البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

من أجل التأسيس لنصرة غزة
في المنهجية (3 -4)

كاتب المقال محمد شمام    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8310


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في المنهجية (3): نحو قراءات سليمة للأحداث


رأينا - في الحلقة الأولى من هذه المقدمة الثالثة من المدخل - الأقسام التي عزمنا على تناولها في هذا الملف الذي يتكون مدخله من مقدمات ثلاث ، يشكل موضوع "كلمة الجمهور...” المقدمة الأولى منها، وموضوع "هل انتهت أحداث غزة؟" المقدمة الثانية . وأما مقدمته الثالثة فهي التي نحن بصددها ، وهي ستكون- بتوفيق الله - في المنهجية وفي حلقات أربعة ، رأينا حلقتيها الأولى والثانية، ونحن بصدد حلقتها الثالثة.

يطرح تناول أحداث غزة سؤالين هامين في المنهجية وهما :

السؤال الأول : كيف يتم قراءة أحداث غزة باعتبارها أخبارا من ناحية، وباعتبار أنها من الواقع الذي نريد العمل والتأثير فيه وتغييره؟ وبصيغة أخرى : هل تختلف منهجية الإخبار عن الأحداث عن منهجية تناولها من زاوية العمل التغييري؟

والسؤال الثاني : كيف نستفيد من الكم الهائل من الكتابات والتفاعلات المتعلقة بأحداث غزة ؟

سنتناول هنا بإذن الله السؤال الأول - تاركين السؤال الثاني إلى الحلقة الموالية - وذلك في الفقرات التالية مستفيدين مما كتب في بعضها في وقت سابق :

1. القراءة الخبرية منحازة وقراءة العمل التغييري موضوعية
2. نحو قراءة للأحداث بعمقنا الحضاري
3. الأعمال الحضارية قبل أحداث غزة لن تكون هي نفسها بعدها
4. هل يمكن أن نوقف مسلسل الحراك والتفاعل المهدور مع الأحداث؟
5. حذاري من الموضوعية المهلكة
6. حذاري من الموضوعية الموهومة

(1) القراءة الخبرية منحازة وقراءة العمل التغييري موضوعية:


يختلف الإخبار بالحدث والإعلام به عن قراءة الحدث ذاته من أجل معرفة حقيقته وتأثيره ووضعه في موضعه وتناوله من مختلف زواياه وجوانبه . هكذا هو المفروض ، فقراءة العمل التغييري تقتضي ضرورة الموضوعية التي تعمل على أن تلتزم الحق وتكون معه ، وتقتضي الشمولية في التناول والحيادية في الموقف.

وأما القراءة الخبرية فلا يمكن أن تكون حيادية، رغم ما يدّعيه المنظّرون والمهنيون ، بل تتلبس ضرورة بشكل صريح أو خفي بموقف المخبر . إن الكثير من الأخبار مثلا ، تكون ذات طبيعة مستعجلة لا تمكّن أصلا لأي فسحة للتعمّق فيها ولا لشمولية تناولها ، بل تستدعي وتقتضي موقفا سريعا من نجدة وإغاثة ونصرة مثلا…. وقد يكون مجرد الإعلام به أو التعتيم عليه وإهماله هو في حد ذاته موقفا ، وكذلك أسلوب إيراده وترتيبه مع غيره .

(2) نحو قراءة للأحداث بعمقنا الحضاري :


ان أحداث غزة وأنواع الابتلاءات التي اجراها الله على كافة مكونات الواقع الذاتي للأمة الإسلامية بل ومكونات الواقع البشري تكشّفت بها حقائق الجميع ، مما لم يعد معه مقبولا بقاء قراءاتنا للاوضاع والاحداث وبناء مواقفنا وسياساتنا متلونة بتلون ظـواهـر تـلك المكونات والاحداث والاقوال والاوضاع . ان المطلوب ان تصبح تلك الحقائق جلية عند الجميع، وان تكون قراءاتنا ومواقفنا وسياساتنا مرتكزة عليها من غير اهمال للظواهر.

وأبرز تلك الحقائق التي تعتمل اليوم في الواقع الذاتي والبشري هو صراع حضاري يطمح إلى تحقيق الذات الإنسانية في الحد الأدنى ، والذات المسلمة في الحد الأقصى . ومهما كان الاختلاف بين مكونات هذا الواقع ، فالاتفاق حاصل نظريا على الحد الأدني، إلا أنه عمليا الجميع مخل به، وإن كان بأقدار متفاوته. قد كان بعضنا يتوهم أن هذا لا يصح في أهل الغرب ، أهل حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية ، ولكن أحداث غزة الأخيرة أسقطت مثل هذا الوهم .

إن المطلوب الآن أن نركز في مستوى البشرية على تحقيق الذات الإنسانية ، وفي مستوى الأمة وأقطار العالم الإسلامي على تحقيق الذات المسلمة التي بقدرها يتم التقدم في تحقيق الذات الإنسانية .

(3) الأعمال الحضارية قبل أحداث غزة لن تكون هي نفسها بعدها :


نحن هنا لا نؤدي عملا إعلاميا ولكن نجتهد في قراءة بخلفية حضارية نهدف منها للخلوص إلى عمل حضاري بل وإلى مشروع حضاري.

لاشك أن هذا الجهد لم أبدأه من الآن ، بل هو جهد بدأ يعلن على نفسه منذ أكثر من عام (2008) ، مركّزا على الواقع والعمل الإسلامييْن خاصة في تونس . وكانت أحداث غزة أحداثا كبيرة نوعية في هذا الواقع حيث لم تكن أحداثا فلسطينية فقط بل وأيضا أحداثا في مستوى كل بلد من بلاد العرب والمسلمين وحتى في مستوى البشرية .

وبهذا فإنه من الطبيعي أن نتعرض لأحداث غزة في إطار العمل وسياقه الذي بدأناه ، وليس هذا فقط بل إن هذا العمل والحديث عنه قبل الأحداث لن يكون هو نفسه بعدها . لقد حصلت متغيرات نوعية في الواقع، فمن الطبيعي أن تنعكس في تغييرات نوعية في العمل نفسه.

(4) هل يمكن أن نوقف مسلسل الحراك والتفاعل المهدور مع الأحداث؟:


في كل مرة تتعرض فيها الأمة الإسلامية إلى اعتداء إلا وخرج الجمهور العربي والإسلامي في مسيرات ومظاهرات حاشدة ، منددة ومستنكرة وغاضبة ، لكن سرعان ما تفتر هذه الهبات وتخمد مظاهر الغضب وتعود هذه الجماهير إلى ما كانت عليه ، متأقلمة مع واقعها ، راضخة للوضع الجديد .

هكذا هو حال الشعوب العربية منذ عقود ، فهل نرضى أن نعيد إنتاج نفس الحالة هذه المرة أيضا؟ (مقتبس من مقال لبشير الحامدي)

إن غزة هي جزء من كل وهي الأمة ؛ وأحداث في مسار، له ماض وحاضر، وسيواصل طريقه في المستقبل . لا يعقل أن ينظر إليها كمكان مفصول عن مجموع الأمة ، ولا أحداثا آنية يتم التفاعل معها والتأثر بها والحماس لها ، تفاعلا وتأثرا وحماسا ينتهي في الغالب عند حدود الأحداث في انتظار حدوث أخرى ... وهكذا باستمرار بتأثير مثبط ودورات عبثية تنتهي إلى الإحباط والاستنزاف. فهل من سبيل للخروج من هذه العبثية والغثائية في التعامل مع الأحداث؟

(5) حذاري من الموضوعية المهلكة :


إن العمق الحضاري الذي نطمح أن نقرأ به الأحداث ، قد تأتي عليه بعض الأخطاء المنهجية، من أبرزها ، ما يمكن أن نطلق عليه بالموضوعية المهلكة والموضوعية الموهومة.

إن منابر الإعلام في عموم العالم الإسلامي التي لها مصداقية تقدّم الواقع والعالم من خلال مظالمه ومآسيه بدرجة لا نسمع - خاصة في مستوى الأمة - إلا السواد والمآسي ، الأمر الذي يرسّخ في الأذهان صورة سوداوية لهذا الواقع غير موضوعية. وهذا من أهم ما يمكن أن تؤاخذ عليه مثل هذه المنابر رغم إيجابياتها الكثيرة والواضحة.

إنها موضوعية عاطفية إنسانية منحازة إلى المظلوم ، عائشة معه ، صحيحة في الانتصار له ؛ إلا أنها خطيرة في آثارها النفسية والتربوية من ناحية ، وفي العمل السياسي والدعوي والتغييري في صورة اعتمادها - كما هو واقع الحال - من ناحية أخرى .

وفي الجانب المقابل، هناك موضوعية متعقلنة حتى وإن انتصرت للمظلوم فبعقلانية وحيادية أنانية متبلدة لا عواطف لها ولا أحاسيس ، وغير إنسانية ؛ لأنه لا حياد مع المظلوم إذ المطلوب الانحياز له ونصرته حتى ترفع مظلمته، ولا حياد مع المصاب إذ المطلوب تعزيته وتسليته والتخفيف عنه وإعانته والاتيان في نجدته وانقاذه.

وهذا يعني أن الحياد المطلوب هو حياد علمي عقلي تحليلي من زاوية عمليات التشخيص والتحليل في عملية التغيير. وأما المواقف المطلوبة فهو الانحياز الذي هو موقف اعتباري كما يعبر عليه مثل قوله تعالى :” من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا".

إن الشخص الذي يعذب هو بالنسبة إليه العالم كله عذاب. وإن السكوت والحياد من الآخرين في هذه الحالة - حتى وإن كان المعذّب واحدا من مائة شخص ، وأنّ غير المعذبين هم 99 - هو حياد خطير وموضوعية خطيرة تؤول إلى مآلات خطيرة، ومنها أن التعذيب والقمع قد يعم الجميع كما حصل لتونس وتعبر عليه المعارضة الآن " أكلت يوم أكل الثور الأبيض". كما أن هذا قد يؤول إلى الحلول اليائسة التي قد يبادر بها أفراد ومجموعات.

(6) حذاري من الموضوعية الموهومة :


ومن أكثر ما تصبح به الموضوعية مهلكة سقوطها في الموضوعية الموهومة التي يحضرني هنا منها إثنتان:

الأولى ما يمكن أن نطلق عليها الموضوعية "الموضِعية" وهي تلك الموضوعية المغمورة في اللحظة وفي الحدث، غافلة عن المآل وعن الشمول (أي عمن معها وحواليها).

والثانية ما يمكن أن نطلق عليها موضوعية "المآل" وهي تلك التي تستحضر المآل ويغمرها حتى تنسى الحاضر بمعناه الموضعي أو الشمولي.

ولا موضوعية حقيقية وصحيحة إلا بالإثنتين معا وفي نفس الوقت. إن الاقتصار على الأولى يشكل ظلما للمظلوم وخطرا على المجتمع، والاقتصار على الثانية يشكل ظلما في حق الظالم وغلقا للباب في العلاقة بينه وبين المظلوم والمجتمع قد يدفع إلى الحلول اليائسة، وهذا أيضا خطير ومهلك للجميع.

وهذه الموضوعية الحقيقية والصحيحة مطلوبة دينا ، بل هي روح عامة في القرآن والسنة ، منبثقة من العقيدة ذاتها كما في مثل هذه النصوص:

قال صلى الله عليه وسلم : " أحبب حبيبك هونا ما ، عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما" (صححه الألباني)

وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ﴿سورة البقرة٢١٦﴾

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.


***************

في المنهجية (4): منهجية التكرير للتصعيد الحضاري



رأينا - في الحلقة الأولى من هذه المقدمة الثالثة من المدخل - الأقسام التي عزمنا على تناولها في هذا الملف الذي يتكون مدخله من مقدمات ثلاث ، يشكل موضوع "كلمة الجمهور...” المقدمة الأولى منها، وموضوع "هل انتهت أحداث غزة؟" المقدمة الثانية . وأما مقدمته الثالثة فهي التي نحن بصددها ، وهي ستكون- بتوفيق الله - في المنهجية وفي حلقات أربعة ، رأينا ثلاث منها ، ونحن بصدد حلقتها الأخيرة.

يطرح تناول أحداث غزة سؤالين هامين في المنهجية وهما :

السؤال الأول : كيف يتم قراءة أحداث غزة باعتبارها أخبارا من ناحية، وباعتبار أنها من الواقع الذي نريد العمل والتأثير فيه وتغييره؟ وبصيغة أخرى : هل تختلف منهجية الإخبار عن الأحداث عن منهجية تناولها من زاوية العمل التغييري؟

والسؤال الثاني : كيف نستفيد من الكم الهائل من الكتابات والتفاعلات المتعلقة بأحداث غزة ؟

قد تناولنا في الحلقة السابقة السؤال الأول ، وسنتناول هنا بإذن الله في هذه الحلقة السؤال الثاني ، وذلك في الفقرات التالية مستفيدين مما كتب في بعضها في وقت سابق :

1. احتياجاتنا مودعة في الوجود تحتاج إلى وسائل اكتشاف واستخراج وتكرير
2. أسلوب ومنهجية التكرير التصعيدي
3. الكتابة بين التكرار المنهجي والتكرير التصعيدي


(1) احتياجاتنا مودعة في الوجود تحتاج إلى وسائل اكتشاف واستخراج وتكرير:


نحن نتوفر على الكثير من المواد الأولية، ولكن المشكل في استخراجها ثم في تكريرها حتى يتم الاستفادة منها. بل يمكن أن نذهب بعيدا في هذا حيث يقول الله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٩﴾ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴿١٠﴾ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿١١﴾} (سورة فصلت) . أي أن الله سبحانه قبل خلق الإنسان خلق له الأرض إطارا لحياته وخلافته فيها، وأودع فيها كل ملازم حياته بما في ذلك حاجات معيشته وأقواته.... فما ينفذ شيء إلا ليجد شيئا آخر مودعا له، قد يكون بوسائل أكثر تطورا... إن المواد الأولية المادية لحياة الإنسان كلها مودعة في الأرض فما عليه إلا أن يكدّ في استخراجها أولا ، ثم في تكريرها ثانيا ، حتى تصبح قابلة للاستفادة والتوظيف .

وهذا الأمر الذي دبره رب العالمين لخلقه لا يتعلق فقط بالجانب المادي بل بالجانب الروحي أيضا ، أليست للروح حاجاتها وملازمها كما للجسم حاجاته وملازمه ؟ وإذا كان مصدر الحاجات المادية هي الأرض فإن حاجات الروح هي في كلام الله. وقد أبان الله لنا ذلك بوضوح في قوله تتعالى:”ما فرطنا في الكتاب من شيء".

(2) أسلوب ومنهجية التكرير التصعيدي :


كتب كبير الحومة في حلقاته الأولى التي نشرها في بيان أسلوب ومنهجية التكرير فقال مع بعض التصرف :
خاصية أساسية في طبيعة عمل كبير الحومة هي أنه ليس منتجا أوليا ولكن منتجا "تكريريا". إن الانتاج في الواقع البشري هو على نوعين: نوع أصلي يوفر المواد الأولية، سواء في باب الاقتصاد أو الأفكار أو الأعمال....، ونوع ثاني هو في عمومه تكرير للنوع الأول. ومن هذا التكرير تكون مختلف أنواع المصنوعات من تلك المادة الأولية. وليس خافيا عليكم أهمية الباب الثاني وخطورته في باب الاقتصاد، وهو كذلك في الكتابات والأفكار والتنظيرات...

ومن المفارقات المعروفة ، أن الكثير من البلاد المتخلفة هي منتجة للمواد الأولية، ولكن المنتفعين الأساسيين بذلك الانتاج ليست تلك البلاد المنتجة ولكن من يقومون بإنتاج التكرير. وهؤلاء وبمثل ذلك الإنتاج التكريري ، هيمنوا وسيطروا على العالم ، وتحكموا في الدول والشعوب . إن مشكل بلداننا - حتى وإن ملكت الإنتاج الأولي في الأفكار والكتابات وغيرها - هي معدومة الإنتاج التكريري أو تكاد .

وفي خصوص الواقع التونسي مثلا، وحتى لو اقتصرنا على ما في نشرية تونس نيوز من إنتاج أولي، فهو كثير. إنه بعملية تكرير لكل ذلك، يمكن استخراج العديد من الحاجات التونسية منه.

ليس من المعقول أن نبقى طول الدهر ننتج الإنتاج الأولي حتى يصبح إنتاجا لا يكاد يضيف شيئا كما هو واقع الحال ومنذ سنين، ونبقى بذلك نراوح في الواقع لا نتجاوزه إلى السياقات المتقدمة التغييرية والحضارية.

كبير الحومة مدرك جدا للوضع البدائي والمتخلف والخطير هذا، ومدرك أيضا أن مهمته لا تتمثل في الإنتاج الأولي، ولكن في الدفع والتقدم إلى الإنتاج التكريري .

إن علم علمائنا، وكتابة كتابنا، وثروات أغنيائنا، وإبداعات مبدعينا، وإمكانيات المقتدرين منا... كل ذلك هو بالنسبة لكبير الحومة، يأخذ منه ويدع بأسلوب التكرير، ليصنع منه بعض حاجيات الواقع التونسي .

إن كبير الحومة يعتبر أن هذا الدور هو دور ريادي ضروري للمرحلة، الحاجة أكيدة لتظافر الجهود فيه .

( انظر : كبير الحومة في شغله (20))


(3) الكتابة بين التكرار المنهجي والتكرير التصعيدي :


وفي هذا السياق من المناسب أن أوضح ما يعيبه علي بعض إخواني ما يبدو لهم من تكرار في كتابتي ، فهل هذا صحيح؟

على ضوء ما تقدم يصبح من السهل إزالة هذا الالتباس فأقول :

إن التكرار الذي يبدو لبعض إخواننا هو تكرار في الظاهر، ولكن في حقيقته هو تكرار تناول من زوايا مختلفة، أو تكرار إيراد في سياقات متباينة . أنا أكتب كتابةَ بلورةِ رؤيةٍ ومشروعٍ عملييْن لعلاج الواقع وتغييره، منطلقا من هذا الواقع كما هو وبما فيه، مستجمعا ما تيسر استجماعه من جهود الآخرين بأسلوب التكرير.

وأسلوب التكرير هو من ناحية أولى نوع تكرار كما هو مدلول اللفظ لغويا ، وجهدُ بلورةٍ لرؤيةٍ ومشروعٍ يقتضي من ناحية ثانية تكرارَ تناولٍ للكثير من المواضيع من زوايا مختلفة، كما يقتضي من ناحية ثالثة وضعها وإيرادها في سياقات متنوعة. وجهد البلورة هذا هو طريق طويل يقتضي تكرارَ ربطٍ ووصلٍ بين مختلف حلقاته وقضاياه.

إن التكرار الذي يبدو فيما أقوم به ليس هو إذن في حقيقته تكرارا ، ولكن هو منهجيةُ بلورةٍ وبناءٍ لرؤيةٍ ومشروعٍ ، مقتديا في ذلك - في الحقيقة - بالقرآن الكريم . إن مثل هذا التكرار قد يبدو للقارئ غير المتعمق أنه موجود في القرآن ، ولكن يعلم من عنده اهتمام بالقرآن أن ذلك ليس هو من قبيل التكرار بل هو تناول لنفس الموضوع من زوايا مختلفة أو في سياقات متباينة . إن القرآن هو كتاب هدى وعلم للبشرية جمعاء ، فيه حاجتها من ذلك بما يعالج وضعها ويصلحه، في كل أجيالها وعصورها ، مقدَّما لها بكل عملية وبكل جمالية ما تقصُر دونه القدرات البشرية.

خاتمة:

وفي خاتمة هذه الحلقة نخلص إلى أن منهجية التكرير بطبيعتها التصعيدية الحضارية هي الجواب عن سؤال : كيف نستفيد من الكم الهائل من الكتابات والتفاعلات مع أحداث غزة ؟ وهو جواب يصح – ولاشك - في كافة القضايا . وبالنظر لما تقدم في الحلقات الثلاث السابقة من هذه المقدمة الثالثة من مضامين منهجية ، فلا خشية بإذن الله من سقوط مثل هذا التكرير في التجميع والتلفيق . إن هذا التكرير ليس هو أي تكرير ولكنه تكرير مزود بمصفاة وهي تلك المضامين المنهجية .

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، فلسطين، مجزرة، مقاومة، حرب، جهاد، تنظيمات جهادية، وسائل إعلام، حماس، إسماعيل هنية، المنهج، مشروع حضاري، كبير الحومة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 12-08-2009  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  تأملات في ركن الصيام
  نحو توحيد التونسيين وترشيد اختلافاتهم(3)
  نحو توحيد التونسيين وترشيد اختلافاتهم (2)
  نحو توحيد التونسيين وترشيد اختلافاتهم (1)
  الإعلان عن مبادرة نحو مشروع شعبي أهلي ومدني لمواصلة مشوار الثورة
  أحداث غزة في المدى المباشر والقريب هل أحداث غزة محرقة أم صمود ومقاومة؟ (1-2)
  من أجل التأسيس لنصرة غزة القسم الأول : أحداث غزة في المدى المباشر والقريب
  من أجل ترشيد قضايا العودة والسياسة (3) هدية إلى الشيخ راشد الغنوشي(*)
  من أجل التأسيس لنصرة غزة في المنهجية (3 -4)
  من أجل التأسيس لنصرة غزة في المنهجية (1 -2)
  من أجل التأسيس لنصرة غزة هل انتهت أحداث غزة ؟ -3-
  من أجل التأسيس لنصرة غزة هل انتهت أحداث غزة ؟ -2-
  من أجل التأسيس لنصرة غزة هل انتهت أحداث غزة ؟ -1-
  كلمة الجمهور بمناسبة انتصار غزة (3-4-5)
  كلمة الجمهور بمناسبة انتصار غزة (تمهيد-1-2)
  من أجل ترشيد قضايا العودة والسياسة (2) لقد آن الأوان لتحرير قضايا العودة والسياسة من المنطق الإجرائي
  من أجل ترشيد قضايا العودة والسياسة (1) حول مؤتمر المهجّرين التونسيين

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
يزيد بن الحسين، عمر غازي، مصطفي زهران، د. عادل محمد عايش الأسطل، طلال قسومي، سامح لطف الله، أحمد بوادي، حسن عثمان، وائل بنجدو، أنس الشابي، صلاح المختار، فوزي مسعود ، محمد عمر غرس الله، سعود السبعاني، د- جابر قميحة، محمد الياسين، رمضان حينوني، كريم فارق، محمود سلطان، عراق المطيري، صلاح الحريري، محرر "بوابتي"، الناصر الرقيق، د. صلاح عودة الله ، عبد الله زيدان، د. عبد الآله المالكي، العادل السمعلي، كريم السليتي، رافع القارصي، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمود فاروق سيد شعبان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد العيادي، محمد علي العقربي، طارق خفاجي، عواطف منصور، رشيد السيد أحمد، علي الكاش، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عمار غيلوفي، مجدى داود، نادية سعد، جاسم الرصيف، د - عادل رضا، فتحي الزغل، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد محمد سليمان، عبد الغني مزوز، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أ.د. مصطفى رجب، د- هاني ابوالفتوح، إياد محمود حسين ، سلام الشماع، فتحـي قاره بيبـان، إسراء أبو رمان، عبد الرزاق قيراط ، ماهر عدنان قنديل، عزيز العرباوي، سليمان أحمد أبو ستة، منجي باكير، د- محمود علي عريقات، حاتم الصولي، أحمد الحباسي، المولدي اليوسفي، بيلسان قيصر، عبد العزيز كحيل، سامر أبو رمان ، المولدي الفرجاني، محمود طرشوبي، محمد أحمد عزوز، صالح النعامي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحي العابد، الهادي المثلوثي، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد ملحم، سلوى المغربي، تونسي، د - المنجي الكعبي، ياسين أحمد، عبد الله الفقير، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسن الطرابلسي، صفاء العربي، د. خالد الطراولي ، رافد العزاوي، يحيي البوليني، محمد يحي، حميدة الطيلوش، خالد الجاف ، د.محمد فتحي عبد العال، د - شاكر الحوكي ، ضحى عبد الرحمن، أحمد النعيمي، د. طارق عبد الحليم، خبَّاب بن مروان الحمد، علي عبد العال، صباح الموسوي ، د - الضاوي خوالدية، مصطفى منيغ، د. أحمد بشير، مراد قميزة، محمد اسعد بيوض التميمي، د - صالح المازقي، رضا الدبّابي، محمد شمام ، سفيان عبد الكافي، د- محمد رحال، الهيثم زعفان، محمد الطرابلسي، سيد السباعي، د - مصطفى فهمي، د - محمد بنيعيش، د - محمد بن موسى الشريف ، إيمى الأشقر، فهمي شراب، أبو سمية، صفاء العراقي، أشرف إبراهيم حجاج،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة