البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

نحو توحيد التونسيين وترشيد اختلافاتهم(3)

كاتب المقال محمد شمام - السويد / تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7626


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


غالبية الشريعة يرجع تطبيقها إلى المجتمع وليس إلى الدولة


الدكتور أحمد الريسوني واحد من فقهاء الأمة المشهود لهم بالعلم والفقه، وهو فوق أنه فقيه أصولي، فهو مقاصدي اهتم بعلم مقاصد الشريعة من حيث هو الميزان الذي توزن به الأحكام الفقهية.. حسب تعبيره في كثير من أدبياته.

وفي هذا الحوار يفتح الريسوني ملفا لطالما حلم به كثيرون من أبناء الحركة الإسلامية.. ملف "تطبيق الشريعة".. لكن الرجل هنا يبدو مؤطِّراً، ومحاولا وضع أسس أولية يتم البناء عليها.. حتى يفهم أبناء الصحوة مصطلحاتهم، وبالتالي يستطيعون وضع آمالهم في موضوعها الصحيح..

ويرى الريسوني أن القضية في جزء منها تعود إلى ما تعيشه النخب الثقافية والسياسية من انقسام بين تيارين كبيرين يتجاذبان الساحة الثقافية والسياسية، يمكن وصفهما حسب تعبيره بالتيار الديني والتيار المدني، لكنه يؤكد أن جزءاً من هذا الصراع يرجع إلى الالتباس الحاصل في مفهوم الشريعة وتطبيقها.
وبالتالي فإن الفقيه المغربي يلفت إلى أن هناك مفاهيم وتصورات قاصرة أو مشوهة لمفهوم الشريعة أو لمفهوم تطبيق الشريعة، وهو ما تترتب عنه مشاكل وصراعات عدة، يمكن تلافيها أو تقليصها بالمعرفة الصحيحة للشريعة ومضامينها.

وأهمية هذا الحوار تعود إلى أمرين:
• التوقيت : كونه يأتي عقب انهيار نظامي تونس ومصر، وتوق الكثيرمن الإسلاميين والمتدينين إلى تطبيق الشريعة.
• المضمون : كونه محاولة لفك الالتباس بين مفاهيم خاطئة استقرت في الأذهان بسبب قلة الوعي أو انعدامه، ومفاهيم ومقاصد أصلية أرادتها نصوص شرعية.

نص الحوار


* ما رأيكم في الجدل الذي لا ينقطع حول تطبيق الشريعة، خاصة بعد إعلان السودان (الشمالي) عقب انفصال الجنوب عزمه تطبيق الشريعة؟
** بداية أؤكد أن القضية في جزء منها تعود إلى ما تعيشه النخب الثقافية والسياسية من انقسام إلى تيارين كبيرين، يتجاذبان الساحة الثقافية والسياسية، يمكن وصفهما بالتيار الديني، والتيار العلماني الحداثي،ولكن جزءاً من هذا الصراع يرجع في الأصل إلى الالتباس الحاصل في مفهوم الشريعة وتطبيقها.
وسواء عند المتبنين لتطبيق الشريعة المدافعين عنه، أو عند المناوئين لهذا الهدف الخائفين منه، فإن هناك مفاهيم وتصورات قاصرة أو مشوهة لمفهوم الشريعة ولتطبيقها.. وهو ما تترتب عليه مشاكل وصراعات عدة، يمكن تلافيها أو تقليصها بالمعرفة الصحيحة للشريعة ومضامينها.

فك الالتباس
* لكن .. يمكن فهم هذا الالتباس عند الخائفين من تطبيق الشريعة، لكن ماذا تقصد بالالتباس عند المطالبين بتطبيقها؟
** أنا أتصور أن الالتباس عند المطالبين بتطبيق الشريعة أشد خطورة من حيث تصور البعض حصر الشريعة أو انحصارها في الجانب السياسي الرسمي، وفي الحكم القضائي بالحدود، (من رجم وقطع وجلد إلى آخره..)
وهذا ما ولد –بالمقابل- تصورات لدى آخرين تصوروا الشريعة وتطبيقها على طريقتهم، فقالوا بناء على ذلك: إن الشريعة لم تطبق إلا في العهد النبوي، ونسبيا في عهد الخلفاء الراشدين، وهذا معناه-في نظرهم- أن هذه الشريعة غير قابلة للتطبيق في هذا الزمان، لمثاليتها، أولقصورها، أو لغير ذلك من الأسباب.
المهم أن تطبيقها –كما يرون- توقف في وقت مبكر، ولم يصمد أمام التطورات والتغيرات إلا زمنا يسيرا، فكيف يراد تطبيقها اليوم، بعد أربعة عشر قرنا من توقف تطبيقها؟!
وبسبب هذا أيضا، رأى آخرون أن الشريعة تتسم بالبدائية والتخلف والهمجية، فكرهوها وكرهوا من يريد إحياءها ؛ فهي-فيما سمعوا وفهموا- عبارة عن قصاص وحدود، وسيوف ودماء، فالعودة إلى الشريعة عودة إلى الوحشية والهمجية، ونحن في زمن الحضارة والحداثة وحقوق الإنسان!
وبسبب ذلك أيضا، ظهر لبعض المتدينين والدعاة، أن جميع الحكومات والمجتمعات -الإسلامية "سابقا"- قد نبذت اليوم شريعة الله وعطلتها وتنكرت لها، وقد غالى بعضهم فتحدثوا عن ردة واسعة قد عمت معظم البلدان الإسلامية، شعوبا وحكومات.. ومن هنا ارتفعت درجة الكراهية والرفض والتكفير... وهو ما نجمت عنه تداعيات وردود فعل خطيرة، ما زلنا نعيش آثارها.

* حديثكم يعني أن ثمة مفهوما آخر للشريعة ينبغي أن يكون حاضرا وقت الحديث عن التطبيق..أليس كذلك؟
** بلى.. فالشريعة حتى بالعودة إلى أصلها اللغوي في القرآن الكريم يشمل معناها كل ما أنزله الله لعباده، من معتقدات وعبادات، وأخلاق وآداب، وأحكام عادات ومعاملات..
وبهذا المعنى الواسع الجامع للشريعة ذخر التراث الإسلامي بمؤلفات عديدة تعضد هذا المعنى وترسخه في الذهنية الإسلامية..
فمثلا ألف الإمام أبو بكرالآجري كتابه الذي أسماه (الشريعة)، مع أن أكثر ما فيه مسائل عقدية وتربوية، وبعده ألف المفكر الفيلسوف الراغب الأصفهاني كتابه الشهير (الذريعة إلى مكارم الشريعة)،وهو كتاب في فلسفة الأخلاق والتربية.. وهذا يعني شمول اللفظة لمعان أخرى غير معناها المضيق لدى البعض!

بين الفقه والشريعة
* لكن الاستعمال الشائع حتى على مستوى التخصص العلمي هو استعمالها للدلالة على الأحكام العملية في الدين، وهذا ما يجعلها أكثر التصاقا بمفهوم الجماهير عنها.. أليس كذلك؟
** هذا صحيح.. لكن الاستعمال الاصطلاحي عادة ما يضيق من مدلولات الألفاظ، ويقصُرُها على بعض مدلولاتها اللغوية،ومع ذلك فإن اللفظ ظل محتفظا، في هذه الدلالة بجميع المجالات التشريعية العملية الواردة في الدين، ومنها العبادات الظاهرة والباطنة، والأخلاق والآداب..
فالشريعة حتى بهذا المعنى الاصطلاحي تشمل الدين كله عدا العقيدة، ومن هنا جاء استعمال عبارة "الإسلام عقيدة وشريعة" على أساس أن العقيدة غير الشريعة.
بل ومنذ قرون طويلة، أصبح هذاالمعنى هو الأكثر شيوعا واستعمالا لدى العلماء، ولكنه لم يُلغ المعنى الأول والأعم للشريعة والشرع، كما أنه ظل واسعا وشاملا لكل المجالات التشريعية العامة والخاصة..
فمجال الشريعة هنا أصبح تقريباهو نفسه مجال "الفقه"، بمعناه الاصطلاحي المعروف، ويبقى الفرق بينهما هو أن الشريعة تطلق على ما هو منزل ومنصوص وصريح، من الأحكام ومن القواعد الشرعية، بينما الفقه-أو علم الفقه- يراد به خاصة ما هو مستنبط ومجتهَد فيه.
بل إنني أزيدك من الشعر بيتا حين أقول لك: إن استعمال اسم الشريعة قد اتجه -مؤخرا- نحو مزيد من التخصيص والتقليص، وخاصة حينما بدأ التعبير بلفظ "التشريع الإسلامي" على غرار معنى"التشريع" بمفهومه القانوني.
وهكذا بدأ لفظ الشريعة والتشريع الإسلامي، يطلقان على التشريعات المنظمة للحياة العامة، وهو بالمناسبة اصطلاح العلامة ابن عاشور..

* إذا كان الحال كذلك.. فما برأيك أسباب هذا الالتباس في فهم المصطلح ومقصوده، وبالتالي الإحساس دوما بالحاجة إلى التعامل معه بهذا الاختزال؟
** هذا سؤال مهم جدا؛ لأنه وبعد أن أصبح معنى الشريعة مماثلا -أو مقابلا- لمعنى القانون، بدأت المقابلة والمقارنة بين (الشريعة الإسلامية)و(القوانين الوضعية).. وهذا ما نتجت عنه الحساسية التي تتحدث عنها..
وقد تعززت هذه المقابلة وتحولت إلى خصومة ومنافسة، بسبب ما تعرضت له أحكام الشريعة -المدنية والجنائية- من إزاحة قسرية، لفائدة القوانين المستوردة من الغرب، وهذا بالمناسبة ما جعل واحدا بحجم العلامة الأستاذ علال الفاسي يتحدث عن صراع بين (الشريعة الإسلامية)و(الشريعةالاستعمارية)، وذلك في كتابه القيم (دفاع عن الشريعة).
وفي خضم ما أسميته عملية"التطهير التشريعي"، التي سهرت عليها -وما زالت- الدول الاستعمارية، ارتفعت درجة الحساسية ضد هذا المسار، بل أصبحت هذه الحساسية جزءا من الصحوة الإسلامية ومحركا من محركاتها، وهنا رُفع شعار "تطبيق الشريعة"، الذي اتجه أساسا إلى الشريعة بأضيق معانيها، أي الشريعة الممثلة في قوانين الدولة ومحاكمها، باعتبار أن هذا المعنى هو"محل النزاع وميدان الصراع"، وبما أن أول وأبرز ضحايا "التطهير التشريعي"، كان هوالمجال الجنائي، فإن رد الفعل قد تركز على هذا المجال وعلى تضخيمه ومحاولة إعادة الاعتبار له..
وهكذا بدأت عملية اختزال لمفهوم الشريعة وتطبيقها، في تطبيق العقوبات الجنائية الإسلامية، وأصبحت "الحدودالشرعية" رمزاً لتطبيق الشريعة أو رمزا لتعطيلها..وهذا يؤكد على ضرورة أن توضع المعاني المضيقة لمفهوم الشريعة في سياقها ومجالها، وينبغي ألا تحجبنا أو تحجب عنا المعنى الأصلي الرحب والكامل للشريعة...

شمول المصطلح
* وما المعنى الكامل للشريعة على حد تعبيركم، ثم ما تداعيات اتساعه بالصورة التي تتحدث عنها؟
** ربما يحسن التفصيل حتى يتم فهم المراد.. فيمكننا أن نقول جازمين: إن القرآن الكريم، وكل ما تضمنه من فاتحته إلى نهايته هو الشريعة الإسلامية، والسنة النبوية الصحيحة كلها، وكل ما فيها هو الشريعة الإسلامية.
لكنا على سبيل التفصيل نؤكد أن الإيمان بالله والخوف والحياء منه سبحانه كلها شريعة الله، وكذلك عبادته والتوكل عليه، والإخلاص له، وذكره وشكره، كلها شريعة الله.
والتخلق بمكارم الأخلاق والآداب من عدل وإحسان وصدق ووفاء، ورفق وتواضع ... كل هذا من شريعة الله. وكذلك التنزه والتخلص من سفاسف الأخلاق ورذائلها، والتعفف عن الخبائث والمحرمات، والوقوف عند المباحات الطيبات، جزء من الشريعة ومن تطبيق الشريعة، وطلب العلم -أي علم نافع- وبذله ونشره والمساعدة عليه، عبادة وشريعة، وكل ما يحقق ويخدم مقاصد الشريعة، فيحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فهو من صميم الشريعة، ومن مصالح الشريعة.
والزواج وحسن العشرة الزوجية شريعة، وإنجاب الأولاد وتربيتهم وتعليمهم شريعة. وكل ما يجلب أو يحقق أو يعزز كرامة الإنسان ورفعته، الماديةأو المعنوية، فهو من الشريعة ومن إقامة الشريعة، وكل عمل أو مجهود يرفع عن الناس الظلم والقهر والتسلط والاستبداد، فهو من صميم الشريعة،والحكم بين الناس بما أنزل الله، وبكل ما هو عدل وإحقاق للحق، هو جزء كبير من شريعة الله.
ولو ذهبنا نستعرض تشعبات الشريعة وامتداداتها، لما بقي شيء أو فعل، إلا وجدنا له مكانه فيها، فهي شريعة الإنسان ظاهرا وباطنا، فردا وجماعة، وهي شريعة الدنيا والآخرة، وشريعة الدولة والمجتمع.

* لكن.. بهذا المعنى الواسع فإن الشريعة مطبقة بنسبة ومغيبة بأخرى، وأيضا فإن الأفراد مسهمون بشكل أو بآخر فيما يسميه البعض "تعطيل الشريعة" هل تقصد هذا؟
** نعم بالضبط.. فكل من عمل بشيء من هذا كله، فهو عامل بالشريعة، وقائم بتطبيق الشريعة، سواء كان فردا، أو جماعة أو دولة أو حكومة أو حزبا أو رئيسا أو مرؤوسا، أو أمة أو مجتمعا، وبالمقابل كل من خالف وخرق شيئا مما ذكر من الشريعة، فهو يعطل من الشريعة بقدر مخالفته وخرقه.
فالكذب تعطيل للشريعة، مثلما أن الصدق تطبيق لها، والغش في الدراسة أو التدريس، أو الصناعة أو التجارة، أو في الخدمات أو في الانتخابات، تعطيل للشريعة، مثلما أن إتقان العمل، وإكماله بنزاهة وإخلاص، هو تطبيق للشريعة، وإخلاف الوعود تعطيل للشريعة، والوفاء بها عمل بالشريعة،وهكذا حتى نمر على كل شُعَب الشريعة وكل مضامينها.
إن من يدرك هذا المعنى الحقيقي للشريعة، لا يمكنه أن يقول اليوم: إن الشريعة معطلة، أو إن تعطيل الشريعة أو تطبيق الشريعة هو بيد الدولة ومن اختصاص الدولة، أو يحتاج إلى قيام "الدولة الإسلامية" أوقيام الخلافة... كما لا يمكنه السقوط في حصر الشريعة في عدد محدود من أحكامها، أومن نظامها العقابي بوجه أخص.
إن مقولات: "تعطيل الشريعة،وإلغاء الشريعة، والمطالبة بتطبيق الشريعة"، كلها تصبح نسبية الصحة، بل قليلة الصحة.. فتعطيل أحكام من الشريعة صحيح، لكن ما نسبتها من مساحة الشريعة؟ ما عدد الشعَب المعطلة من مجمل شُعَب الشريعة؟ وما نسبة التعطيل في كل شعبة؟ وهل التعطيل خاص بالحكام والمحاكم؟
وأيضا لا يمكن -بعد تصحيح مفهوم الشريعة- القول: بأن الشريعة لم تطبق -عبر التاريخ- إلا لفترة محدودة هي الفترة النبوية وفترة الخلفاء الراشدين..
لقد ظل المجتمع يعمل ويعيش بالشريعة، وظل القضاة والمحتسبون يطبقون الشريعة، وظل العلماء يفتون الناس بالشريعة. وظلت ثقافة الناس وأفكارهم وقيمهم، تتغذى بالشريعة وتتنفس الشريعة..
ومؤخرا في شوارع القاهرة، كان المصريون الثائرون -وشبابهم خاصة- يمارسون تطبيق الشريعة: بتغيير المنكر والصدع بكلمة الحق والمؤاخاة والتكافل فيما بينهم وإقامة الصلوات والأذكار والأدعية، وتنظيم المرور وتنظيف الساحات. بل حتى قيام الأقباط بصلواتهم في ميدان التحرير كان جزءا من تطبيق الشريعة، لأن الشريعة تسمح لأهل الكتاب بذلك وتقرهم على دينهم وعباداتهم داخل الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي. ولم يتوقف شيء من هذا كله على دولة ولا على حاكم ولا محكمة...

موقع ولي الأمر
* لكن كلامكم بهذا المنطق ربماظنه البعض محاولة لإعفاء "ولي الأمر" بالتعبير الفقهي من مسؤولياته، خاصة مع انتشار ثقافة "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"؟!
** أبدا ليس الأمر كما ذكرت.. وإنما هو تأكيد على أن الشريعة ليست بيد القضاة والولاة أو بيد المحاكم والحكومات،فإن هم طبقوها فقد طُبقت وعاشت، وإن هم نبذوها، فقد عطلت وماتت! فالشريعة أكبر شأنا من أن يكون تطبيقها وتعطيلها بيد حفنة من الحكام والولاة، وتحت رحمتهم وتقلباتهم.
نعم للشريعة أحكام جنائية ومدنية يحتاج تطبيقها إلى قضاة وولاة، ولكن هذه الأحكام جزء من الشريعة، وليست كل الشريعة، وليست رمزا للشريعة.نعم أيضا، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن،ولكن هذا من قبيل قولهم: يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، ويوجد في البئر ما لا يوجد في النهر.
فمعنى أن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن: أن هناك حالات وأصنافا من الناس يجدي معهم السلطان، أكثر مما يجدي معهم القرآن، ويخضعون للسلطان أكثر مما يخضعون للقرآن، كما هو حال بعض العتاة والمنافقين والمتهورين.. وللعلامة الشنقيطي في تفسيره عبارة جيدة جامعة قال فيها: "فإن لم تنفع الكتب تعينت الكتائب، والله تعالى قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
ومع ذلك فإن وازع الضميروالتقوى والإيمان يبقى دائما قبل وازع السلطان، ويبقى هو الأصل وهو المعول عليه في الدين؛ إذْ وازع السلطان إنما يحكم بعض الظواهر، أما وازع الإيمان فيحكم الظواهر والسرائر. وفي الحديث الصحيح: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صُوَرِكم،ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
فالدين الحق، والتطبيق الحق للدين وشريعته، إنما هو أساسا ما جاء عن إقناع وترغيب وطواعية ورضا.. وما سوى ذلك، فهي ضرورات تقدر بقدرها، وآخر الدواء الكي.

* لكن ألا تتفق معي في أن الدولة بمؤسساتها، أو بالتعبير الفقهي كما قلنا "ولي الأمر" يجب أن تبقى دائما حجرالزاوية في مسألة التطبيق أو التعطيل؟
** من باب التنظيم العام ووضع الاستراتيجيات التي تخدم الهدف الأساسي أتفق معك، أما من باب أنها هي أصل الموضوع فلا.. لأن أياً ما كانت أهمية السلطة والدولة في إقامة الدين وتطبيق الشريعة فإنها تبقى -ويجب أن تبقى- دون أهمية الأمة والمجتمع.. وذلك لعدة أسباب:
أولا: لأن الدين الذي يطبق بدون ضغط ولا إكراه هو الدين الحق المقبول عند الله تعالى، وأما ما سواه فإنما هو تنظيم دنيوي وتدبير سلطوي.
وثانيا: لأن ما يطبق برغبة وطواعية، يكون أجود وأدوم، بخلاف التطبيق بالقوة والسلطة، فإنه يكون رديئا سطحيا، ينحسر وينقلب عند كل فرصة لذلك.
وثالثا: لأن التطبيق الذي يكون بمبادرة ذاتية من الأفراد أو بحركية المجتمع نفسه يعطي من السمو والارتقاء في وعي المجتمع وفاعليته ما لا سبيل إليه بدونه.

مسؤولية الأفراد
* لكن أظن فضيلتكم لا تنكر أن هناك مجالات وأحكاما شرعية لا بد فيها من الحكام ومؤسساتهم ووسائلهم، كالقضاء والقوة التنفيذية؟
** قطعا لا يمكن إنكار هذا.. لكن حتى مع وجوده أيضا، فإن للأفراد وللمجتمع إمكانات واسعة للتدخل والإسهام، حتى في هذه المجالات أيضا.
فإذا كانت إقامة الحدود وغيرها من العقوبات الشرعية جزءاً مهما من تطبيق الشريعة تختص به الدولة، فلا شك أن كل عمل دعوي أو تربوي أو اقتصادي أو اجتماعي، يحول دون وقوع الجريمة ومعاقبة المجرمين، هو أيضا من الشريعة ومن تطبيق الشريعة، بل هو أفضل أشكال تطبيق الشريعة.. وهو ما يستطيعه كل الأفراد والهيئات المجتمعية.
ومن أراد أن يتأكد من مساحة الدولة ومساحة الأمة في تطبيق الشريعة، فليقرأ القرآن من أوله إلى آخره، ولْـيُسجل ما يتوقف على الدولة ولا يتم إلا بها، وما لا يتوقف على الدولة ويمكن أن يتم بدونها.. ثم ليحسب ولينظر النتيجة...
لقد عرف العالم الإسلامي، عبر تاريخه الطويل، دولا وحكومات مختلفة في قوتها وضعفها، واستقامتها وانحرافاتها، وقربها وبعدها من هدي الشريعة ومقتضياتها، ولم يكن ذلك هو العنصر الحاسم في تطبيق الشريعة ودوامها، أو في رقي الأمة وازدهارها.
ولذلك نجد فترات زاهية بالرقي العلمي والحضاري والاجتماعي، هي في الوقت نفسه فترات ضعف وتفكك وتخلف في النظام السياسي القائم.
فبجانب الحكام وأجهزتهم وأدوارهم، كان للقضاء والقضاة دورهم وفاعليتهم، وكذلك كان للعلماء عطاؤهم واجتهادهم وزعامتهم، وكان للخطباء والوعاظ أدوارهم التعليمية والاجتماعية... وكان للطرق الصوفية أدوارها التربوية والاجتماعية، وأحيانا الجهادية، وكان المجتمع بكل فئاته ملتفا متفاعلا مع هؤلاء جميعا، يأخذ منهم ويعطيهم، ينخرط معهم في توجيهاتهم ومشاريعهم ونداءاتهم، وينخرطون معه في مشاكله ومتطلباته وشكاويه، وكل هؤلاء كان مصدرهم وملهمهم، هو الشريعة والعمل بالشريعة.

(حوار إسلام عبدالعزيز/ إسلام أونلاين/ مع بعض التصرف)
(اختيار وتنسيق وتصرف محمد شمام / عن العمل الشعبي الأهلي والمدني)


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، العمل الشعبي الأهلي والمدني، الثورة التونسية، الثورة المضادة، مبادرة، العمل الأهلي، العمل المدني، العمل الشعبي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-07-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  تأملات في ركن الصيام
  نحو توحيد التونسيين وترشيد اختلافاتهم(3)
  نحو توحيد التونسيين وترشيد اختلافاتهم (2)
  نحو توحيد التونسيين وترشيد اختلافاتهم (1)
  الإعلان عن مبادرة نحو مشروع شعبي أهلي ومدني لمواصلة مشوار الثورة
  أحداث غزة في المدى المباشر والقريب هل أحداث غزة محرقة أم صمود ومقاومة؟ (1-2)
  من أجل التأسيس لنصرة غزة القسم الأول : أحداث غزة في المدى المباشر والقريب
  من أجل ترشيد قضايا العودة والسياسة (3) هدية إلى الشيخ راشد الغنوشي(*)
  من أجل التأسيس لنصرة غزة في المنهجية (3 -4)
  من أجل التأسيس لنصرة غزة في المنهجية (1 -2)
  من أجل التأسيس لنصرة غزة هل انتهت أحداث غزة ؟ -3-
  من أجل التأسيس لنصرة غزة هل انتهت أحداث غزة ؟ -2-
  من أجل التأسيس لنصرة غزة هل انتهت أحداث غزة ؟ -1-
  كلمة الجمهور بمناسبة انتصار غزة (3-4-5)
  كلمة الجمهور بمناسبة انتصار غزة (تمهيد-1-2)
  من أجل ترشيد قضايا العودة والسياسة (2) لقد آن الأوان لتحرير قضايا العودة والسياسة من المنطق الإجرائي
  من أجل ترشيد قضايا العودة والسياسة (1) حول مؤتمر المهجّرين التونسيين

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
علي عبد العال، رافع القارصي، أنس الشابي، يحيي البوليني، عبد الله الفقير، د. خالد الطراولي ، صالح النعامي ، ياسين أحمد، محمود سلطان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. عبد الآله المالكي، إياد محمود حسين ، طارق خفاجي، محرر "بوابتي"، صلاح المختار، إيمى الأشقر، عبد الله زيدان، أحمد الحباسي، فتحي الزغل، أحمد بوادي، رضا الدبّابي، ماهر عدنان قنديل، مراد قميزة، سلام الشماع، محمد اسعد بيوض التميمي، المولدي اليوسفي، د- جابر قميحة، د - الضاوي خوالدية، صفاء العربي، محمد أحمد عزوز، يزيد بن الحسين، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - مصطفى فهمي، سيد السباعي، حاتم الصولي، وائل بنجدو، د - المنجي الكعبي، أحمد النعيمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، منجي باكير، فتحي العابد، محمد يحي، عبد الرزاق قيراط ، عمر غازي، سامر أبو رمان ، محمود فاروق سيد شعبان، نادية سعد، د - صالح المازقي، رافد العزاوي، محمد شمام ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سلوى المغربي، عواطف منصور، أحمد ملحم، د. عادل محمد عايش الأسطل، طلال قسومي، الناصر الرقيق، عراق المطيري، د - محمد بنيعيش، د- هاني ابوالفتوح، خالد الجاف ، صفاء العراقي، ضحى عبد الرحمن، كريم السليتي، محمد الياسين، حسن عثمان، سعود السبعاني، علي الكاش، د. طارق عبد الحليم، خبَّاب بن مروان الحمد، العادل السمعلي، سليمان أحمد أبو ستة، محمد علي العقربي، د - محمد بن موسى الشريف ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سفيان عبد الكافي، صباح الموسوي ، رمضان حينوني، عمار غيلوفي، د.محمد فتحي عبد العال، محمود طرشوبي، د - عادل رضا، جاسم الرصيف، رشيد السيد أحمد، إسراء أبو رمان، تونسي، د. أحمد بشير، كريم فارق، رحاب اسعد بيوض التميمي، فتحـي قاره بيبـان، د. صلاح عودة الله ، صلاح الحريري، عبد العزيز كحيل، أ.د. مصطفى رجب، مصطفي زهران، سامح لطف الله، عبد الغني مزوز، الهيثم زعفان، محمد العيادي، مجدى داود، أبو سمية، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مصطفى منيغ، فوزي مسعود ، فهمي شراب، د - شاكر الحوكي ، الهادي المثلوثي، أشرف إبراهيم حجاج، عزيز العرباوي، المولدي الفرجاني، حميدة الطيلوش، محمد عمر غرس الله، د- محمود علي عريقات، د- محمد رحال، حسن الطرابلسي، بيلسان قيصر، د. أحمد محمد سليمان، محمد الطرابلسي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز