البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الثقافة العربية بين رموز الأصالة ودعاة التبعية

كاتب المقال د. محمد مورو   
 المشاهدات: 8077



الثقافة والنهضة، الثقافة العربية والتقنية الحديثة، التحدي العلمي والتكنولوجي، العقل العربي أهو مشدود إلى الخلف, أم جامد في مكانه، أم أنه عقل قادر على التطلع بأمل إلى مستقبل أفضل، الأصالة والمعاصرة، التراث والتجديد... هذه العناوين كلها وغيرها إشكالات مطروحة ومشروعة ويجب حسمها، أو الحوار حولها، ولكن بشرط أساسي ألا تكون نوعًا من العلامات المزيفة، أو طريقة لطمس الحقيقة والواقع، أو نوعًا من الدجل السياسي، أو تبريرًا، أو خدمةً دعائية لإيديولوجية سياسية معينة، أو لسلطة محددة، أو قفزًا على الإشكالات الحقيقية في الواقع العربي، أو تعاليًا عليه.

وإذا اعتبرنا أن الثقافة هي التي تقود عملية تغيير المجتمع وتقدمه، أو أنها في أقل الحالات تقع في القلب من عملية التغيير والنهضة والتقدم وليست مجرد عملية استهلاك عقلي للإمتاع، أو التسلية، أو إبراز الذات الشخصية، أو المجتمعية فإن من الواجب علينا علميًا أن نضع التصور الصحيح للأرضية الاجتماعية والأوضاع المجتمعية التي تعمل فيها هذه الثقافة، وبالتالي فإن إشكالات أخرى تسبق هذه الإشكالات يجب أولاً أن يجري الحوار حولها أي يجب ألا يتم تجاهلها، أو القفز عليها، وهذه الإشكالات منها هل يمكن للثقافة أن تكون قائدة لعملية التغيير والتقدم في ظل سلطة مستبدة؟ وهل نستطيع حسم تحدي العلاقة بين السلطة المستبدة والثقافة قبل حسم قضية التحدي في علاقة الثقافة بالعلم والتكنولوجيا مثلاً، وبكلمة أخرى هل تصبح الثقافة قادرة على حسم تحدياتها المطروحة دون أن تصبح ثقافة لمواجهة الاستبداد وهل يصح الحديث أصلاً عن دور للثقافة في غياب الحرية!

الأمر ذاته في الحديث عن الثقافة في مجتمع مستعمَر، سواء أكان الاستعمار تقليديًا، أم استعمارًا حديثًا يعمل من خلال آليات السوق، أو المؤسسات المالية الدولية العملاقة، وهل يمكن الحديث عن ثقافة قائدة وقادرة على التغيير إذا تجاهلت هذه الثقافة قضية كشف العلاقات الاستعمارية ومواجهتها.

ومن هذه الإشكالات أيضًا الحوار حول طبيعة التصور الحضاري في العالم، فهل الحضارة في العالم مجرد حضارة واحدة تسهم فيها الأمم المختلفة بإسهامات معينة في أوقات معينة، أم أن هناك خصوصيات حضارية لكل أمة، وتواصلاً حضاريًا، أو انقطاعًا حضاريًا يخص كل حضارة على حدة، ويشتق من هذا السؤال العديد من الأسئلة هل نحن أمة ذات حضارة خاصة وهل انقطع تواصلنا الحضاري؟ أم أننا في حالة هزيمة حضارية فقط وينبغي البدء في عملية إقلاع حضاري جديد ومواجهة تحدي الهزيمة الحضارية؟. وهل الحضارة الغربية ذاتها حضارة عالمية؟ أم أنها حضارة لا تحمل سمات العالمية؛ لأنها قائمة على العنصرية والقهر والعنف ونهب الآخرين؟ وهل الطريق إلى التقدم يمر عبر تأكيد الهوية والخصوصية والمواجهة مع الحضارة الغربية أم يمر عبر الاندماج والذوبان في تلك الحضارة.

هنالك في الثقافة العربية مدرستان أساسيتان، دون إغفال التمايزات البدهية والطبيعية داخل كل مدرسة على حدة، المدرسة الأولى قفزت على الإشكاليات الحقيقية الأولية وتجاهلت الواقع وتعاملت مع الظواهر على أنها في الفراغ، انطلقت هذه المدرسة من اعتبار الحضارة الغربية حضارة عالمية نحن جزء منها، أي إنها تجاهلت البعد اللاعالمي في الحضارة الغربية، وتجاهلت عنصريتها وممارساتها الاستعمارية ، وراحت بالتالي تناقش وسائل الاندماج وأساليبه وطالبت بالقضاء على كل ما يَحُولُ دون هذا الاندماج من خصوصية حضارية، أو هوية أو دين ، وهذه المدرسة أيضًا هي التي هيمنت على أدوات الثقافة العربية وسيطرت على التوجيه التربوي والتعليمي والإعلامي والفني وارتبطت بالسلطة السياسية بطريقة، أو أخرى فتجاهلت عن عمد غياب الحرية باعتبارها شرطًا للثقافة، وأهم رموز هذه المدرسة الطهطاوي، وطه حسين، ولويس عوض، ومحمد أركون وغيرهم وكلهم تقريبًا كانوا وزراء تعليم أو ثقافة، أو قيادات كبيرة في أجهزة السلطة الثقافية والتعليمية والتربوية والإعلامية ولم يكن لهم إسهام يذكر في قضايا مواجهة الاستعمار، أو مناقشة قضايا الحرية والتبعية، بل جل إسهامهم يكمن في الدعوة المباشرة إلى الالتحاق بقطار الحضارة الغربية وقطع الصلة بهويتنا الثقافية بل وديننا مثل عبد الله العروي, أو حتى الترويج المباشر والدفاع المباشر عن السلطة الاستعمارية مثل لطفي السيد وقاسم أمين، أو الطعن في عقائد الأمة وتشويه تراثها مثل حسين أمين وسعيد عشماوي ومحمد أركون ولويس عوض, أو الارتباط المباشر بالسلطة وتبرير تصرفاتها الاستبدادية وخلع صفات الثورية والتقدمية عليها وإلباسها ثوبًا أيديولوجيا برغم كونها سلطات عسكر في الأساس مثل محمود أمين العالم ولطفي الخولي ورفعت السعيد, أو حتى ترويجًا للكيان الصهيوني ودعوة للاندماج معه في إطار مشروع إنسان شرق أوسطي يضم العربي والإسرائيلي على قدم المساواة مثل فرج فودة، وهكذا وبرغم السيطرة شبه التامة على أدوات الثقافة من أجهزة وصحف وإذاعة وتليفزيون وسينما ومسرح بل ومؤتمرات علمية ظلت ثقافة هؤلاء مجرد بذور استنبتت في الهواء فلم تخضرّ ولم تثمر وظلت غريبة عن الواقع شكلاً ومضمونًا.

والمدرسة الثانية في الثقافة العربية كانت تلك المدرسة التي طرحت الإشكاليات الحقيقية الأولية ولم تتجاهل الإشكاليات الأخرى فنجد أن عبد الله النديم ومالك بن نبي ومنير شفيق قد طرحوا قضايا الحرية، الاستعمار، التبعية، الخصوصية الثقافية والحضارية لأمتنا ولم يتجاهلوا قضايا التقدم العلمي والتقني والنهضة والعلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل، ونشأت هذه المدرسة بعيدًا تمامًا عن السلطات المستبدة بل من خلال المواجهة معها وكذا مواجهة الاستعمار وحشد الجماهير للنضال ضده وتثوير الواقع ورفض كل ما هو سلبي في العادات والتقاليد والتأكيد على عوامل الإيجابية في الشخصية العربية، وبرغم أن رموز هذه المدرسة قد تعرضوا للاضطهاد دائمًا من قبل السلطات الاستعمارية ثم السلطات المستبدة، فإن ثقافتهم التي استنبتوها في ضمير الأمة ووجدان الشعب ما زالت تترعرع وتخضر وتثمر. وبالطبع فإن هذا المدرسة الثقافية لم تقتصر على هؤلاء الذين كان لهم إسهام ثقافي مباشر مثل النديم ومالك بن نبي ومنير شفيق وغيرهم، بل يمكن أن نضيف إليهم مصطفى كامل ومحمد فريد وعز الدين القسام وعمر المختار وعبد القادر الجزائري وغيرهم؛ لأن ثقافة المواجهة اقتضت أن يكون المجاهدون ذوي إسهام ثقافي فنجد أن الزعماء من أمثال هؤلاء كان لهم إسهامهم ورأيهم ونضالهم على المستوى التربوي والتعليمي والثقافي، بل نجدهم هم أنفسهم قد مارسوا التعليم والتربية من خلال محو الأمية، أو تحفيظ القرآن "عمر المختار"، أو إنشاء الجامعات والمدارس "مصطفى كامل ومحمد فريد"، أو دروس العلم "عز الدين القسام"... وهكذا، بل ونجد أن أصحاب المشروعات الثقافية منهم كانوا زعماء المواجهة الشعبية ضد الاستعمار والاستبداد, أو مقاتلين في صفوف الجماهير ضد الكيان الصهيوني.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

مالك بن نبي، منير شفيق، محمد أركون، طه حسين، الأصالة، تغريب، غزو فكري، استعمار ثقافي، النهضة، ثقافة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 13-05-2009   almoslim.net

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد الياسين، محمد العيادي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الله الفقير، أحمد بوادي، أ.د. مصطفى رجب، عبد الغني مزوز، الناصر الرقيق، طلال قسومي، أنس الشابي، سلوى المغربي، خالد الجاف ، علي الكاش، إياد محمود حسين ، أبو سمية، المولدي الفرجاني، صالح النعامي ، محمد شمام ، محمد يحي، محمد أحمد عزوز، طارق خفاجي، د. خالد الطراولي ، د - المنجي الكعبي، فوزي مسعود ، سعود السبعاني، تونسي، وائل بنجدو، محمد عمر غرس الله، عمار غيلوفي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - شاكر الحوكي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د- محمود علي عريقات، فهمي شراب، محمد الطرابلسي، صلاح الحريري، سيد السباعي، محمود فاروق سيد شعبان، عبد العزيز كحيل، رافع القارصي، يحيي البوليني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د- هاني ابوالفتوح، د- محمد رحال، رشيد السيد أحمد، إسراء أبو رمان، الهادي المثلوثي، يزيد بن الحسين، د - الضاوي خوالدية، محمد اسعد بيوض التميمي، سامح لطف الله، محمد علي العقربي، د - عادل رضا، نادية سعد، ياسين أحمد، حسن عثمان، كريم السليتي، صباح الموسوي ، سلام الشماع، فتحـي قاره بيبـان، د. عبد الآله المالكي، عزيز العرباوي، مصطفى منيغ، حاتم الصولي، رمضان حينوني، أحمد النعيمي، سليمان أحمد أبو ستة، خبَّاب بن مروان الحمد، عراق المطيري، ضحى عبد الرحمن، الهيثم زعفان، العادل السمعلي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - صالح المازقي، د. أحمد بشير، عمر غازي، أحمد الحباسي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. أحمد محمد سليمان، مصطفي زهران، سفيان عبد الكافي، كريم فارق، د - محمد بنيعيش، علي عبد العال، د. كاظم عبد الحسين عباس ، منجي باكير، عواطف منصور، مراد قميزة، مجدى داود، جاسم الرصيف، حسن الطرابلسي، أحمد ملحم، صلاح المختار، صفاء العراقي، رافد العزاوي، محرر "بوابتي"، المولدي اليوسفي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الله زيدان، د. طارق عبد الحليم، محمود سلطان، د- جابر قميحة، ماهر عدنان قنديل، بيلسان قيصر، د.محمد فتحي عبد العال، فتحي العابد، د. عادل محمد عايش الأسطل، سامر أبو رمان ، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الرزاق قيراط ، فتحي الزغل، صفاء العربي، د - مصطفى فهمي، محمود طرشوبي، رضا الدبّابي، د. صلاح عودة الله ، حميدة الطيلوش، إيمى الأشقر، أشرف إبراهيم حجاج،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة