البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

ملعونون علماء السلاطين

كاتب المقال سيف الدين عبد الفتاح   
 المشاهدات: 3296



اتخذت الثورة المضادة ظهيرا دينيا لها، ساهم في تمكين أساليبها وسياساتها، يطفو ذلك على السطح، حينما يستدعى العلماء ليتحدثوا في أمور شتى، لإسناد الحكام وأصحاب السلطة، هؤلاء بما يمثلون من أنظمة حكم تحاول أن تشيطن خصومها، أو ما تدّعي أنه خصمها بكل شكل ومن كل طريق، بصرف النظر عما يؤديه ذلك من خطرٍ عظيم، ومردود خطير على الأمة بأسرها، بل ويحاول هؤلاء استغلال تهمة الإرهاب المعمّاة، لوصف أي خصمٍ لا يروق لهم، أو يحتمل أن يهدّد ملكهم وسلطانهم.

يذكّرني ذلك بتلك المقولة الذهبية عن خيار العلماء بين طريقين ودائرتين، إما "أن يكونوا في دائرة سلطان العلماء أو في دائرة علماء السلطان"، مفارقة مهمة وخطيرة، تجعل من هذا الدور من الأهمية، بحيث لا يمكننا بأي حال أن نهمل آثاره السلبية والإيجابية. يذكّر ذلك بسلطان العلماء، الإمام العز بن عبدالسلام، الذي قام بما من شأنه تأكيد وظيفة العالم، حينما يرتبط بالأمة قضايا وهموماً وتحدياتٍ، ويؤسس موقفا كفاحيا يمكّن لمعنى المقاومة في الأمة والعزة في مكانها ومكانتها، سلطان العلماء يجرؤ على "بيع السلطة في السوق"، فقد كتب أمير البيان، مصطفى صادق الرافعي، مقالته المهمة "أمراء للبيع"، لتؤكد هذا المعنى الذي يكون فيه العالم عينه ومحور اهتمامه منصبا على الأمة لا السلطة، والمجتمع وعموم الناس لا تحصيل جاه أو منصب.

ماذا عن الخيار الثاني من علماء السلاطين الذين يقومون بالتبرير والتمرير والتغرير والتزوير، يحاولون إسناد كل ما يتعلق بظلم الظالمين، وإهدار الحقوق للمواطنين، والحديث بكل نقيصةٍ عن خصومهم، على الرغم من أنهم جزء من مجتمعهم، ولكنهم قد يشكلون، مع غيرهم، ممن يمثلون حال الممانعة وموقف المقاومة، خمائر مقاومة وعزة وكرامة، هؤلاء يشكلون ظهيرا دينيا، بمواقفهم وبخطابهم الملعون، يمكنون لظلم سلطانهم، حتى لو قتل بلا حق وطارد بلا جريرة واعتقل من دون حساب.

جوقة الظلم من علماء السلاطين ملعونون بأفعالهم وبياناتهم، وفي بعض فتاواهم التي يريدون منها أن يشكلوا غطاء زائفا لأفعال السلطان الظالم بلا أدنى حرج. لديهم مشيئة السلطان، هي الناموس والقانون، وأن ما يفعله هو الرشد والرشاد، إذا تكلموا نافقوا، وإذا أطلقوا بياناتهم زيّفوا وزوّروا، ملعونون علماء السلاطين، حينما يمتشق كل منهم حسام الكلام وسيوف الظلم وسياط الجور والطغيان، يزيّنون فعله مع يقين قبحه، يستغلون مكانتهم، فيمرّرون ظلم حاكمهم يتسترون على مفاسده وجوره.

ما بال هؤلاء يبرّرون حصار دولة صغيرة برا وبحرا وجوا، بقصد وضع الناس فيها في حال من الضيق والتضييق، وكأن هؤلاء يمارسون حال تجويعهم، كل ذلك في شهر رمضان، دبّر بليل، فهذا يصف فعل الحصار بالحكمة ونفع الأمة، يدفعون إلى تصعيدٍ، بل اتخذ بعضهم مزالق التحريض، وأتى علماء السلاطين ليضعوا أختامهم المزوّرة، مدّعين أنهم يوقعون عن رب العالمين، ولكنهم "قطاع طريق" على ما يقول ابن الجوزي، و"لصوص متغلبة" على ما يقول الزمخشري.

ما لهؤلاء يجمعون فتاواهم لشيطنة فصيلٍ من الأمة، في محاولة لرميهم بكل نقيصةٍ، لا لشيء سوى أن أهل السلطان لا يعجبهم الإخوان المسلمين، فاصطفوا جميعا اصطفاف الباطل، في هيئة كبار علماء وما هم بكبار، أقوالهم وأفعالهم أفعال صغار، يسوّغون للظالم ظلمه، ولمقالته القبيحة فيزيّنوها وخطابه التحريضي والاتهامي، فيزيدون ويزايدون عليه، وأكثر من ذلك يقولون بهتانا وزورا إن هذا من الدين. يقولون ذلك وكأنه اكتشاف ويروّجون ذلك، من ناحيتهم، بفساد العقيدة على حد قولهم، ويتلقف حكامهم ذلك، واصمين إياهم بالإرهاب.

ويقوم وزير خارجية باتهام تلك الدولة بمساعدة حركة حماس، وما أدراك ما "حماس"؟، مطالبا إياها بعدم مساعدتها شرطاً لأن تعود العلاقات، وينفك الحصار الظالم الطائش. يقول ذلك، ولا يعقب عليه عالم من العلماء، فقد أصابهم الخرس، وصمتوا صمت القبور. يا علماء السلطان أفتونا في أمر مقاومة غاصب صهيوني احتل أرضاً واغتصب حقاً، سيصمتون كما صمت حكامهم وتابعوهم بالتواطؤ بالصمت على جريمة همجيةٍ كبرى باقتحام مستوطنين صهاينة للمسجد الأقصى، والاعتداء على المرابطات من النساء والمرابطين من الشيوخ.

ولا ننسى هؤلاء الذين كانوا يتلمسون حضور الشيخ يوسف القرضاوي إلى بلادهم، ويغدقون عليه بالجوائز، ويتسولون الوقوف بين يديه دقائق معدودة، إذ يكتشفون الآن أنه إرهابي خطير! وضعوه على قائمة الإرهاب، وحاولوا أن يطعنوا في علمه وفضله، على الرغم من سابق توسلهم وتسولهم. وأتت جوقة علماء السلاطين لتسير في مسيرة النفاق، وتتحدث بما يطلبه السلطان، يهينون علم الشيخ وتخصصه، وكانوا من قبل يهرولون لمصافحته، يتقولون عليه، وإن كان زورا وبهتانا.

وإذ نتذكّر ونعود إلى ذاكرة الانقلاب المشؤوم الذي مولته نظم حكم إقليمية، ترى في الثورات خطرا عليها، صاحب ذلك الانقلاب أسوأ خطاب، وبدعاوى تتعلق بتجديد الخطاب الديني، وما هو بتجديد، إنما عملية تبديد كبرى، يقوم بها هؤلاء في صناعة الظلم الثقيلة من علماء السلاطين لمصلحة أهل السلطة والصولجان. انظر ماذا كان يقول المفتي السابق، ويوزع اتهامات التحريض، ويطل علينا صارخا بفائض كلامه بأوصاف قبيحة، وبكلماتٍ تحرّض على القتل و"الضرب في المليان". وعلى هذ الذي ادّعى أن قائد الانقلاب ووزير داخليته رسولان ابتعثا من الله، كموسى وهارون، هل رأيتم أسوأ من علماء السلاطين، حينما ينحدرون بالقول والفعل في النفاق وتبرير الظلم، ملعونون هم علماء السلاطين.

وهذا مفتٍ بائس، وضعه القدر، وجعل من مهماته أن تُحال إليه أوراق بعض المعتقلين في أحكام الإعدام، فإذا به لا يتورع عن إقرار الأحكام الظالمة الجائرة المحالة إليه من قضاء مدني، ومن قضاةٍ مخصوصين يفرطون في الحكم بالاعدام، ومن قضاءٍ عسكريٍّ مستخف، يروّع الناس بأحكامه، ويحكم إعداما بالشبه، تأتي أوراق القضايا إلى مفتي السلطان، فيصدق ويوقع، يوقع على إهدار دم وإزهاق روحٍ، لا يتبصّر كم وافق على قتل، وكم أقرّ من أحكام بإعدام أبرياء، يقوم بالتصدق على أحكام إعدامٍ، وكأنها أمر روتيني لا يتعلق بحرمة نفس وإزهاق روح، ملعونون علماء السلطان.

وهؤلاء إعلاميون شيوخ، يحاولون من خلال خطابهم تزييف كل ما يتعلق بوعي الناس في هذا المقام، يتحدثون ليل نهار عن دم البراغيث الطاهر، ولا يتحدّثون عن دماء الإنسان التي تهدر في كل مكان، في سورية وفي فلسطين، في مصر وفي ليبيا وفي اليمن، ثم يتحدثون بكل بجاحة "الإنسانية قبل التدين"، عن أي إنسانيةٍ يتحدثون، وهم يزيّفون كل أمر، ويزوّرون للسلطان كل فعل وظلم، كل قتل وسجن، ويهدرون الدماء بكلام مستخف هنا وهناك، ثم يتحدثون عن الإنسانية، إنها جوقة علماء السلاطين، ملعونون علماء السلاطين.

هانوا وخابوا، أين هؤلاء من سلطان العلماء الذي باع السلطة في السوق، وهم يبيعون أنفسهم ودينهم في كل سوق؟ ملعونون علماء السلاطين.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

قطر، السعودية، آل سعود، الإمارات العربية، الثورة المضادة، حصار قطر، فقهاء السلطان،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-06-2017   موقع: العربي الجديد

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سليمان أحمد أبو ستة، عواطف منصور، بيلسان قيصر، إيمى الأشقر، د - محمد بنيعيش، طارق خفاجي، أنس الشابي، رضا الدبّابي، د- محمود علي عريقات، محمود طرشوبي، أحمد الحباسي، أحمد النعيمي، محمد يحي، محمود فاروق سيد شعبان، د. خالد الطراولي ، صفاء العراقي، تونسي، سعود السبعاني، الهادي المثلوثي، د - الضاوي خوالدية، كريم فارق، صالح النعامي ، رمضان حينوني، رافع القارصي، عمار غيلوفي، د - عادل رضا، المولدي الفرجاني، عبد الله الفقير، صباح الموسوي ، خالد الجاف ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. طارق عبد الحليم، محمد أحمد عزوز، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. صلاح عودة الله ، د- هاني ابوالفتوح، مصطفي زهران، حاتم الصولي، المولدي اليوسفي، إياد محمود حسين ، عزيز العرباوي، مصطفى منيغ، حسن عثمان، فتحي الزغل، علي عبد العال، ماهر عدنان قنديل، سامح لطف الله، فوزي مسعود ، ياسين أحمد، صفاء العربي، د- جابر قميحة، عبد الرزاق قيراط ، أشرف إبراهيم حجاج، د - صالح المازقي، نادية سعد، ضحى عبد الرحمن، فتحـي قاره بيبـان، منجي باكير، أحمد بوادي، محمود سلطان، محمد شمام ، رشيد السيد أحمد، فتحي العابد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د- محمد رحال، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد الياسين، د - شاكر الحوكي ، كريم السليتي، يزيد بن الحسين، د. أحمد محمد سليمان، وائل بنجدو، عراق المطيري، سلام الشماع، أ.د. مصطفى رجب، د - مصطفى فهمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، الناصر الرقيق، رحاب اسعد بيوض التميمي، علي الكاش، سلوى المغربي، محمد عمر غرس الله، سيد السباعي، يحيي البوليني، محرر "بوابتي"، محمد العيادي، صلاح الحريري، سفيان عبد الكافي، أحمد ملحم، عبد الغني مزوز، محمد الطرابلسي، رافد العزاوي، خبَّاب بن مروان الحمد، مجدى داود، د. أحمد بشير، عمر غازي، فهمي شراب، د.محمد فتحي عبد العال، د - محمد بن موسى الشريف ، مراد قميزة، عبد العزيز كحيل، حميدة الطيلوش، جاسم الرصيف، سامر أبو رمان ، أبو سمية، العادل السمعلي، حسن الطرابلسي، صلاح المختار، محمد اسعد بيوض التميمي، د - المنجي الكعبي، د. عبد الآله المالكي، إسراء أبو رمان، محمد علي العقربي، طلال قسومي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الله زيدان، الهيثم زعفان،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز