محمد شمام
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8310
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في المنهجية (3): نحو قراءات سليمة للأحداث
رأينا - في الحلقة الأولى من هذه المقدمة الثالثة من المدخل - الأقسام التي عزمنا على تناولها في هذا الملف الذي يتكون مدخله من مقدمات ثلاث ، يشكل موضوع "كلمة الجمهور...” المقدمة الأولى منها، وموضوع "هل انتهت أحداث غزة؟" المقدمة الثانية . وأما مقدمته الثالثة فهي التي نحن بصددها ، وهي ستكون- بتوفيق الله - في المنهجية وفي حلقات أربعة ، رأينا حلقتيها الأولى والثانية، ونحن بصدد حلقتها الثالثة.
يطرح تناول أحداث غزة سؤالين هامين في المنهجية وهما :
السؤال الأول : كيف يتم قراءة أحداث غزة باعتبارها أخبارا من ناحية، وباعتبار أنها من الواقع الذي نريد العمل والتأثير فيه وتغييره؟ وبصيغة أخرى : هل تختلف منهجية الإخبار عن الأحداث عن منهجية تناولها من زاوية العمل التغييري؟
والسؤال الثاني : كيف نستفيد من الكم الهائل من الكتابات والتفاعلات المتعلقة بأحداث غزة ؟
سنتناول هنا بإذن الله السؤال الأول - تاركين السؤال الثاني إلى الحلقة الموالية - وذلك في الفقرات التالية مستفيدين مما كتب في بعضها في وقت سابق :
1. القراءة الخبرية منحازة وقراءة العمل التغييري موضوعية
2. نحو قراءة للأحداث بعمقنا الحضاري
3. الأعمال الحضارية قبل أحداث غزة لن تكون هي نفسها بعدها
4. هل يمكن أن نوقف مسلسل الحراك والتفاعل المهدور مع الأحداث؟
5. حذاري من الموضوعية المهلكة
6. حذاري من الموضوعية الموهومة
(1) القراءة الخبرية منحازة وقراءة العمل التغييري موضوعية:
يختلف الإخبار بالحدث والإعلام به عن قراءة الحدث ذاته من أجل معرفة حقيقته وتأثيره ووضعه في موضعه وتناوله من مختلف زواياه وجوانبه . هكذا هو المفروض ، فقراءة العمل التغييري تقتضي ضرورة الموضوعية التي تعمل على أن تلتزم الحق وتكون معه ، وتقتضي الشمولية في التناول والحيادية في الموقف.
وأما القراءة الخبرية فلا يمكن أن تكون حيادية، رغم ما يدّعيه المنظّرون والمهنيون ، بل تتلبس ضرورة بشكل صريح أو خفي بموقف المخبر . إن الكثير من الأخبار مثلا ، تكون ذات طبيعة مستعجلة لا تمكّن أصلا لأي فسحة للتعمّق فيها ولا لشمولية تناولها ، بل تستدعي وتقتضي موقفا سريعا من نجدة وإغاثة ونصرة مثلا…. وقد يكون مجرد الإعلام به أو التعتيم عليه وإهماله هو في حد ذاته موقفا ، وكذلك أسلوب إيراده وترتيبه مع غيره .
(2) نحو قراءة للأحداث بعمقنا الحضاري :
ان أحداث غزة وأنواع الابتلاءات التي اجراها الله على كافة مكونات الواقع الذاتي للأمة الإسلامية بل ومكونات الواقع البشري تكشّفت بها حقائق الجميع ، مما لم يعد معه مقبولا بقاء قراءاتنا للاوضاع والاحداث وبناء مواقفنا وسياساتنا متلونة بتلون ظـواهـر تـلك المكونات والاحداث والاقوال والاوضاع . ان المطلوب ان تصبح تلك الحقائق جلية عند الجميع، وان تكون قراءاتنا ومواقفنا وسياساتنا مرتكزة عليها من غير اهمال للظواهر.
وأبرز تلك الحقائق التي تعتمل اليوم في الواقع الذاتي والبشري هو صراع حضاري يطمح إلى تحقيق الذات الإنسانية في الحد الأدنى ، والذات المسلمة في الحد الأقصى . ومهما كان الاختلاف بين مكونات هذا الواقع ، فالاتفاق حاصل نظريا على الحد الأدني، إلا أنه عمليا الجميع مخل به، وإن كان بأقدار متفاوته. قد كان بعضنا يتوهم أن هذا لا يصح في أهل الغرب ، أهل حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية ، ولكن أحداث غزة الأخيرة أسقطت مثل هذا الوهم .
إن المطلوب الآن أن نركز في مستوى البشرية على تحقيق الذات الإنسانية ، وفي مستوى الأمة وأقطار العالم الإسلامي على تحقيق الذات المسلمة التي بقدرها يتم التقدم في تحقيق الذات الإنسانية .
(3) الأعمال الحضارية قبل أحداث غزة لن تكون هي نفسها بعدها :
نحن هنا لا نؤدي عملا إعلاميا ولكن نجتهد في قراءة بخلفية حضارية نهدف منها للخلوص إلى عمل حضاري بل وإلى مشروع حضاري.
لاشك أن هذا الجهد لم أبدأه من الآن ، بل هو جهد بدأ يعلن على نفسه منذ أكثر من عام (2008) ، مركّزا على الواقع والعمل الإسلامييْن خاصة في تونس . وكانت أحداث غزة أحداثا كبيرة نوعية في هذا الواقع حيث لم تكن أحداثا فلسطينية فقط بل وأيضا أحداثا في مستوى كل بلد من بلاد العرب والمسلمين وحتى في مستوى البشرية .
وبهذا فإنه من الطبيعي أن نتعرض لأحداث غزة في إطار العمل وسياقه الذي بدأناه ، وليس هذا فقط بل إن هذا العمل والحديث عنه قبل الأحداث لن يكون هو نفسه بعدها . لقد حصلت متغيرات نوعية في الواقع، فمن الطبيعي أن تنعكس في تغييرات نوعية في العمل نفسه.
(4) هل يمكن أن نوقف مسلسل الحراك والتفاعل المهدور مع الأحداث؟:
في كل مرة تتعرض فيها الأمة الإسلامية إلى اعتداء إلا وخرج الجمهور العربي والإسلامي في مسيرات ومظاهرات حاشدة ، منددة ومستنكرة وغاضبة ، لكن سرعان ما تفتر هذه الهبات وتخمد مظاهر الغضب وتعود هذه الجماهير إلى ما كانت عليه ، متأقلمة مع واقعها ، راضخة للوضع الجديد .
هكذا هو حال الشعوب العربية منذ عقود ، فهل نرضى أن نعيد إنتاج نفس الحالة هذه المرة أيضا؟ (مقتبس من مقال لبشير الحامدي)
إن غزة هي جزء من كل وهي الأمة ؛ وأحداث في مسار، له ماض وحاضر، وسيواصل طريقه في المستقبل . لا يعقل أن ينظر إليها كمكان مفصول عن مجموع الأمة ، ولا أحداثا آنية يتم التفاعل معها والتأثر بها والحماس لها ، تفاعلا وتأثرا وحماسا ينتهي في الغالب عند حدود الأحداث في انتظار حدوث أخرى ... وهكذا باستمرار بتأثير مثبط ودورات عبثية تنتهي إلى الإحباط والاستنزاف. فهل من سبيل للخروج من هذه العبثية والغثائية في التعامل مع الأحداث؟
(5) حذاري من الموضوعية المهلكة :
إن العمق الحضاري الذي نطمح أن نقرأ به الأحداث ، قد تأتي عليه بعض الأخطاء المنهجية، من أبرزها ، ما يمكن أن نطلق عليه بالموضوعية المهلكة والموضوعية الموهومة.
إن منابر الإعلام في عموم العالم الإسلامي التي لها مصداقية تقدّم الواقع والعالم من خلال مظالمه ومآسيه بدرجة لا نسمع - خاصة في مستوى الأمة - إلا السواد والمآسي ، الأمر الذي يرسّخ في الأذهان صورة سوداوية لهذا الواقع غير موضوعية. وهذا من أهم ما يمكن أن تؤاخذ عليه مثل هذه المنابر رغم إيجابياتها الكثيرة والواضحة.
إنها موضوعية عاطفية إنسانية منحازة إلى المظلوم ، عائشة معه ، صحيحة في الانتصار له ؛ إلا أنها خطيرة في آثارها النفسية والتربوية من ناحية ، وفي العمل السياسي والدعوي والتغييري في صورة اعتمادها - كما هو واقع الحال - من ناحية أخرى .
وفي الجانب المقابل، هناك موضوعية متعقلنة حتى وإن انتصرت للمظلوم فبعقلانية وحيادية أنانية متبلدة لا عواطف لها ولا أحاسيس ، وغير إنسانية ؛ لأنه لا حياد مع المظلوم إذ المطلوب الانحياز له ونصرته حتى ترفع مظلمته، ولا حياد مع المصاب إذ المطلوب تعزيته وتسليته والتخفيف عنه وإعانته والاتيان في نجدته وانقاذه.
وهذا يعني أن الحياد المطلوب هو حياد علمي عقلي تحليلي من زاوية عمليات التشخيص والتحليل في عملية التغيير. وأما المواقف المطلوبة فهو الانحياز الذي هو موقف اعتباري كما يعبر عليه مثل قوله تعالى :” من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا".
إن الشخص الذي يعذب هو بالنسبة إليه العالم كله عذاب. وإن السكوت والحياد من الآخرين في هذه الحالة - حتى وإن كان المعذّب واحدا من مائة شخص ، وأنّ غير المعذبين هم 99 - هو حياد خطير وموضوعية خطيرة تؤول إلى مآلات خطيرة، ومنها أن التعذيب والقمع قد يعم الجميع كما حصل لتونس وتعبر عليه المعارضة الآن " أكلت يوم أكل الثور الأبيض". كما أن هذا قد يؤول إلى الحلول اليائسة التي قد يبادر بها أفراد ومجموعات.
(6) حذاري من الموضوعية الموهومة :
ومن أكثر ما تصبح به الموضوعية مهلكة سقوطها في الموضوعية الموهومة التي يحضرني هنا منها إثنتان:
الأولى ما يمكن أن نطلق عليها الموضوعية "الموضِعية" وهي تلك الموضوعية المغمورة في اللحظة وفي الحدث، غافلة عن المآل وعن الشمول (أي عمن معها وحواليها).
والثانية ما يمكن أن نطلق عليها موضوعية "المآل" وهي تلك التي تستحضر المآل ويغمرها حتى تنسى الحاضر بمعناه الموضعي أو الشمولي.
ولا موضوعية حقيقية وصحيحة إلا بالإثنتين معا وفي نفس الوقت. إن الاقتصار على الأولى يشكل ظلما للمظلوم وخطرا على المجتمع، والاقتصار على الثانية يشكل ظلما في حق الظالم وغلقا للباب في العلاقة بينه وبين المظلوم والمجتمع قد يدفع إلى الحلول اليائسة، وهذا أيضا خطير ومهلك للجميع.
وهذه الموضوعية الحقيقية والصحيحة مطلوبة دينا ، بل هي روح عامة في القرآن والسنة ، منبثقة من العقيدة ذاتها كما في مثل هذه النصوص:
قال صلى الله عليه وسلم : " أحبب حبيبك هونا ما ، عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما" (صححه الألباني)
رأينا - في الحلقة الأولى من هذه المقدمة الثالثة من المدخل - الأقسام التي عزمنا على تناولها في هذا الملف الذي يتكون مدخله من مقدمات ثلاث ، يشكل موضوع "كلمة الجمهور...” المقدمة الأولى منها، وموضوع "هل انتهت أحداث غزة؟" المقدمة الثانية . وأما مقدمته الثالثة فهي التي نحن بصددها ، وهي ستكون- بتوفيق الله - في المنهجية وفي حلقات أربعة ، رأينا ثلاث منها ، ونحن بصدد حلقتها الأخيرة.
يطرح تناول أحداث غزة سؤالين هامين في المنهجية وهما :
السؤال الأول : كيف يتم قراءة أحداث غزة باعتبارها أخبارا من ناحية، وباعتبار أنها من الواقع الذي نريد العمل والتأثير فيه وتغييره؟ وبصيغة أخرى : هل تختلف منهجية الإخبار عن الأحداث عن منهجية تناولها من زاوية العمل التغييري؟
والسؤال الثاني : كيف نستفيد من الكم الهائل من الكتابات والتفاعلات المتعلقة بأحداث غزة ؟
قد تناولنا في الحلقة السابقة السؤال الأول ، وسنتناول هنا بإذن الله في هذه الحلقة السؤال الثاني ، وذلك في الفقرات التالية مستفيدين مما كتب في بعضها في وقت سابق :
1. احتياجاتنا مودعة في الوجود تحتاج إلى وسائل اكتشاف واستخراج وتكرير
2. أسلوب ومنهجية التكرير التصعيدي
3. الكتابة بين التكرار المنهجي والتكرير التصعيدي
(1) احتياجاتنا مودعة في الوجود تحتاج إلى وسائل اكتشاف واستخراج وتكرير:
نحن نتوفر على الكثير من المواد الأولية، ولكن المشكل في استخراجها ثم في تكريرها حتى يتم الاستفادة منها. بل يمكن أن نذهب بعيدا في هذا حيث يقول الله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٩﴾ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴿١٠﴾ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿١١﴾} (سورة فصلت) . أي أن الله سبحانه قبل خلق الإنسان خلق له الأرض إطارا لحياته وخلافته فيها، وأودع فيها كل ملازم حياته بما في ذلك حاجات معيشته وأقواته.... فما ينفذ شيء إلا ليجد شيئا آخر مودعا له، قد يكون بوسائل أكثر تطورا... إن المواد الأولية المادية لحياة الإنسان كلها مودعة في الأرض فما عليه إلا أن يكدّ في استخراجها أولا ، ثم في تكريرها ثانيا ، حتى تصبح قابلة للاستفادة والتوظيف .
وهذا الأمر الذي دبره رب العالمين لخلقه لا يتعلق فقط بالجانب المادي بل بالجانب الروحي أيضا ، أليست للروح حاجاتها وملازمها كما للجسم حاجاته وملازمه ؟ وإذا كان مصدر الحاجات المادية هي الأرض فإن حاجات الروح هي في كلام الله. وقد أبان الله لنا ذلك بوضوح في قوله تتعالى:”ما فرطنا في الكتاب من شيء".
(2) أسلوب ومنهجية التكرير التصعيدي :
كتب كبير الحومة في حلقاته الأولى التي نشرها في بيان أسلوب ومنهجية التكرير فقال مع بعض التصرف :
خاصية أساسية في طبيعة عمل كبير الحومة هي أنه ليس منتجا أوليا ولكن منتجا "تكريريا". إن الانتاج في الواقع البشري هو على نوعين: نوع أصلي يوفر المواد الأولية، سواء في باب الاقتصاد أو الأفكار أو الأعمال....، ونوع ثاني هو في عمومه تكرير للنوع الأول. ومن هذا التكرير تكون مختلف أنواع المصنوعات من تلك المادة الأولية. وليس خافيا عليكم أهمية الباب الثاني وخطورته في باب الاقتصاد، وهو كذلك في الكتابات والأفكار والتنظيرات...
ومن المفارقات المعروفة ، أن الكثير من البلاد المتخلفة هي منتجة للمواد الأولية، ولكن المنتفعين الأساسيين بذلك الانتاج ليست تلك البلاد المنتجة ولكن من يقومون بإنتاج التكرير. وهؤلاء وبمثل ذلك الإنتاج التكريري ، هيمنوا وسيطروا على العالم ، وتحكموا في الدول والشعوب . إن مشكل بلداننا - حتى وإن ملكت الإنتاج الأولي في الأفكار والكتابات وغيرها - هي معدومة الإنتاج التكريري أو تكاد .
وفي خصوص الواقع التونسي مثلا، وحتى لو اقتصرنا على ما في نشرية تونس نيوز من إنتاج أولي، فهو كثير. إنه بعملية تكرير لكل ذلك، يمكن استخراج العديد من الحاجات التونسية منه.
ليس من المعقول أن نبقى طول الدهر ننتج الإنتاج الأولي حتى يصبح إنتاجا لا يكاد يضيف شيئا كما هو واقع الحال ومنذ سنين، ونبقى بذلك نراوح في الواقع لا نتجاوزه إلى السياقات المتقدمة التغييرية والحضارية.
كبير الحومة مدرك جدا للوضع البدائي والمتخلف والخطير هذا، ومدرك أيضا أن مهمته لا تتمثل في الإنتاج الأولي، ولكن في الدفع والتقدم إلى الإنتاج التكريري .
إن علم علمائنا، وكتابة كتابنا، وثروات أغنيائنا، وإبداعات مبدعينا، وإمكانيات المقتدرين منا... كل ذلك هو بالنسبة لكبير الحومة، يأخذ منه ويدع بأسلوب التكرير، ليصنع منه بعض حاجيات الواقع التونسي .
إن كبير الحومة يعتبر أن هذا الدور هو دور ريادي ضروري للمرحلة، الحاجة أكيدة لتظافر الجهود فيه .
( انظر : كبير الحومة في شغله (20))
(3) الكتابة بين التكرار المنهجي والتكرير التصعيدي :
وفي هذا السياق من المناسب أن أوضح ما يعيبه علي بعض إخواني ما يبدو لهم من تكرار في كتابتي ، فهل هذا صحيح؟
على ضوء ما تقدم يصبح من السهل إزالة هذا الالتباس فأقول :
إن التكرار الذي يبدو لبعض إخواننا هو تكرار في الظاهر، ولكن في حقيقته هو تكرار تناول من زوايا مختلفة، أو تكرار إيراد في سياقات متباينة . أنا أكتب كتابةَ بلورةِ رؤيةٍ ومشروعٍ عملييْن لعلاج الواقع وتغييره، منطلقا من هذا الواقع كما هو وبما فيه، مستجمعا ما تيسر استجماعه من جهود الآخرين بأسلوب التكرير.
وأسلوب التكرير هو من ناحية أولى نوع تكرار كما هو مدلول اللفظ لغويا ، وجهدُ بلورةٍ لرؤيةٍ ومشروعٍ يقتضي من ناحية ثانية تكرارَ تناولٍ للكثير من المواضيع من زوايا مختلفة، كما يقتضي من ناحية ثالثة وضعها وإيرادها في سياقات متنوعة. وجهد البلورة هذا هو طريق طويل يقتضي تكرارَ ربطٍ ووصلٍ بين مختلف حلقاته وقضاياه.
إن التكرار الذي يبدو فيما أقوم به ليس هو إذن في حقيقته تكرارا ، ولكن هو منهجيةُ بلورةٍ وبناءٍ لرؤيةٍ ومشروعٍ ، مقتديا في ذلك - في الحقيقة - بالقرآن الكريم . إن مثل هذا التكرار قد يبدو للقارئ غير المتعمق أنه موجود في القرآن ، ولكن يعلم من عنده اهتمام بالقرآن أن ذلك ليس هو من قبيل التكرار بل هو تناول لنفس الموضوع من زوايا مختلفة أو في سياقات متباينة . إن القرآن هو كتاب هدى وعلم للبشرية جمعاء ، فيه حاجتها من ذلك بما يعالج وضعها ويصلحه، في كل أجيالها وعصورها ، مقدَّما لها بكل عملية وبكل جمالية ما تقصُر دونه القدرات البشرية.
خاتمة:
وفي خاتمة هذه الحلقة نخلص إلى أن منهجية التكرير بطبيعتها التصعيدية الحضارية هي الجواب عن سؤال : كيف نستفيد من الكم الهائل من الكتابات والتفاعلات مع أحداث غزة ؟ وهو جواب يصح – ولاشك - في كافة القضايا . وبالنظر لما تقدم في الحلقات الثلاث السابقة من هذه المقدمة الثالثة من مضامين منهجية ، فلا خشية بإذن الله من سقوط مثل هذا التكرير في التجميع والتلفيق . إن هذا التكرير ليس هو أي تكرير ولكنه تكرير مزود بمصفاة وهي تلك المضامين المنهجية .
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: