د. مصطفى يوسف اللداوي - بيروت
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4538
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هل يكبر الإنسان فجأة، ويتجاوز زمانه في لحظه، فيصبح أكبر من عمره، وأعقل ممن هم في سنه، وهل أن الهموم أثقل من السنين، وأشد على الإنسان من كرِ الغداةِ ومرِ العشي، يقولون ...
ما لا تفعله السنون بياضاً في الشعر، تشعله الهموم والأحزان شيباً يغزو الرأس، فهل نجد في زماننا طفلاً رجلاً، وصبياً كهلاً، وشاباً عجوزاً حكيماً، يحمل إلى جانب قلمه فأساً، وبالقرب من كتابه معولاً، ويخرج من مدرسته إلى المعمل، ومن بيته إلى المصنع، وهل نجد فتياتٍ ودعن الصبا مبكراً، وتركن الدلال صغيرات، وفقدن الجديلة وخسرن براءة الأطفال، وتخلين عن ألعابهن وعرائسهن وأحلامهن، واستبدلن به ركاماً وعظاماً وهشيماً، وحملن في صدروهن ما تنوء عن حمله الجبال، وما يعجز عن الصبر عليه صدورُ الرجال، آباءً رحلوا، وأولاداً فقدوا، وأشقاءَ لا يعودون إلى بيوتهم قتلاً أو أسراً أو مطاردة
هل هذا حالٌ عامٌ وشأنٌ مشتركٌ فطر عليه الإنسان، وتعود عليه الناس، وهل تعرف شعوب الكون كلها هذه الظواهر، وتظهر فيها هذه الحالات، وتشترك معنا في هذه الصفات، أم نحن وحدنا من يكبر ويهرم وينحني ظهره تحت ثقل الهموم والأوجاع، أهي صفاتٌ سيادية نحملها نحن، نتمسك بها ولا نتخلى، ولا نقبل أن تكون متنحيةً أبداً، لماذا كتب علينا نحن العرب أن تكون أعمارنا قصيرة، وآجالنا قريبة، وحياتنا مهمومة، وأيامنا صعبةٌ عسيرة، نحن لا نقل عن غيرنا، ولا نحب أن نكون مختلفين عن الآخرين، نحن نحب الحياة ونسعد فيها، ونستمتع بها، ونعمل من أجلها كأننا نعيش أبداً، ونؤمن بالآخرة، ونستعد لها، ونعمل من أجلها كأننا نموت غداً، لا تناقض ولا تضاد، بل تكاملٌ واتفاق،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: