أردوغان والانتخابات و"الاخوان": هل تعلمون بأن أردوغان ليس "إخوان"، بل إن ألد أعداء أردوغان هم "الاخوان"
محمد أسعد بيوض التميمي - الأردن
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 3315
bauodtamimi@yahoo.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
معظم الناس وخصوصاً المُحللين السياسيين والنُخب السياسية والثقافية, يعتقدون بأن أردوغان هو من فرقة الإخوان المسلمين, فيصفونه بأردوغان الإخواني, وهذا خطأ في المعلومات السياسية فادح يجب تصحيحه, ليس دفاعا عن أردوغان وانما توضيحا للحقيقة وتصحيحا للخطأ...
فقد يتفاجأ الناس بأن أردوغان ليس من فرقة الإخوان المسلمين, بل إن فرقة الإخوان المسلمين من أكثر الناس حقداً عليه وعداءاً له وطعنا فيه, وسعيا الى اسقاطه بالإنتخابات بالتحالف مع كل شياطين الأرض...
نعم الى هذه الدرجة تكره فرقة الإخوان المسلمين أردوغان ويحقدون عليه ويتمنون سقوطه وكانوا, فهم كانوا أكثر الناس حُزناً على فشل الإنقلاب الذي تعرض له قبل عامين...
فلماذا كل هذا من فرقة الإخوان المسلمين على اردوغان؟؟
فهذا ما سنشرحه في هذا المقال فإذا عرف السبب بطل العجب!!!
فمسيرة أردوغان السياسية بدأت بالإنضمام الى حزب الرفاه التركي بزعامة نجم الدين أربكان, الذي كان يحمل عقيدة ومنهج وفكر فرقة الإخوان المسلمين, ومن هنا جاء الإلتباس على الناس, فظنوا انه من فرقة الإخوان المسلمين, ولكنه سُرعان ما اصطدم مع أربكان, وحصل بينهما خلاف عميق حول الرؤيا السياسية لأربكان, التي تقوم بأن يكون حزب الرفاه الإخواني من ضمن تحالفات سياسية وعقائدية مُعادية للإسلام من خلال الحصول على عدد محدود من المقاعد في البرلمان, لا تُقدم ولا تُؤخر ولا يُمكن لها أن تُحدث تغييراً في العقد الإجتماعي للدولة التركية, أي بالمنظومة العقائدية والفكرية التي تصيغ العلاقة بين الشعب والحاكم وتحدد طبيعة النظام السياسي الحاكم...
فحاول أردوغان أن يُغير هذا المنهج ومن رؤية أربكان للعمل السياسي, وبأن يجعله يتبنى رؤيا تبلورت في ذهنه, تهدف الى الوصول الى حُكم تركيا بدون منازع وفرض العقد الإجتماعي الذي يريد, وهذا لا يُمكن أن يحدث إلا اذا استولى حزب الرفاه على السلطات الثلاث, من خلال العمل على الفوز بالأغلبية بالإنتخابات البرلمانية وعدم الإكتفاء بعدد محدود من المقاعد البرلمانية التي لا تقدم ولا تؤخر في القرارات التي تصدرها السلطات الثلاث وتبقي هذه السلطات تحت رحمة العسكر (الحكام الفعلين لتركيا منذ 1923 عندما ألغى أتاتورك السلطنة العثمانية واستبدلها بالجمهورية التركية العلمانية المعادية للإسلام) واعتبر أردوغان بقاء حزب الرفاه في هذه الحالة هوعبارة عن مكياج في وجه النظام الحاكم ليس إلا وضحك على الذقون...
فطرح أردوغان هذا أثارغضب أربكان وصب جام غضبه عليه, وقال له أنت تريد أن تستعدي علينا العسكر وأجهزة الدولة وتُورطنا وتعمل ضد مصلحة الإسلام, فمصلحتنا ومصلحة الإسلام أن لا نتجاوز الهامش المسموح به لنا, وبأن نبقى تحت ظل العسكر حتى لا يكون مصيرنا كمصيرعدنان مندريس...
فكان رد أربكان يتوافق مع عقيدة ومنهج فرقة الإخوان القائمة على المصلحة, فأينما تكون المصلحة يكون دينهم, ولو كانت هذه المصلحة تصطدم مع الإسلام أصطداماً مباشراً, فالمهم لديهم ليس الإسلام وإنما مصلحة فرقتهم...
فالإسلام لديهم وسيلة وليس غاية, فهم لا يُؤمنون بأن يكون لديهم مشروعهم الإسلامي من أجل إحداث التغيير للواقع السياسي والفكري والعقائدي ليتوافق مع الإسلام وتحكيم شرع الله, فمشروعهم الذي يسعون اليه يجب أن ينال رضى السلطة والمجتمع الدولي المعادي للإسلام, فهذا سقفهم السياسي...
هذا الرد المثبط والتمسك بالنظام الأتاتوركي دفع أردوغان الشاب الطموح (الذي ظن بأن أربكان وحزبه يُمثلان ما يطمح اليه, ولكنه اصطدم بالحقيقة المرة التي تصطدم بطموحه السياسي ورؤياه السياسية, بل وجد في ردة فعل أربكان العنيفة على طرحه بأن أربكان وحزبه الإخواني يقف حجرعثرة في طريق طموحه بالوصول الى حُكم تركيا وترك بصمته على تاريخها الحديث) الى أن يترك حزب الرفاه هو وزميليه اللذان يحملان نفس الرؤيا والفكر(عبد الله غول الذي أصبح رئيسا لتركيا من عام الى عام, وداود أوغلوا الذي أصبح وزيرا للخارجية ثم رئيسا للوزراء صاحب كتاب العمق الإستراتيجي الذي يتضمن الرؤيا السياسية الكاملة لرؤيا اردوغان) فأعلن هذا الثلاثي عن تشكيل حزب بزعامة أردوغان يحمل رؤيتهم الخاصة لحكم تركيا(حزب العدالة والتنمية)...
فما كان من أربكان إلا أن أصدر فتوى بتكفيرهم واتهامهم بأبشع التهم, بل أنه قال بأنهم شباب أغرار مراهقون وجهلة, و كل من ينضم لحزبهم أو ينتخبهم فهو كافر والى النار, واتهمهم بأنهم عملاء لليهود والأمريكان والصليبيين (هذا ديدن فرقة الاخوان المسلمين بكل من يخرج من فرقتهم أو يتم طرده) ولكن هذه الفتوى لم يكن لها تأثيرعلى نجاح حزبهم الذي أسسوه في نهاية عام 2001 وأسموه(حزب العدالة والتنمية) بعد رفض الحكومة التركية عدة أسماء سموا بها حزبهم, حيث اعتبرت الحكومة التركية هذه الأسماء هي أسماء اسلامية مثل اسم حزب الفضيلة, ولقد لعب أربكان زعيم فرقة الإخوان المسلمين دوراً كبيراً في محاولة عدم ترخيص هذا الحزب(العدالة والتنمية) بإعتباره حزب اسلامي يحمل مشروعا إسلاميا يُهدد العلمانية ونظام الحكم في تركيا, حتى أنه تم وضع أردوغان بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة التطاول على العلمانية, ومع ذلك أصر هذا الثلاثي (أردوغان وغول وأوغلو) على مشروعهم السياسي , وبالفعل وفي عام 2002 قاموا بترشيح أعضاء من حزبهم في جميع الدوائر الإنتخابية في تركيا, وكانت النتيجة اجتياحهم للإنتخابات وفوزهم بالأغلبية التي تمكنهم من تشكيل الحكومة لوحدهم, وفي المقابل لم يفز حزب الرفاه بزعامة أربكان بأي مقعد...
وما أن سيطر حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان على البرلمان والحكومة ( وخصوصا أن حزبه قد فاز من قبل بغالبية الانتخابات البلدية في تركيا) بدأ بتنفيذ خططه بالإمساك بجميع أجهزة ومفاصل الدولة, وخصوصاً الجيش الذي يُشكل الخطر الحقيقي على طموحه السياسي, فالجيش التركي يعتبر نفسه الحارس الأمين على علمانية أتاتورك المُعادية للإسلام عداءاً مطلقاً, وسرعان ما ينقلب على الحكومات اذا ما شم فيها رائحة الإسلام...
وكان من بين الخطوات المتخذة في هذا الصدد إعادة هيكلة المجلس العسكري الأعلى الذي يُعتبرهو القائد الفعلي للجيش ولأجهزة الدولة العسكرية والمدنية والسلطات الثلاث, ليشمل هذا التغيير نواب رئيس الوزراء ووزراء الداخلية والعدل والخارجية، على أن يكون المجلس برئاسة رئيس الوزراء, وقد اتخذت هذه الخطوة بناء على متطلبات والشروط التي وضعها الإتحاد الأروبي من أجل القبول في تركيا بهذا الإتحاد, فاستغل أردوغان هذه المتطلبات والشروط, ومن هذه الشروط والمتطلبات اتخاذ قرارات تحد من التأثير المحتمل للجيش على الحكومة المنتخبة ديمقراطيا وآليات صنع القرار...
وقد ساعدت إزالة الوصاية العسكرية على المؤسسات المدنية في تعزيز نفوذ أردوغان في مؤسسات الدولة واضعاف سلطة الجيش على هذه المؤسسات،فالجيش كان صاحب السلطة المطلقة في الدولة...
ومن الأمثلة الأخرى على قيامه بتحجيم نفوذ المؤسسة العسكرية, إلحاقه جميع المؤسسات العسكرية الصحية، من أكاديميات ومستشفيات ومعاهد طبية بوزارة الصحة, بعد أن كانت تابعة لقيادة الجيش، وإغلاق الكليات والمدارس والمعاهد العسكرية، وبناء جامعة باسم جامعة الدفاع الوطني تتولى مهام تدريب عناصر الجيش, وخلال حُكم حزب العدالة والتنمية جرت محاكمات الإنقلابيين الذين نفذوا انقلاب 12 أيلول/ سبتمبر 1980، وألغي البند لدستوري الذي يمنع محاكمة من دبروا الانقلاب, وأُدين مرتكبو الانقلاب الباقين على قيد الحياة بجرائم ضد الدولة وحُكم عليهم بالسجن المؤبد, وفي عام 2014 جرت محاكمة قائد الانقلاب كنعان إفرين، والقائد السابق للقوات الجوية الجنرال تحسين شاهين كايا، وحُكم عليهما بالسجن المؤبد...
وخلال حُكم حزب العدالة والتنمية أُلغيت محاكم أمن الدولة التي يُعتقد أنها قوضت استقلال القضاء في عام 2004 من خلال تغيير الدستور...
ومن أجل أن يكسب حزب أردوغان ولاء الشعب التركي ودعمه, قاموا بتحقيق نهضة اقتصادية جبارة وضخمة, مما كان لها انعكاس على حياة الشعب التركي في جميع مناحي الحياة الذي كان يعاني من مشاكل كثيرة, أولها الفقر والبطالة والمواصلات والمياه, فحل جميع هذه المشاكل خلال الأربع سنوات الأولى من حُكمه من عام 2002 – 2006 مما جعله يفوزمرة أخرى بإنتخابات عام 2006 بالأغلبية, ومما شجعه على الإستمرار في تنفيذ رؤياه وخطته, حتى أصبحت تركيا في عهده غير مدينة اقتصادياً للبنك الدولي...
ومع ذلك استمر تحريض فرقة الإخوان المسلمين وزعيمه أربكان وحزبه( الرفاه)على أردوغان وعلى حزبه(العدالة والتنمية) ويُحذرون جماعة أتاتورك من خطرأردوغان وحزبه على العلمانية الأتاتوركية, حتى أنهم تحالفوا مع جماعة عبدالله غولن الذي قام بدعم انقلاب 15 تموزعام 2016 على أردوغان الذي أفشله الشعب التركي, والذي استغله أردوغان للقضاء على كبار الضباط في الجيش التركي, وقيامه بإعتقال عدد كبير منهم بطريقة مُذلة وأمام عدسات التلفزة, من أجل تحطيم صنميتهم وهيبتهم, وبدأ أردوغان يُركز السُلطة بيده ويُمسك بها بقوة ...
حزب السعادة الإخواني وتحالفاته من أجل اسقاط اردوغان في الإنتخابات
هو من أشد الداعين لإسقاط مشروع أردوغان والتحذير من خطره في هذه الإنتخابات, التي ستجري في 24 من الشهر الحالي, ومن أجل ذلك قام حزب السعادة الإخواني الذي غير اسمه من حزب الرفاه الى حزب السعادة بترشيح زعيمه (تيميل كرم الله أوغلو77 عاما) والذي أصبح زعيما للحزب منذ عام 2016 كمُنافس لأردوغان, وقام بالإنضمام الى تحالف أحزاب المعارضة التي تسعى الى اسقاط أردوغان وحزب العدالة والتنمية وسُمي هذا التحالف (بتحالف الأمة) ومن ضمن هذا التحالف حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي المتناقض جذرياً مع الإسلام...
وقال كرم الله أوغلو زعيم حزب السعادة الإخواني أن حزبه اختلف مع حزب العدالة والتنمية بعد أن إبتعد عن مباديء أساسية, وقال أنتوني سكينر مدير قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا لدى مركز دراسات المخاطر(فيرسك مايبلكروفت) لوكالة فرانس برس أن حزب السعادة وكرم الله أوغلو يلعبان دوراً مهماً في الانتخابات(في اثارة غضب أردوغان)وقال أن ترشح كرم الله أوغلو في السباق الرئاسي يحمل أهمية كونه قد يجذب أصواتاً يحرم منها أردوغان الذي يحتاج لأكبرعدد ممكن من الاصوات تجنبه دورة انتخابية ثانية قد تكون صعبة...
فحزب السعادة الإخواني ليس له نواب حالياً في البرلمان التركي إذ نال في الانتخابات السابقة(2015 ) 7..’% سبعة بالعشرة بالمائة فقط يعني اقل من واحد بالمئة...
فعلى الرغم من اختلافنا مع رجب طيب أردوغان اختلافاً عقائدياً وسياسياً وفكرياً, حيث أنه صوفي قبوري من أتباع بن الرومي وبن العربي وعضو في الحلف الصليبي(الناتو), إلا أنه قائد يتمتع بذكاء ودهاء وكاريزما عالية, ويحمل رؤيا متكاملة للحُكم, نجح حتى الأن في تنفيذها ولا يُمكن لفرقة الإخوان المسلمين أن يُنتجوا(يفرزوا) قائداً ناجحاً مثله أو يحمل مواصفاته...
ففرقة الإخوان المسلمين يُنتجوا زعيماً بمواصفات التافه مرسي, الذي استخدمه العسكر بموجب صفقة مع العسكر مع الإخوان ثم انفضوا عليه وعلى الإخوان, وهاهُم يدفعون ثمن خيانتهم غالياً, ومنكنهم أيضاً أن يُنتجوا زعيماً بمواصفات التافه الغنوشي في تونس الذي يُحارب الاسلام مع غلاة العلمانيين الفرانكفونيين في تونس, ويُنتجوا زعيماً كالنحناح في الجزائر الذي تحالف مع الجنرالات الفرانكفونيين الفرنسيين ضد الشعب الجزائري وجبهة الانقاذ, ويُنتجوا قادة كقادة الحزب الاسلامي في العراق الذي تحالف مع المجوس والصليبيين ضد المسلمين, و يُنتجوا قادة مثل رباني وسياف قادة الحزب الاسلامي في افغانستان الذي تحالف مع الصليبيين والمجوس ضد والمسلمين...
فهذه هي حقيقة أردوغان وعلاقته بفرقة الإخوان المسلمين, فارجو أن أكون صححت هذه المعلومة...
وأخيرا يبدو أن أردوغان ماض في تنفيذ رؤياه السياسية والتي أتوقع بعد الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية المُبكرة التي دعا اليها والتي ستجري في 24 /6/2018 والتي من المتوقع الفوز فيها, ومن المتوقع بعدها أن يقوم بتغييرات استيراتيجية في العقد الإجتماعي للنظام السياسي التركي , وقد يقوم بإلغاء جمهورية أتاتورك العلمانية التي أسسها أتاتورك عام 1923 واقامة جمهورية أردوغان العلمانية ولكن علمانية خاصة به فبدلا من العلمانية الأتاتوركية تصبح العلمانية الأردوغانية...
فأردوغان صاحب مشروع شخصي, وضع له جميع الأدوات التي تمكنه من تحقيقه, ومن هذه الأدوات ربط تركيا بتاريخها الإسلامي العثماني وجعلها دولة لها نفوذ وسيطرة على جميع المناطق التي كانت خاضعة للدولة العثمانية.
وهذا التصحيح لا يعني أني من المدافعين عن اردوغان.
-----------
الكاتب والباحث والمحلل السياسي
محمد أسعد بيوض التميمي
23-06-2018
|