محمد شمام
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9497
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عشت أحداث غزة كما عاشها الجمهور العربي والإسلامي ، وتابعت جملة التفاعلات والكتابات، وكنت مشدودا جدا ليس إلى المساهمة في تلك التفاعلات والكتابات، ولكن إلى كيفية الاستفادة منها وتكريرها وصهرها للخروج منها بمشروع جامع يحاول أن يعبر على جملتها وحقيقتها وعمقها وتطلعاتها. كنت أراها سيلا من التفاعلات والكتابات آيلة للضياع إلا قليلا. كنت رافضا هذا المآل، وكنت مهتما بجمعها والإضافة إليها والتعليق عليها بما يحضرني من الأفكار والإثارات ، حتى اجتمع لدي ملف كبير بعنوان "من أجل نصرة غزة" صنّفته في الأثناء إلى ما تبادر من ذلك.
وبعد أن وجدت نفسي أمام مثل هذا الملف المتضخم باستمرار تبعا لاستمرار متابعتي لهذه التفاعلات والكتابات، والمتطور باستمرار في فهمه وتصنيفه، أخذت أفكر في البداية، فقلت لتكن مما هو واضح لعله يوضح بإنجازه ما بعده...
ولكن عندما توقفتْ الحرب ، وخطب إسماعيل هنية خطاب النصر وتبعتها كتابات النخبة ، وتوقفتُ عند تعليقات الجمهور على خطاب هنية، تساءلت : أين كلمة الجمهور الذي شارك وتفاعل مع الأحداث تفاعلا ومشاركة مشهودة؟ لقد ساءني غيابه في الوقت الذي حضر الذين تأخروا وكانوا دونه تفاعلا ومشاركة ، وربما كان لحاقهم من جراء تأثيره . لقد ساءني جدا مثل هذا الوضع الظالم، وهذا التهميش، وهذا الاحتقار (هو موضوعيا كذلك حتى لو كان غير مقصود) . فقلت : لماذا لا تكون إذن هذه هي البداية؟ وشمّرت على ساعد الجد لأعيش مع تعليقات الجمهور على خطاب إسماعيل هنية .
(1) نتائج أربعة من الموضوع الأول "كلمة الجمهور بمناسبة انتصار غزة":
وبعد جهد استوت كلمة هذا الجمهور بمناسبة انتصار غزة ، استواءا كشف لي على النتائج الأربع التالية :
1 - إنه يمكن ببعض الجهد أن نتعرف على رأي الجمهور ورؤيته وطرحه.
2 - وأن هذا يمكنه أن يكون شكلا من أشكال رد الاعتبار لهذا الجمهور.
3 - وأن رأي الجمهور وطرحه ليس هو بالبساطة ولا السطحية التي تتبادر إلى الذهن لأنها بساطة تصلنا بالمخزون الشعبي والمجتمعي العميق ، إذا تحرينا ما يتوق ويطمح إليه، وما يريد أن يعبر عنه .
4 - وأن ما يتوق إليه الجمهور، منه ما هو على المدى المباشر والقريب المرتبط بقضية غزة، ومنه ما هو على المدى المتوسط والبعيد المرتبط بقضية فلسطين وأمة الإسلام ومستقبلها والبشائر المتعلقة بها.
(2) نتائج ثلاثة من الموضوع الثاني"هل انتهت أحداث غزة":
وبعد أن استوت هذه البداية ، وتبيّنتُ منها كل ذلك ، ثنيتُ عليها بموضوع ملتصق بها مباشرة ، موضوعا كان يحمله الجمهور وكل من اهتم بقضية غزة ، وهو "ماذا بعد غزة؟" و"هل انتهت قضية غزة؟". فعكفتُ عليه حتى استوى في حلقات ثلاثة، وانتهى إلى نسق مشابه لنسق الموضوع السابق مع نتائج ثلاثة :
1 - قضية غزة لم تنته بالمعنى القريب والمباشر بل دخلت شوطها الثاني.
2 - وقضية غزة لم تنته بالمعنى المتوسط والبعيد بل دخلت الأمة مرحلة جديدة.
3 - وقضية غزة لم تنته من زاوية أن الجمهور أخذ يبحث بنفسه عن طريق لرد الاعتبار لنفسه ، الأمر الذي يدعو إلى المبادرة بإصدار نشرية للجمهور غير تقليدية تعتمد أسلوبا وصيغة جديدة حتى تكون قادرة لتحقيق غرضها.
(3) تبلور مدخل ملف غزة :
هذه نتائج هامة، رغم أن الموضوعين المتناولين لا يعدوان كونهما من أوّليات ومقدمات ملف غزة . وبهذين الموضوعين تبلور عندي في الأخير أن مدخل هذا الملف يتكون من مقدمات ثلاثة يشكل موضوع "كلمة الجمهور...” المقدمة الأولى منها، وموضوع "هل انتهت أحداث غزة؟" المقدمة الثانية . وأما المقدمة الثالثة التي نحن بصددها فهي في المنهجية ، وستكون بإذن الله في حلقات ثلاثة .
وبالنظر لأهمية ما أفضت إليه المقدمتين السابقتين الذي يشكل ويقدم - حسب اعتباري - الروح والوجهة والمعالم التي ستحكم وتضبط تناول ملف غزة ، فإنه من المناسب في هذه المقدمة الثالثة تركيزهما في خلاصة لهما .
(4) سنتناول ملف غزة تناولا متناغما مع رؤية وطرح الجمهور:
إن كل ما تطرقنا إليه في المقدمتين السابقتين للمدخل كان تطرقا أوليا وتمهيديا تبعا لطبيعة المقام . ونحن نطمح أن نتطور بهذا التطرق من هذه الأولية ، وأن يحظى بالاهتمام والتفصيل المطلوبين ، في نفس الاتجاه الذي عبر عليه الجمهور ويتوق إليه، انطلاقا من أحداث غزة في ذاتها ، وجملة التفاعلات معها، وما كشفته من حقائق وكوامن، وما ترتب عنها من آثار وتغييرات...
إنني لن أتناول ملف غزة أي تناول ولكن تناولا متناغما مع رؤية وطرح الجمهور، وتناولا يعبر عن هذا الجمهور ويرقى إلى مستوى التفاعل والمشاركة والنصرة التي أبداها في أثناء حرب غزة .
(5) سنتناول ملف غزة تناولا مفتوحا على كل الكتابات والتفاعلات مع قضية غزة :
ولأن هذا التناول ليس متعصبا للجمهور ولا منغلقا عليه كما هو طبيعته – إذ النخب والسلط هم أبناؤه – فإنه سيكون تناولا مفتوحا على كل الكتابات والتفاعلات الحاصلة في قضية غزة ليستفيد منها، ولكن بما هو متناغم ومنسجم مع ما سبق ذكره. إننا سوف نستفيد من كل ذلك ، أفكارا ونصوصا ، مع التصرف الضروري واللازم في كل ذلك ، تصنيفا ، وترتيبا ، وتركيبا ، وصياغة .
(6) سنتطور بملف غزة خطوة خطوة نحو مشروع حضاري معبر على أوسع دائرة من العرب والمسلمين :
إننا سوف نتعرض في ملف غزة إلى مواضيع كثيرة، مصنفة إلى أقسام عديدة ، قد يستغرق الموضوع الواحد منها حلقات عدة . وكل ذلك نريد أن نتطور به خطوة خطوة نحو مشروع حضاري، كل خطوة نخطوها نقدر أنها ستزيد وضوحا ما نهدف إلى بلورته من مشروع . هو طريق طويل ، ولكن هو طريق نأمل منه ليس فقط أن يحقق مشروعا معبرا على الجمهور وعن حجم الفعل الذي قدمه في حرب غزة، ولكن أيضا أن يكون معبرا على أوسع دائرة من أبناء العرب والمسلمين سواء بقدر كامل أو جزئي .
إن مثل هذا الأسلوب يريد أن يقول أن الجمهور في حقيقته وروحه ومخزونه هو الأصل، وليس السلاطين ولا النخب ، فمن توافق مع هذه الحقيقة وهذا العمق وهذا المخزون فقد توافق مع الأصل وكان معه ، ومن خالف هذه الحقيقة وهذا العمق وهذا المخزون فقد خالف الأصل وكان ضده . هذا الأصل هو إذن المحور والمركز المطلوب الالتفاف حوله والتمحور عليه وليس على أي شيء آخر.
(7) أقسام ملف غزة :
هكذا نريد أن نتقدم في هذا الملف الذي قدمنا أنه أقسام ستة يشمل كل قسم منها مواضيع عديدة التي لنا فيها الآن تصنيف وترتيب أولي . وأقدر أن هذه الأقسام ستتطور مع التقدم في الانجاز لتصبح به الصورة أوضح بقدر ذلك التطور، وستتطور تبعا لذلك مواضيعها... ورغم ذلك فإنني لا أرى بأسا من ذكر هذه الأقسام بالوضوح المتوفر الآن ، وهي كالتالي :
1. أحداث غزة في المدى المباشر والقريب
2. أحداث غزة ذكّرتنا بالعمق الإيماني والإسلامي وأعادت الاعتبار له
3. أحداث غزة وقواعد في التغيير
4. أحداث غزة والانهيار القيمي والأخلاقي للغرب وللنظم الرسمية العربية والأممية
5. أحداث غزة وإثاراتها الجوهرية في الوضع التونسي
6. أحداث غزة والمشروع الرسالي والحضاري
سيتركز اهتمامنا في هذه الأقسام وموضوعاتها على أحداث غزة بحقائقها وكوامنها، وأيضا بآثارها وأبعادها وآفاقها... لن يكون مناط تركيزنا الأحداث المباشرة ونتائجها القريبة المركز عليها عند غالب المهتمين ، وخاصة ماله علاقة بالجانب السياسي والصراعي، ولكن على تلك الحقائق والكوامن والآثار والأبعاد والآفاق .
إن أحداث غزة - كما عايشناها وعايشها العالم - كان مبدؤها محرقة ، وكذلك استمرت إلى أن توقفت الحرب، وكانت ثانيا صمودا وثباتا من حيث لم يحتسب أحد ، وبما يخالف منطق الحسابات كلها. وقد بلغتنا بعد ذلك ما كان يعيشه الغزاويون من حقائق التي عبر عليها عموما خطاب إسماعيل هنية في اليوم السابع عشر (17) من بداية الحرب .
أحداث غزة في ذاتها هي إذن قسمان: المحرقة وما يرتبط بها (القسم الأول)/ وحقائق الإيمان والتأييد والنصر الربانيين ومتعلقاتها (القسم الثاني) . وهذه الأحداث هي غير منفكّة عن سياق وإطار ومسار ، ليس فقط فيما يتعلق بقضية فلسطين ، ولكن فيما يتعلق أيضا بالأمة وحتى بالبشرية (بقية الأقسام الأربعة).
خاتمة
تلك هي الأقسام التي عزمنا على تناولها في هذا الملف ، فأسأل الله أن يوفّق إلى تحقيق أهدافها ونتائجها . ولأنها واردة جميعها في سياق نصرة غزة والتأسيس لهذه النصرة ، لم أجد لها عنوانا لها أفضل من عنوان : "من أجل التأسيس لنصرة غزة" .
أين نحن من كل ذلك؟
نحن لا زلنا بصدد المدخل ، وفي المقدمة الثالثة لهذا المدخل . وبخلاف المقدمتين السابقتين ، ستكون هذه المقدمة - بإذن الله - في المنهجية ، وذلك في حلقات أربع . ونختم بهذا حلقتها الأولى .
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
*******************
في المنهجية (2): الروح والموجّهات والمعالم الضابطة في تناول ملف غزة
رأينا - في الحلقة السابقة (الأولى) من هذه المقدمة الثالثة من المدخل - الأقسام التي عزمنا بإذن الله على تناولها في هذا الملف التي يتكون مدخله من مقدمات ثلاث ، يشكل موضوع "كلمة الجمهور...” المقدمة الأولى منها، وموضوع "هل انتهت أحداث غزة؟" المقدمة الثانية . وأما مقدمته الثالثة فهي التي نحن بصددها ، وهي - بإذن الله - في المنهجية وفي حلقات أربعة ، رأينا حلقتها الأولى ، ونحن بصدد حلقتها الثانية.
ولأن ما أفضت إليه المقدمتين السابقتين نرى أنه يشكل ويقدم الروح والوجهة والمعالم الحاكمة والضابطة في تناول ملف غزة ، فإنه من المناسب في هذه الحلقة الثانية من هذه المقدمة تركيزهما وتلخيصهما .
عندما بدأنا الاهتمام كتابة بملف غزة ، بادرنا بموضوع "كلمة الجمهور بمناسبة انتصار غزة" الذي قدمناه في ست حلقات، ثم بموضوع "هل انتهت أحداث غزة؟" الذي قدمناه في ثلاث حلقات . وفيما يلي حوصلة لهما وفق الفقرات التالية :
1. لقد تحقق نصر من عند الله مُؤذن بالدخول في شوط جديد ومرحلة وآفاق جديدة
2. نحو إعادة الاعتبار للجمهور
3. إثارات هامة حول موقع تطلعات الجمهور من سياقات تطور الأوضاع
4. هل يمكن استخلاص مشروع حضاري من جملة التفاعلات مع أحداث غزة؟
5. ما أفضى إليه الموضوعان من موجهات
6. لقد آن للجمهور أن يصنع له صوتا جماعيا مسموعا
(1) لقد تحقق نصر من عند الله مؤذن بالدخول في شوط جديد ومرحلة وآفاق جديدة :
لقد تحقق النصر من عند الله وتحققت معه مكاسب كبيرة من حيث لم يحتسب أحد، إلا أنه لم تنته بهذا النصر أحداث غزة بل بدأ شوطها الثاني . والجميع في هذا الشوط على وضوح وفي معركة حاسمة .
ولأن أهل غزة - بمنطق الأسباب الظاهرة - هم تحت التهديد المباشر والدائم لإسرائيل، وتهديد المنتظم الدولي والصهيوني الغربي وأيضا العربي المعادي لهم، متحكمين حتى في مائهم وشرابهم وأكلهم ومعاشهم، فإن غزة لا منجى لها في هذا الشوط – كما كان الشأن في الشوط الأول - إلا بالله .
وأحـــداث غــزة أبعد مدى من شوط ثاني . إن كلا من هنية والجمهور يقولان أن القضية لم تنته بل قد بدأت، وبالمعنى العاجل (المدى القريب) فإنها دخلت شوطها الثاني، وبالمعنى الآجل (المدى المتوسط والبعيد) فهي بداية لمرحلة جديدة ولآفاق المستقبل .
إن التغيير مسّ هذه المرة ما بالأنفس، تغييرا يحول دون النسيان كما تكرر سابقا، وتغييرا يدفع لاستمرار الفعل وتحوّل الجهود إلى مشاريع . وكل هذا هو إيذان بالدخول في هذه المرحلة الجديدة .
هذا هو خلاصة الموضوعين فيما يتعلق بأحداث غزة في نتائجها وسياقات تطورها، وعلى أهميتها فإن الأهم منه هو ما أفضيا (الموضوعان) إليه . لقد أفضيا إلى إثارات هامة حول قضايا مصيرية ثلاث تتطلب الاهتمام وتنتظر الإنجاز. ولقد صغنا هذه القضايا صياغة إثارة وتساؤل، ولأهميتها فيما سنواصله في هذا الملف سنوردها هنا لاستحضارها ولاستصحابها من غير تغيير إلا قليلا في صياغتها الأصلية :
(2) نحو إعادة الاعتبار للجمهور:
بغض النظر عن كل ما يمكن أن يٌذكر في "كلمة الجمهور" (الموضوع الأول) من مآخذ ومطاعن في كيفية استخلاصها وفي تمثيليتها، فإن أقل ما أردت أن أعبر عنه :
1. إن لهذا الجمهور في مجموعه رأي وقول وطرح يمكن تحرّيه ومعرفته.
2. أين - في واقعنا - رأي الجمهور إلى جانب رأي النخب والسلط؟ أليس هو الرأي الأهم بالمعنى الديمقراطي لمن يقولون بالديمقراطية؟
3. ألا قارنت السلط والنخب رأيها وطرحها برأي وطرح الجمهور؟ أليس من المفروض أن تكون معبرة عنه وممثلة له؟ وأليس من المفروض أنه إذا كان عندها ما ليس عنده أن تطرحه عليه وتقنعه به لتبقى دائما معبرة عنه وممثلة له؟
4. المفارقة الآن قائمة بين طرح الجمهور من ناحية وطرح السلط وأيضا طرح النخب من ناحية أخرى، أليس هذا ظلما؟ وكيف السبيل لإزالة هذه المفارقة؟
(3) إثارات هامة حول موقع تطلعات الجمهور من سياقات تطور الأوضاع :
تثير فينا كلمة الجمهور- بعد استوائها - إثارات هامة ومنها :
1. ألا يمكن أن نستخلص من خلال النظرة الجملية لكلمة الجمهور وعناوينها الصورة الجملية لقول هذا الجمهور ورأيه وطموحه وما يتطلع إليه؟
2. بل أكثر من ذلك، ألا يمكن أن نقول فيها أنها تعبر على توجهات المرحلة الجديدة وسياقات تطور الأوضاع؟
3. أم أن هذا الجمهور يتطلع ويصبو إلى هذا لو يجد القيادة الكفأة التي تتبناه، متجاوبة مع هذا الجمهور ومع همومه وطموحاته؟
4. أم أن هذا الجمهور قد حدد ووضع التوجهات، وما على القيادات إلا أن تترجمها إلى خطط وبرامج وإلا فليتخلوا لينتخب الجمهور القيادة التي تمثله وتعبر على إرادته؟
(4) هل يمكن استخلاص مشروع حضاري من جملة التفاعلات مع أحداث غزة؟ :
إن التحول بجهود الجمهور إلى مشاريع ليس أمرا بسيطا ولا سهلا ويشكل في حد ذاته نقلة نوعية، غير أني لا أراها ترجمة كافية لحجم التحولات إلا إذا تحولنا بها أيضا إلى مشروع حضاري أو على الأقل إلى عمل طويل النفس في نصرة غزة...
1. فهل يمكن أن ننطلق من ذلك السيل من التفاعلات والكتابات كمادة خام لنستخلص منها مثل ذلك المشروع ؟
2. وهل يمكن أن نتحول من التحرك في كل إتجاه، في الأفكار والأفعال، إلى استخلاص مشروع يعبر عليها في جملتها ومقاصدها وغاياتها، رجاء أن نحوّل توْقنا وجهودنا المتفرقة وأفكارنا المتنوعة إلى شيء جماعي يجمعها، ليس فقط بالمعنى العام ولكن أيضا بمعنى الرؤية والتوجه والمشروع ؟
3. لا شك أن ليس المقصود من مثل هذا المشروع مجرد التنظير ولكن التنظير من أجل العمل الذي لا يمكن إلا إذا تولى كل منا ما يليه من أمر بلاد الإسلام، فهل يعني هذا أن يتطور جمهور كل بلد ببعض جهده إلى مشروع حضاري يتعلق ببلده الذي هو أدرى به و بواقعه، وذلك في إطار مواصلته نصرة غزة بالمعنى القريب والمباشر وبالطريقة التي تقدم بيانها، وفي إطار الوضع العام الدولي والبشري والعالمي؟
(5) ما أفضى إليه الموضوعان من موجهات :
هذه هي جملة الإثارات الهامة التي تضمنها الموضوعان، ستجد لها أجوبة إن شاء الله فيما سنواصله من اهتمام مطول بقضية غزة، إلا أنه ما يمكن أن نلاحظه من الآن (وهذه هي الموجهات التي نقصدها) :
1 - أن المقارنة بين كلمة الجمهور وبين الخطاب الأول والثاني لإسماعيل هنية في أثناء أحداث غزة تبين التناغم الكبير بينهما، وكأن كلمة الجمهور كانت الصدى لتلك الخطابات، أو كأن إسماعيل هنية كان معبرا على جمهور الأمة، أو ما يريد أن يعبر عنه وعما يكتنزه...
2 - بالنظر إلى ضرورة إزالة المفارقة القائمة الآن بين طرح الجمهور من ناحية وطرح السلط وأيضا طرح النخب من ناحية أخرى، وبالنظر للتناغم الذي رأينا بين طرح الجمهور وطرح إسماعيل هنية في خصوص قضية غزة فإني سأجعل كلمة الجمهور وخطابيْ هنية ورقات مرشدة وموجهة لما سنواصله من اهتمام مطوّل بقضية غزة إن شاء الله.
3 - أن الوجهة العامة للمشروع الحضاري وروحه ستكون بإذن الله الوجهة العامة لكلمة الجمهور ولخطابات إسماعيل هنية في أثناء أحداث غزة وروحها، ليكون هذا المشروع معبرا على جمهور الأمة وما يكتنزه ويريده...
(6) لقد آن للجمهور أن يصنع له صوتا جماعيا مسموعا :
وهذه الوجهات الثلاث تتعلق بقضايا ثلاث . ومن المهم أن لا ننسى أن هذه القضايا هي قضايا أفضى إليها التناول الأوّلي التمهيدي لأحداث غزة، بل يمكن أن نلاحظ بوضوح أن القضيتين الثانية والثالثة مرتبطتان بوضوح بسياقات تطور الأوضاع، بينما القضية الأولى تتعلق بالعنصر البشري محل الاهتمام هنا وهو الجمهور. ولأننا سنواصل الاهتمام مطولا بأحداث غزة بل كل ما قمنا به هو مدخل له، فإن هذه القضايا الثلاثة ستحضى بالاهتمام المطلوب بإذن الله تعالى، إلا أن الذي أرى أن تتم المبادرة به في وقت قريب وفي خصوص القضية الأولى هو أن يصبح للجمهور صوت يُقرأ ويُسمع.
إن الأحداث لم تنته من زاوية سياقات تطورها وتأثيراتها، ولكن أيضا لم تنته من زاوية التحولات الحاصلة في الجمهور نفسه وإعادة الاعتبار له.
إن التهميش الذي كان يعيشه الجمهور قبل أحداث غزة بلغ مبلغا لم يعد قابلا للاستمرار، و لم تعد المرحلة التي تمر بها الأمة والبشرية تقبله . فلما جاءت أحداث غزة، وبرز فيها دوره وفعله، وكان فيها القاطرة الذي جرّت وراءها أكثر النخبة وقلة من الأنظمة، تضاعفت تلك الدواعي، بل وحوّلت هذا الجمهور إلى المبادرة ومغادرة موقف الانتظار.
إنه إذن، بالنظر للدور الفاعل الذي يمكن أن يكون له في الواقع كما أبانته أحداث غزة، وبالنظر لأن السلط والنخب لا تعبر عنه ولا تمثله عموما، فقد أصبح من الطبيعي بل ومن الضروري أن يعمل الجمهور على أن يعبر على نفسه، خاصة مع انقطاع الأمل في تحول قريب من هذه الزاوية لهذه السلط والنخب، ولعل المبادرة تدفعهما إلى هذا التحوّل .
فمن أجل أن يّعاد للجمهور الاعتبار، ومن أجل أن يَبلغ صوته وأن يأخذ موقعه، ومن أجل أن يتبلور رأيه في مشاريع عملية وحضارية، أقترح أن يصبح للجمهور نشرية تحمل صوته وكلمته ورؤاه ومشاريعه، ويتواصل بها وفيها فيما بينه، ويبلور فيها كل ذلك ليبلّغه بهذه النشرية إلى الناس جميعا .
أرى أن الظرف مناسب لمثل هذه المبادرة . لا شك أنه من الصعب - في إطار التجزيء المفروض على الأمة العربية والإسلامية - أن يكون صوتا واحدا يعبر على الجمهور العربي والإسلامي، ولكن يمكن أن تكون أصوات عديدة تعمل على ذلك، بل يمكن أن يقوم كل جمهور بما يليه من بلاد العرب والمسلمين.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: