البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

لماذا تبدو أوروبا حزينة لفشل الانقلاب في تركيا؟

كاتب المقال جمال سلطان   
 المشاهدات: 3273



حالة البرود الشديدة التي تعاملت بها الدول الأوربية وواشنطن مع الانقلاب العسكري المجرم في تركيا مثيرة للدهشة، يبدو الأمر في بروده ولا مبالاته وكأنه كانت هناك مناوشات سياسية بين بعض الأحزاب وأوروبا تطالبهم باحترام القانون وتهدئة الخواطر واحترام نتائج الانتخابات، وقد كان الأمر واضحا في ليلة الانقلاب، عندما صمت الجميع، ورفضوا إدانة الانقلاب وبيانه المعلن بالسيطرة على البلاد، وكأنهم ينتظرون "حدثا سعيدا" عندما كان الانقلاب ينقل على الهواء مباشرة بالصوت والصورة.

وبعد خمس ساعات كاملة، بدا فيها أن الانقلاب يترنح فعلا، وأن القيادة الشرعية لتركيا تستعيد الإمساك بزمام الأمور، بعدها خرج التصريح الخجول من الرئيس الأمريكي باراك أوباما يطالب باحترام الحكومة الشرعية المنتخبة، وحتى في هذا البيان لم يظهر منه إدانة حاسمة وواضحة للانقلاب العسكري، ومن بعد أوباما ظهر بعض القادة الأوربيين ليتحدثوا عن تأييدهم "المشكور" للحكومة الشرعية المنتخبة في تركيا.

الوضع الآن ازداد وضوحا وفضائحية، ولا تخطئ عينك وأذنك رؤية وسماع نغمة حزينة في تصريحات المسئولين الغربيين عن الوضع في تركيا، ويستحيل أن تعثر على أي تصريح تشم منه رائحة ابتهاج بانتصار الديمقراطية وفشل الانقلاب، بل الآن تجد العواصم الأوربية بكاملها مشغولة للغاية بحماية مصير الانقلابيين، جميع التصريحات الصادرة لا تهتم بأي شيء آخر في تركيا سوى مصير القيادات الانقلابية وطلب التعامل معهم برأفة، والمدهش أن أي دولة أوربية حتى كتابة هذه السطور لم تصدر بيانا "نمطيا" وتقليديا وبروتوكوليا، تعزي فيه الشعب التركي والقيادة التركية في المئات من أبناء الشعب التركي الذين سقطوا شهداء تحت جنازير الدبابات الانقلابية أو برصاص العسكر، بينما جميعهم مشغولون بنداءات لحماية القتلة والانقلابيين، هذا مثير للغاية، ويكشف عن مرارة شديدة من فشل الانقلاب، وأنه ربما كانت أمور قد تم ترتيبها في المنطقة انهارت جميعا وسببت صدمة لم يفيقوا منها.

دلالات الموقف الغربي من انقلاب تركيا مهمة ومفصلية لوعي النخب العربية والإسلامية والشعوب الإسلامية بشكل عام تجاه إيمان المجتمع الدولي الحقيقي بالديمقراطية للجميع، المجتمع الدولي يؤمن بالديمقراطية على الطريقة "الإسرائيلية"، ديمقراطية لشعب "إسرائيل" وحده، أما الآخرون فالديمقراطية غير مطروحة وغير مستحبة وغير مرحب بها.

أحداث تركيا وما قبلها وما بعدها، تثبت أن دوائر صنع القرار في الغرب ليست في وارد القبول بنظم ديمقراطية شرعية ومستقرة في العالم العربي والإسلامي، وليست في وارد القبول بدول عربية وإسلامية قوية وناجحة وناضجة سياسيا واقتصاديا وعلميا وعسكريا، فأوروبا التي قبلت بجزيرة مالطا وجزيرة قبرص في الاتحاد الأوربي، رغم أنهما لا يمثلان اقتصاد مدينة واحدة في محافظة من محافظات تركيا ولا حتى مساحتها، ترفض بإصرار حتى الآن ومنذ عشرين عاما، قبول تركيا، إحدى الدول العشرين الأعظم في العالم، ضمن الاتحاد الأوربي، وتنتحل الأعذار والأسباب لتبرير رفضها المهين ذلك، ومن يتابع الإعلام الأوربي وموقفه من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يذهله حجم الكراهية التي يحملونها لهذا الزعيم الكبير.

إنهم يكرهونه أكثر من السفاح القاتل بشار الأسد نفسه، أو أي ديكتاتور مجرم في العالم الثالث، رغم أنه الزعيم الشعبي الناجح سياسيا واقتصاديا وصاحب الحضور الطاغي ومع ذلك لم ينجح سوى بفارق اثنين في المائة في انتخابات الرئاسة، وحزبه الذي حقق كل هذه النهضة التركية الفذة بالكاد تجاوز الخمسين في المئة من مقاعد البرلمان، واضطر بعد سنوات طويلة من النجاح إلى القبول بحكومة ائتلافية مع أحزاب المعارضة، ثم اضطر إلى الاحتكام لانتخابات أخرى مبكرة لكي يمكنه تشكيل حكومة، ويحاول أردوغان على مدار عامين أن يجري تغييرا دستوريا لتحويل تركيا إلى النظام الرئاسي بدلا من البرلمان ولكنه عاجز عن ذلك لأن أدوات الديمقراطية عصية عليه وعلى غيره، وهو الحريص على احترامها والاجتهاد من خلالها وليس قفزا عليها أو تجاهلا لها.

باختصار، الحقيقة تتبدى الآن أكثر من أي وقت مضى، أوروبا وواشنطن ليستا في وارد القبول أو الرضا أو المساعدة على وجود ديمقراطية حقيقية في المنطقة، وستظل تحتفل بأي انقلابات إن لم تساعد على صناعتها، أو تمزيق المجتمع نفسه إن عجزت عن تمكين "العسكر"، ما حدث في تركيا ربما يفسر لنا "الملعوب" الذي يتم على مدار عدة سنوات في سوريا مع المجرم القاتل بشار الأسد وفي ليبيا مع الجنرال خليفة حفتر، رغم أن بشار ليس في هيبة ومنعة صدام حسين، كما أن حفتر ليس في قدرة وسيطرة القذافي، وعلى شعوب المنطقة أن تستوعب هذا الدرس جيدا، لقد عشنا في وهم وأكذوبة إيمان الغرب بالديمقراطية في بلادنا، قد يكون هذا صحيحا على مستوى منظمات المجتمع المدني والنخبة النبيلة وليس على مستوى صناعة القرار ودوائره، الديمقراطية هناك -كما في إسرائيل- منتج محلي ليس للتصدير ومنظومة للإنسان الأوربي "المميز".

أما العالم الثالث، فلا يناسبه إلا جنرالات وقتلة وطغاة بلا قلب، يسهل ترويضهم وتوجيههم وربط مصيرهم برضاء عواصم الغرب عنهم، فيرتهنون لقرارها ومصالحها وليس مصالح شعوبهم، ويتم اقتسام النفوذ في بلادهم بين هذه العاصمة الغربية وتلك في نظام محاصصة انتهازي واستعماري يقوم على شراء الذمم والرشى والاحتفاظ بها كمناطق عاجزة وضعيفة تبقى سوقا لتصريف المنتجات الغربية وليس منافستها، ولا تملك قرارها المستقل في مصير بلادها وفي مصير المنطقة والعالم أيضا، وتصبح رقما مهما في أي معادلة تخصها.

تركيا الأردوغانية كسرت تلك الحالة، وتجاوزت تلك الخطوط المحظور تجاوزها غربيا، وأردوغان وحزبه تسلما السلطة بعد خمسين عاما من حكم العسكر وانقلاباته ومعسول كلامه، الذي حول تركيا لخرابة، وجعلها نسخة من العالم الثالث بفقره وفساده وديونه وانقسامه واهتراء بنيته الأساسية، فنهضوا بالبلاد، وحقق أردوغان هذه القفزة الاقتصادية، وعمق الديمقراطية وحول بلاده إلى مارد اقتصادي وسياسي وثقافي وعسكري، وجعل بلاده بمواطنيها ومدنها وخدماتها وشوارعها وميادينها مفخرة لا تقل أبدا في ثرائها وجودة الحياة فيها عن أي عاصمة أوربية كبرى، لذلك يكرهونه، ويخشون أن يكون "نموذجا" ملهما للآخرين، ويحاولون تشويهه أو كسره أو إعاقته أو حتى إطاحته من خلال الانقلاب العسكري الفاشل.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تركيا، محاولة الإنقلاب، الإنقلاب بتركيا، أردوغان،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 19-07-2016   صحيفة المصريين المصرية

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
ماهر عدنان قنديل، عبد الرزاق قيراط ، د - المنجي الكعبي، صالح النعامي ، سامر أبو رمان ، مصطفى منيغ، سيد السباعي، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفي زهران، صباح الموسوي ، د- هاني ابوالفتوح، د - محمد بنيعيش، ياسين أحمد، منجي باكير، محرر "بوابتي"، عبد الغني مزوز، د. طارق عبد الحليم، محمد عمر غرس الله، فتحي الزغل، رضا الدبّابي، أ.د. مصطفى رجب، وائل بنجدو، د - صالح المازقي، إيمى الأشقر، د - مصطفى فهمي، كريم فارق، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أشرف إبراهيم حجاج، إياد محمود حسين ، محمد علي العقربي، عبد العزيز كحيل، د. كاظم عبد الحسين عباس ، بيلسان قيصر، سفيان عبد الكافي، طلال قسومي، صفاء العربي، عبد الله زيدان، أبو سمية، محمد اسعد بيوض التميمي، د - الضاوي خوالدية، كريم السليتي، عراق المطيري، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد بوادي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد الطرابلسي، حاتم الصولي، د- محمد رحال، محمود سلطان، سعود السبعاني، د - شاكر الحوكي ، محمود فاروق سيد شعبان، رمضان حينوني، فهمي شراب، يزيد بن الحسين، د.محمد فتحي عبد العال، صفاء العراقي، محمد العيادي، رافد العزاوي، علي الكاش، سلام الشماع، نادية سعد، المولدي اليوسفي، حميدة الطيلوش، د- محمود علي عريقات، إسراء أبو رمان، أنس الشابي، عواطف منصور، عزيز العرباوي، صلاح المختار، المولدي الفرجاني، أحمد ملحم، د. صلاح عودة الله ، العادل السمعلي، محمود طرشوبي، الهيثم زعفان، جاسم الرصيف، حسن عثمان، د. أحمد بشير، أحمد النعيمي، الناصر الرقيق، د- جابر قميحة، عمر غازي، د - عادل رضا، رافع القارصي، د - محمد بن موسى الشريف ، تونسي، فتحـي قاره بيبـان، طارق خفاجي، عبد الله الفقير، محمد الياسين، حسن الطرابلسي، يحيي البوليني، عمار غيلوفي، خالد الجاف ، سامح لطف الله، محمد شمام ، مراد قميزة، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سليمان أحمد أبو ستة، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الهادي المثلوثي، فوزي مسعود ، د. خالد الطراولي ، أحمد الحباسي، سلوى المغربي، د. أحمد محمد سليمان، علي عبد العال، محمد أحمد عزوز، محمد يحي، د. مصطفى يوسف اللداوي، فتحي العابد، رشيد السيد أحمد، ضحى عبد الرحمن، د. عبد الآله المالكي، د. عادل محمد عايش الأسطل، مجدى داود، صلاح الحريري،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز