أحمد ملحم - فلسطين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8693
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
صباح الوطن المحتل يا غسان، صباح الحصار الذي يطوقنا ويذهب عميقاً في دمنا، صباح نكبتنا الام التي انجبت وطن من النكبات... موجع صباحك يا سيدي، موجع غيابك وذكراك... اليوم الثامن من يوليو اكتب اليك في السادسة صباحاً، اليوم هو انت...وكل يوم
وجه الوطن المفقود داهمني فجراً...نسيم البحر البعيد حمل شيئاً من رائحة الدماء،.. فكتبت اليك صباحاً، حين تذكرتك وتذكرت العابرون على الجسر منذ زمن فوق لظى الرحيل...
سبعة وثلاثون عاماً من الرحيل، وما تزال انت كل شيء، انت طفل الوطن المسروق، ابن الاثنى عشر خريفاُ... الذي لبس جلده وسار مع شعبه المطرود من وطنه... الى المجهول....
انت كاتب الوطن، وروائي الحنين والاشتياق للتراب المسلوب، والصحفي والمبدع، وصاحب الكلمات التي لم تعد تقال في هذا الزمن الردئ... وانت الشهيد والشاهد، والجرح النازف فينا، ووجعاً يضرب في الصميم وسيبقى للأبد...
سبعة وثلاثون عاماً من الرحيل الموحش... وكل الاوراق تحن لأناملك... كي تخطو عليهن كلمات خالده... جميع البنادق تشتاق لسواعدك كي تقول انها كانت ذات قدر بيد ثائر حقيقي... عكا تشتاق لأبنها... وبيروت تشتاق لحبيبها... وانا اشتاق لك سيدي لأني اعرفك ولم اراك يوماً...
كيف نحن يا سيدي؟... حسناً استطيع ان اقول لك...
صباح الشعب المتحرر والجماهيرالتي تدرك مسؤوليتها يا سيدي ، كل شيئاً بخير، لا تقلق احلامنا تحققت، ونلنا استقلالنا... الوطن المسروق عاد بسواعد الثوار، اول الرصاص واول المقاومة، فقد بقيوا للنهاية ولم يسقطوا... وعادوا الينا بزيهم الثوري من المنفى، وعلى سواعدهم بنادقهم، قاوموا العالم كما يقولون وانتصروا، رفضوا الهيمنة، ورفضوا التنازل عن المبادئ والثوابت، وعادوا ودمروا الكيان الصهيوني وانتصروا...
اقاموا دولة فلسطين ومساحتها 27 الف كم، كما في كتب الجغرافيا... نعم اليوم نعيش بحرية، وديموقراطية، في ظل سلطة الرصاصة الاولى، لا تقلق من مسألة النزاهة والشفافية والنقاء الثوري، فثوارنا لديهم ما يكفي من هذه الامور ليصدروها لثوار العالم اكمله، لا لم يتحاربوا على المناصب، لم يغتالوا بعضهم البعض، لم يمدوا ايديهم الى اموال الشعب، ليسوا منتفعين ونصابين ومرتشين ومفسدين، حسهم الثوري ونقاءهم النضالي لا مثيل لهم.
الشعب، لا تقلق لقد تولى الشعب من يقدرهم... لدينا رجال وقادة وسلطة تحيا لخدمة الشعب، ورفع الضرر عنهم، تعمل ليل نهار لتوفر لهم احتياجاتهم، تقديرا منهم لتضحياته ونضاله طوال سنوات التحرر، وتعويضا لكل سنوات الحرمان والبؤس في زمن الاحتلال الذي ولى لغير رجعه ... لا سيدي لم نعد متسولين وشحاذين، ما هذا الكلام...انظر ماذا لدينا.
اليوم كل شيئاً جيد، اقتصادياً... مصانع الاحتلال سيطرنا عليها لذلك لدينا من الصناعات الكثير من كل ما يخطر ببالك، وعملية التصدير فوق التصورات...
تجارتنا رائجة لابعد الحدود... الاسمنت والحديد والطحين والاتصالات والجوالات... نمتاز بها في انحاء الكون...
اذاً صباح الحلم الذي تحقق، ودماء الشهداء التي لم تضع هدراً، صباح الامل والرصاصة الاولى والوحيدة...
تباً لنا سيدي... وصباح الخيبة والسواد والفشل الذي يكتسح وجوهنا، صباح الخراب والعفن والخيانة التي تعشعش بنا، وفتات الوطن الذي اقتتنا عليه، وتاجرنا بأسمه، وبعناه ولعناه وقتلناه حتى اصبح شظايا وطن تقتلنا نحن فقط.
لم يعد لدينا شيئاً سيدي، لم يعد لدينا احلام ولا اوطاون ولا قضايا، نمنا على قضية مقدسة، وحلم جميل وامل كبير، وايقظونا على كابوس اسمه سلام الشجعان، لم يكونوا شجعاناً ليوقعوه، كانوا جبناء وعملاء بالوكاله، الم تقل ذات يوماً يا سيدي " ان دم الثائر على الثار دين"... فأين هم من دماء كل الشهداء والثوار... ارصدة بنوكهم تقنعك بالاجابة...
اين هم من كل الشعارات التي رفعوها، اين مبادئهم وبنادقهم وثورتهم، لا ادري، هل تتذكر حين قلت " اذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية.. فالأجدر بنا ان نغير المدافعين..لا ان نغير القضية" ... نحن الشواذ لهذه القاعدة، فهؤلاء ركبوا كل القضايا وتحت كل الشعارات ولم يتغيروا، كانوا يقولون انهم اصحاب الرصاصة الاولى، والثورة الاولى ودافعوا عن ذلك وعن قضيتهم وفشلوا... وبقيوا، وتبدلت قضيتهم الى سلام العملاء... ومنذ سبعة عشر عاماً يدافعون عن قضيتهم هذه التي امنت لهم المال، والحراسة الامنية، والبدلات الايطالية والساعات السويسرية... وبقوا... وغداً سيغيرون قضيتهم الى قضية اخرى.. وسيبقوا.
ماذا تريد ايضاً يا سيدي... هل تعلم انه لم يبقى شيئاً من مصطلحاتكم، اليوم لدينا سلطة مجازاً يقولون عنها وطنية، لكن حين تنظر الى الاوراق لن تجد لتلك الحروف اي اثر... لدينا سلطة الثورة، سلطة سلام الشجعان... اولئك الذين بدلوا مئة قضية وما تبدلوا... يحكمها رجل يدعي انه كان ثوريا، ويسكن في الكهوف... وذات يوماً وصف عملية استشهادية بالحقيرة، ويوصف اعمال المقاومة بالعبثية، وبالارهاب...ومع ذلك ما زالوا يتغنون بالثورة...
في سهرات تنسيقهم الامني يا سيدي... يتذكرون ايام الثورة في الاردن، وفي لبنان وفي تونس، وبطولاتهم وتضحياتهم... اليس من الملفت سيدي ان اكثر من نصف رجال الرصاصة الاولى، ومن يتبجحون بالثورة... يجلسون الان يومياً مع المحتل، ويتبادلون الهدايا... بل ان رئيس الوزراء الصهيوني لبى دعوة غداء من مسؤول ثوري فلسطيني يدعى صائب عريقات فقط لأعجابه بطعام زوجته... وهذا الاخير جسد تجربته النضاليه العريقة بكتاب يحكي امجاد الثورة، اسماه "الحياة مفاوضات"... غداً سيسجل من انجازات الثورة.
ثوري اخر سيدي... اسمه احمد قريع، قام بأسم الثورة بتمويل الاحتلال بالاسمنت والحديد لبناء جدار قسم فلسطين لقسمن لثلاثة لاربعة، لكنتونات.... ليثبت انه لرجال الثورة امل في الامساك بزمام المشاريع الاقتصادية للثورة في المستقبل، بل يمكنهم كذلك تقديم العطاءات والمشاريع للدلو الشقيقة والصديقة، اما فيما يتعلق بتحصله على الجنسية الصهيونية لأبنته عبر علاقاته الاجتماعية مع بعض المسؤلين الصهاينة... فهذا امر خاص وهو ناتج عن علاقة ومعرفة وصداقة قديمة بينه وبين من لبى طلبه.
ثوري اخر سيدي يهرب الجوالات بسيارة اهدتها اليه الثورة... وثوري اخر استورد الطحين الفاسد ليطعم ابناء الثورة من شعبه، وثوري اخر ووأخر وأخر... القائمة طويلة.
لا ادري ان كتب لك احداً في السابق عن قضية اعتقال المناضل احمد سعدات، وهو الامين العام لجبهتك الشعبية لتحرير فلسطين والذي جاء خلفاً للشهيد ابو علي مصطفى الذي اغتيل في رام الله، وهو الذي جاء وهو يقول" عدنا لنفاوم لا لنساوم" اخطأ في مقولته... كان عليه ان يقول جأت لأقاوم لا لأساوم... اما اولئك فقد جاؤوا ليستثمروا، ويتاجروا ويبيعوا ما تبقى من وطن.. لا علينا.
الخلايا الثورجية للسلطة اعتقلت الاخ احمد سعدات، وشاركت كذلك بأعتقال مجموعة تابعة للجبهة الشعبية بعد ان اغتالوا وزير صهيوني متطرف، اعتقلوه وهم يتبجحون انهم يحمون حياته الشخصية... هل سمعت ذات يوماً عن مجاهد، عن ثوري، عن فدائي يعمل لعشر سنوات في مقاومة الاحتلال يخاف على حياته الشخصية... هل يمكن لرجل تربى على مقولتك انت بالذات " ليس المهم ان يموت احدنا..المهم ان تستمروا" و"اموت وسلاحي بيدي لا ان احيا وسلاحي بيد اعدائي" هل يمكن لرجل تربى على ما كتبته ان يقارن بين الحياة والموت...
اعتقلوه الثوار وسجنوه في اريحا... ولا ندري كيف اصبح بين ليل وضحاها في سجون الاحتلال... ربما نعلم ولكن هذا ليس كل شيء... هل يمكن لك ان تصدق ان سلطة الثورجيي، اتت بصديق اميركي ليشرف على الاجهزة الثورية التابعة لهم... مدربهم ثورجي ذات خبرة اسمه كيث دايتون... هو مؤثر وفعال، وذات تأثير كبير جداً... لدرجة ان هذه الاجهزة الثورجية حاصرت اربعة مجاهدين ومطلوبين للأحتلال منذ سنوات وأغتالتهم في مدينة قلقيلية ... هل تصدق ذلك سيدي؟
لا اعلم حقاً سيدي كم لنا نصيب من مقولة" الثورة يزرعها حر، ويخوضها شجاع، ويقطف ثمارها جبان"...
لك شمسك التي لا تنطفأ... ولنا حلم وطن بعيد المنال... وخيبات كثيرة.
ما اوجع يا سيدي ان نكتب للشهداء دون موعد، وفي فجأة نكون وجهاً لوجه معهم... نحاول ان نلملم الكلمات، وقبل ذلك انفسنا... نحن الضائعون في كل المتاهات... ما اوجع ان نكتب اليكم
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: