الإعلام التّونسي الفاسد يدعو إلى الاحتراب الأهلي وإسقاط الدّولة
رضا الدبّابي - فرنسا / تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6822
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بعد قرابة ثلاث سنوات من انتفاضة التّونسيين فإنَّ وسائل الإعلام البصرية والسّمعية خاصّة لم تغيّر من أسلوبها الأحادي. إذ تعملُ هذه القنوات المأجورة المهجورة على إذكاء روح الخلاف السّياسي وتأجيجه وهذا المنْحى له عواقب وخيمة على السِّلم الاجتماعي. نلاحظ أنّ التّحريض السّياسي قد بلَغَ مستوياتٍ خطيرة لا ينبغي السّكوت عنها. طغت هذه البرامج السّياسية على حساب البرامج التربوية التَّوعوية وبدا من الواضح أنّ الحماقة السياسية أصبحت تعيق تقدُّم البلد. إنّ معظم هذه البرامج أحادية الرّأْي تدعو إلى إقصاء قطاعات كبيرة من المجتمع التّونسي, فالدّاخل لا يحظى إلّا بتغطيةٍ هزيلة على عكس السّاحل والعاصمة. نحن نلاحظ أنّ هذه القنوات البائسة اليائسة أصبحتْ أداة تحريض على العنف والتَّشنيع والتّعنيف والتَّضليل واختارت طرفاً سياسياً بعينه ونحن لا نتردّد في ذكره وهو التجمّع القديم وأزلامه واليسار واليسار العلماني المتطرّف الذي يؤمن بالعنف وسيلة للوصول إلى الحكم. لا جدال في أنّ دُعاة الفتنة من اليسار المتطرّف الذين كانوا من قبل أعْوانا على الاستبداد يدفعون نحو العنف المنظّم وهذه عقيدتهم الايديولوجية التي ورثوها عن الفكر الشيوعي الماركسي اللينيني الستاليني.
في القنوات التّونسية مَن يدعو إلى إسقاط الدّولة والحكومة المنتخبة شرعيا وهو في تقديرنا أمر خطير ولا يمكن لدولة ذات هيبة وسيادة أن تسكت على هذا العنف المنهجي لأنّ ذلك سيقود إلى تفجّر اجتماعي وسياسي. ونحنُ ننادي صراحة إلى ضرورةِ تطهير القطاع الإعلامي قبل فوات الأوان وهذا ما يجتمعُ عليه كثيرٌ من الملاحظين والنّاقدين وقطاعٌ كبيرٌ من التّونسيين. كيف ونحن نرى ما آلت إليه تونس بسبب التّحريض الذي تمارسه هذه القنوات الضّالة وبيادقها من المعارضة التي تدعو إلى الإنقلاب على الدّولة والشّرعية. كلّ هذا الخراب والاضطراب السّياسي والاجتماعي يتحمّل الإعلام الوزر الأكبر منه.
الإعلام والاستعمال السّياسي للجريمة
إنّ الجريمة السياسية من اغتيال وشيطنة للأقطاب الحاكمة لهو أقوى دليل على تعفُّن الإعلام وسقوطه في الرَّذيلة السّياسية. اسْتغلَّ الإعلام البَصَري خاصّةً جريمةِ اغتيال بلعيد والبراهمي وأعوان الأمن ليتَحامَل على الحكومة المنتخبة. سارعتْ القنوات المشبوهة إلى اتِّهام أفرادٍ وأحزابٍ بعينها وألصقت بها تهمة القتل وهذا كذلك حادثٌ جلَلٌ إذ كيف تبيح هذه القنوات لنفسها أن تكون قاضيا قبْل القضاء. والحقيقة أنّ الإعلام الحكومي أصبح إعلام الطّائفة الشّيوعية التَّجمُعية فالنَّقل المباشر للتصريحات النّارية الصّادرة عن المعارضة وأسر القتلى من أمنيين وعسكريين ومدنيين لهو دليل على هذه الطّائفية السّياسية. فالأصل في الإعلام أن يكون محايداً وعوناً على استقرار البلد لا خرابه وإنّا ننبِّهُ إلى أخطار هذا الإعلام المتحزّب المتعصّب الذي يسعى إلى إشعال الفتنة الصَمّاء وإذكائها.
وإنّا ننادي بتجريم ومقاضاة مثل هذا الإعلام المنحرف فليس لأحد من الإعلاميين والسّياسيين أن يتَّهم ويقذف الأبرياء دون دليل والأصل البينة على من ادّعى. بالموازاة مع تجريم مثل هذا الإعلام الكاذب ومقاضاته فإنّا ندعو تِباعاً إلى تجريم كلّ من سوَّلت له نفسُه اطلاق التّهمة والقذف لأنّ من شأن ذلك نسْفُ الشّرعية وتهديد الوحدة الوطنية المضطربة أصلاً. لا بدَّ من تحديد المسؤوليات وعلى كلّ طرف أن يحترم ما اختاره الشّعب من حكومة ورئاسة ومجلس تأسيسي. ومهْما يكن من أمرٍ فإنَّ المتطرّفين بألوانهم كافّة هم الذين يسوقون البلاد نحو حافة الهاوية ، فمَقتل شخصيات سياسية وأمنية هو فرصة ذهبية لهؤلاء للانقلاب على الدّولة والانقضاض على السّلطة التي فقدوها بلا رجعة. والواقع أنّ المعارضة الغَوغائية تستعمل الجريمة وتركب عليها ولا يهمُّها حقيقة مقتل الأبرياء فالغاية عندهم تبرّر الوسيلة. وغايتُهُم العوْدة إلى سلطةٍ لطالما منُّوا نفوسَهم بالضَّفَرِ بها ولكنّ التّونسيين سفَّهوا أحلامَهم وأزاحوهم عن جهاز الدّولة الذي اغتصبوه منذ بن علي. لم تكن طائفة الفكر الواحد من اليساريين الأصوليين الوصوليين يهمّهم مقتل زعيمهم بقدرِ ما يهمّهم الاستعمال السّياسي للجريمة وإسقاط أوَّل حكومة منتخبة شرعيا. إنّ وقع الصَّدمة التي هزَّت كيانهم عقبَ فوز التيّار الإسلامي وشريكيه التكتّل والمؤتمر كانت انْدحاراً ونَعياً لهم. فعقيدتهم السّياسية القديمة وضعف قاعدتهم الشّعبية هي أمراضٌ تُقْعِدُهم عن النّشاط السّياسي. والحقيقة أنّ «النِّداء» والجبهة الشيوعية والمُعارضة الفَوضوية لم يعد لها رصيد سياسي وشعبي بعد فضائحهم المتكرّرة وتواطئهم على الشّرعية وهم أشبه بِنادي عجائزٍ يبكون على ماضٍ قد ولّى وعن سلطةٍ قد خرجتْ من بينِ أيديهم. وهذه العصابة المارقة برجالها العجزة وعقيدتها العنيفة تنتمي إلى الماضي مثل الإمبراطورية السّوفياتية. بقي لهم أسلوب واحد للعودة إلى السُّلطةِ إمّا الانقلاب على الشّرعية والحكومة وقد فشلوا فيه عند مقتل بلعيد والبراهمي وإمّا طلب العون من الخارج لتحقيق مأْرَبِهم الخسيس وقد فعلوه وتباكوا إلى فرنسا وأمريكا والخلجان وهَذا الفعل إنَّما يسمَّى في القانون الدُّولي الخيانة العُظمى التي يعاقَبُ فاعِلُها بالاعدام والفعل يتعارض مع ما يردِّدونهُ يوميا في مَحافلهم «فلا عاشَ في تونس مَن خانَها ولا عاشَ مَن ليسَ من جُندها». وقد تعالت أصواتهم عاليا في الدّاخل والخارج من منابِرِهم الإعلامية الدَّنيئة طالبةً العون والنّصرة. وقد فعلَ ذلك الكثير منهم. ثُمَّ إنّ خطابهم الأيديولوجي أعمى أبصارهم وبصائرهم وهم على استعداد لبيع تونس من أجلِ عودتهم إلى سلطة مفقودة. ويعمدُ بعضُهم إلى تشنيع خصومِهم الإسلاميين وقذفهم ورميهم بأقبحِ النّعوت وهذا ما يَرد في خطاب تلفاز العار. كان هذا التّلفاز الآبق يحضر أزلاماً يزدرون خصومهم من الإسلاميين بعبارات فيها كثير من القبح والتجنّي إذ قالَ أحدهم إنَّهم لم يتعلّموا شيئا في مَهجرهم طيلةَ العشرين سنة بالغرب وقد عادوا كما جاؤوا وليسوا أهلا للديمقراطية. ولم يتورّع الخائنون في طلب العون من سادتهم الفرنسيين ولعلَّ سفرات سبسي وحمّة المشبوهة ترمي إلى تحقيق تدخل عسكري فرنسي على غرار ما يحدث في مالي منذ أمد قريب. والإعلام بخطابه التّحريضي هذا إنَّما يدعو إلى الحلّ العسكري ولعلّهُ يريد تطهير تونس من مواطنيها الإسلاميين وهذه جريمة عنصرية تستحقُّ إلحاق أشدّ العقوبة بأصحابها لو كان لهذه الدّولة قضاة أحرار.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: