لَعنةُ الإعلام وجريمةُ اليسار المتطرّف في تونس قديما وحديثا
رضا الدبّابي - فرنسا / تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8090
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الإِعلام الدِّكتاتوري في تونس قبلَ الثَّورة
هو إعلامٌ دكتاتوري عَلْماني جلدي مُحارِب ومُعادي للأمّة والحرياتِ والمعتقداتِ. لا بدَّ أن نُشير إلى أنَّ الإعلام التّونسي كان أداة طيّعةً للاستبداد وحكمِ الفرد وتعرّض هذا القطاع إلى مسخٍ وتشويهٍ وصار ضحيةً للقهر والقمع. ولكن تلك المَظلَمة الكبرى لا يمكن أن تُبرّأَ الإعلام من تورّطه في الدّعاية للطغيان ولا يمكن له أن يعفي نفسه من المسؤوليات الأخلاقية المعهودة إليه. إذ الأصل في الصّحافة والإعلام قول الحقّ والبحث عن الحقيقة ومواجهة التّزييف والكذب وهذه مبادئ وأخلاق المهنة. وكثيراً ما ظُلِمَ صحافيون و إعلاميون وقتُِلوا وعُذّبوا في سبيلِ مهنتِهم ولزومِ مَبادِِئهِم.
الإعلام من وهْمِ الاستقلال إلى ظُلمِ الاستبداد
قامت دولة الاستقلال المزعومة على أسطورةِ "المجاهد الأكبر" الذي حرّر البلاد من نَيرِ الاستعمار.
غير أنّ الاستقلال سرعان ما انقلب إلى وهم , إذ سقطت الدَّولة بإعلامها في ظلمِ الاستبداد وبدا أنّ الحاكم الفرد هو صانع الاستقلال وصانع التّغيير وانبرت تونس تُقدِّسُ الشَّخصَ وكان ذلك الأمر بعونٍ من أجهزة الإعلام.
لطالما تَغنَّى هذا الإعلام بأشكالِه كافّة بالزّعيم المُلْهَم والقائد الفذّ الذي لا يُخْطأُ.
كان الإعلام البائس يتغنّى بخِصال الرّئيسِ وكانوا يلقّبونه "بصانع التّغيير"كما كانت فارس تُلقّبُ ملوكها "بشاهر شاه" أي مَلِك الملوك. لَكنَّ تاريخَ الإعلام في تونس يكشفُ عن طائفةٍ من المغالطاتِ والأكاذيبِ التي انتهجها الإعلام نُشيرُ إلى طرفٍ منها
كان الاعلام ظِلا للزّعيم "المجاهد وصّانع التغيير" واتَّصفَ بِغيابِ الشّخصيةِ والمبادرة والإبداع وانعدام الحِرفية وتلوَّنَ أصحابُه بالحزب الواحد والرّأي الواحد وخضع للدكتاتورية وصار بُوقاً لها.
سيطر على وسائل الإعلام في تونس سدَنةُ النّظام الاستبدادي والمصفِّقون له وانتشرت عبادةُ تقديس الحاكم الفرد وعلَا صَنَمهُ وأطنبت هذه الوسائل الإعلامية في تقديس الأنذال وجعلت منهم سادة للأمّة.
مارس ذاكَ الإعلام اتّجاهاً فكْرياً واحداً وأقصى مخالفيهِ الكثيرين وأشاع الفكر الواحد أعني مَذهَبَ الرّئيسِ وحزبِهِ وحاشيتِهِ ووزارتِه وزوجتِهِ.
اتَّسمَ الإعلام الحكومي بتطرّفه الفكري والسّياسي وروّج للفكر العَلماني المتغرّب واليساري المتطرّف وهيمن عليه رجال علمانيون محاربون للهوية العربية الإسلامية.
مارس الإعلام خطاباً استبداديا وخَطّاً تحريريا واحداً واغتصب حريات النّاس وفرَض القوْلَ بِالرَّأْي الواحد.
الإعلام بينَ التَّضليل والتّخويف والفساد والمحسوبية
خان الإعلام مقدّسات الأمّةِ وازدرى عقيدتَها وعبَثَ بعلمائها وأسكتهم لعقودٍ طويلةٍ وأنطقَ غيرَ أهل الإسلام ومكّن للفاسدين من منابر القنوات الإعلامية والصّحف والمَجلاّت.
في عهدِ الهارب, نطقت وسائل الإعلام بأفواه الكاذبين وتملّق الإعلام الحكم الفردي وتسلُّطَ العائلة الحاكمة وساد السَّفَلَةُ كلّ منابر الإعلام.
تورَّطَ الإعلاميون في تونس في مستنقع الفساد فكثير منهم لا أهلية ولا شرعية لهم وكان تولّيهم وظائف إعلامية بواسطة المحسوبية والمحاباة والرّشوة.
مارسَ الإعلامُ لِسنواتٍ طويلةٍ التَّضليل والتَّمويه في حقِّ الشعب المسكين وزَخرف لهم الدّكتاتورية الخاطئة وصوّر لهم حكمَ الفردِ على أنّه حكمٌ راشدٌ وجعَل لهم من تونس جنةً تَعُجُّ بالمَحاسن الكثيرة. روَّجت وسائل الإعلام لِمعجزةٍ اقتصاديةٍ فريدةٍ ولكن الحقيقة الفاجِعة أنَّ الأُمَّةَ كانت في ضنكٍ شديدٍ وبؤسٍ وفقرٍ وشقاء وظهرت الحقيقة وكشفتْ عن خرابٍ وفسادٍ فاحش بعد الثّورة.
خوّفَ الإعلام البالي من الإسلام والمسلمين والإسلاميين واعتبرهم أشدَّ أعداء الوطن ووصفهم بالظَلاميِين وأعداء الحداثة والعقلانية والعلمانية.
رَوَّجَ الإعلام لقداسة الحاكم الفرد واعتبرهُ المرجع الوحيد للحكم وكَادَ يقولُ بعصْمةِ "الإمام".
وغيّبَ أصوات الأحرار والمناضلين الصِّحاح والعلماء العاملين الصّادقين والجامعيين الوطنيين والنّقابيين المتمرّسين والمحامين الغيورين وبَرز في عهدِ الظّالمين أزلامٌ يسبِّحونَ بحَمدِهِ ويقدِّسون له ويُلْقون إليه بالمودّةِ.
سارَ الإعلام في تونس إلى تردٍّ وتفسّخٍ وتميُّعٍ وحادَ عن مهمَّتِه الإعلامية الثّقافية التّربوية. نذكر طرفاً من هذا التَّفسُّخ والانحراف الخطير الذي آل إليهِ هذا القطاع ، فقد عمدت قناةُ "نسمة" الخاصّة إلى النَّيل من مشاعر المسلمين وعقائدهم وبَثَّتْ قبيلَ انتخابات المجلس التّأسيسي فلماً يمسُّ من قداسةِ الذّاتِ ألإلهية والقناةُ على ما يقول "أصحابُها" ناطقةٌ باسم المغرب العربي ولكن حقيقتها غير ذلك, إذ تختفي وراء البعد المغاربي لتروِّجُ للفكر الإباحي والرَّذيلة والميوعة والزَّندقة والتَّشيُّع والتَّغَرُّب.
أفْلستْ القناة الوطنية أخلاقيا في عهد الرّئيس الهارب فأنتج أشباهُ المخرِجِين أصنافاً من المسلسلات المائعة التي تخدشُ حياء النّاس وتسيء إلى الذّوق العام وتهبط بأخلاقِ الشّباب دركاتٍ.
هيمنَ حزبُ التَّجمّع والبُوليس السّياسي على مجالات الإعلام وأشكاله وصارَ الإعلام يأتمر بوزارة الدّاخلية والحزب والمتنفّذين والمقرّبين من الهارب.
كانت المؤسّسة الأمنية الإرهابية عصا مسلّطةً على رقاب العباد يستعملها الطّاغوت لفرض حكمِه وإسكاتِ المعارضين وجعلَ من المؤسَّسةِ الإعلامية أداة القمع الفكري والمسخ الثّقافي للأمّة.
في أيّام ألثَّوْرة شنّعت التّلفزة الوطنية الحكومية بالمتظاهرين واعتبرتهم خارجين على القانون ووصفتهم بالملثَّمين والإرْهابيين يُشِيعون الهرج والقتل والنَّهْب والتَّخريب والعجيب أنّ المنافقين الذين حرّضوا على الثّورة والثوّار لا يَزالون في منابِرِهم لا بل تحوَّلوا إلى ثوريين كبار.
بعد الثَّورة, انتهجت هذه الوسائل الإعلامية أسلوب التخويف من المستقبل في محاولةٍ لنَقضِ ما أنجزته الأُمَّةُ من فتحٍ مبينٍ وذلك بالتّحذير من الإسلام وتشويه سُمعةِ الإسلاميين. تحالفت العَلمانية العاتية وبقايا الدّكتاتورية وجماعةٌ من الإستئصاليين من يسارٍ ومُتَسلّقون وأصوليون ووصوليون إلى تشنيع الإسلام وأهله وشيطَنُوا الإسلاميين معتبِرين إيّاهم أعداء الحرية.
الإعلام وتجْريم الثّورة
بعد عامين من الثَّورة التّونسية فإنَّ وسائل الإعلام البصرية والسّمعية خاصّة لم تغيّر من أسلوبها الأحادي. إذ تعملُ هذه القنوات المأجورة على إذكاء روح الخلاف السّياسي وتأجيجه وهذا المنْحى له عواقب وخيمة على السِّلم الاجتماعي. نلاحظ أنّ التّحريض السّياسي قد بلغ مستوياتٍ قياسية لا يمكن السّكوت عنه. طغت هذه البرامج السّياسية على حساب البرامج التربوية التَّوعوية وبدا من الواضح أنّ الحماسة السياسية أصبحت تعيق تقدّم البلد. إنّ معظم هذه البرامج أحادية الرّأْي تدعو إلى إقصاء قطاعات كبيرة من المجتمع التّونسي, فالدّاخل لا يحضى إلّا بتغطيةٍ هزيلة على عكس السّاحل والعاصمة. نحن نلاحظ أنّ هذه القنوات البائسة تحوّلت إلى عون على التّحريض والعنف والتّشنيع والتّعنيف والتَّضليل واختارت طرفاً سياسياً بعينه ونحن لا نتردّد في ذكره وهو اليسار واليسار العلماني المتطرّف الذي يؤمن بالعنف وسيلة للوصول إلى الحكم. لا جدال في أنّ دُعاة الفتنة من اليسار المتطرّف الذين كانوا من قبل أعْوانا على الاستبداد يدفعون نحو العنف المنظّم وهذه عقيدتهم الايديولوجية التي ورثوها عن الفكر الشيوعي الماركسي اللينيني الستاليني. في القنوات التّونسية مَن يدعو إلى إسقاط الدّولة والحكومة المنتخبة شرعيا وهو في تقديرنا أمر خطير ولا يمكن لدولة ذات هيبة وسيادة أن تسكت على هذا العنف المنهجي لأنّ ذلك سيقود إلى تفجّر اجتماعي وسياسي. ونحنُ ننادي صراحة إلى ضرورةِ تطهير القطاع الإعلامي قبل فوات الأوان وهذا ما يجتمعُ عليه كثيرٌ من الملاحظين والنّاقدين وقطاعٌ كبيرٌ من التّونسيين. كيف ونحن نرى ما آلت إليه تونس بسبب التّحريض الذي تمارسه هذه القنوات الضّالة وبيادقها من المعارضة التي تدعو إلى الإنقلاب على الدّولة والشّرعية. كلّ هذا الخراب والاضطراب السّياسي والاجتماعي يتحمّل الإعلام منه الوزر الأكبر.
الإعلام والاستعمال السّياسي للجريمة
إنّ الجريمة السياسية من اغتيال وشيطنة للأقطاب الحاكمة لهو أقوى دليل على تعفّن الإعلام وسقوطه في الرَّذيلة السّياسية. كان لِجريمةِ اغتيال السيّد بلعيد أثرا مدمِّراً في تَحامل الإعلام على الحكومة المنتخبة. سارعتْ القنوات المشبوهة إلى اتِّهام أفرادٍ وأحزابٍ بعينها وألصقت بها تهمة القتل وهذا كذلك حادثٌ جلَلٌ إذ كيف تبيح هذه القنوات لنفسها أن تكون قاضيا قبْل القضاء. والحقيقة أنّ إعلام تونس قد انحرف انحرافاً عظيما فالنّقل المباشر للتصريحات النّارية الصّادرة عن المعارضة وأسرة المقتول لهو دليل على هذا الانحراف. فالأصل في الإعلام أن يكون محايداً وعوناً على استقرار البلد لا خرابه وإنّا ننبِّهُ إلى أخطار هذا الإعلام المتحزّب المتعصّب الذي يسعى إلى إشعال الفتنة الصَمّاء وإذكائها.
وإنّا ننادي بتجريم ومقاضاة مثل هذا الإعلام المنحرف فليس لأحد من الإعلاميين والسّياسيين أن يتَّهم ويقذف الأبرياء دون دليل والأصل البينة على من ادّعى. بالموازاة مع تجريم مثل هذا الإعلام المنحرف ومقاضاته فإنّا ندعو تِباعاً إلى تجريم كلّ من سوَّلت له نفسُه اطْلاق التّهمة والقذف لأنّ من شأن ذلك نسْفُ الشّرعية وتهديد الوحدة الوطنية المضطربة أصلاً. لا بدَّ من تحديد المسؤوليات وعلى كلّ طرف أن يحترم ما اختاره الشّعب في أكتوبر من السَّنةِ الماضية. ومهْما يكن من أمرٍ فإنَّ المتطرّفين هم الذين يسوقون البلاد نحو حافة الهاوية ، فمَقتل المعارض بلعيد هو فرصة ذهبية لهؤلاء للانقلاب على الدّولة والانقضاض على السّلطة التي فقدوها للأبد. والواقع أنّ اليسار استعمل الجريمة وركب عليها ولا يهمّه حقيقة مقتل الرّجل فالغاية عندهم تبرّر الوسيلة. وغايتُهُم العوْدة إلى سلطةٍ لطالما منُّوا نفوسَهم بالضَّفَرِ بها ولكنّ التّونسيين سفَّهوا أحلامَهم وأزاحوهم عن جهاز الدّولة الذي اغتصبوه منذ بن علي. لم تكن طائفة الفكر الواحد من اليساريين الأصوليين الوصوليين يهمّهم مقتل زعيمهم بقدرِ ما يهمّهم الاستعمال السّياسي للجريمة وإسقاط أوَّل حكومة منتخبة شرعيا. إنّ وقع الصَّدمة التي هزَّت كيانهم عقبَ فوز التيّار الإسلامي وشريكيه التكتّل والمؤتمر كانت انْدحاراً ونَعياً لهم. فعقيدتهم السّياسية القديمة وضعف قاعدتهم الشّعبية هي أمراضٌ تُقْعِدُهم عن النّشاط السّياسي. والحقيقة أنّ هذا اليسار لم يعد له رصيد سياسي وشعبي بعد فضائحهم المتكرّرة وتواطئهم على الشّرعية وهم أشبه بِنادي عجائزٍ يبكون على ماضٍ قد ولّى وعن سلطةٍ قد خرجتْ من بينِ أيديهم. وهذه الطّائفة برجالها العجزة وعقيدتها العنيفة تنتمي إلى الماضي مثل الإمبراطورية السّوفياتية. بقي لهم أسلوب واحد للعودة إلى السُّلطةِ إمّا الانقلاب على الشّرعية والحكومة وقد فشلوا فيه عند مقتل بلعيد وإمّا طلب العون من الخارج لتحقيق مأْرَبِهم الخسيس وقد فعلوه وتباكوا إلى فرنسا وأمريكا والغرب وهَذا الفعل إنَّما يسمَّى في القانون الدُّولي الخيانة العُظمى التي يعاقَبُ فاعِلُها بالاعدام والفعل يتعارض مع ما يردِّدونهُ يوميا في مَحافلهم "فلا عاشَ في تونس مَن خانَها ولا عاشَ مَن ليسَ من جُندها". وقد تعالت أصواتهم عاليا في الدّاخل والخارج من منابِرِهم الإعلامية الخَسيسة طالبةً العون والنّصرة من فَرنسا. وقد فعلَ ذلك أحدُهم وهو المدعو جميل صياح الجامعي في قرونوبل. ثُمَّ إنّ خطابهم الأيديولوجي أعمى بصائرهم وهم على استعداد لبيع تونس من أجلِ عودتهم إلى سلطة مفقودة. ويعمدُ بعضُهم إلى تشنيع خصومِهم الإسلاميين وقذفهم ورميهم بأقبحِ النّعوت وهذا ما ورد في خطاب جميل صَياح عندما نظّمت دار المحامينَ بالتّعاون مع اليسار المتطرّف بقرونوبل حفْلَ استقبال أرمَلةَ أو مُطَلَّقةَ بلعيد الخميس الماضي. كان هذا الصيّاح يزدري خصومه من الإسلاميين بعبارات فيها كثير من القبح والتجنّي إذ قالَ إنَّهم لم يتعلّموا شيئا في مهجرهم طيلةَ العشرين سنة بالغرب وقد عادوا كما جاؤوا وليسوا أهلا للديمقراطية. ولم يتورّع في طلب العون من سادته الفرنسيين ولعلَّ السيّد الموقّر يريدُ تدخُّلاً عسكرياً فرنسياً على غرار ما يحدث في مالي. والأستاذ بخطابه هذا إنَّما يدعو إلى الحلّ العسكري ولعلّهُ يريد تطهير تونس من مواطنيها الإسلاميين.
ضرورةُ إصلاح الإعلام
لا بدَّ أن نقولَ مع الأسف إنّ وسائل الإعلام هذه عَوراء لا تغطّي إلاّ أحداث العاصمة والسّاحل ولم تخرج بذلك من الجهوية القديمة التي ورثتها عن الإستبداد وممارساته. وإذا كانت هذه القنوات تريدُ الدُّخولَ إلى قلوبِ التّونسيين, فعليها أن تدْخلَ إلى بيوتِهم وتستمع إلى آرائهم وتُرسِلَ المراسلين في كلِّ جهات البلد.
على وسائل الإعلام أن لا تكون شاهد زور وأن تقطَع ولائها للعلمانيين والمتنفّذين الذين يَكرهون الإسلام. ينبغي لها أن تنْزل من عاصمتها إلى الدّواخل وإلى الجبال وتتبع التّونسيين حيثما كانوا.
يجبُ على هذا الإعلام أن لا يظلَّ أعْور وأن يفتح عُيونه مَلِيا للبحثِ عن الحقيقةِ ويمتنع أن يكون ذيلاً من أذيال العَلمانية واليسار الاستئصالي المعادي لِتطلّعاتِ الأمّة ومطالبها.
يكفُّ الإعلام عن نقل الأكاذيب والأراجيف والقدحِ في مهارات بعضٍ من عناصر الحكومة الحالية. ولا بدَّ له أن يميّز بين النّقد والكذب لأنّ الكذب مذموم والنّقدَ مطلوب.
مَن لا صنعةَ له ولا متاعَ في مهنةِ الإعلام فلْيَتنحّ ويُقِيلَ نفسه لأنّ من بقاء العاجزين الذين وصلوا عن طريق الفساد والمحسوبية خيانةٌ للمهنة وللأمّةِ. والكيّس لا بدَّ أن يدركَ ما حوله وينأى بنفسهِ عن الشُّبهات والمساءلات ولْيبقَ في بيتِهِ قبل أن يَجرِفَه السّيلُ العرِم , إذ لا شكَّ أنّ تونس مقبلةٌ على تحوّلٍ عظيم ولا مجال للخائنين القاعدين في التمسّك بما ليس لهم.
لا يمكن لبعضِ الإعلاميين أن يَخلطوا بين انتماءهم إلى فكر معيّن ويحاولوا ترويجه على أنّه حقٌّ إذ لا يعرف الحقّ بالرّجال وإنّما يعرف الرّجال بالحقِّ.
على الإعلام أن يساهم في الحركة التّربوية والأخلاقية التي تسير عليها الأمّة حاليا ويجب عليه أن يساهم في تقوية اللغة العربية ويَنبُذَ هذه اللغة الهجينة أعني ذلك الخليط من فرنسية وعربيةٍ فلا نهضةَ للأمّة دون لغةٍ جامعةٍ تعبّر عن حضارتها وتاريخها. ونحن إذ ننبّه لمكانة اللغة العربية لأنّها لغة البلد وبها يبني مجدُ الحضارة فلم نعلم عبر التّاريخ أمّةً نهضت بلغةٍ مستوردةٍ مفروضةٍ على النّاس من طرفِ أقليةٍ انبهرت بلغة غيرها فنسيتْ لغتها ولم تُحسن لغة غيرها. وكثيرٌ من الإعلاميين وزوّار التّلفزة والإذاعة يقولون كلاماً فرنسيا متبوعا بعربيةٍ مشوّهة وهذا حالُ غرابٍ أراد تقليد سيرَ حمامةٍ فنسيَ سَيرَه. والكلام بِلغتين في مجلسٍ واحدٍ مضيعةٌ للوقت ومجلبةٌ للضحك والسُّخرية. ولستُ معاديا للغاتِ وإنّما أوقظُ هؤلاء الغافلين.
يجبُ على الإعلاميين أن يجتهدوا في نشرِ الثّقافة العربية الإسلامية ويروّجوا لما نَبَلَ من الأخلاق بواسطة البرامج والمسابقات والصّور المتحرّكة ومنابر العلم. إذ لا يعقلُ أن تتخلّى هذه المنابر عن النّهوض بالنّاس وتثقيفهم بما حسُن من الأخلاق وتدعو إلى نبذِ الجريمة ومكافحة الجهل ورفع مستوى الفهم العام في السّياسة والعلم والثّقافة والتّربية.
ينبغي أن يدركَ الإعلامي أنّ عصر الاستبداد قد ولّى ولا بدّ أن يكون هذا الإعلامي شُجاعاً يَصدعُ بالحقِ ويجرأ على استنطاق السّياسيين العابثين وأن يقارعَ المضلّلين والكاذبين الصيّادين في الماء العكر.
وأخيراً لا بدَّ لرجال الإعلام أن ينقلوا تونس إلى مصاف الدّول المتقدّمة ولعلّ المستقبل يمحو ما لحِقَها من عارٍ وخزيٍ لازمها طيلةَ عقودٍ.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: