رضا الدبّابي - فرنسا / تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8870
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عندما أدركت فرنسا في بداية الخمسينات أن لا قرار لها في تونس عقبَ اندلاع ثورة التّحرير الجزائرية سارعت إلى البحثِ عن عميل يضمن لها مصالحها عند انسحاب جيوشها. وقع الاختيار على ذيلٍ من أذيالِها وهو حبيبُها بورقيبة. كان لهذا الحبيب الفضل في تواصل الحبّ الأبدي بينهُ وبين حبيبته.
بورقيبة هو البيّاع الكبير ومن بعدِه الدّستوريون واليساريون ومن بعدهم الطّرابلسيون وأخوهم بن علي. بورقيبة "باني تونس الحديثة ومحرّر المرأة"، هذا ما كُتِبَ على جدران مقبرة آل بورقيبة بالمنستير. شعارٌ ماسوني ولكن الجاهلِينَ لا يعلمون. تنضاف إلى هذه الكِذبةِ الكبيرة خُرافات كثيرة أشبهُ بالكرامات وكأنَّ الرّجُلَ وليٌّ من أولياء اللّه الصّالحين. هذه حقيقةُ القطعان التي تُقادُ خلفَ الرّاعي. الرَّجُلُ عندَ كثيرٍ من المغفَّلين "مجاهد أكبر". يا أُمَّةً ضحكتْ من جهلِها الأُممُ أيكون بورقيبة المجاهد الأكبر وهو الذي دعا الشّيخ بن عاشور إلى الخروج على التّونسيين وأمرهم بالافطار في شهر رمضان ولَكنَّ الشَّيخَ الأكبر قرأ من قولِ الله تعالى يا أيُّها الذين آمَنوا كُتِبَ عليكم الصّيامُ كما كُتِبَ على الذين من قبلِكُم لعلَّكُم تتَّقون" وخَتمَ العالِم الجليل يقولُ بعبارةٍ قلَّ أصحابُها صدقَ اللّهُ وكَذِبَ بورْقيبة! أيكون بورقيبة هو صانع الاستقلال وهو الذي أمر بمعصية الله علنًا؟ لم ينتصف هذا "الزّعيم" يوما لحضارته ولدين الإسلام. هو صنيعةٌ فرنسيةٌ بامتيازٍ والحقيقة التي يقرّها التّاريخ هي أنّ مَنْ صَنَع الاستقلال هم المجاهدون والأحرار الذين نازَلوا الاستخراب بالقوَّةِ سواءٌ كان ذلك في الجزائر أو في تونس أو في المغرب أو في دول المغرب العربي الأخرى. أدركَ الحاكمُ العسكري الفرنسي أنْ لا سبيل لفرنسا في البقاء بتونس خاصّة مع اندلاع حركات التحرّر في شمال أفريقيا وفي غيرها من دول العالم فأسرعَ يفاوضُ على استقلالٍ مُشين مع أطرافٍ يمكنها أن تحفظَ مصالح الإمبراطورية. كان بورقيبة أنجبَ تلاميذ فرنسا فعقدتْ معهُ شروط استقلال مهين ليكون لها اليد الطّولى على المغرب العربي. بورقيبة علماني كبيرٌ تأثّرَ بعلماني آخر كبير هو أَتاتورك شيخ العلمانيين في العالم الإسلامي. حارب بورقيبة شيوخ تونس ومنهم شيخ الإسلام المالكي ابن عاشور وشيخ القيروان عبد الرّحمان خليف وكثير من أعلام تونس وانتهى بسجن أبناء الحركة الإسلامية في الثّمانينات. داسَ الرَّجلُ على المقدّسات وخلعَ حجاب النّساء وزعم أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم مروّجٌ للخرافات والأساطير. هكذا كان إفلاس الدّولة سياسيا ودينياً في عهد الهالك. استهان بورقيبة بشعائر الإسلام ودعا النّاس إلى الإفطار في شهر رمضان. كلّ تلك الانحرافات والخروقات إنَّما وقعت تحت دولة الاستقلال المزعومة المشؤومة.
زعم بورقيبة متأثّرا بشيخهِ أتاتورك أنّ سبب تخلّف المسلمين هو تمسّكهم بِدِينهِم القديم. أعلنَ ذلك القزم عقب الاستقلال إغلاق جامع الزّيتونة المعمور وبمرور السِّنين تحوّل ذلك المَعلَمُ إلى مُتْحفٍ يستقبل السّوّاح العراة. تلك جريمة لعمري تُضاهي جريمة الخيانة العُظمى التي تُوجِبُ الإعدام. ولذلك الإغلاق رمزية كبيرة, فهو دليل على نسيان اللّغة العربية والحضارة الإسلامية. والرّجل في أعين أتباعِهِ المغفّلين مجاهد كعمر المختار أو كالأمير عبد القادر الجزائري. ولكنَّ القردَ في عينِ أمِّهِ غزال! قُضيَ على مراكز التَّواصل بينَ الأمّة وحضارتها. ما نال بورقيبة الهالك و"العابثين" الهارب ما نالو إلَّا عندَ القضاء على العلم الشّرعي والعلماء المعتبرين.
تسارعت وتيرة التّغريب خلال تلك العقود والدّليل على ذلك أنّ كثيرا من أبناء بيوتات العلم الشّرعي التحقوا بالمعاهد المستغربة وأصبحوا كبار دعاة التّغريب في البلد مثل أبناء العائلة العاشورية الذين انقَلبوا على أعقابهم وولّوا الأدبار وساروا في ركاب التّغريب. ولكن الجريمة ضخمة والمصاب جلَلٌ وهؤلاء الأبناء هم كما قال الله عنهم "فخلفَ من بعدِهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة واتَّبَعوا الشّهواتِ فسوف يلْقونَ غَيًّا". نحنُ إزاء تصفية لحضارتنا الإسلامية في تونس والحقيقة أنَّ هذا الجرمَ من فِعلِ الدّكتاتور الهالك واللص الهارب.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: