د. السيد رزق الحجر: العلمانية تتلقي ضربات قاسية وتستعد للرحيل
أجري الحوار : علي عليوه المشاهدات: 10423
أكد الدكتور السيد رزق الحجر الأستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة أن المشروع التغريبي العلماني لا مستقبل له وهو آخذ في الانحسار لافتا إلي أنه رغم مضى قرن من الزمان علي ظهوره واستمرار الدعم الغربي له إلا أنه ظل فكرا معزولا عن الواقع الثقافي وفشل في أن يصبح لغة الخطاب العام الغالب لمثقفي الأمة.
وأوضح في مقابلة مع ( لواء الشريعة ) أن المشروع العلماني الذي روج له أتباعه علي أنه مشروع للنهوض فإنه لم يؤد إلى النهضة ولم يقدم لبناء دولة حديثة تدخل فيها السلطة دائرة التداول مشيرا إلي أنه في ظله تعاظم الإفقار وترسخت جذور الاستبداد السياسي والتبعية للغرب وتراجعت التنمية.
وإليكم نص المقابلة ...
* متي بدأ المشروع العلماني وما هي جذوره من الناحية التاريخية؟
** الجذور الأولى للمشروع العلماني للنهضة تتمثل في تلك الدعوة التي ظهرت أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وأظهرت الانبهار بالحضارة الغربية داعية إلى تقليدها والانسلاخ عن الشرق بكل ما فيه ، وهذا ما عرف اصطلاحا في تاريخ الفكر الحديث باسم " التغريب".
فالتغريب دعوة إلى نبذ الشرق والعرب والإسلام والالتحاق مباشرة بالحضارة الغربية بكل حسناتها وسيئاتها .
وذلك يستوجب من وجهة نظر أصحاب هذه الدعوة التغريبية التبني الكامل لجميع القيم والآداب والعادات الاجتماعية للمدنية الغربية حتى عادات المأكل والمشرب والملبس والاحتفالات في مختلف المناسبات.
القطيعة مع الموروث
* من هم ابرز رواد هذه الدعوة التغريبية؟
** شبل جميل ، فرح أنطون ، سلامة موسى ، احمد حسين ، هيكل باشا ، منصور فهمي باشا، أحمد لطفي السيد، الدكتور طه حسين، الشيخ على عبد الرازق، قاسم أمين وغيرهم.
* هل هناك صلة ما بين دعوة هؤلاء الرواد ومخططات قادة الاستعمار الغربيين؟
** المقارنة والتحليل الدقيق للنصوص والأعمال الصادرة عن هؤلاء تدفع للجزم بوجود صلة بين الطرفين سواءً وجدت هذه الصلة عن قصد وتعمد أو عن غفلة من بعض الرواد .والثابت أن القيادات الاستعمارية الحاكمة في جميع الدول الإسلامية خلال حقبة الاستعمار الأوربي سواءً في الجزائر أم الهند أم مصر أم تونس أم البوسنة كانوا حريصين علي إغراق البلاد الإسلامية بقيم وعادات وتقاليد الحضارة الغربية الفاسدة .ولا شك أن هضم هذه الأساليب الحياتية الغربية – وليس العلم أو الحضارة الحقيقية – وجعلها جزءا من كيان الدولة الإسلامية لا يتم إلا بتحقير ما عند المسلمين من قيم ومعتقدات ومحوه بالكلية إن أمكن وتلك المهمة ظلت تقوم بها التيارات التغريبية .
وقد تضمن كتاب شاتلين " الغارة على العالم الإسلامي " الكثير من خطط المستشرقين في هذا السبيل والتي تتطابق مع تحرك التغريبيين وكتاباتهم ومؤتمراتهم داخل بلدان العالم الإسلامي خاصة بعد خروج المستعمر بصرف النظر عما إذا كانوا يحققون ذلك عن قصد أم عن غفلة.
فكر معزول
* ما هي في رأيك مظاهر أو دلائل إخفاق التغريب والعلمانية في بلاد المسلمين؟
** يتجلى هذا الإخفاق والتآكل والاضمحلال في مظهرين أولهما أنه رغم مضى قرن من الزمان ورغم الدعم المادي والمعنوي الذي يقدمه الغرب منذ عهد الاستعمار وحتى الآن للتيار التغريبي بقى رغم ذلك فكرا معزولا ولم يستطع خلال هذا التاريخ الطويل أن يرقى ليصبح لغة الخطاب العام الغالب لمثقفي الأمة لا في مصر ولا غيرها من الدول العربية .والمشروع العلماني الموصوف من جانب أتباعه أنه مشروع للنهوض فإنه لم يؤد إلى النهضة ولم يقد لبناء دولة حديثة تدخل فيها السلطة دائرة التداول وتتشكل في سياقها أطر فعلية للتمثيل السياسي وإنما تعاظم في ظله الإفقار وترسخت جذور الاستبداد السياسي والتبعية للغرب وتزايد التدهور في الإنتاج والعجز عن إيجاد الحلول للمشكلات المتفاقمة في الكثير من البلدان العربية والإسلامية.
* وهل ترك المشروع العلماني تأثيرات علي القضية الفلسطينية و الصراع العربي الإسرائيلي؟
** إن المشروع العلماني بانطلاقه من تمجيد الحضارة الغربية مع احتقاره للحضارة العربية الإسلامية أو التهوين من شأنها قد كرس روح الشعور بالدونية والانهزامية وهى الروح التي أنتجت هذا الوضع الراهن بيننا وبين عدونا الصهيوني بحيث أصبحت الصورة موزعة بين الخور والوهن والذل والانهزام في جانب والتجبر والطغيان والإذلال في الجانب الآخر .
والنتيجة ضياع المزيد من الأراضي الفلسطينية واحتلال القدس والمسجد الأقصى واستمرار عمليات التهويد التي تتم بشكل متسارع لهذه الأماكن المقدسة ، لان الطرح العلماني للقضية الفلسطينية استبعد تماما الرؤية الإسلامية للصراع ورأينا منظمة فتح بتوجهات قادتها العلمانية تستبعد خيار المقاومة وتطارد المقاومين وتتعاون أمنيًا مع الاحتلال الصهيوني رغم مواصلة إسرائيل التهام المزيد من الأراضي الفلسطينية يوميا وممارسة أعمال قتل الفلسطينيين وتدمير القرى الفلسطينية من خلال الاجتياحات.
علمنة الإسلام
* ما هي أهم أفكار رواد التغريب؟
** الشيخ على عبد الرازق المنسوب له كتاب " الإسلام وأصول الحكم " عام 1952حاول تصوير الدين الإسلامي علي أنه رسالة روحية دينية خالصة لا شأن لها بالسياسة والحكم وأن الرسول صلى الله عليه وسلم في نظره لم يؤسس دولة أو حكومة ، وتصويره للخلافة الإسلامية بصورة تقربها من البابوية الأوربية في العصور الوسطي فهي عنده كهانة واستبداد لتهيئة العقول لتبني العلمانية .ولا يختلف المشروع التغريبي للدكتور طه حسين كثيرا عن أساسيات المشروع الذي نادى به من قبل سلامة موسى فنحن – وفق رأى الدكتور طه حسين – ننتمي إلى الغرب عقلا وفكرا وحضارة وثقافة وحتى بعد الإسلام ونزول القرآن ظل العقل الشرقي يونانيا رومانيا أوروبيا.وركزت كتاباته علي أن القرآن ليس إلا مجرد دعوة للخير وحث على الإحسان ولا شأن له بالدنيا ، وهو خال من المناهج التي تنظم شؤون المجتمع وتدبر حياة الناس . أما النموذج الثالث فهو الدكتور زكى نجيب محمود وقد كان يمثل ركنا متينا من أركان الدعوة إلى متابعة الغرب بل انه هو شخصيا قضى في فكر الغرب ومذاهبه ومشاكله حوالي 40 سنة من حياته دارسا ومنقبا وناقدا.
* هل هناك مظاهر أخري لفشل مشروعات التغريب والعلمنة؟
** لعل أهم دليل علي إخفاق المشروع العلماني يتمثل في تخلى سدنته ورواده عن مشروعهم وإعراضهم عنه وليس ذلك فحسب بل أقول وتبنى الكثيرون منهم المشروع الإسلامي وأصبحوا من الداعين له.بالنسبة إلي الشيخ علي عبد الرازق فقد امتنع تماما عن الكتابة في أن الإسلام دين لا دولة فيه و رفض التصريح بإعادة طبع كتابه ( الإسلام وأصول الحكم) الذي نفذت طبعته في العام نفسه 1925 وظل على هذا الرفض حتى وفاته 1966 .ومما قاله معارضا لما جاء في كتابه ما ورد في محاضرة له بالجامعة الأمريكية في مارس 1932 وفيها قوله " جرت مصر منذ العصور الأولى على أن يكون الحكم فيها شرعيا يرجع إلى أحكام الإسلام ... وكان المصريون يفزعون من أن يحتكموا إلى غير الإسلام لان الحكم بغير ما انزل الله كفر صريح في القرآن ".
إلي جانب ذلك هناك شهادات كثيرة تؤكد على رجوع الشيخ عن رأيه منها شهادة الشيخ الغزالي ، محمد رجب بيومي ثم الشهادة الخطيرة للشيخ احمد حسن الباقوري وفيها يعترف له الشيخ على بأن الكتاب من تأليف طه حسين .
تراجع رواد التغريب
* وماذا عن الدكتور طه حسين والدكتور زكي نجيب محمود؟
** الدكتور طه حسين تراجع هو أيضا عن مشروعه التغريبي ودلائل ذلك كثيرة منها ما فعلة في كتابة " في الشعر الجاهلي " فعندما أعاد طبعة حذف العبارات التي كانت تشكك في القرآن والإسلام .
إلي جانب إحجامه عن إعادة طبع كتاب " مستقبل الثقافة في مصر "الذي تضمن مشروعه التغريبي وتراجع عن الفكرة المحورية فيه وهي " أن السياسة شئ والدين شئ آخر).
ويتضح رجوعه عن هذه الفكرة من موقفة عندما اختير - عام 53 19– عضوا بلجنة وضع الدستور المصري فقد جاءت آراؤه في مداولات هذه اللجنة مؤكدة على أنه من الضروري أن يلتزم الدستور بالإسلام بكليته وألا يخرج نص من نصوصه عن أحكام القرآن الكريم ووجدناه يدعو صراحة في كتابه " مرآة الإسلام" إلى ضرورة إتباع القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة الصحابة وفهمها فهما عميقا لتتحول معانيها إلى القلوب والضمائر فتؤتى ثمارها في تزكية النفوس والسلوك والعمل ".
وقبل صدور هذا الكتاب " مرآة الإسلام " بعشر سنوات كان قد تخلى عن نظريته عن حضارة البحر الأبيض المتوسط وركز على كون الإسلام مذهبا ثوريا ودينا للحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية كما جاء ذلك في كتابه " الوعد الحق " الذي صدر في القاهرة 1949 .
وبالنسبة إلي الدكتور زكي نجيب محمود نراه يؤكد على الهوية الإسلامية العربية حين يقول في كتابه " تجديد الفكر العربي " : من ذا الذي أوهمنا أن تشرب روح العلم الجديد بكل ما يستتبعه من نتائج يتنافى مع هويتنا الأصيلة بالجوانب الثلاثة التي نراها مقومات لتلك الهوية وأعنى التدين والوطنية المصرية والقومية العربية ".
و يعلن في كتابه " رؤية إسلامية ": إن الذي انتهى بنا إلى موقف المسئول المحروم في دنيا العلم والصناعات ليس هو إسلامنا ، بل هو إننا قد أخطأنا منزلة العلم بأسرار الكون والانتفاع بذلك العلم في الحياة العملية تلك المنزلة التي من اجل رفعتها كانت " اقرأ" و ما نزل من القرآن الكريم ".
ويواصل :" نعم لو أن المسلمين عبدوا الله من ناحية دراستهم لخلق الله بالإضافة إلى عبادته سبحانه وتعالى من ناحية الأركان الخمسة لانتهوا إلى ما يصح تسميته بالعلم الإسلامي ".
البس هذا الكلام للدكتور زكي نجيب محمود يعد تعبيرا حقيقيا عن روح المشروع الإسلامي للنهضة ،وهو أيضا السبب لذلك الهجوم الضاري الذي تعرض له من أصحابه القدامى لأنه هدم عندهم ركنا متينا وأضافه إلى صرح المشروع الإسلامي.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: