محمد شمام
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10268
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هل إعلان هنية الانتصار بغزة هو إعلان عن انتهاء القضية؟
لقد كانت فرحة عظيمة ولاشك ولكن لم نستطع الفرح، لأن أهل غزة بما أصابهم لايستطيعون الفرح بل الكثير منهم الآن هو يتألم . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، فإن القضية لم تنته ولكنها قد بدأت.
لقد كان هذا واضحا في خطاب هنية ، وأيضا في كلمة الجمهور بمناسبة النصر، بل إن من أهم ما برز في هذه الكلمة أنها خصصت حلقة كاملة (الحلقة الثانية) لهموم الجمهور بما بعد أحداث غزة ، مع وعي وتخوف كبيرين بحجم المكائد ، وتطلع وشوق كبيرين أيضا إلى الآمال والبشائر. إنه بمجرد إعلان إسرائيل إيقاف النار، وبمجرد ما بان تبعا لذلك فشلها في تحقيق أهدافها ، حتى ثار عند الجمهور وعند النخب وجميع المناصرين سؤال "ماذا بعد غزة؟" وثارت عندهم هموم عديدة متعلقة بذلك .
إن كلا من هنية والجمهور يقولان أن القضية لم تنته بل قد بدأت ، وبالمعنى العاجل (المدى القريب) فإنها دخلت شوطها الثاني كما رأينا في الحلقة الأولى ، وبالمعنى الآجل (المدى المتوسط والبعيد) فهي بداية لمرحلة جديدة ولآفاق المستقبل الأمر الذي يقتضي ، ليس فقط مواصلة نصرة المقاومة بالمعنى المباشر والمحدود، بل وأيضا مواصلة نصرتها بالمعنى الواسع الذي يسع بلاد الإسلام وأمته .
يمكن أن نلاحظ أن الحلقتين السابقتين مرتبطتان بوضوح بسياقات تطور الأوضاع ، بما يعني أن الأحداث لم تنته من زاوية سياقات تطورها وتأثيراتها ، ولكن أيضا لم تنته من زاوية التحولات الحاصلة في الجمهور نفسه وإعادة الاعتبار له. هذا هو موضوع حلقتنا هذه ، العنصر البشري في ذاته هو الذي سيكون محل الاهتمام فيها وذلك في الفقرات التالية:
1. نحو إعادة الاعتبار للجمهور
2. إثارات هامة حول موقع تطلعات الجمهور من سياقات تطور الأوضاع
3. الجمهور الذي همشته النخب وتحكمت فيه السلاطين
4. جمهور غزة هو الذي تكلم كلام فعل في أحداث غزة
5. التناغم بين جمهور غزة وبين سلطة ونخبة غزة
6. كان فعل الجمهور العربي والإسلامي صدى لفعل أهل غزة
7. نقترح أن تصدر نشرية تكون صوتا لهذا الجمهور
(1) نحو إعادة الاعتبار للجمهور:
في خاتمة سلسلة " كلمة الجمهور بمناسبة انتصار غزة"، أثرت إثارات عديدة في خصوص إعادة الاعتبار للجمهور، فقلت :
إن لهذا الجمهور في مجموعه رأي وقول وطرح يمكن تحرّيه ومعرفته.
1. فأين - في واقعنا - رأي الجمهور إلى جانب رأي النخب والسلط؟ أليس هو الرأي الأهم بالمعنى الديمقراطي لمن يقولون بالديمقراطية؟
2. ألا قارنت السلط والنخب رأيها وطرحها برأي وطرح الجمهور؟ أليس من المفروض أن تكون معبرة عنه وممثلة له؟ وأليس من المفروض أنه إذا كان عندها ما ليس عنده أن تطرحه عليه وتقنعه به لتبقى دائما معبرة عنه وممثلة له؟
3. المفارقة الآن قائمة بين طرح الجمهور من ناحية وطرح السلط وأيضا طرح النخب من ناحية أخرى، أليس هذا ظلما؟ وكيف السبيل لإزالة هذه المفارقة؟
(2) إثارات هامة حول موقع تطلعات الجمهور من سياقات تطور الأوضاع:
و في نفس الخاتمة ، أثرت أيضا إثارات أخرى عديدة حول موقع تطلعات الجمهور من سياقات تطور الأوضاع ، فقلت :
1. ألا يمكن أن نستخلص من خلال النظرة الجملية لكلمة الجمهور وعناوينها الصورة الجملية لقول هذا الجمهور ورأيه وطموحه وما يتطلع إليه؟
2. بل أكثر من ذلك ، ألا يمكن أن نقول فيها أنها تعبر على توجهات المرحلة الجديدة وسياقات تطور الأوضاع؟
3. أم أن هذا الجمهور يتطلع ويصبو إلى هذا لو يجد القيادة الكفأة التي تتبناه ، متجاوبة مع هذا الجمهور ومع همومه وطموحاته؟
4. أم أن هذا الجمهور قد حدد ووضع التوجهات، وما على القيادات إلا أن تترجمها إلى خطط وبرامج وإلا فليتخلوا لينتخب الجمهور القيادة التي تمثله وتعبر على إرادته؟
(3) الجمهور الذي همشته النخب وتحكمت فيه السلاطين:
والجمهور هو أصل الحكام والسلاطين ، إلا أنهم بدل أن يعبروا عنه ويلتحموا به ويستمدوا شرعيتهم وقوتهم منه انعزلوا عنه ليعيشوا أهواءهم . وبقدر ما ساروا في هذا الطريق بقدر ما أصبحوا فريسة لقوى الشر الداخلية والخارجية. وبقدر كل ذلك بقدر ما انفصلوا عن جمهورهم وتناقضوا معه حتى لم يعد في مقدورهم البقاء في كراسيهم إلا بالتسلط والقمع .
والجمهور هو أيضا أصل النخب ، فهو الذي ولدهم واحتضنهم وغذاهم وقواهم، ولكن بعد أن شبوا ظنوا أنهم أصبحوا شيئا أرقى من هذا الجمهور وانفصلوا عنه. وبقدر هذا الانفصال مسافة وزمنا بقدر ما انفصلوا عن حقيقة هذا الجمهور وروحه وأخلاقه وأحلامه، وبقدره أيضا ما تأثروا بالقوى المهيمنة الداخلية (سلطة) والخارجية.
وبهذا كله ، غدت مثل هذه النخب حتى وإن حافظت على صدقها لا تعبر على هذا الجمهور . وينسحب هذا حتى على الإسلاميين إلا من رحم ربك، ولذلك فإن الحركات الإسلامية والمشايخ والعلماء لا يعبرون على هذا الجمهور إلا ما ندر منهم رغم أنهم هم الأكثر تعبيرا عنه.
(4) جمهور غزة هو الذي تكلم كلام فعل في أحداث غزة:
جمهور غزة هو الذي تكلم كلام فعل في أحداث غزة ، من غير حاجة إلى أي برهان بعد أن كان الفعل كل البرهان كما عبر عنه المقطع التالي من خطاب هنية حيث قال:
(حينما نطل عليكم يا أهلنا في غزة، يا رجال غزة ونساء غزة وأطفال غزة وبنات غزة، يا كل شوارع وأزقة قطاع غزة، حينما نطل عليكم والله لنستمد منكم الصبر، لنستمد منكم الثبات، لنستمد منكم دروس البطولة، ودروس التضحية لأنكم والله ترسمون تاريخاً جديداً، تكتبون اليوم بالدمّ، تاريخ هذا الشعب الأبي وقضيته المباركة ومشروع تحرره من الاحتلال، هذا المشروع الذي سينتصر بإذن الله، سنحرّر أرضنا وقدسنا وأقصانا، وأن هذه الدماء الزكية لا ولن تضيع هدراً بإذن الله تعالى.)
(5) التناغم بين جمهور غزة وبين سلطة ونخبة غزة:
هكذا تكلم عنهم رئيسهم وهكذا عبرت عن الواقع وعن الحقيقة سلطتهم . إن أهل غزة جميعهم جمهورا وسلطة ونخبة تكلموا في أحداث غزة كلام فعل في تناغم وتكامل رائعين ، بل إنهم قد ضربوا الأمثال في ذلك . نشر المركز الفلسطيني للإعلام مقالا عن الشهيد ريان ورد فيه :
(يتمتع ريان - وهو بروفيسور جامعي - بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، واشتهر بالتصاقه الشديد بالحياة اليومية للمواطنين، وبجرأته في تحدي جيش الاحتلال حتى في أشدّ الاجتياحات العسكرية الصهيونية لشمالي القطاع، كما أنه تمسّك بمنزله في مخيم جباليا المكتظ ، ليعيش حياة متواضعة ومتقشفة، حتى في ملبسه، رغم مكانته العلمية والأكاديمية البارزة.
كما قاد البروفيسور نزار ريان مبادرة فلسطينية جريئة، لتحدي سياسة هدم منازل المواطنين الفلسطينيين عبر الإنذارات الهاتفية المسبقة. فقد قاد القيادي الشهيد مبادرة تشكيل دروع بشرية شعبية لحماية منازل المواطنين الفلسطينيين المهددة بقصف طائرات الاحتلال خلال السنتين الماضيتين . كان ريان يصعد مع مئات المواطنين إلى أسطح البنايات، مرددين التكبيرات، لحماية المباني السكنية من القصف، لينتهي ذلك الأسلوب الذي حاول الجانب الصهيوني فرضه. (المركز الفلسطيني للإعلام – 01.01.2009)
لقد كانت سلطة ونخبة غزة - المنتمية في أغلبها إلى حركة حماس - من القليل النادر في سلط ونخب العالم العربي والإسلامي المتناغم مع جمهوره . لقد أبانت هذه الحقيقة وبكل روعة أحداث غزة التي عشناها جميعا وعاشها الجمهور العربي والإسلامي بكل كيانه ووجدانه وجوارحه وامكانياته المتاحة. لقد كانت قوة هذه السلطة وهذه النخبة هو في التحامها بأهل غزة وبحقيقتهم وعقيدتهم وروحهم وأحلامهم وهمومهم ، وكانت نموذجا في ذلك .
(6) كان فعل الجمهور العربي والإسلامي صدى لفعل أهل غزة:
إنه من الطبيعي جدا أن يتفاعل جمهور غزة مع من يعيش معهم ويعيش همومهم ويعبر عنهم ، بل تعدى هذا التفاعل جمهور غزة إلى تفاعل جمهور العرب والمسلمين معهم أيضا ، وكانوا بذلك على النقيض من حكامهم .
الذين فعلوا بالعمل والمعاناة والتضحيات هم جمهور غزة، وكان فعل الجمهور العربي والإسلامي فعل التجاوب مع فعلهم والصدى له . الحكام تخاذلوا ، والنخب بعضها تخاذل وأكثرها تأخر؛ وأما الجمهور فهو الذي بادر فلحقت به أكثر النخب وإن كان بدرجات متفاوتة، ولحقت به في الأخير بعض الأنظمة التي عبرت على استحياء عن موقف إيجابي.
(7) نقترح أن تصدر نشرية تكون صوتا لهذا الجمهور:
الذين تكلموا إذن بصوت مسموع وواضح وجلي بالفعل وبالعمل وبالتحرك هم الجمهور، فكيف لا يكون لهم صوت يعبر عنهم، ويعبرون فيه عن أنفسهم كأفراد وخاصة كمجموع . إن للسلطة أصواتها وأبواقها، وللنخب أيضا بشكل فردي أو جماعي ، إلا الجمهور فلا صوت لهم يسمع ، ولا اعتبار لهم يعتبر.
لم يعد مقبولا - بعد أن بان ما يكتنزه من خير ومن وعي ومن فاعلية - أن يبقى هذا الجمهور مهمشا ، بل أظنه أنه لم يعد قابلا أن يبقى مهمشا . وأدنى ما يمكن أن يخرجه من ذلك التهميش أن يصبح له صوت مسموع وقول فاعل.
فلماذا لا تصدر لهذا الجمهور نشرية بلغته وبساطته وبراءته وتلقائيته وروحه وحقيقته وأخلاقه وأحلامه ، من أجل إيصال صوته وإعادة الاعتبار لدوره؟
إن منابر التعبير هي الآن ميسرة ولكن مستفاد منها من النخب القادرة على الكتابة وعلى التعامل مع عوالم الإنترنيت ووسائل الاتصال الحديثة. والأمر ليس كذلك بالنسبة للجمهور، وحضوره إذا حضر ففي التعليقات على ما تكتب النخب والسلط ، التي لا تقرأ إلا قليلا، فكيف نتحول بها إلى صوت مسموع ومعتبر ؟
إن هذه النشرية تريد أن تكون صوت ولسان هذا الجمهور غير المسموع الصوت والكلمة ، ليس فقط كأصوات فردية ، ولكن أيضا كصوت جماعي معبر على هذا الجمهور.
لا شك أنه ليس للجمهور صوت ولا رأي وطرح جاهز- كما للأفراد وأيضا كما للجماعات والحركات والأحزاب التي لها آلية لصناعة رأيها وموقفها وطرحها - ولذلك فهو في حاجة ليس إلى نشرية عادية بل وإلى صيغة وآلية معها لصناعة رأيه وموقفه وطرحه .
ولا شك أيضا أنه ليس هذا عملا بسيطا ولا سهلا ، ولكن هو سبيل الوصول إلى رأي الجمهور ومخزونه الذي تحتاجه المرحلة الحضارية المفصلية التي نمر بها. إنه من الضروري أن نقدم على هذا العمل ، وبقدر ما ندرك قيمته بقدر ما سنزداد إقبالا عليه وحماسا لإنجازه.
خاتمة وخلاصة :
إن التهميش الذي كان يعيشه الجمهور قبل أحداث غزة بلغ مبلغا لم يعد قابلا للاستمرار ، و لم تعد المرحلة التي تمر بها الأمة والبشرية تقبله . فلما جاءت أحداث غزة ، وبرز فيها دوره وفعله ، وكان فيها القاطرة الذي جرّت وراءها أكثر النخبة وقلة من الأنظمة ، تضاعفت تلك الدواعي ، بل وحولت هذا الجمهور إلى المبادرة ورفض الانتظار لأي أحد.
إنه إذن ، بالنظر للدور الفاعل الذي يمكن أن يكون له في الواقع كما أبانته أحداث غزة، وبالنظر لأن السلط والنخب لا تعبر عنه ولا تمثله عموما، فقد أصبح من الطبيعي بل ومن الضروري أن يعمل الجمهور على أن يعبر على نفسه ، خاصة مع انقطاع الأمل في تحول قريب من هذه الزاوية لهذه السلط والنخب ، ولعل المبادرة تدفعهما إلى هذا التحول .
فمن أجل أن يعاد للجمهور الاعتبار ، ومن أجل أن يبلغ صوته وأن يأخذ موقعه ، ومن أجل أن يتبلور رأيه في مشاريع عملية وحضارية ، أقترح أن يصبح للجمهور نشرية تحمل صوته وكلمته ورؤاه ومشاريعه، ويتواصل بها وفيها فيما بينه، ويبلور فيها كل ذلك ليبلّغه بهذه النشرية إلى الناس جميعا .
أرى أن الظرف مناسب لمثل هذه المبادرة . لا شك أنه من الصعب - في إطار التجزيء المفروض على الأمة العربية والإسلامية - أن يكون صوتا واحدا يعبر على الجمهور العربي والإسلامي ، ولكن يمكن أن تكون أصوات عديدة تعمل على ذلك ، بل يمكن أن يقوم كل جمهور بما يليه من بلاد العرب والمسلمين.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
************
وقع اختصار العنوان الأصلي للمقال كما وردنا. والعنوان الأصلي هو:
من أجل التأسيس لنصرة غزة
هل انتهت أحداث غزة ؟(3): لقد آن للجمهور أن يصنع له صوتا جماعيا مسموعا
مشرف موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: