محمد شمام
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8518
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هل إعلان هنية الانتصار بغزة هو إعلان عن انتهاء القضية ؟
لقد كانت فرحة عظيمة ولا شك ولكن لم نستطع الفرح، لأن أهل غزة بما أصابهم لا يستطيعون الفرح بل الكثير منهم الآن هو يتألم . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، فإن القضية لم تنته ولكنها قد بدأت.
لقد كان هذا واضحا في خطاب هنية ، وأيضا في كلمة الجمهور بمناسبة النصر، بل إن من أهم ما برز في هذه الكلمة أنها خصصت حلقة كاملة (الحلقة الثانية) لهموم الجمهور بما بعد أحداث غزة ، مع وعي وتخوف كبيرين بحجم المكائد ، وتطلع وشوق كبيرين أيضا إلى الآمال والبشائر. إنه بمجرد إعلان إسرائيل إيقاف النار، و بمجرد ما بان تبعا لذلك فشلها في تحقيق أهدافها ، حتى ثار عند الجمهور وعند النخب وجميع المناصرين سؤال "ماذا بعد غزة؟" وثارت عندهم هموم عديدة متعلقة بذلك .
إن كلا من هنية والجمهور يقولان أن القضية لم تنته بل قد بدأت ، وبالمعنى العاجل (القريب) فإنها دخلت شوطها الثاني . هذا هو موضوع هذه الحلقة الذي سنتقصّد تعبيرات هؤلاء المناصرين المهمومين فيه من خلال ما كتبوه ، والذي سنتناوله في الفقرات التالية:
1. هنية يبيّن مساريْ الشوط الثاني وقضاياه
2. العدوان لم ينته وندعو لاستمرار الفعاليات لرفع الحصار
3. المقاومة الفلسطينية تحذر من حرب سياسية بعد فشل العدوان
4. المقاومة ومواجهة الفصل الثاني من الحرب
5. قراءة حسنين هيكل لما بعد أحداث غزة
6. الجميع على وضوح وفي معركة حاسمة
7. غزة لا منجى لها في الشوط الثاني – كما كان الشأن في الشوط الأول - إلا بالله
8. خاتمة : واصل دعاءك لغزة
(1) هنية يبين مساريْ الشوط الثاني وقضاياه :
قال هنية في خطابه الأول بعد 17 يوما من بداية الأحداث:
إننا هنا على أرض غزة الأبية ، على أرض فلسطين ، نواجه هذا العدوان بمسارين: المسار السياسي الدبلوماسي الذي سيأخذ مداه . نحن نتحرك على هذا المسار، ونتعاطى ونتعامل إيجابياً مع أية مبادرة من شأنها أن توقف العدوان فوراً عن شعبنا ، وأن ينسحب الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة ، وأن تمهّد لإعادة فتح المعابر ورفع الحصار كلياً عن أهلنا في قطاع غزة. نحن نتعامل بمسؤولية، نتعامل بانفتاح، نتعامل بإيجابية مع كل مبادرة يمكن أن توقف هذا العدوان ، وأن تحقن دماء أبناء شعبنا الفلسطيني.
والمسار الثاني الذي نواجه به هذا العدوان هو ثباتنا ومقاومتنا لهذا المحتل البغيض، هو التصدي لهذا العدوان حتى يندحر المحتل عن أرضنا وحتى تتوقف هذه الغزوة الظالمة. إنه مسار على الأرض بالثبات وبالصمود وبالمقاومة وبالصبر وبالتكافل وبالتضامن وبالثقة بالنصر .
كان ذلك كلام هنية قبل أن تنتهي الأحداث . ولأن المحنة استمرت فالمساران استمرا ، بل وطُرحت بحدة - بوقف إطلاق النار- قضايا عاجلة ضمّنها هنية في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة النصر ؛ حيث وعد بتقديم معونات عاجلة لكل الأسر الفلسطينية المتضرِّرة، والعمل على إعادة إعمار ما دمَّره الاحتلال . وشدَّد في خطابه على أهمية فتح المعابر، ورفع الحصار، وعدم السماح مجدَّدًا إلى تعرض الشعب الفلسطيني - الذي قدَّم مثل هذه التضحيات العظيمة - إلى مآسي الحصار البغيض ؛ وطالب أيضا بإرسال لجان تحقيق دولية للتحقيق في جرائم الاحتلال، وتقديم قادة العدوِّ إلى محاكم الجنايات الدولية.
(2) العدوان لم ينته وندعو لاستمرار الفعاليات لرفع الحصار:
وفي هذا السياق أكد المتحدث باسم "حركة حماس" سامي ابو زهري أن العدوان الذى شنته "إسرائيل" على قطاع غزة لم ينته بعد، واعتبر استمرار الحصار دليلا ملموسا على استمراره ، وعبّر عن ذلك بقوله: "نحن نعتبر أن المعركة الأخيرة مع إسرائيل لم تنته بعد لأن الحصار لا يزال قائما والمعابر مازالت مغلقة، ومازالت طائرات الاحتلال تغطي سماء غزة...، ولازالت البوارج الإسرائيلية تشارك في الحصار البحري، ومن هنا فإن الحرب لم تنته، ولذلك فإننا ندعو الشعوب العربية إلى استمرار التفاعل معنا حتى رفع الحصار وفتح المعابر وفي مقدمتها معبر رفح بغض النظر عمن يغلقه ، وضمان البدء في إعادة إعمار غزة"....
وأضاف بأن "حماس" ترى الآن أن الأولوية المطلقة هي لمعالجة آثار العدوان وفتح المعابر وفي مقدمتها معبر رفح وبدء دخول المساعدات وعمليات الاعمار لغزة، لأنه لا يعقل أن يجري الحديث عن حوار بين حركتي "فتح" و"حماس" بينما الناس يبيتون في العراء ولا يجدون أبسط مقتضيات الحياة الإنسانية” . (السبيل أونلاين -21-01-2009)
(3) المقاومة الفلسطينية تحذر من حرب سياسية بعد فشل العدوان:
وفي نفس الوقت وفي نفس السياق : حذر قياديون في تحالف فصائل المقاومة الفلسطينية من العاصمة السورية من خطورة المرحلة التالية لوقف إطلاق النار على إنجاز المقاومة ونجاحها في إفشال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك عبر مساعي إسرائيل لتعويض فشلها الميداني بالبحث عن انتصارات سياسية مدعومة بقوى أوروبية وإقليمية.
وقال أمين سر تحالف الفصائل الفلسطينية خالد عبد المجيد إن حربا سياسية بدأت قبل أن تتوقف العمليات العسكرية بهدف إجهاض الانتصار المعمّد بدماء أكثر من 1300 شهيد في غزة.
ووصف عبد المجيد في حديث للجزيرة نت الضغوط السياسية على المقاومة بأنها أكثر خطورة من غارات الطائرات، لافتا الانتباه إلى مشاركة الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية والعربية في محاولة منع المقاومة من قطف ثمن انتصارها سياسيا وشلها عبر ما يخطط لحرمانها من حقها في التسلح وإبقاء الوضع على حاله فيما يتصل بالمعابر. (الجزيرة – 21.01.2009)
(4) المقاومة ومواجهة الفصل الثاني من الحرب :
إن العالم - بعد ثلاثة اسابيع على انتهاء العدوان الاسرائيلي على غزة - يبدو أكثر اهتماما بسباق التحالفات والابتزازات والمساومات الجارية لتشكيل الحكومة الاسرائيلية المقبلة من اهتمامه بالازمة الانسانية في غزة . وهي أزمة تزداد عمقا واستنزافا لجهود الاهالي وامكانياتهم المحدودة لتوفير لقمة العيش اليومي والبحث عن بقية سقف بين الانقاض يلجؤون اليه ، اتقاءا للبرد وسيول الامطار التي داهمتهم الى خيامهم وابت الا ان تعيد تشريدهم مجددا. (آسيا العتروس - تونس نيوز عن جريدة "الصباح" التونسية الصادرة يوم 15 فيفري 2009)
لقد سكتت مدافع الدبابات الصهيونية ، وتوقفت القنابل الفسفورية عن الانهمار على رؤوس السكان الآمنين في غزة، وأعلنت المقاومة الفلسطينية انتصارها في هذه الجولة من المعارك مع الصهاينة .... وهذا السكوت وهذا التوقف وهذا الإعلان لا يعني أن المقاومة من أهلنا في غزة قد توقفت بل إنها قد برزت في أشكال أخرى ثقافية وإعلامية واجتماعية وسياسية واقتصادية . والمطلوب أن لا تقتصر على أهلنا في غزة بل تشمل كل أبناء الأمة العربية الإسلامية ، مع أهمية تبادل التجارب و الخبرات فيما بينهم وفي جميع المجالات. (موقع طلبة تونس بتاريخ 25 جانفي 2009- حمزة المورالي - طالب - تونس)
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لم تنته إذن ، إنها تتحول من حرب عسكرية إلى حرب اقتصادية ودبلوماسية وأمنية. والسؤال الذي يطرح هو: اذا كانت حماس وفصائل المقاومة الأخرى قد نجحت بالصمود والقتال الميداني الجسور في احباط الحملة الإسرائيلية العسكرية.. فكيف وبأية وسيلة أو وسائل يتسنى لها مواجهة الحرب الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية؟ (زهير سراي - السبيل أونلاين - 27-1-2009)
إن الشوط الثاني إذن لا يقل خطورة على سابقه، وقد تتغير فيه النتائج العسكرية بل وقد تنقلب بالكامل. إن الجهود الكبيرة التي قدّمت - ورغم أنها لم تبلغ مستوى الحدث - فهي لا تعدو كونها جهود إغاثة ونجدة من خطر مهول ؛ وبذلك فهي لا تحل أصل المشكل، بل مثل هذه المخاطر العسكرية الهمجية يمكن أن تعاود في أي لحظة. إن أهل غزة - بمنطق الأسباب الظاهرة - هم تحت التهديد المباشر والدائم لإسرائيل ، وتهديد المنتظم الدولي والصهيوني الغربي وأيضا العربي المعادي لهم، يتحكمون حتى في مائهم وشرابهم وأكلهم ومعاشهم ، لو لا ما رأيناه وشهدناه وتعلمناه أنهم تحت رحمة الله الذي له ملك السماوات والأرض وبيده مقاليد الأمور ورقاب العالمين، ما بقوا لاجئين إليه.
(5) قراءة حسنين هيكل لما بعد أحداث غزة:
1 – الساحة العربية في مستوى الأنظمة لم تعد فيها أي نسبة من الممانعة والمقاومة ، وهي مفتوحة لمن يريد أن يعمل. إن النظام العربي قد انهار، ويعيش الفراغ ، وهو مفتوح للفاعلين ، فكان مثلا فعل قطر وقبل ذلك دخول الأتراك والإيرانيين.
هذه قناعة حاصلة لدى اليهود والأمريكان والغربيين عموما ؛ ولذلك فإنهم - في المرحلة القادمة - لن يعطوا قيمة للأنظمة العربية ، بل سيمضون فيما يريدون ، ولا داعي بالنسبة إليهم لإضاعة الوقت معها في الأخذ والعطاء.
2 – ولأن هذه قناعة أمريكية ، ولأن الرئيس الجديد مشغول بقضايا أخرى كبيرة، فإنه ليس فقط لن يضيع وقته مع الأنظمة العربية ، بل هو في حاجة إلى تعاون دولي (أروبا) في قضايا الشرق الأوسط ، بما يعني أن الفلسطينيين والعرب سيجدون أنفسهم في مواجهة الحلف الأطلسي.
3 - إن العملية في غزة لم تنته ، وتنتظر إسرائيل وينتظر أولياؤها فعلا مرتدا على حماس ، من جراء حجم المأساة التي ارتكبوها ، والتي ستوفر لهم - حسب أمانيهم - ظرفا مناسبا للعمل على إزاحة حماس خاصة والمقاومة عامة ، من خلال الإغاثة والإعمار وعلى يد الحلف الأطلسي .
نحن مقبلون إذن على مرحلة صعبة جدا تستهدف إزاحة حماس بكل الوسائل : بآثار القوة التي استعملت ، وبالمساومة بالإغاثة والإعمار ، و بالصورة المشرقة للرئيس الجديد....
4 - وفي الجملة لسنا في المرحلة القادمة أمام حوار ، بل أمام إجراءات فرض أمر واقع على حماس وعلى المقاومة وعلى الأنظمة العربية ، وذلك عن طريق الإعمار والتهدئة والوجه المشرق لرئيس أمريكا... وعلى يد الحلف الأطلسي .
(6) الجميع فيه على وضوح وفي معركة حاسمة :
إن ما تطلبه إسرائيل والقوى الأميريكية والغربية هو الاستسلام الكامل والامتثال لسياساتهم، ولهذا لم يعد هناك خيار إلا خيار الاستسلام والطواعية أو المقاومة التي تعني الإقدام على التضحية بالدنيا وبالحياة. ولقد اختارت السلطة الفلسطينية ومن والاها الخيار الأول واختارت حماس ومن معها من المقاومة الخيار الثاني. إن الطرفين الآن هما على وضوح في الأمر، وأصبح الحديث بالمكشوف .
وإذا كان موقف الاستعمار- وهنا هو إسرائيل - هو بطبيعته استئصالي لأي مقاومة، فما انضاف إليه في هذه المرحلة هو تحول القوى الأمريكية وأكثر الأنظمة العربية إليه. وبالنظر للصفة الإسلامية لحماس فرفضها كمقاومة هو استئصالي مضاعف ، فكم سيتضاعف هذا الرفض مع وجودها الآن في السلطة ومستقلة بها ؟
(7) غزة لا منجى لها في الشوط الثاني – كما كان الشأن في الشوط الأول - إلا بالله:
إن غزة لا يمكنها أن تكتفي ذاتيا حتى في غذائها وأكلها وشربها ، فما بالك بعد التدمير. وبالنظر لجغرافيتها وموقعها ونوعية المحيطين بها، فإنها في نفس الوقت هي بمثابة السجن الذي يمكن إحكام غلقه بالكامل حتى من السماء والأرض. بل إن الأمر أشد من ذلك ، فإن هذا السجن غير المكتفي ذاتيا في معيشته والمدمر هو أيضا مزروع بشبكة عملاء خطيرة وصلت خدماتها في أثناء الحرب إلى من يكيدون لأهلها من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وإسرائيل ، ويمكن أن يستمر بعض ذلك في المستقبل.
هذه هي الأوضاع والظروف التي تجد المقاومة نفسها فيه، وهي بمنطق الأسباب ليس أمامها أي منفذ وأي أفق إلا بالله. إن هذه المقاومة ستجد نفسها أمام انغلاق وأوضاع وظروف لا تختلف عما عرفته وعاشته في الشوط الأول العسكري ، ولذلك فلا حول ولا منجى لها إلا بالله. وقد أمدها الله ونصرها في الشوط الأول، والرجاء فيه أن يمدها وينجيها وينصرها في هذه المرة أيضا.
إن المطلوب أن ندرك هذه الحقيقة ، وأن نحس الفقر إلي الله ، ونجدّ في التوجه إليه وحسن الظن فيه.
فهل نفلح أن نجدَّ في هذا الشوط الثاني جِدّنا في الشوط الأول ، فلعل الله أن يفتح علينا بالنصر في هذه المرة كما فتح علينا في المرة الأولى ، فنثبّت ما أعلنه إسماعيل هنية وقتها من "أننا أمام انتصار تاريخي وإستراتيجي وإلهي رباني"، ومن أنه ليس انتصارًا لفصيل أو حزب أو منطقة، بل هو انتصارٌ شعبيٌّ، شارك فيه كافة أبناء الشعب الفلسطيني، وانتصارٌ أمميٌّ حيث احتضنه أبناء الأمة على مدار أيام العدوان، وانتصارٌ إنسانيٌّ وقف معه كل الأحرار في العالم.
(8) خاتمة : واصل الدعاء لغزة
وتبعا لكل ما سبق فإن تراجع أنصار غزة عما كانوا عليه أثناء الحرب أمر مخيف وعلى رأسها العاء والتوجه إلى الله . كتب في ذلك أحد إخواننا فقال:
لماذا توقف دعاؤك لغزة؟؟؟؟؟
أحزنني وآلمني توقف أئمة المساجد عن الدعاء والقنوت لغزة في الصلوات .
حتى الزملاء الذين كنت أسمعهم كل صباح يدعون لأهل غزة توقفوا الآن .
هل لأن اسرائيل أوقفت القصف؟
أما علموا أن غزة الآن في أمس الحاجة للدعاء .
فبماذا ندعوا لهم ؟؟؟
1. ندعوا الله لهم بأن يطعم جائعهم .
2. ندعوا الله لهم بأن يعوضهم ما فقدوا من بيوتهم ويرزقهم بيوتاً تحميهم من شدة البرد وتؤمنهم من شدة الخوف .
3. ندعوا الله لهم بأن يحميهم من الآثار السامة المتبقية بالجو من الحرب .
4. ندعوا الله بأن يشفي جرحاهم .
5. وأخيرا ندعوا الله بأن يرحم موتانا وموتاهم ويصبرهم على فقدهم .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: