنده مدح الناس وذمهم،بعدما يتيقن أن ﻻ مدحهم يرفع وﻻ ذمهم يهين،وحتى يقع في نفسه أن طلب النصرمن الناس نقص في اﻹيمان وذل وهوان،وأن الفرج ﻻ يمكن أن يكون إلا من عند الرحمن،فيسقط الناس من حساباته ويزداد قرباً من الله بالطاعات،فيكون قد نجح في تجاوز مرحلة من مراحل اﻹمتحان،وهي اﻹنتصار على نفسه والشيطان بالثبات على الحق والدين رغم التعرض للشدائد والمكائد وبذلك يزداد قرباً من الله الرحمن الرحيم،وهذا ما حصل مع اﻷنبياء حينما تسلط عليهم أقوامهم ليردوهم عن دينهم فرغم أنهم سلطوا عليهم سفهائهم،وإتهموهم بالجنون والسحروغيرها من اﻷكاذيب,فلم يمنعم ذلك من إتمام رسالاتهم والثبات على الحق،فهذا كله يكرر مع ممن يريد الله إصطفائهم بدرجات مختلفة حسب درجة القدرة والدين قال تعالى
في حين أن المعاقب بالعادة ﻻ يتعرض لشدائد تقهره قبل وقوع العقاب،بل قد تبسط له الدنيا ،ثم إن المعاقب قد ينافق له الناس ﻷن أخلاقه ليس فيها ما يقهرهم أو يحسدونه عليها, بالعكس فقد يكون سوء خلقه سبب حبهم له.
إن البلاء ظاهره فيه العقاب ليمتحن الله نفوس الناس من الحاقدين والحاسدين الذين ينتظرون أن تلحق المصائب بمن يعادون حقداً وحسداً فيظنون أنهم قد إنتصروا،وتحقق لهم ما تمنوا،ليميز الله الخبيث من الطيب،وليرفع المبتلى بصبره على شماتة الناس الدرجات العلى،حتى إذا أنعم الله على صاحب البلاء بثمرات الصبر من تمكين ورفعة تحولت الشماتة الى نصر من الله له عليهم،بتميزيه بينهم وهم ينظرون.
أما العقاب فليس ورائه نصر وﻻ تمكين,بل قد يكون حصار للانسان ليس بعده منفذ وﻻ ملجأ ،بل قد يكون فاتحة لعذاب أكبر إن لم يتعظ ويؤب ويرجع.
إن أصحاب البلاء لهم في كثير من اﻷحيان حقوق عند الناس بسبب ظلم الناس لهم وإفترائهم عليهم،وعلى ما يفعلون من خير,في حين أن المعاقب للناس حق عليه بسبب ظلمه لهم .
إن المعاقب قد يستدرج وتفتح له الدنيا حتى يُصيبه العجب بنفسه فيقع في حبها وينسى المنعم المتفضل عليه،فيطغى ويبغى أو يصيبه الغرور أو يرتكب المحرمات،حتى إذا غرق في حبها جائه العذاب من حيث لا يحتسب فيكون قد أستدرج من خلال النعمة .
أما المبتلى فقد يفتح الله عليه الدنيا فيتعامل معها بحذر,ﻷنه يعلم أن الله يعطيها لمن أحب ولمن ﻻ يحب،وأن المسؤولية تزيد بزيادة النعم عليه،وانه سيُسأل من أين إكتسب؟وأين سينفق؟
فلا يغفل عن خالقه ولا عن رد الجميل إلى المُنعم عليه بزيادة الطاعات فيحبه الله من شدة طاعته،فيبتليه حتى يصطفيه وينصره ويبقيه بمعيته حتى لا يُفتن في الدنيا ومتاعها.
ان المبتلى إن حُصر في رزقه،عاش الرضا والقناعة بما قسم الله،حتى شعر بهما أنه أغنى الناس ﻹيمانه بقوله عليه الصلاة والسلام
في حين ان المعاقب ان حُصر في رزقه ضاقت عليه الدنيا وعاش ساخطا حاقداً،حاسداً .
إن فترة البلاء يحيط الله بها المرء بالحماية رغم شدة البلاء،وتتنزل بها الرحمات ويبدل الله ضعفه قوة بعد البلاء,ويجعل له رهبة في قلوب أعدائه,حتى يصبح من كان الناس يستخفون به لطيبته يحسبون له ألف حساب,ويمد الله المبتلى بنور يمشي به بين الناس ويُنور قلبه باﻹيمان الذي يميز به بين الحق والباطل,ويجعله دائم الوقوف واﻹنتباه على الحسنات والنعم التي في حياته ليستأنس بها مع الشدة,ويفرح أن الله لم يجعل فتنته في دينه فتهون عليه مصيبته فيحمد الله عليها,فتكون بمثابة العلاج لنفسه لتجاوز المصيبة.
في حين أن صا حب العقاب يُصاب باﻹحباط والمسكنة وﻻ يستطيع الوقوف على ما أنعم الله به عليه وتزيده المصيبة حقداً وغيرة حتى يتمنى أن يلحق الناس ما لحق به .
إن من أحوال البلاء أن يشتد الامر على المبتلى قبل الفرج حتى يصيبه اليأس من تأخيره ثم يأتي الفرج من حيث ﻻ يحتسب كما هو شأن اﻷنبياء.
ليشعر فعلاً أنه ممن إصطفاهم الله,وإن من مؤشرات اﻹبتلاء أن يخفف الله عن المبتلى بالمبشرات التي كانت تسري على الانبياء وتخفف عنهم اثناء إبتلائهم وهي الرؤى الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له فتجعله ﻻ يقنط من رحمة الله تشعره بأن الله ناصره ولو بعد حين كما في الحديث
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:سألت رسول الله عن هذه الآية(لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة)فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له)
اﻹبتلاء يزيد من إيمانيات المسلم ويزيده قرباً من الله بدئاً بمحاسبة التفس وطلب العفو من الله إن كان بسبب تقصير منه بالدعاء كما كان عليه الصلاة والسلام يقول
(إن لم يكن بك علي ذنب فلا أبالي)
وزيادة العبادات حتى يشعرالمرء أن حياته ﻻ تستقيم إﻹ بكثرة الطاعات والنوافل ﻹدراكه أن النجاة فيها.
في حين العقاب يبقي المرء في غفلة ويزيده بُعداً عن الدين لكثرة الحسرة واﻹعتراض على قدر الله وعدم محاسبة نفسه أو قد يرمي في أحسن الأحوال على العين سبب ما أصابه.
من ثمرات البلاء أن يحب الله المسلم ثم ينعكس هذا الحب على أهل اﻷرض ﻷن الله اذا أحب عبداً نادى في السماء اني أحبه فأحبوه حتى ينزل حبه في اﻷرض,كما جاء في الحديث
(إذا أحب الله تعالى العبد،نادى جبريل،إن الله تعالى يحب فلاناً،فأحببه،فيحبه جبريل،فينادي في أهل السماء:إن الله يحب فلاناً فأحبوه،فيحبه أهل السماء،ثم يوضع له القبول في الأرض)
عكس المعاقب نتيجة سخطه وعدم محاسبة النفس لا ينعكس العقاب على عمله تغييراً وإصلاحاً فيزداد سوءاً ويزيد بغض الناس لها .
إن صاحب البلاء تصغر الدنيا أمام عينه حتى تصبح أخر همه حتى يستوي عنده فيها المدح أوالذم.
أما المعاقب فيزداد حُب الدنيا في نفسه وحرصه عليها ويحب أن يُمدح ويفجرإذا ذم .
البلاء هو طوق النجاة للمؤمن من فتن هذه الدنيا,فقد يبتلي الله المؤمن في شدة في نفسه أوولده أونقص من ماله,لكي يمنعه من الافتتان بالدنيا والحرص عليها وحرصاً عليه أن ﻻ يقع في حبها,فيصبح من الغافلين فيبتليه ليلجأ إليه ويدعوه فيكون البلاء سبب خروج الدنيا من نفسه.
في حين أن المعاقب قد يزداد إفتتان في الدنيا حتى توقعه في غفلتها,وقد تكون هناك درجة للمؤمن عند الله ﻻ يرتفع ويصل إليها إلا ببلاء معين يكفرالله بها ما فاته ويطهر بها زلاته حتى يصل الى درجة المصطفيين الاخيار،بعكس العقاب قد ينزل بالانسان منزلة نتيجة السخط على قضاء الله عدا عن أن سيرة المرء ومدى حبه للخير وفعله،أو أنانيته وكبره تحدد إن كان ما أصابه إبتلاء أوعقاب والسيرة تستدل بالشهود الثقات.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: